أحببت اللغة العربية كما أحببت أهلها جورج غريغوري

a11

أحببت اللغة العربية كما أحببت أهلها
جورج غريغوري:

حاورته: ليلى مراد

الدكتور جورج غريغوري (George Grigore)، أستاذ جامعي متخصص باللغة العربية وباحث ومؤلف ومترجم. ولد في الثاني من شباط 1958 في بلدة غريندو في (رومانيا). أتم دراسته العليا في جامعة بوخارست/ كلية اللغات والآداب الأجنبية/ جامعة بوخارست/ رومانيا. تخصّص في مجال اللغة العربية والصينية عام 1983 وحصل على شهادة الدكتوراه في الجامعة نفسها، إذ كانت أطروحته الموسومة (إشكالية ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الرومانية) عام 1997. نال جورج لقب أستاذ جامعة سنة 2007 ويلقي حاليًا محاضرات في جامعة بوخارست لمادة قواعد العربية والحضارة الإسلامية. شغل منصب رئيس الرابطة الدولية لدراسة اللهجات العربية (مقرها في باريس) عام 2015 وهو عضو لهيئات تحرير عدة لمجلاتٍ مختصة بالدراسات العربية.
نشر كتبًا وأبحاثًا في قواعد اللغة العربية الفصحى واللهجات المحكية في وادي الرافدين. إضافةً إلى ذلك نشر عددًا هائلًا من التراجم إلى اللغة الرومانية من أمهات الكتب العربية، في صدارتها القرآن الكريم ونهج البلاغة. وكذلك ترجم مواضيع مهمة لأسماء لامعة في الثقافة العربية أمثال الغزالي وابن طفيل وابن عربي وابن سينا وغيرهم التي أصبحت مألوفة لدى القارىء الروماني.

ليلى مراد: سمعنا كثيرًا عن الدراسات العربية في رومانيا التي تجري أساسًا في كل من قسم اللغة العربية/ كلية اللغات والآداب الأجنبية ومركز الدراسات العربية في جامعة بوخارست وكان أول سؤال يخطر في ذهني عن هذه الدراسات في رومانيا لكي يتسنّى للقارئ العربي فهم دوركم في هذا المجال.
جورج غريغوري: تعود الدراسات العربية في رومانيا إلى خمسينيات القرن المنصرم، إذ أسس قسم اللغة العربية في جامعة بوخارست عام 1957 في ظل تطوراتٍ أوسع نطاقا شهدتها رومانيا آنذاك، أوثق ارتباطها بقرار تأسيس قسم الدراسة العربية وتدريسها سعي الحكومة الرومانية آنذاك إلى توطيد الأواصر مع دولٍ كانت تراها أقرب إلى توجهاتها السياسية، كما تلك المنتمية إلى المنظومة الاشتراكية أو إلى حركة عدم الانحياز، التي انضمت إليها في تلك الحقبة دول العالم العربي. وأدت كل هذه العوامل دورًا كبيرًا ومهمًّا في لفت أنظار رومانيا إلى مناطق شاسعةٍ من العالم تقع خارج ما اصطلح على تسميته بالعالم الغربي، وتمخض ذلك على الصعيد التعليمي عن إنشاء دائرة للغات الشرقية في كلية اللغات والآداب الأجنبية تضم إلى جانب ذلك قسم العربية وأقسامًا أخرى متخصصة مثل اللغة الصينية والتركية والتترية وغيرها.
ظلت اللغة العربية تدرس منذ البداية باستثناء حقبة الثمانينيات للقرن الماضي، بوصفها لغة رئيسة. يتماثل المنهج الدراسي المتبع في قسم اللغة العربية مع مناهج الأقسام الأخرى، وبما أن دراسة اللغة العربية تبدأ في القسم المخصص لها من نقطة الصفر وتتكون الأكثرية الساحقة لطلابها ممن لا يمتلكون معرفة سابقة بهذه اللغة. ينص منهج القسم على تخصيص وقت إضافي للدروس التطبيقية، شأن سائر أقسام اللغات غير المدرّسة في التعليم قبل الجامعي. أما الكتب المستخدمة في التدريس، فكانت كلها في البداية مراجع مهمة من إنتاج مراكز معترف بها للاستعراب في الغرب والاتحاد السوفيتي وكذلك نصوص تراثية وحديثة منشورة في مختلف البلدان العربية، أضيفت إليها بالتدريج مثل الكتب المدرسية وبحوث من إنتاج أعضاء القسم. وتتنوع البحوث التي أجريت فيه بمرور الزمن بتنوع تخصصات أعضائه واهتماماتهم، وقد أسهم بعضهم في إغناء مكتبة الاستعراب الروماني بأعمالٍ قيّمة نشرت في رومانيا والخارج. أنا شخصيًا نشرت قاموسًا (عربي – روماني) وضعته مع أستاذي الكبير نيكولاي دوبريشان، إضافة إلى ذلك نشرت كتبًا تعليمية أخرى.
ليلى: من جوابك الذي أثار فضولي تتولد أسئلة أخرى. كم سنة يدرس الطالب في قسم اللغة العربية وما هي المواد المدروسة؟ كم طالباً عندكم؟ ما هي كيفية القبول في قسم اللغة العربية؟
غريغوري: تمتد الدراسة في قسم اللغة العربية مدة ثلاث سنوات ويتضمن المنهاج الدراسي المواد الآتية: اللغة العربية (القواعد: الصرف والنحو؛ البلاغة)؛ الأدب العربي ابتداءً من الحقبة الجاهلية وانتهاءً بالحقبة المعاصرة؛ تاريخ العرب؛ الحضارة العربية الإسلامية وغيرها. ولكل مادة دروس نظرية وتطبيقية.
عدد الطلاب الدارسين في هذا القسم بحدود (150) في الوقت الحاضر. الأغلبية الساحقة، رومانيو الجنسية، ولكن على امتداد السنين يتخرّج في هذا القسم عدد من الطلاب القادمين (الوافدين) من بلغاريا وإيران ولبنان والجزائر وسوريا والعراق.
ليلى: ماذا يعمل خريجو هذا القسم؟
غريغوري: يعمل جزء منهم في مجال التعليم العالي والبحث العلمي في جامعة بوخارست- كما ذكرت أعلاه - وفي جامعات أوروبية أخرى وفي العلاقات الخارجية (سفراء وموظفين في السلك الدبلوماسي) وفي الإذاعة الرومانية (الإذاعة الرومانية تبث باللغة العربية منذ عام 1957) في مجال الصحافة والتجارة وغيرها من المجالات. ومن الضروري أن نشير هنا إلى أنه وبفضل جهود خريجي قسمنا أصبحت الثقافة العربية أكثر انتشارًا في رومانيا. وتمت ترجمة عدد كبير من الأعمال الأدبية العربية من الأدب الجاهلي والأموي والعباسي والأندلسي وأدب النهضة والأدب المعاصر إلى جانب تأليف كتب عن الحضارة العربية وكتب تعلّم اللغة العربية ووضعت قواميس ونشرت مقالات وبحوث قيّمة في المجلات الرومانية والأجنبية يقدّم فيها الوجه الحقيقي للعرب وحضارتهم العظيمة.

ليلى: ماذا تستطيع أن تقول لنا عن مركز الدراسات العربية في بوخارست؟
غريغوري: تتويجًا للاهتمامات المتزايدة بالدراسات العربية في رومانيا، أنشئ مركز الدراسات العربية عام 1994- في جامعة بوخارست إكمالًا لأعلى مستوى قسم اللغة العربية المشار إليه أعلاه. وأنشئ هذا المركز بمبادرةٍ من السيدة أ.د. ناديا أنجيليسكو وأيّدها كل من السيد أ.د. أميل كونستانتينيسكو -رئيس جامعة بوخارست آنذاك، رئيس رومانيا حاليًا- والسيد د. عصمت عبد المجيد - أمين جامعة الدول العربية آنذاك، وجميع السفراء العرب المعتمدين لدى بوخارست الذين يساعدون هذا المركز في كل نشاطاته. قام المركز، منذ إنشائه، بنشاطاتٍ كثيرة ومنها لقاءات مع سفراء عرب وشخصيات علمية وثقافية عربية بارزة وتنظيم ندواتٍ علمية وثقافية (الندوة الخاصة باللسانيات العربية عام 1994 التي اشترك فيها عدد كبير من العلماء العرب والغربيين وغيرها من ندوات دولية ومحلية) مثلًا، وإصدار منشورات عديدة منها أعمال الندوة المذكورة ومجلة (Romano-Arabica). وهذه المجلة التي أديرها مع زميلتي لاورا سيتارو وصلت إلى العدد الثاني والعشرين وهي سنوية.

ليلى: متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
غريغوري: من الطفولة. عندما كنت صغيرًا في قريةٍ تقع جنوب رومانيا، كنت في الليل بعد أن ينام أهلي، أستمع من مذياعٍ صغير إلى الأغاني العربية ونشرة الأخبار وكنت معجبًا بإيقاع الكلمات والأصوات. وكنت أحاول أن أتعلم كلمات مما أسمعه في الراديو... وكبرت معي هذه المحبة حتى أصبحت طالبًا في قسم اللغة العربية في جامعة بوخارست وبعد (15) عامًا من التخرج اشتغلت مترجمًا في شركة نفط رومانية في ليبيا والعراق، ثم عدت إلى الجامعة نفسها وحقائبي مليئة بما تعلمته في المدة التي عشتها في البلدان العربية: من اللغة، والأدب والفلسفة والذكريات، ذكريات لا تنسى أبدًا عن أماكن وناس. صحيح إنني تعلمت اللغة العربية في جامعة بوخارست ولكنها صقلت في بغداد... وقصتي مع اللغة العربية هي قصة حب لأول وهلة، لست قادرًا على أن اشرح لماذا. أحببتها كما أحببت أهلها إلى درجة أصبحت أفرح وأحزن معهم ولأجلهم.

ليلى: هل استفدت من منحة دراسية في بغداد؟
غريغوري: لا، لم تكن لي منحة دراسية في أي بلدٍ عربي، بل درست العربية عندنا في جامعة بوخارست. وبعد تخرجي وجدت فرصة ثمينة حين عملت في شركة روبترول في بوخارست، تلك الشركة التي أعطتني مجالًا واسعًا للتجوال طولًا وعرضًا في العالم العربي. وهو الأمر الذي منحني أيضًا فرصة استثنائية لمزاولة تجربة ثقافية مدهشة وهي التجربة ذاتها التي أنقلها الآن بكل سعادة لطلبتي في الجامعة. كما ارتبطت إصداراتي الأولى مع تجربتي العراقية. لقد عشت مرحلة طويلة في العراق خاصة في بغداد/ حي الجادرية عام 1987 ثم بعد حرب الخليج في كانون الثاني 1991 وفي أوقاتٍ متقطعة حتى عام 2001 عندما كنت هناك لآخر مرة مع هذه الشركة.
استكمالًا لكل ما قلته، لقد كانت سنوات للاكتشاف والتراكم على مختلف الأصعدة حتى إن تطوري المهني والثقافي اللاحق مرتبط بهذا القدر أو ذاك ببغداد. ولأنني تعلمت اللهجة العربية المحكية في بغداد كان أول كتاب مترجم لي هو عبارة عن تجميع حكايات شعبية نشرتها لأول مرة في عام 1993 وقد جمعت هذه الحكايات من أوساطٍ بغدادية مختلفة وخاصة من كبار السن الذين كنت أجالسهم في ليالي رمضان الطويلة. وفي تلك المرحلة نشرت ديوان شعر خاصًا بي مستوحى من أجواء بغداد التي عشتها وعشقتها بعنوان (الربيع في بغداد).

ليلى: هل تعد ترجمة كتاب (القرآن الكريم) من أعمالك العملاقة؟
غريغوري: في صيف عام 1990 عندما كنت في بغداد مترجمًا، وعندما أفكر الآن كيف كانت تلك البداية ينتابني الضحك لسذاجتي الأولى في التعامل مع موضوع بهذا الحجم... كنت أترجم نصوصًا مختلفة بدرجاتٍ عالية من الصعوبة مما أعطاني نوعًا من الغرور، بما يعني أن بإمكاني أن أترجم أي شيء وهكذا قررت أن أقترب من النص القرآني. فأخذت نسخة وجلست أمام الآلة الكاتبة مستعدًا للشروع في العمل. ومن أول وهلة لاسترخائي أمام الآلة الكاتبة وحتى وضع النقطة الأخيرة مرت عشر سنوات. عملٌ اعتقدت أنني أنجزه في شهورٍ عدة، لأنني لم أكن أعرف العراقيل التي سأواجهها، ولكي أتجاوزها كان عليّ أن أقرأ كل كتاب تقع يدي (عيناي) عليه عن القرآن والإسلام والديانات المقارنة وقرأت التفاسير وعلوم الكلام وتاريخ فجر الإسلام وعلاوة على ذلك تابعت دورات للغة العربية القرآنية في كلٍ من طرابلس (ليبيا) والفاتيكان. وبقيت أصارع المستحيل لكي تخرج إلى النور ترجمتي الكاملة للقرآن الكريم إلى اللغة الرومانية وكان ذلك في عام 2000.
ليلى: وماذا أضافت لك ترجمة القرآن الكريم إلى الرومانية؟ وماذا أضافت للمجتمع الروماني؟
غريغوري: أضافت لي معرفة روح الثقافة العربية الإسلامية. وأي شخص يعرف المفاهيم القرآنية التي تمثل روح هذه الثقافة تفتح أمامه أبواب لفهم الأدب العربي، لأنه حافل برموزٍ أصلها قرآني. العمل في هذه الترجمة فتح لي آفاقـًا بفهم تاريخ العرب، وفهم الفلسفة الإسلامية، كما تعلمت التصرّف اليومي في مجتمعٍ إسلامي بمراعاة القيم الروحية الإسلامية. كما فتحت ترجمة القرآن الكريم، إمكانية الحوار مع المسلمين من أجل تعايش مبنيّ على الاحترام المتبادل. إن الأفكار عن الحوار الذي يمكن القيام به بين المجتمعات الدينية المختلفة لا زالت تحتفظ بحداثتها، بغض النظر عن مرور سنواتٍ عديدة على إطلاقها. فمن الضروري أن يكون هذا الحوار مجديًا وصادقـًا من كل الأطراف المعنية، لأنه من الواضح أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي تحقق التعايش السلمي للأمم والحضارات وتقضي على تلك الفكرة المخيفة عن (صدام الحضارات) المتداولة في مختلف الأوساط.
الحوار بين الأديان ليس وسيلة للتبشير أو للدعاية الدينية أو إجبار الغير على اعتناق دينٍ معين – وهذا ما يخافه كل الناس الذين يرفضون الحوار الديني – بل هو مناسبة للإصغاء إلى الغير وفهم القيم الروحية التي تكوّن القالب الذي يؤدي حياته فيه. وهذا النوع من الحوار ليس بالنقاش أو المساومة والجدال بخصوص عقيدة أو أخرى وإعطاء أفضلية لهذه على تلك. لا لوم على الإنسان إذا افتخر بقيمه الروحية التي يؤمن بها وتقوده في هذه الدنيا وهي غير قابلة للنقاش، ولكن الأمر يختلف في حالة التعدي على الآخرين بسبب معتقداتهم بدلًا من الإنصات إليهم ومحاولة فهمهم واحترامهم. والخروج عن هذا الأصل يفسد الحوار ولا يجعل له ثمرة صالحة. إن نجاح هذا الحوار يشيـّد على عدم إكراه الغير على دخوله في دينٍ آخر، بل الشيء الوحيد المطلوب منه هو الاستماع وفهم القيم التي تبنى عليها حياة الغير من أجل إقامة علاقات توافقية معه. فترجمتي ساهمت في نجاح هذا الحوار في رومانيا.

ليلى: هل ترجمت كتبًا أساسية أخرى بعد ما بدأت تسلك هذا الدرب؟
غريغوري: نعم، ترجمت (نهج البلاغة) المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب – كتاب جوهري للشيعة - إذ توقفت عليه سنوات عدة حتى نجحت في نقله إلى اللغة الرومانية وفيما بعد كرست مدة زمنية لا بأس بها لترجمة (الصحيفة السجادية) للإمام علي بن الحسين زين العابدين.
كما ترجمت بعضًا من الكتب الأساسية الأخرى أو ما تسمى بأمهات الكتب العربية من الفلسفة والصوفية وغير ذلك، مثل (مشكاة الأنوار) للغزالي، و(فصل المقال) لابن رشد و(حي بن يقظان) لابن طفيل و(كليلة ودمنة) لابن المقفع و(إنشاء الدوائر) لابن عربي، كما بدأت أنشر في سلسلة مكتبة (القرون الوسطى) – بوليروم– تراجم من كتب الفلاسفة العرب الكبار الذين ساهموا في تبلور العلوم الأوروبية في القرون الوسطى مثل ابن سينا الذي ترجمت له كتاب (الحدود) وكتاب (الفلسفة الأولى) للكندي إلى آخره.

ليلى: هل ترجمت كتبًا من الأدب الحديث والمعاصر؟
غريغوري: بما يخص الأدب العربي المعاصر، ترجمت أعمالًا مختارة للكّتاب المصريين مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وطه حسين وللكّتاب الفلسطينيين مثل محمود درويش وسميح القاسم والسوريين مثل نزار قباني وحنا مينا وغالية خوجة، وبطبيعة الحال للكتاب العراقيين الذين عرفتهم عن كثب وبعضهم عاشرتهم وأرشدوا خطواتي الأولى إلى الأدب العربي المعاصر واكتسبت منهم ثقافة عربية عريقة مكّنتني من فهم أبعاد الروح العربية. فتوقفت عند أعمال كلّ من نازك الملائكة ولطفية الدليمي وجبرا إبراهيم جبرا (الفلسطيني-العراقي) والجواهري وفؤاد التكرلي وأدمون صبري والسياب وخزعل الماجدي وحكمت الحاج ودنيا ميخائيل ولغيرهم الكثير، ترجمت لهم إلى اللغة الرومانية ونشرت تلك التراجم في المجلات الثقافية الرومانية. وأعتذر عن الفوضى التي ذكرت بها أسماءهم...

ليلى: هل حاولت الترجمة من اللغة الرومانية إلى العربية؟
غريغوري: نعم، ما عدا تراجمي العديدة من اللغة العربية، ترجمت أعمال عدة من الأدب الروماني إلى اللغة العربية: في سنة 1995 نشر في بغداد انطولوجيا الشعر الروماني المعاصر تحت عنوان (كان يجب) مع المترجم العراقي كامل عويد العامري، وكرّم هذا المجلد بجوائز عدة عام 1997. ونشرت مع العامري أيضًا، في بغداد مسرحية (المجرى) للكاتب الروماني مارين سوريسكو. في عام 2002، فضلًا عن نشري ترجمة قصائد (طغيان الحلم) للشاعرة الرومانية كارولينا أيليكا، في مجلة الثقافة الأجنبية في العراق. كما ترجمت حكايات شعبية رومانية مثل (شباب بلا شيخوخة وحياة بلا موت) و(الصرة ذات القرشين) في الإمارات العربية المتحدة.

ليلى: كما أعرف أن لديك اهتمامات عميقة بدراسة اللهجات العربية كذلك..
غريغوري: نعم، بدأت بدراسة اللهجة العربية المحكية في بغداد، إذ تعلمتها عند مكوثي في بغداد بالاحتكاك اليومي مع الناطقين بها. وكان أول عمل لي في هذا المجال ترجمة مجموعة من الحكايات الشعبية العراقية ومن ثم نشرت عشرات من الأبحاث المكرسة إلى هذه اللهجة وإلى لهجاتٍ أخرى من العائلة نفسها، مثل اللهجة العربية المحكية في مدينة ماردين الواقعة في جنوبي تركيا (نشرت المجلد الخاص بها في عام 2007). كل هذه الأبحاث التي ركزت فيها على لهجات وادي الرافدين أعطت ثمارها في الأوساط الأكاديمية العربية والغربية وجلبت لي دعوات لإلقاء المحاضرات في جامعات العالم المشهورة والمشاركة في ندواتٍ دقيقة الاختصاص. وأثمر هذا النشاط المكثف، في عام 2015 إذ انتخبت رئيسًا للرابطة الدولية لدراسات اللهجات العربية، ومقرها في باريس.

ليلى: هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد؟ وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
غريغوري: قد ذكرت سلفـًا مكوثي في طرابلس وفي بغداد. ما عدا هاتين العاصمتين العربيتين، زرت تقريبًا كل البلدان العربية. تعلمت الكثير وزرت الكثير من المكتبات، تعلمت من اللقاءات مع الناس. هل تعرفين كم كنت محظوظا؟ لماذا؟ لأنني صادفت في طريقي أناسًا من أحسن ما يكون. أحيانا عندما يشملني اليأس أمام متاعب الحياة أفكر بهم، بهؤلاء الناس وبشخصياتهم المنورة، فأجد فيّ التفاؤل لكي استمر. أنا أحمل صورهم في فؤادي دائما وأذكرهم بأقوالهم في محاضراتي التي ألقيها على الطلاب وهم من البلدان العربية كافة، من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، ومصر والجزائر والإمارات وغيرها من البلدان العربية.

ليلى: استلمت جوائز لنشاطاتك، جوائز كبيرة ذات شأن عالٍ مثل جائزة (القدس) التي منحها لك اتحاد الكّتاب والأدباء العرب وجائزة شيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي.. ما هو شعورك بهذه الجوائز وما المسؤولية التي حملتك إياها؟
غريغوري: أفرح كثيرًا عندما أحوز على جائزة، خصوصًا إن كانت آتية من العالم العربي...أفرح لأن عملي وجهودي معترف بها، كما يقال في العربية لكل مجتهد نصيب. عندما اشتغل في مكتبتي لوحدي أظن أن العالم كله قد نسيني، أظن أنني منفرد تمامًا... لذلك عندما استلم مثل هذه الجوائز الكبيرة اشعر بأنني لست منفردًا أبدًا، أشعر بأن الناس يقيّمون عملي وبالتالي أرغب في أن أعمل أكثر فأكثر. وهذه الجوائز هي تشجيع لي ولطلابي الذين وجدوا أن تكريس الحياة للغة العربية وآدابها عمل مهم وقيّم. هذه الجوائز تساعدني في إقناع بعضًا منهم لمواصلة طريقي الذي بدأته منذ زمنٍ بعيد.

ليلى: وأنت شاعر كذلك؟
غريغوري: كيف لا أكون شاعرًا وقد عشت في بغداد، منبت الشعراء! بوصفي شاعرًا، فأنا أكتب بكلتا اللغتين: الرومانية والعربية ولا أترجم قصائدي من إحدى اللغتين إلى الأخرى بل أنشرها في اللغة التي ولدت منها. وأعزّ ديوان عليّ هو (الربيع في بغداد)، قصائد مستوحاة من الجو البغدادي في نهاية التسعينيات.
ليلى: أشكرك على هذا الحوار، وأتمنّى أنا والقراء أن نلتقيك من جديد في بغداد.
غريغوري: (الله يخليچ، وآني همين. مشتاگلكم ولبغداد)..
في نهاية هذا الحوار، يا سيدة ليلى مراد، أريد أن أؤكد على ضرورة تعارف العرب والرومان عن طريق نشر القيم الثقافية التي تمكننا من بناء حوارٍ جاد، يؤدي إلى تفاعل القيم الروحية للأمتين بما يؤدي إلى الاحترام المتبادل.

جورج غريغوري, ليلى مراد

  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white