دراسات وبحوث

المضاهاة منهجاً نقدياً

المضاهاة منهجاً نقدياً
عند أبي عبد الله اليمنيّ(ت 400هـ )
أ.د. نادية هناوي

ملخص البحث
ألف أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عمر اليمنيّ كتاب( مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب) في النصف الثاني من القرن الرابع للهجرة. وتتأتى أهمية هذا الكتاب من أن مؤلفه ضاهى أشعار العرب المتقدمين بما في كتاب (كليلة ودمنة) من أمثال أدبية. وسنحاول في هذه الدراسة الوقوف على المضاهاة منهجا مقارِنا وكيف تفرد أبو عبد الله اليمنيّ في تطبيق هذا المنهج على الأمثال متتبعين دلالاتها الموضوعية وأساليبها الفنية ومحمولاتها الثقافية.
الكلمات المفتاحية/ الامثال ، الشعر ، المضاهاة ، المقارن ، اليمني.
Abstract/

Abu Abdullah Muhammad ibn al-Hussain ibn Umar al-Yamani wrote a book (Comparing the Proverbs of the Book of Kalila and Dimna with Similar Poetry from the Arabs) in the second half of the fourth century of migration. The importance of this book appears from the fact that its author compared the poetry of the advanced Arabs with literary proverbs in the book (Kalila and Dimna). We will study emulation as a comparative approach to know the way Abu Abdullah al-Yamani followed in applying this approach to proverbs, then we follow the connotations of objective proverbs, Technical methods, and cultural implications.
Keywords/ comparative, emulation, proverbs, poetry, Yemeni.

المضاهاة منهجا..التفرد بغية/
المضاهاة منهج فني مقارن يقوم على مضارعة اللاحق من النصوص الأدبية بالسابق منها، ومشابهة ما هو متأخر من الأدب بما هو متقدم منه، وبيان السبق للأدب الأول على أدب الآخر. والغاية تحديد من هو المؤثر ومن هو المتأثر، وأيهما الآخذ وأيهما المعطي أصلاً وصورةً.
وإذا كان الأدب المقارن" هو دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجية عن نطاق اللغة القومية التي كتب بها" ، فإن المضاهاة شكل من أشكال دراسة الأدب المقارن، وهي لا تكون داخل الأدب الواحد بل تكون بين أدبين مختلفتين شريطة وجود صلات تاريخية في التشابه بين الأدبين، تحقيقا للانفتاح على الآخر والتوازن في المقابلة بين نصوص نثرية أو شعرية من الناحيتين الفكرية والجمالية.
وتصلح هذه المتشابهات لدراسة مختلف الفنون الأدبية ومنها الأمثال التي تعني المشابهة والمقايسة والمناظرة والمماثلة والمساواة لشيء مادي أو معنوي بشيء آخر مشابه له في مورده الأصلي وعادة ما يكون المثل نثرا وقد يكون شعرا، وهو يختلف عن الحكمة التي هي غرض فني يصاغ لكي يعبر عن خبرات الحياة مباشرة في صيغة تجريدية تضيف على المثل معنى مجردا أو فكرة فلسفية. ولا يخفى أن أدب الحكمة وضرب الأمثال إنما هو غرض اهتم به العربي قديما وقد قال فيه الكثير .
ولقد تأثر ابن المقفع بأخبار العرب الماضين والثقافة الإسلامية وهو يترجم كتاب كليلة ودمنة . ولقد شكك أبو عبد الله اليمني في نسبة هذا الكتاب إلى الفرس، ومن هنا ابتكر منهجه( المضاهاة ) تماما كالآمدي الذي ابتكر منهج الموازنة في دراسة الشاعرين أبي تمام والبحتري.
ويحفل كتاب اليمني( مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها من أشعار العرب) بحوارات خارجية ومونولوجية فيها من التشبيهات والاستعارات، ما يجعل الكتاب ذا طابع رمزي غايته تحفيز الأذهان على التأمل لبلوغ الحكمة، ولكن اليمني لم يهمه من كليلة ودمنة إلا أمثالها فلماذا ؟
كان أبو عبد الله اليمني في مقدمة كتابه قد أشاد بالحكمة وضرب الأمثال فقال:" وحق على المرء أن يكثر المقايسة وينتفع بالتجارب فإذا أصابه الشيء فيه مضرة عليه حرَّه وأشباهه وقاس بعضه ببعض حتى يحذر الشيء بما لقي من غيره" ، ونبه إلى حقيقة أن الإنسان في كل الأمم والحضارات مميز بالعقل بغض النظر عن اختلاف الألسن والبلدان وان الأدب هو الجامع بين ذوي الألباب، إذ لا فواصل بين الشعوب والأمم ولا حدود بين الآداب والعلوم ما دام النقل والتأثر ممكناً كما أن العقول قد لا تبين الصواب من عدمه إلا بالحكمة المترشحة عن التجربة التي مصدرها أناس خبروا الحياة حتى صاروا أهلا لان يعلِّموا الحكمة ملوكها ويحكموا بها بين أبنائها وبذلك ترتقي الحضارات فيفيد القريب من البعيد والقديم من الجديد بما يتماشى مع الفطرة التي فطر الله تعالى عليها بني البشر جميعهم.
وتقوم فكرة الكتاب على حقيقة أن العرب امتازت بالفطرة الصحيحة والبنية القويمة والأفكار الصافية والأذهان الحادة لذلك صارت أعقل الأمم كما أن لها من الحكمة ما يجعلها في مصاف الأمم القائلة للحكمة والمصدِّرة لها بعد أن كان نبيها قد خصه الله تعالى بالقرآن الكريم معجزة.
ولهذا كله لا ينبغي أن تغفل العرب عما لديها من حكم كُتبت شعراً، وأنها على شاكلة الأمم التي وضعت حكما فكلف بها أهل العصر متناسين أن لأمتهم مثلها" كلف أهل عصرنا بكتاب كليلة ودمنة وإدمانهم على قراءته واجتهادهم في حفظه وصدوفهم عن ديوان كلام العرب وحكمها وتفتيشهم على مثل ما أعجبهم منها مع ما يضاف إلى ذلك من سرعة قبول النفس للكلم الموزون وحفظ ما فيه من معنى مخزون مشاكلا للطباع داخلا تحت الإيقاع"
وأتى بحادثة تدلل على خطر التمادي في الإقرار بأثر الأمم وعدم الإقرار بما لدينا من إرث حكمي:" بلغني بإسناد عن جبريل ابن بختيشوع المتطيب انه دخل على الحسن بن سهل الملقب بذي الرياستين بعد إسلامه بيوم وهو مختثن وبين يديه مصحف وهو ينظر فيه فقال له وذكر كلاما بالفارسية تفسيره:كيف ترى كلام الله جل وعز فقال طيب ومثل كليلة ودمنة لا يلقى ولقد تقدس كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عن أن يقاس به شيء ولقد ضرب الله تعالى فيه من الأمثال وصرف فيه من الأقوال ما يعجز جميع البشر أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض معينا"
ولعل أكثر حجة بها ندلل على أن اليمني كان مقارنا أنه خصَّ مضاهاة الأمثال بالشعر حسب، أعني أنه ضاهى ما في كتاب (كليلة ودمنة) من أمثال وهي محدودة بما لدى شعراء العرب المتقدمين من أشعار حكمية وهي كثيرة، " فأحببت أن أنبه ذوي الألباب بمضاهاة أمثال هذا الكتاب على ما ضمنت مثله أشعار المتقدمين من الجاهلية والإسلاميين ..فاستخرجت الأمثال التي في كتاب كليلة ودمنة من حشو كلامه وأحاديثه المركبة عليه فكان جميع ما فيه منها عشر أوراق"
وقد زعم محقق الكتاب موضع الرصد أن اليمني قد" استوحى خطة الكتاب من تلك النقول التي أوردها ابن قتيبة عن كليلة ودمنة في عيون الأخبار وشفعها بما أشبهها من أقوال منظومة ومنثورة" ومع ذلك فإن اليمني منهج مقارنته بأن وضع إزاء كل مثل ما يماثله شعرا قاله متقدم جاهلي أو عربي إسلامي مبينا اسمه ونسبه، خشية أن يذهب الظن أن بيت الشعر منحول تعصبا أو احتجاجا بالكذب، متوخيا استقصاء الفكرة، مراعيا أسلوب الصياغة وبلاغة التعبير.
ولم يكن هدف أبي عبد الله اليمني أسلوب صياغة حكايات كليلة ودمنة وتوظيف الكلام على لسان الحيوان، بل كانت الحكمة هي مبتغاه. وقد أصرَّ على تأكيد تأثر العجم بما نظمته العرب، فقال:" إن في قراءة ما سطروه من منثور أمثالهم ومنظوم أشعارهم ما يزيد المناضل والعامل نفسا في فضيلة ما ضرب الله تعالى من الأمثال..وما نطق به الرسول صلى الله عليه واله وسلم من جوامع الكلم..وقد قال:إن من الشعر حكما وان من البيان سحرا"
وإذا كان اليمني قد تقصد الشعر من دون النثر فذلك لان ابن سلام كان قد ضاهى كتاب هزار افسان بأمثال العرب نثرا ..ولم يكن اليمني قاصدا الطعن بأمثال كتاب كليلة ودمنة بل أراد بيان الفضل للعرب " ولم أعمل ذلك طعنا على ما تضمن كتاب كليلة ودمنة من الأمثال والحكم وإنما أريد تبيين فضله في ذلك لمن ظن أن كتاب كليلة ودمنة يجري مجرى كتاب الله جل وتقدس أو ظن أن العجم انفردت بذلك دون غيرها وانه لا حكمة لها قبل ظهور نبيها ولو كان ذلك لما كانت المعجزة بتحديها بسورة فلا تقدر على مثلها معجزة"
ويقوم منهج المضاهاة على مقارنة المتشابهات في المضامين الحكمية بين أمثال كليلة ودمنة من جهة والشعر العربي من جهة أخرى، وبما يدلل أن" الشاعر العربي كان مقتدرا على التعبير عن نوازع النفس الإنسانية بنفس الغنى والعمق "
وقد اتخذ اليمني أسلوب الاستخراج والاستقصاء أساسا للمضاهاة، كأن يأخذ مثلا من كتاب كليلة ودمنة ليقارنه ببيت أو بيتين أو أكثر من شعر العرب المتقدمين جاهليين ومخضرمين وإسلاميين، أي أن عملية المضاهاة إنما تتم عبر النظر في ما قاله صاحب الكتاب أولا ثم ما يستحضره هو من أشعار العرب في المثل والحكمة.
ويبدو أن دارسي الأدب المقارن لم يعيروا هذا الكتاب الاهتمام المطلوب إذ لم يذكره الدكتور محمد غنيمي هلال وهو في معرض الإشارة إلى تأثير كتاب كليلة ودمنة في الأدب العربي مبينا أثر كتاب كليلة ودمنة " في الأدب العربي القديم في العصر العباسي ..ولم يقف حظ هذا الكتاب عند الترجمة نظما أو نثرا فقد نسخ آخرون على منواله فألف سهل بن هارون كتابا سمه ثعلة وعفراء هو محاكاة لكتاب كليلة ومنة وقد حاكى علي بن داود بدوره سهل بن هارون في كتاب له سماه كتاب النمر والثعلب ولم يصلنا شيء من هذه الكتب أيضا وممن نسجوا على منوال كليلة ومنة إخوان الصفاء في رسائلهم"
ولعل السبب أن الدكتور غنيمي من أنصار المدرسة الفرنسية التي لا تعد دراسة المتشابهات الأدبية عند الأمم من الأدب المقارن بعكس المدرسة الأمريكية التي ترى" أن دراسة المتشابهات الأدبية لا تعد من صلب الموضوعات التي يهتم بها الأدب المقارن ولكنها ذات فائدة جمة في دراسة تصورات أمتين أو أكثر حول موضوع ما وان دل هذا النوع من الدراسات على شيء فانه يدل على أن ردود فعل البشر واحدة مهما اختلفت الأمم في مدارج الحضارة أو المدنية " وهكذا درس المقارنون المتشابهات كتأثر عمر الخيام بالمعري وتأثر سعدي بالمتنبي..
وعلى الرغم من أن اليمني هو واحد ممن كتبوا في الأمثال فإن الدكتور محمد توفيق أبو علي مؤلف كتاب( الامثال في العصر الجاهلي) قد أورد حديثا مقتضبا عن كتاب اليمني، ولم يهمه المنهج الفريد الذي اتبعه، بل كان مشككا في الأمثال الشعرية إذ قال:" ويحوي هذا الكتاب على مئة وخمسة وستين مثلا من امثال كليلة ودمنة مع ما يضاهيها من اشعار المتقدمين في الجاهلية والاسلام ويختلف هذا الكتاب عن كل الكتب السابقة في ان كل امثاله جاءت شعرا وقد اشار المحقق الى وجود اخطاء فادحة في نسبة هذه الاشعار الى اصحابها والتي قد تصل احيانا الى درجة اختراع اسماء وهمية " مع أن المحقق الدكتور محمد يوسف نجم لم يقل ذلك صراحة بل قال:" إذا كان هذا الشعر الذي الذي نسبه الى هؤلاء الشعراء لا يوجد في دواوينهم ولا في المصادر إذن فإن ما ينسب إلى غيرهم ممن ليس لهم دواوين او من المجاهيل الذين لم نستطع الاهتداء اليهم حري بأن يؤخذ مأخذ الريبة والحذر" وأضاف مستدركا" على انني بعد هذا كله لا استطيع أن أقطع بأن الشعر كله موضوع؛ فكتب اليمنيين كالتيجان والاكليل تحتوي الكثير من الشعر المنسوب الى مشاهير الشعراء والذي لا نجده في ما وصلنا من شعرهم..إلا إن اتهام المؤلفين بالوضع من الخطورة بحيث لا يصح أن نقطع به إلا إذا وقعنا على الدليل. وهذا ما لا نزعم أننا اهتدينا إليه"
وإذا كان اليمني قد وثّق للشعر بذكر قائله ونسبه وقصة البيت أو الأبيات؛ فانه في إيراد الأمثال النثرية لم يفعل ذلك، ولم يشر إلى صفحات كتاب كليلة ودمنة. ربما لأنها كانت معروفة عند أهل زمانه ولا مجال فيها للدحض أو الإنكار.. ولذلك فانه يذكر المثل يسبقه بعبارة قال صاحب الكتاب ولا يقول ابن المقفع في إشارة ضمنية إلى أن هناك اختلافا في منشأ الكتاب واصله وهذا دليل تحر علمي ودقة موضوعية..
وتتوزع الأمثال التي استخرجها اليمني من كتاب كليلة ودمنة بين الانفراد بالحكمة أو الجمع بين الحكمة والمثل عبر التمثيل باستعارة شيء لشيء ما أو تشبيه شيء بشيء.
ومضاهاة الأمثال بالأشعار إنما تقوم على معايير مختلفة، بعضها خارجي ذو نمط بنائي موضوعي يتمثل في رصد دلالات الأمثال المضروبة كالتحلي بالخلق القويم وهجر الصفات الذميمة والتذكرة بالآخرة والعمل لها وصفات العاقل وما ينبغي أن يسلك وما يحتاج أن يترك ونصائح وإرشادات لذوي الرأي في كيفية اختيار الأصدقاء ومعاملة السلطان، وبعضها الآخر داخلي من ناحية المنطلقات التي تجعل الأمثال تتفاوت في أسلوبها الفني بين التشبيه والاستعارة والمقابلة والمشاكلة وبن القصر والاستثناء والاستفهام والحصر والجزم والقطع والتعجب والتفضيل والإجمال والتفصيل والاشتراط والتعليل والتقليل والنفي. هذا فضلا عن طبيعة التلقي للمحمولات الثقافية للأمثال وسنحاول أن نقف عند هذه المعايير محللين تراكيبهما الموضوعية والفنية والثقافية.
أولا: المضاهاة الخارجية على مستوى الدلالات /
تباينت الدلالات التي حملتها استخراجات اليمني للأمثال من كليلة ودمنة ومضاهاتها بما يشبهها من أشعار العرب، ومنها :
• دلالة العقل والتحلي بالخلق الرفيع/
يفتتح المؤلف كتابه بمثل من كليلة ودمنة يحض على التحلي بصفة الوقار والقناعة والبعد عن الشهوات، ناسباً المثل إلى صاحب الكتاب" يقال من صفة الناسك الوقار والاستتار بالقنوع ورفض الشهوات للتخلي من الأحزان وترك إخافة الناس لئلا يخافهم" وقد قابله اليمني بما قاله الشاعر عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان في ثلاثة أبيات وهو يصف رجلا وقد تحلى بالورع والقنوع والبعد عن الشهوات:
نقيٌّ للدنيئة ذو اجتناب يخاف الله ذو فعل سديدِ
تستَّر بالقنوع فكان أبهى من الملك المؤيَّد بالجنودِ
وأقصى اللهَّو والشهوات عنه فلم يحزن على عَرَض فقيدِ
ولان اليمني أدرك أن هناك جزءا من المثل لم يوفَ حقه يتعلق بترك إخافة الناس لذلك عمد إلى إضافة بيتٍ لشاعر آخر هو الاشجعي الحروري:
إذا أمِن الجميعُ المرءَ أمسى على أمنٍ وبات على مهادِ
وعن استشارة الحكماء وذوي الرأي والأمر حتى وإن كانوا أعداء، ساق اليمني هذا المثل" ويقال العاقل لا يدع استشارة عدو إذا كان ذا رأي في الأمر الذي يشركه في ضره أو نفعه " مقابلا إياه بقول الطعان:
شاور عدوك ذا الرأي الأصيل إذا ما خاف خوَّفَكَ في سر وإعلان
وهذا البيت ينطبق تمام الانطباق مع المثل أعلاه إذ تقابل لفظ استشارة بالفعل شاور والضر والنفع بالسر والإعلان. ويقال عن تجنب الرخص في طلب الأمور" من التمس الرخص من الإخوان عند المشاورة ومن الأطباء عند العلة ومن الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي وازداد علة ومرضا" وقد رأى اليمني أن سعد الغنوي كان قد طرقه في قوله:
وكذاك الطيب أن عالج المع تل رخصا أناله كل ضر
وعن ترك العاقل البطر أورد المثل" ويقال العاقل لا يبطر لمنزلة أصابها وان عظم ذلك كالجبل الذي لا تزلزله الرياح وان اشتدت وعظمت عليه والسخيف تبطره ادنى منزلة كالنبات الغض تحركه أدنى ريح" وقد ضاهاه بقول المرار الاسدي يمدح والي البصرة :
ولو كنت ذا عقل رجحت ولم تكن لتبطر بالنعما ولو نلت مرغبا
وعن دلالة الكريم وصفاته استخرج اليمني هذا المثل" الكريم لا يكون إلا شكورا غير حقود تنسيه الخلة من الإحسان الكثير من الإساءة" مقابلا إياه بثلاثة أبيات تضمنت الدلالات كلها لشيظم النميري وهو يشكر الحجاج ومنها هذا البيت :
وجدتك توليني وتشكر مفضلا لأنك أولى بالتكرم والفضل
ومثل ذلك في المناصحة والتحذير المثل المتعلق بكيفية معاملة العدو وخصال الكريم ورداءة اللئيم وصلاح الناس وفسادهم والمودة بين الناس وعلامة الصديق والمروءة والثقة بالآخرين وعقوبة الغادر وكتمان السر تكلف الأعمال وإنزال الناس منازلهم وحسن اختيار الأصدقاء ذوي الأصل وخير الأعمال وخير الإخوان وخير الأخلاق وترك الدنيا ولذائذها.
• دلالة المال وصحبة الملوك ومعاداتهم/
تناولت بعض الأمثال المستخرجة المال وسرعة زواله كهذا المثل" ويقال المال وسائر متاع الدنيا سريع إقباله اذا اقبل سريع ذهابه إذا ذهب مثل الكرة التي هي سريع ارتفاعها سريع وقوعها" والحكمة عينها طرقها الراعي عن دلالة المال وسرعة إقباله وفنائه ولكن ليس بالتشبيه عينه:
إذا اقبل المال السوام وغيره فتثميره من لحظة العين أسرع
وان هو ولى مدبرا ففناؤه وشيكا من التثمير ارجى وانجع
ولئن كان كليلة في الاغلب ناصحا لدمنة محذرا من صحبة السلطان لذلك احتلت آداب صحبة الملوك حيزا ليس قليلا من الكتاب( كليلة ودمنة) فكان مما أورده اليمني هذا المثل" معاداة الملوك كالسيل بالليل لا تدري من أين يأتيك ولا كيف تتقيه" وقابله بقول بعض التغلبيين في جساس بن مرة:
ستعلم من عاديت اذ انت جاهل واي فريقينا اعز واقدم
السنا كالبحر فاض ليلا كمثل ما ليالي قابوس يجور ويظلم
فلم يدر من أي النواحي رمت بنا اليه النواحي وهو خزيان مفحم
وان لم ينلكم مثلها غب مصدر فنحن اذاً منكم اعق واظلم
والأبيات الأربعة فصلَّت المعنى، مشبهة الملوك بالبحر لا بالسيل، واتخذت صيغة الهجو والوعيد بعكس المثل الذي صيغ على سبيل النصيحة والاعتبار.
• دلالة الصداقة والإخوة /
كثيرة هي الأمثال في الصداقة والصديق وقد شغلت مساحة لا بأس بها من الأمثال المستخرجة من كليلة ودمنة ومن ذلك المثل" من اتخذ صديقا وأضاع رب صداقته حرم مسرة الإخاء ويئس من منفعة الإخوان" وهو ما قال فيه مسكين الدارمي لا على مستوى العموم ولكن على مستوى الحكاية عن صديقه:
أخذت صديقا طارفا وأضعتني تليدا وهل يزكو الطريف ويثمر
فمن ذا الذي بعدي يرجيك نافعا ولم يبد يأسا منك في حيث تصدر
وإذا كانت الأمثال تنشأ أما من آية قرآنية أو حديث شريف أو من قصة أو تشبيه فإن الأمثال الناشئة عن شعر تكون أما بيتا أو شطرا أو جزءا من شطر أو قصيدة.
ثانيا: المضاهاة الداخلية من ناحية الأساليب /
لا يمكن أن تكون الأمثال والأشعار ذات فكرة متأطرة خارجيا من دون بناء داخلي رصين يسند تشكلها ويضمن وصولها إلى المتلقي. وإذا كانت المضاهاة الخارجية للدلالات قد فاقت المضاهاة الداخلية التي انحصرت في طبيعة الأبنية الأسلوبية للمباني الشكلية التي تصاغ بها الأشعار المضاهية للأمثال، فإن هذا راجع إلى أن الاحتكام في الأصل مخصوص في الأفكار ودلالاتها وليس في الصياغة والبناء إذ أن المهم هو توصيل العظة وتقديم الدرس أما مسألة الصياغة الشكلية فأنها تأتي عرضا لا قصدا وبشكل عفوي عابر بعيدا عن المقصدية مبتغى ومنتهى.
ومن الأساليب التي تحرى اليمني مضاهاة الأشعار بالأمثال أسلوب حصر المعنى وتضييقه بحدود معينة كأن يكون في حدين أو ثلاثة أو أربعة، وقد يكون مع الحصر تفصيل رغبة في التوضيح المعنى وتقريبه إلى المتلقي كما في هذا المثل" الرجال ثلاثة حليم وحازم وعاجز فالحليم إذا نزل به الأمر من البلاء لم يدهش ولم يذهب قلبه شعاعا ولم يعي برأيه وحيلته التي بها يرجو المخرج والحازم الذي يتقدم في العدة للأمر يتخوفه قبل نزوله به والعاجز لا يزال في تردد وتحير والتباس حتى يهلك" وقد ضاهى اليمني المثل بثلاثة أبيات لابن زياد الحارثي ذكر فيها الحليم والحازم والعاجز موجزا المعنى الفكرة باللفظ القليل:
يزداد ذو الحلم حلما حين يدهمه من معضل الأمر ما يُعيي ويجتاح
والحازم الأمر يُعنى قبل مبعثه بفادح منه إمساءٌ وإصباحُ
والعاجز الرأي لا ينفك يشغله طول التردد أو يلقاه مجتاح
ومثل ذلك الحصر نجده في المثل الذي يحدد خلال أهل الدنيا مفصلا القول لا مجملا . وقد يكون الحصر في حد واحد كما في هذا المثل " ليس احد اعلم بما في نفس الموجع الحران ممن ذاق مثل ما به" وضاهاه اليمني بقول المؤمل بن اميل المحاربي .
وقد يحصر المثل المعاني الكثيرة التي تجعل المضاهاة تستوجب عدم الحصر استشهادا بأكثر من بيت يتناوب اليمني على التمثيل عليها. ومن أسلوب الترتيب المثل الذي حدد مكانة العاقل بأمرين: أما مع الملوك مكرما وأما مع النساك في مساجدهم
وكثر استعمال أسلوب التشبيه في الأمثال كالتمثيل على حسن انتقاء الأهل، وتشبيه انحطاط الحجر الثقيل من المعالي وتشبيه السلطان بالجبل وتشبيه التعامل مع العدو باللين بالريح العاصف، وتشبيه اثر الادب في العاقل وغير العاقل بالنهار الذي يزيد المبصر بصرا والخفاش عمى، وتشبيه الصحبة للأخيار أو الأشرار بالريح، وتشبيه تذكر الأحزان بالجرح المندمل الذي تصيبه الضربة فيجتمع على صاحبه ألمان ألم الضربة وألم انتقاض الجرح. وهو ما وجده اليمني قد تناوله ابو كبير وقيل انه لهشام أخي ذي الرمة بصيغة التشبيه التمثيلي :
فلم تنسني اوفى المصيبات بعده ولكن نكء القرح بالقرح اوجع
وعلى الرغم من أن هذا البيت قد ادى الدلالة معنى وصياغة فإن اليمني آثر أن يدلل أكثر على ثيمة الأحزان بأن يسوق ثلاثة أبيات أخرى لشاعر اسمه حذافة الجنابي ذاكرا أسطرا تمهد لفحوى الأبيات، وليس في هذه الاستزادة الشعرية مضاهاة بقدر ما فيها استطراد ولعله اراد ان يقول ان لا مقارنة بين مقدار المشاعر التي يمكن أن يوصلها الشعر بالقياس إلى النثر.
ومن التمثيل على علاقة الضعيف بالحشيش ما جاء من قول" لا تتهاون بالضعيف من أمر العداوة فان الحشيش الضعيف يجمع فيفتل منه حبل وثيق لو شد به فيل مغتلم اوثقه" وكان قد قاله مثله شمخ الفزاري:
لا تستهن بضعيف الامر تحقره من العداوة في حال من الحال
فكم ضعيف تاتى مثله نفرا فاستنزلوا صاغرا ا قوة عال
ومن الأساليب الفنية التي وظفت في الأمثال توظيف الرمز إجمالا في الإيحاء واختصارا في الألفاظ ومن ذلك المثل" ويقال الضرس المأكول لا يزال صاحبه منه في الم حتى يقلعه" وكان معمر الاسلمي قد ضاهى هذا المثل بالمعنى شعرا لا بالصياغة، فالمثل اتخذ من الضرس رمزا للأمور التي لا مجال لتناسيها أو إخفائها إلا بإزالتها أما البيت الشعري فقد اتخذ من الثوب رمزا للمظاهر التي لا تستطيع أن تخفي البواطن الذي لا فائدة ترجى من لبسه رمزا في قول الاسلمي:
إذا كنت ذا ثوب تشان بلبسه فعريان منه أنت في الناس اعذر
ومثلما أن الضرس المنخور لا فائدة ترجى منه كذلك الثوب المشين لا طائل من لبسه فهو والعري سواء وبذلك يتلاقى المثل والبيت في الإيحاء لشيء واحد وان اختلفت أساليب الترميز.
ومن أساليب التوظيف الشكلي أيضا استعمال الإيجاز اختصارا للألفاظ وإجمالا في المعنى، ومن ذلك المثل" خير الإخوان اقلهم مصانعة في النصيحة" الذي أكثر إيجازا من بيت الشعر الذي قاله بعض المتقدمين:
وخير الإخلاء الصحيح إخاؤه ومن لم يصانع في نصيحة صاحب
ومن التوظيف لصيغة التفضيل من باب الاختصار والإيجاز المثل" أغنى الأغنياء من لم يكن للحرص أسيرا" لكن بيت عبيد الله بن عمر قد أصاب المعنى المتمثل في أن القناعة غنى بصيغة خبرية لا تفضيلية :
غنيت فما أصبحت للحرص غانيا بحسن قنوع والقنوع هو اليسر
ومن الأساليب البلاغية الموظفة في الأمثال أيضا حسن التعليل كهذا المثل" لا تحقرن رجلا صغير المنزلة فان الصغير ربما عظم وبلغ كالعقب من الميتة يؤخذ فيعمل منه القوس والوتر والترس فيحتاج إليه الملك في بعض حالاته من لهو او باس" وهو ما تناوله مولد بن جوين في ثلاثة أبيات سائقا التعليل عينه متقدما بذلك على قائل المثل:
ومستصغر مثلي بجهل تملك وقلة علم بالرجال وبالصحب
وربتما يحتاج ذو الملك صاغرا إلى عظم ميت في السرور وفي الحرب
إلى مدية لولا النصاب لما أتت هواه إلى جد من الأمر أو لعب
ومن الأساليب أيضا استعمال صيغ إنشائية مثل الاستفهام الإنكاري وأسلوب الطلب" اصبر من غيرك على مثل ما صبر عليه غيرك منك فانه يقال كما تدين تدان " وكان البيتان اللذان ضاهيا المثل الأول خبرا والثاني طلبا هو:
صبرت عليك لما اقتستُ امري بحسن الصبر حين جهلت أمري
لقد قيل في الأمثال اصبر لحرها بما دنت فاعلم حيث كنت تدان
وقد تميل الأمثال إلى التفصيل لا الإجمال، وقد يتعدى التفصيل إلى الإسهاب بلا زيادة او حشو، ومن الاشتغالات اللفظية التي تقوم على المجانسة والمشاكلة هذا المثل" من لا مال له لا اخوان له ومن لا إخوان له لا أهل له ومن لا أهل له لا ولد له ومن لا ولد له لا ذكر له ومن لا ذكر له لا عقل له ومن لا عقل له لا دنيا له ولا آخرة له لان الرجل إذا أصابه الضر قطعه إخوانه وشنأه أهله ورفضه ذوو رحمه وفقد عقله وخمل ذكره واضطرته المعيشة والتماس الرزق إلى التغرير بنفسه ودينه فتهلك نفسه ويخسر آخرته ودنياه فهل شيء أخس من الحاجة" وقد سبق لعرام السكوني أن تناوله مع اطراد في استعمال صوت الدال
ومن أسلوب المقابلة لثلاثة أشياء بأربعة مثلها المثل" ويقال صاحب الدنيا يطلب ثلاثة أمور لن يدركها إلا بأربعة أشياء أما الثلاثة..." وفصل اليمني في الثلاثة وبعدها شرح الأربعة. وقد لا يقابل المثل النثري ببيت شعري أو أكثر إلا بأن يسرد حكاية تبين مناسبة القول تدعيما للمعنى وتعضيدا بين السرد والشعر فحين ذكر المثل" الغادر مأخوذ بغدره وان قصرت عنه عقوبة العاجل لم تقصر عنه عقوبة الأجل حتى أن العقوبة قد تدرك الأعقاب وأعقاب الأعقاب" عمد اليمني الى ذكر الحكاية لكي تبين الحكمة من قول الأبيات الثلاثة
ثالثا : مضاهاة المحمولات الثقافية وتغيّراتها /
لم تكن مضاهاة الأمثال بالأشعار آتية من فراغ، بل كانت منطلقة من عمل عقل مقارن، يدرك أن المضاهاة لن تكتمل دلاليا ما لم تكن قد بنيت على سياق ثقافي يقوم على فكرة أن اختلاف الأمم والألسن لا يمنع من أن تتشابه في أنساق ثقافتها أو محمولات وعيها الفكري. ولا تقتصر هذه المحمولات على شكل فني دون آخر أو على فن أدبي دون غيره ومن هنا بنيت المضاهاة على أساس تفحص النسائج السرديّة لنصوص الأمثال من ناحية وتلمس سياقات القول الشعري من ناحية أخرى.
ولقد تجاوز عدد الأمثال التي استقاها اليمني من كليلة ودمنة أكثر من مئة وخمسة وستين مثلا أما عدد الأشعار المنتقاة من المتقدمين فبلغت أكثر من مئتين وعشرة بيتا، وقد ساقها بحسب مقاييس اعتمدها بين البيت والبيتين والمقطوعة والقصيدة.
وقد جمع كتاب المضاهاة أكثر الشعراء المتقدمين العصرين الجاهلي والإسلامي، أما الشعراء الجاهليون فان أبياتهم ترد مسبوقة بذكر أسمائهم كاملة أو مختصرة كأن يقول:" قال المتلمس واسمه جرير بن عبد المسيح الضبعي" أو يذكر الاسم متعالقا بسياق البيت أو الأبيات ولماذا قيلت مثل قوله:" قال ابن زياد لأخيه الربيع حين كان منه إلى قيس بن زهير ما كان..." أو يقول" قال الحويدرة الذبياني وكان من حكماء العرب...."
أما الشعراء الإسلاميون فيتبين زمنهم من ارتباط ذكر سياق قول البيت بحادثة معروفة أو واقعة شهيرة أو شخصية دينية أو تاريخية مهمة في العصرين الإسلامي أو الأموي. ومثال ذلك قوله:" قال أبو مسكين مولى عبد الله بن الزبير" أو قوله:" قال سوار الغنوي وكان من عمال الحجاج فعزله" وهكذا
وهو إذ لم يذكر شاعرات العرب إلا في موضعين أخفى في الاول اسم القائلة مكتفيا بقوله: قالت أعرابية وفي موضع ثان ذكر ليلى الاخيلية وهي تخاطب عبد الرحمن بن الأشعث في محاربته الحجاج بثلاثة أبيات منطلقا من حقيقة أن الشعر القديم لم يكن نتاجا فرديا بقدر ما كان إبداعا جماعيا واجتماعيا كنتاج للسليقة العفوية عند العرب.
وإذا وجد اليمني حاجة إلى ذكر مناسبة البيت في سياق المضاهاة الخارجية أو الداخلية فانه يذكرها مختصرا أو مفصلا، وقد لا يذكر البيت أو الأبيات إلا ببيان سبب القول.
وإذ لم يكن متوخياً الدقة في تحديد نسبة البيت أو الأبيات إلى قائلها وتدعيم الاستشهاد بالبيت أو الأبيات بسياق القول أو مناسبته والغرض الذي لأجله قيلت الأشعار، فإن ذلك دفع المحقق إلى الشك في صحة نسبة الابيات الى قائليها. وما نراه هو أن كتاب اليمني بمثابة معجم يضم الشعراء الجاهليين والإسلاميين والأمويين وإن لم يكن همُّ المؤلف منصبا حول الشعراء بقدر ما كان منصبا على الشعر والأمثال.
وفي أدناه قائمة بأسماء الشعراء الجاهليين والمخضرمين الذين ضاهى بهم اليمني أمثال كليلة ودمنة:
عبيد بن الأبرص /حاتم الطائي /سعد بن بشر بن عمرو بن مرثد /أمية بن أبي الصلت /حصين بن زهير / زبان بن سيار /الفزاري /زهير بن ابي سلمى /جندب بن زهير /النابغة الذبياني /اعشى باهلة /عبد الحجر بن أمية بن ابي الصلت /المتلمس /لبيد /بشر بن أبي خازم /هدبة بن الخشرم /عدي بن بن الورد /ورقة بن نوفل /أبو طالب /عنترة /امرؤ القيس /المسيب بنعلس /ابن رعلاء الغساني /الابرص /كعب بن زهير /ابو داود الايادي /الحويدرة الذبياني /سوادة الحروري /الاصم بكير /اوس اليشكري /عامر بن عمرو الذهلي /عمرو بن مالك الفزاري /العرزمي /حجل بن نضلة /زيد بن عدي /شمخ بن عوف الفزاري /قيس بن زهير.
أما الشعراء الإسلاميون الذين خضعوا للمضاهاة فهم : عبيد الله بن قيس الرقيات /جرير والفرزدق /ابن الديمنة /مسكين الدارمي /سعد الغنوي /الحطيئة /العتابي /حماد عجرد /شرحبيل بن جبلة /الراعي /كثير /ذو الرمة /الشماخ /المقنع الكندي /عباد المرادي /ورقاء المزني /الحجاج /علي بن الخليل /مطيع بن اياس /ابن براقة الهمداني /شيظم النميري /القطامي /ليلى الاخيلية /سليمان بن هشام بن عبد الملك /المتنبي /الاخطل /مالك بن فراس التميمي /ابو مسكين /سوار الغنوي /المرار بن سعيد الاسدي /عروة العبسي /سعد بن غزوان /جوين الطائي /برد بن اسيد الهمداني /حذافة الجنابي /معبد بن حمران التميمي /عياض بن غنم التغلبي /ابو الاعور السلمي /عمران بن حطان /عبد الرحمن بن حسان بن ثابت /ابن مناذر /سلمة بن الوليد الكلبي
وتجدر الإشارة إلى أن اليمني في الوقت الذي كان حريصا فيه على بيان سياق القول والسبب الذي من أجله قيل الشعر الإسلامي، فإنه كان يحجم عن ذكر مصدر الشعر لاسيما الشعر الجاهلي مركزا اهتمامه حول الشعر الاموي كنوع من انحياز عقائدي أو سياسي لتلك الحقبة التي كان فيها الشعر وثيق الصلة بالخلافة وتعدد الأحزاب هذا فضلا عن أمعان اليمني الوقوف عند شعراء إسلاميين بعينهم وبما يخدم توجهاته وميوله فمثلا نجده يكثر التمثل بأشعار مسكين الدارمي الذي عرف بمدحه لبني أمية في حين يتجاهل الكميت الذي كان من خصوم بني أمية.
وإلى جانب هذا الميل هناك تحامل آخر بدا واضحا في إغفال اليمني الخوض في ما كان ابن المقفع قد ذكره عن الترجمة من الفارسية إلى العربية كقوله في مقدمة (كليلة ودمنة):" وإنّا لما رأينا أهل فارس قد فسروا هذا الكتاب وأخرجوه من الهندية إلى الفارسية ألحقنا بابا بالعربية ليكن له أسسا ليستبين فيه أمر هذا الكتاب لمن أراد قراءته وفهمه والاقتباس منه" كما بين أيضا أقسام ( كليلة ودمنة ) وأغراضه ومعانيه الباطنة التي تغاضى اليمني عن الوقوف عندها.
الخاتمة
المضاهاة مفهوم مقارِن غايته دراسة التأثر والتأثير بين أدبين احدهما عربي أصيل والآخر فارسي دخيل عبر إثبات السبق الأدبي والريادة الفنية للأول وبيان المضارعة والمجاراة الفنية عند الآخر. ويقوم منهج اليمني في المضاهاة على مقارنة أمثال كليلة ودمنة بما استخراجه من أشعار المتقدمين جاهليين وإسلاميين. وهذا الاستخراج هو بمثابة استقصاء فني ودلالي لما في التراث العربي القديم من أمثال شعرية تُضرب مثلا وحكمة، وقد استبعد المضاهاة بالكلام النثري العربي خطابة أو رسالة أو سجعا بل اقتصر على شعر المتقدمين منزها كتاب الله عز وجل عن المضاهاة.
واليمني بهذه المنهجية يعد مقارنا فلقد سار على أساس محدد موضوعيا وفنيا، متأملا تبادل الصلات، عالما بالحقائق التاريخية للحقب التي يدرسها، واضعا الإنتاج الشعري العربي في محله الصحيح، مستدلا بالمضاهاة على تأثر الأدباء الفرس ومنهم ابن المقفع بالشعر العربي في الجاهلية والإسلام.
وإذا كان اليمني قد اقتصر على النسخة العربية لكليلة ودمنة فانه لم يكن آبها بالترجمة والنقل بل حصر اهتمامه ببيان المؤثر والتعريف بالمتأثر كسياقات ومحمولات.

فهرس هوامش البحث /

نادية هناوي

  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white