تحليل النصّ الصوتي القديم قراءة في المنطلقات والتأسيس

علي خلف حسين

أ.م.د. علي خليف حسين
كلية الآداب /جامعة بغداد
الملخص
هذه الدراسة لتبحث في كيفية قراءة النصّ الصوتي القديم عند المحدثين ؟ وكيف كانت هذه القراءة؟ والنتائج التي توصل إليها المحدثون من خلالها؟ والأحكام التي خرجوا بها في إعطاء الأوصاف لعمل العلماء العرب القدماء ، فكان اختيار أبرز صفتين من صفات الأصوات التي احتلت حيزاً واسعاً من دراسات القدماء والمحدثين ، وهما صفتا (الجهر والهمس) مثالاً للوقوف على المنهجية التي تم في ضوئها قراءة النصّ القديم ، فالتزمت الدراسة بعرض تعريف القدماء للجهر والهمس ، وكما ورد في بطون مؤلفاتهم، وعلى مرّ الأزمنة المختلفة ، ليعطي ذلك قراءة أوسع وأشمل ، ثم تعريف المحدثين للجهر والهمس، وقراءاتهم للنصّ القديم، وانتقاداتهم، واقتراحاتهم، وبدائلهم . وبعد ذلك مناقشة آراء المحدثين، واستخلاص النتيجة التي نراها تقترب من فهم وإدراك عمل القدماء، ومضامين النصّ الصوتي القديم .
ونأمل أن تكون هذه الدراسة بداية التفكير بإعادة قراءة النصّوص الصوتية القديمة ، وعدم الإكتفاء بما ردّده المحدثون من آراء مبنية على تصورات معرفية، مستمدة من فهم ذاتي ذي ملمح انطباعي ؛ من دون مراعاة البيئة اللغوية التي وُلد فيها النصّ .
الكلمات المفتاحية : الصوت – الجهر – الهمس – تحليل – النص .

The Old Phonetic Text
A Reading in the Principles and Foundation
Assistant Professor Dr. Ali Khlaif Hussien
College of Arts /University of Baghdad
This introduction comes to search in how to read the ancient Phonetic text by the modem ? How was this reading ? The results that the modem sholas reached to though it ? The decisions they made in introducing the features of ancient Arab scholars .Thus chose of two most prominent features of the voice that occupied wide literature of old and modern scholars which are voiceless and voiced come as an example to view the methodology on which the ancient text is read .So the study is committed to introduce the old scholars definitions for the voiceless and the voiced as it is mentioned in their books though different times in ode to give wide and comprehensive reading .Then introduce the modern scholars for the voiceless and the voiced , their reading for the ancient text , their criticism ,suggestions and alternatives .Followed by discussing the modern scholars opinions and conclude the results that we see it coming close from understanding and wok of the ancient people and the contents of ancient phonetic text .
We hope that this study is the beginning of thinking in reread of the phonetic ancient texts and not depend only on the what modern scholars opinions based on cognitive thoughts taken from self-understanding without taking care for the linguistic environment in which the text is born.
Key Words : Phonetic - voiceless - voiced - Analyzing - Text .
المقدمة :
شغل التراث الصوتي العربي أذهان الدارسين على مرّ العصور والأزمنة ، لما ضمّه من ثراء معرفي ، ونتائج مذهلة أشاد بها علماء الغرب الذين وقفوا على المباحث الصوتية التي حملتها الكتب اللغوية المؤلفة علي أيدي العلماء العرب ؛ وما ضمَّته من أفكار صوتية تدل على عقلية كبيرة ، عارفة ، ومدركة لخصائص، وصفات، ومخارج، وتعامليات الأصوات اللغوية .
ومما لاشكَّ فيه، إنّ كل نصّ يُكتب بلغة عصره ، والإمكانات المتوافرة سواءً أعلى مستوى التنظير أم التطبيق ، وبما أن النصّ الصوتي قد وصل إلينا قاطعاً مسافة أكثر من ألف سنة ، فإن قراءته في العصر الحديث، وبإمكاناته، وثقافته قاد إلى أن تحمل القراءة أكثر من اتجاه ، تحاول أن تقترب من مضامينه ودلالاته ، فقراءة أشادت به ، وأخرى انتقدته ، وثالثة حاولت أن توفق بين الاثنين ، وكل ذلك من أجل الوصول إلى الإدراك والفهم الذي حمله النصُّ الصوتي القديم ، فالنتائج متقدمة جداً ، وسابقة لعصرها ، في حين إنّ التنظير لها – عند بعض المحدثين – شابه الكثير من الغموض ، مع أن معايشة العصر الذي تشكّل فيه النصُّ القديم من الناحية اللغوية ، وتحليله على وفق معطيات عصره المعرفية ، واستجلاب الألفاظ من البيئة التي ولد فيها، وإكسابها دلالاتها قد يفتح الكثير من مغاليقه ، ويعطي مفاتيح قراءاته من أوسع الأبواب اللغوية ، لذلك جاءت هذه الدراسة لتبحث في كيفية قراءة النصّ الصوتي القديم عند المحدثين ؟ وكيف كانت هذه القراءة؟ والنتائج التي توصل إليها المحدثون من خلالها؟ والأحكام التي خرجوا بها في إعطاء الأوصاف لعمل العلماء العرب القدماء ، فكان اختيار أبرز صفتين من صفات الأصوات التي احتلت حيزاً واسعاً من دراسات القدماء والمحدثين ، وهما صفتا (الجهر والهمس) مثالاً للوقوف على المنهجية التي تم في ضوئها قراءة النصّ القديم ، فالتزمت الدراسة بعرض تعريف القدماء للجهر والهمس ، وكما ورد في بطون مؤلفاتهم، وعلى مرّ الأزمنة المختلفة ، ليعطي ذلك قراءة أوسع وأشمل ، ثم تعريف المحدثين للجهر والهمس، وقراءاتهم للنصّ القديم، وانتقاداتهم، واقتراحاتهم، وبدائلهم . وبعد ذلك مناقشة آراء المحدثين، واستخلاص النتيجة التي نراها تقترب من فهم وإدراك عمل القدماء، ومضامين النصّ الصوتي القديم .
ونأمل أن تكون هذه الدراسة بداية التفكير بإعادة قراءة النصّوص الصوتية القديمة ، وعدم الإكتفاء بما ردّده المحدثون من آراء مبنية على تصورات معرفية، مستمدة من فهم ذاتي ذي ملمح انطباعي ؛ من دون مراعاة البيئة اللغوية التي وُلد فيها النصّ .
ونسأل الله تعالى السداد والتوفيق


المجهور والمهموس عند القدماء
المجهور كما عرّفه علماء العربية بأنه : حرف أُشْبِع الاعتماد في موضعه ومُنع النفس أن يجري معه ، حتى ينقضي الاعتماد ويجري الصوت. وكل صوت ينطبق عليه التعريف المتقدم فهو صوت مجهور، وعدد الأصوات المنضوية تحته هي (تسعة عشر) صوتاً وتشمل : (الهمزة ، والألف ، والعين ، والغين ، والقاف ، والجيم ، والباء ، والظاء ، واللام ، والزاي ، والراء ، والنون ، والذال ، والدال، والضاد ، والميم ، والواو ، والطاء)( ).
ونجد أن هذا التعريف ، وهذا العدد من الأصوات المندرجة تحته يختلفان عند المحدثين ، فالصوت المجهور هو الصوت الذي يصاحبه إهتزاز الوترين الصوتيين ، وذلك عندما يتقاربان تقارباً جزئياً لا كلياً ، يسمح هذا التقارب للهواء المندفع من خلالهما أن يفتحهما أو يغلقهما بسرعة وانتظام فائقين ، وعلى إثر ذلك تحدث ذبذبة الأوتار الصوتية نغمة صوتية تختلف في الدرجة والشدة . وأطلق العلماء على هذه النغمة الجهر ، والأصوات المصاحبة لها تسمى الأصوات المجهورة ، وعددها (ستة عشر) صوتاً بإسقاط (الهمزة ، والطاء ، والقاف) مما ذكره القدماء( ) .
أمّا الصوت المهموس ، فقد عرّفه القدماء بأنه : صوت أُضْعِف الاعتماد في موضعه حتى جرى معه النفس ، وذكر العلماء لهذه الصفة (عشرة أصوات) ، وهي (الصاد ، والحاء، والخاء ، والكاف ـ والسين ، والشين ، والثاء ، والهاء ، والتاء ، والفاء)( ).
في حين أن المهموس عند المحدثين هو الصوت الذي لا يصاحب عند النطق به اهتزاز الوترين الصوتيين ، وذلك لإنفراج الوترين الصوتيين إنفراجاً ملحوظاً يسمح للنفس أن يمر من خلالهما من دون إعتراض ، وعدد الأصوات المندرجة تحت هذا التعريف (إثنا عشر) صوتاً بإضافة (الطاء والقاف)( ) .
والملاحظ على التعريف الذي أورده القدماء للجهر والهمس، أن جري النفس هو المعيار الذي يحدد الصفة ، ويتم تقسيم الأصوات في ضوئها . فإذا جرى مع النطق بالصوت وُصِفَ الصوت بالمهموس ، أمّا إذا مُنع النفس من الجريان كان الصوت مجهوراً ، لذلك فالاعتبار أو المعيار الذي وضعوه لوصف الأصوات المجهورة والأصوات المهموسة يختلف عما هو عند المحدثين ، وقاد ذلك إلى اختلاف عدد الأصوات الداخلة في التعريفين ، وبالرغم من ذلك الاختلاف فإن العلماء العرب وضعوا طريقة مميزة لمعرفة المجهور والمهموس، تدل على معرفة واعية بكل صفة . وفي هذا الصدد ذكر أبو الحسن الأخفش (ت215هـ) إنه سأل سيبويه (ت180هـ) عن الفرق بين المهموس والمجهور فقال له : (المهموس إذا أخفيته ثم كرَّرته أمكنك ذلك ، وأمّا المجهور فلا يمكنك فيه، ثم كرر سيبويه التاء بلسانه وأخفى فقال: ألا ترى كيف يمكن ؟ وكرَّر الطاء والدال وهما من مخرج التاء فلم يمكن ، قال: وإنّما فرق بين المجهور والمهموس أنك لا تصل إلى تبيين المجهور إلاّ أن تدخل الصوت الذي يخرج من الصدر ، فالمجهورة كلها هكذا يخرج صوتهن من الصدر ويجري في الحلق ، أمّا المهموس فتخرج أصواتها من مخارجها، والدليل على ذلك إنك إذا أخفيت همست بهذه الحروف ولا تصل إلى ذلك في المجهور...)( ).
فهذا النصّ يشير إلى طريقة أخرى لتمييز الصوت المهموس من الصوت المجهور ، وهي طريقة إخفاء الصوت ، وإنه يمكن في المهموسات من دون أن تفقد معالمها ، أمّا المجهورات فتضيع صفتها المميزة في الإخفاء ، فلا تسمع الدال دالاً وإنّما تسمع صوتاً آخر وهو التاء ، ويشير كذلك إلى صوت الصدر، ويراه سيبويه صفة مميزة للمجهور( ) .
فالمجهورات يخرج صوتهن من الصدر ، والمهموسة تخرج أصواتها من مخارجها في الفم ، لأنّ الصوت الذي يخرج معها نفس وليس من الصدر( )، فإذا أراد الناطق الجهر بالمهموس وإسماعها إنبعث صوتها من الصدر لِيُفْهم( ). وقال سيبويه في ذلك (وأنت تعرف ذلك إذا أُعِيدت فرددت الحرف مع جري النفس ، ولو أردت ذلك في المجهور لم تقدر عليه ، فإذا أردت إجراء الحروف فأنت ترفع صوتك إنْ شئت بحروف اللين أو بما فيها منها ، وإن شئت أخفيت)( ).
وإلى ذلك ذهب المبرد (285هـ) فقال : (تعلم إن الحروف مهموسة بأن تردد الحرف في اللسان بنفسه أو بحرف اللين الذي معه فلا يمتنع النفس ، ولو رُمْتَ ذلك في المجهورة لوجدته ممتنعاً)( ).
إن تصنيف الأصوات العربية الذي وضعه سيبويه، وتابعه العلماء العرب من بعده يستند إلى الملامح التمييزية ، فلا تقف هذه الملامح عند مواضع النطق وطريقتها لكل صوت ، وإنّما تحدد عدداً من الخصائص العامة ، بعضها يتعلق بالخصائص النطقية ، وبعضها الآخر يتعلق بخصائصها السمعية ، والتي تقسِّم الأصوات إلى مجموعات وعائلات ، وتُقدِّم قيمة تقابلية (سالبة وموجبة) من الأصوات المجهورة، ومقابلها الأصوات المهموسة ، والأصوات الشديدة، والأصوات الرخوة( ) .
ويرتكز معيار سيبويه لوصف الأصوات على عملية التلفظ الأولية ، وعملية التلفظ الثانوية ، فإذا كانت العملية الأولى تعطي للصوت هويته الأساس ، فإن عمليات التلفظ الثانوية تساعد في التفريق بين الوحدات التي تنتمي إلى العائلة الواحدة أو المجموعة الواحدة( ) .
من ذلك قوله في أحد مواضع الإدغام (... إلاّ أنّ إذهاب الأطباق مع الدال أمثل قليلاً ، لأن الدال كالطاء في الجهر ... وقصة الصاد مع الزاي والسين كقصة الطاء والدال والتاء ، وهي من السين كالطاء من الدال ، لأنّها مهموسة مثلها ، وليس يفرِّق بينهما إلاّ الإطباق ، وهي من الزاي كالطاء من التاء ، لأن الزاي غير مهموسة)( ) .
ومثل ذلك ما ذهب إليه سيبويه في الحديث عن أصوات الإطباق (الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء) ، فقال : (فهذه الأربعة لها موضعان من اللسان ، وقد بُيّن بحصر الصوت ، ولولا الإطباق لصارت الطاء دالاً والصاد سيناً، والظاء ذالاً ، ولخرجت الضاد من الكلام ، لأنّه ليس شيء من موضعها غيرها)( ).
ومنطقة الصدر التي أشار إليها سيبويه المقصود بها الموضع ، وهي المنطقة الطويلة التي يجري بها الصوت من الرئتين إلى أول الحلق ، لذلك يكون الصوت المجهور قوياً في هذه المنطقة ، في حين يكون الصوت المهموس ضعيفاً، والأوّل يصفه، بأنه أُشُبِع الاعتماد من موضعه ، الثاني، أُضْعِف الإعتماد في موضعه، وهو بذلك يشير إلى المسافة التي يجري فيها الصوت( ).
فمنطقة الصدر تكون منطلقاً للأصوات، وهذا ما بيّنه الرضي (ت686هـ) عند حديثه عن أصوات القلقلة فقال : (لأنّها يصحبها ضغط اللسان في مخرجها في الوقف مع شدة الصوت المُتَصَعِّد من الصدر ، وهذا الضغط يمنع خروج ذلك الصوت)( ).
وبناءً على ذلك، فالأصوات عند سيبويه هي أصوات مُشْربَة ، بمعنى أُشرْبت صوت الصدر، وهي المجهورة والمهموسة يخرج صوتها من الفم مع التنفس
لا صوت الصدر( ).
فكانت ثنائية القدماء التصنيفية للأصوات تقوم على أساس أن لكل صوت مجهور مقابله المهموس ، فإذا أُشْبِعَ الإعتماد في الموضع، ومُنِعَ النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد ويجري الصوت كان الصوت مجهوراً ، وإذا أُضْعِف الإعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه، كان الصوت مهموساً ، فإذا نَطَقْتَ صوت (الذال) وأَضْعَفْت الاعتماد في الموضع، وجرى النفس كان الصوت الناتج هو (الثاء)، وهو النظير المهموس لـ (الذال)، غير أن هذه النظرية غير مطلقة في عمومها. لأن هناك أصواتاً مهموسة من الصعوبة الإتيان بمقابلها المجهور مثل صوت (القاف) في النطق الفصيح والنطق القرآني . وإبدال (القاف) في بعض اللهجات لا يعني إن (الغين) هو النظير المجهور لـ (القاف). فصوت (الخاء) هو النظير المهموس لـ (الغين) وليس (القاف)( ) .
وعلى الرغم من هذه الملاحظات، فإن الأساس العام للقدماء كان أساساً تنظيمياً ، استطاع أن يصنف الأصوات على أسس تمايزية سليمة ، تدل على معرفة بخصائص وصفات الأصوات ، بل بينوا بدقة أن الأصوات المجهورة لها مميزات ثانوية تختلف عن الأصوات المهموسة . سواء أكانت نطقية أم سمعية ، فقالوا : (إن نفس الحرف المجهور قليل ، وإن نفس الحرف المهموس كثير)( ).
وهذا ما أيدته الدراسات الصوتية الحديثة، التي أثبتت أن الأصوات المهموسة يحتاج نطقها إلى قوة من إخراج النفس أعظم من التي يتطلبها نطق الأصوات المجهورة( ).
إن التعريف الذي أوردهُ العلماء القدامى للمجهور والمهموس قد استقر في الدراسات الصوتية القديمة ، وقاد إلى تسجيل التفاصيل الدقيقة لكل صوت من أصوات العربية سواء أكانت نطقية أم فيزيائية، بحيث أخذ كل صوت خصائصه التي تميزه من الآخر ـ وهذا الوصف لا يمكن أن يأتي لولا الفهم الصحيح لنطق الأصوات وتذوقها، بحيث تم إعطاء كل مجموعة تعريفها الخاص بها ، مع إعطاء الصفات الأخرى التي يتميز بها كل صوت داخل المجموعة الكبرى .
وهذا عمل فيه ادراك ومعرفة لا تنظر إلى الجانب النطقي فحسب، وإنمّا تراعي الجانب الذوقي من خلال البحث في الخصائص الصوتية للمجاميع الكبرى التي تضم أصواتاً لها خصائص مفردة تجمعها .
تفسير المحدثين للمجهور والمهموس عند القدماء
وقف علماء الأصوات المحدثون طويلاً أمام تعريف القدماء للأصوات المجهورة والأصوات المهموسة ، وذهبوا في ذلك مذاهب متعددة ، سعياً في الوصول إلى فهم صحيح للنص القديم ، يمكن من خلاله إعطاء الحكم الدقيق لوصفهم للأصوات التي جاء بعضها خلاف ما وصفوه . فذهب (الدكتور إبراهيم أنيس) إلى : (أن وصف سيبويه لمعنى الجهر والهمس يحتاج لمزيد من الشرح والتفسير ، لأن كثيراً من الدارسين الآن يحارون في فهمه ، وقد قنع الذين جاءوا بعد سيبويه بترديد ألفاظه بنصها ، حين تحدثوا عن الجهر والهمس في الأصوات ، فلم نجد في كتبهم ما يعين على فهم ما عناه سيبويه حين عرَّف المجهور والمهموس ، بل حتى السيرافي الذي أشتهر شرحه لكتاب سيبويه قد أضطرب كلامه في هذا الصدد ، فلا يكاد يستقر على رأي واضح يتمسك به ، وكل الذي فهمه من كلام سيبويه أن هناك قوة مع بعض الأحداث التي سمّاها سيبويه بالجهر على حين إن الأصوات الأخرى قد وُصِفَت بالهمس لخفاء الصوت معها)( ).
ويذهب مفصلاً التعريف ومفسراً له ، ورأى أنه ليس من المبرر الحكم على تعريف سيبويه بغير الذي سيذهب إليه بالتفسير والتحليل ، وهو أنه يتبيّن في تعريف سيبويه أمران متميزان (إشباع الاعتماد)، التي أراد بها أن يصف المجهور، بأنه صوت مُتمكِّن، مُشْبع، فيه وضوح، وفيه قوّة ، وليس للاعتماد معنى في كلام سيبويه سوى عملية إصدار الصوت ، وإن سيبويه أعتبر أن في المهموس إعتماداً – أيضاً- ولكنَّه إعتماد ضعيف ، ودللّ على ذلك بأن ما عبّر عنه سيبويه بقوله (أُشْبع الإعتماد في موضعه) ، ولم يقل في مخرجه ، لأنه كان يشعر بهذا الإشباع في كل مجرى الصوت من الرئتين حتى انطلاقه إلى الخارج( ).
أمّا الأمر الآخر في رأي (الدكتور إبراهيم أنيس) الذي تبيَّن من تعريف سيبويه هو ما عبّر عنه بقوله : (مُنِع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه) ، فقال ( ومعنى هذا في رأيي أن الحس المرهف لسيبويه جعله يفسر معنى المجهور باقتراب الوترين الصوتيين أحدهما من الآخر حتى ليكادان يسدان طريق التنفس ، وتلك الصفة التي وضَّحها لنا المحدثون حين وصفوا ما يجري في الحنجرة مع المجهورات... أمّا في المهموس فقد عبّر عنها سيبويه بضعف الاعتماد ، أي عدم تمكن الصوت في أثناء جريانه في مجراه ، مما يترتب عليه قوّة وضوح ، كذلك نجد طريق التنفس معه مفتوحاً بحيث يسمح بانسيابه حراً طليقاً ، وتلك هي الحالة التي عبّر عنها المحدثون ..)( ).
وحول ما ذهب إليه المحدثون من التفسير، والتحليل المبني على تصورات ذهنية، لفك بعض مغاليق مضامين ألفاظ سيبويه، فإنه ناجم عن أن العلماء الذين جاءوا بعد سيبويه ، ولاسيّما شرّاح الكتاب أكتفوا بترديد ألفاظه من دون أن يزيدوا عليه ما يمكن أن يوضح المراد من النصّوص التي أوردها في مجال الصوتيات ، بل إنهم لم يستبدلوا بكلمة أُشْبِع، أو كلمة الاعتماد، لفظاً آخر ، ولو مرادفاً لهاتين الكلمتين( ).
وذهب (كمال بشر) إلى أن علماء العربية قدموا تعريفاً للجهر وللصوت المجهور، ولكنَّه تعريف صعب، عسير الفهم. وأرجع صعوبة التعريف إلى أمرين( ) :
1- استعمال مصطلحات في هذا التعريف غير مألوفة ، وغير معروف المقصود بمعانيها بدقة ووضوح .
2- عدم ذكر أيّة إشارة إلى العنصر الأساس، أو الشرط الأساس في تعريف الجهر ، وهو ضم الوترين الصوتيين ضماً معيناً ، بحيث يسمح بمرور الهواء من خلالهما، فيجعلهما يتذبذبان بسرعة فائقة وانتظام .
وبيّن أنهم ربما أدركوا معنى الجهر، لاتفاقهم معنا في عدد الأصوات المجهورة وإنْ خان الحظ القدماء في إدراك الدور الذي يؤديه الوتران الصوتيان ، أو إدراك ما يحدث في المنطقة كلِّها، وأنّه كانت لديهم فكرة غامضة عما يدور في الجهاز النطقي حال الجهر( ).
وذهب بعض الباحثين إلى صعوبة إدراك المقصود بالمجهور والمهموس في كلام سيبويه ، وأرجع ذلك إلى عدم معرفته بالوترين الصوتيين ، ولهذا السبب جاءت عبارته غير خالية من الغموض ، ثم عاد وأكد أن سيبويه تمكن من إدراك آثار إهتزاز الوترين الصوتيين على الأصوات، ودللَّ على ذلك بثلاثة أمور( ) .
1- استطاع سيبويه أن يصنف الأصوات تصنيفاً صحيحاً إلى مجهورة ومهموسة.
2- تقسيم الأصوات إلى مشربة ، أُشربت صوت الصدر ، وإلى مهموسة غير مُشربة لصوت الصدر ، فتخرج من الفم مع التنفس لا صوت الصدر .
3- إدراك سيبويه دور الجهر والهمس في التفريق بين الأصوات المشتركة في المخرج الواحد .
في حين ذهب بعض المحدثين إلى تفسير النصّ القديم للمجهور بالاستناد إلى منطقة الصدر التي ذكرها سيبويه ، بأن المجهورات تخرج أصواتهن من الصدر. والمهموسة تخرج من مخارجها من الفم ، فالنفس ينحبس مع المجهور في منطقة الصدر ، وينطلق مع المهموس ، فقال في ذلك : (وقد عرف بعد ذلك المحدثون صحة كلام سيبويه ولغويي العرب القدامى ، وتبيّن لهم أن الوترين الصوتيين في الحنجرة يهتزان مع المجهور، ولا يهتزان مع المهموس ، وهذا سبب قوة الصوت وضعفه ، وتحديد الصدر بموضع الجهر والهمس قريب من الصواب ، لأن الحنجرة جزء من الصدر)( ) .
أمّا بعض الباحثين عندما يتحدث عن اختلاف الوصف بين القدماء والمحدثين في عدد من الأصوات ، ولاسيما أصوات (الهمزة ، والقاف ، والطاء) التي هي عند القدماء مجهورة، وعند المحدثين مهموسة ، فيذهب إلى احتمالين لهذا الاختلاف ، منها التطور الصوتي مع مرور الزمن ، والثاني وهو الذي بيّن فيه فهمه وتفسيره للنص القديم فقال : (عدم دقة القدماء في تحديد صفة الهمس والجهر بسبب عدم معرفتهم بالوترين الصوتيين ، ويتأكد لنا ذلك بتأمل تعريف سيبويه وابن الجزري للصوت المهموس ، بأنه كل حرف جرى معه النفس بسبب ضعف الاعتماد على المخرج ، وعلى هذا المعيار (معيار جري النفس) تكون الحركات (الصوائت) في مقدمة الأصوات المهموسة لخروجها مع تيار هواء طليق لا يعترضه شيء ، لكن الحركات (الصوائت) مجهورة عند سيبويه وابن الجزري وسائر القدماء والمحدثين معاً)( ).
ونجد عند بعض الدارسين أن معيار جري النفس، وعدم جريه أساس التفسير الصوتي لظاهرتي الجهر والهمس في الأصوات العربية . فذهب إلى أن ضابط القدماء في الجهر والهمس ، إنما هو جريان النفس مع الصوت أو توقفه (فإذا جرى النفس مع النطق بالحرف كان مهموساً ، وإذا مُنع النفس من الجريان حتى ينتهي النطق بالحرف كان مجهوراً)( ).
وأكد ذلك بأن جريان النفس سيؤدي إلى تباعد الوترين الصوتيين ، وأشار إلى أنه قام بتجربة ذاتية تؤكد ما ذهب إليه ، وبيّن أن القدماء لم يكونوا يعرفون سوى هذا الضابط الأولي ، وحين تعرَّف المحدثون على وتري الحنجرة، وجعلوا المجهور ما تحرك الوتران معه، حُكم على القدامى بأنهم لم يوفقوا في وصف بعض الأصوات( ).
وعند مسايرة المحدثين في البحث عن تفسير يدل على مرامي سيبويه نجد الدكتور (تمام حسان) ينظر نظرة تكاد تكون مغايرة لمن سبقه ، من خلال محاولته إعادة صياغة تعريف القدماء للجهر والهمس على وفق ما فهمه من مغزى تعريفهم للوضعين ، فذهب إلى بيان معنى الإشباع والإضعاف ، بأن الإشباع هو التقوية ، والإضعاف هو سلب القوة ، ومن ثم إسناد الإشباع والإضعاف إلى (الاعتماد)، واتفاق منع جري الصوت مع إشباع الاعتماد، وجري النفس مع إضعاف الإعتماد ، فإن الإعتماد يكون هو الضغط ، فيكون الاعتماد له موضع، ولا يُوصَف بأن له مخرجاً : لأن المخارج عند سيبويه للحروف، وعبارة سيبويه (منع النفس أن يجري معه ... ويجري الصوت) ، إن هناك نوعاً من التقابل بين النفس والصوت ، فالنفس للهمس ، والصوت للهجر، وبناءً على ذلك أن سيبويه لم يعرف وظيفة الأوتار الصوتية ، وإن الجهر ما هو إلاّ عبارة عن تقوية الضغط ، والهمس ضعف الضغط( ).
وذهب الدكتور (تمام حسان) إلى أن تعريف سيبويه للجهر والهمس ممكن صياغته بعبارات حديثة فينكشف وضوح التعريف . فقال معيداً صياغة تعريف سيبويه للجهر والهمس : (فالمجهور صوت شُدِدَ الضغط في الحجاب الحاجز معه ولم يُسمح للهواء المهموس أن يجري معه حتى ينتهي الضغط عليه ، ولكن يجري الصوت أثناء نطقه ، فهذه حال الأصوات المجهورة في الحلق والفم ، إلاّ النون والميم فقد يتم الاعتماد فيهما على مخرجهما في الفم والخياشم ، فتصير فيها غنَّة أي أثر صوتي أنفي مجهور ، وأمّا المهموس فهو صوت أُضْعِف الضغط في موضع الضغط أثناء نطقه حتى جري الهواء المهموس معه وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الصوت بنطقه مع جري النفس فإنك لا تسمع له جهرا)( ).
وهو بهذا حاول تفسير نص سيبويه بنص يحتاج إلى تفسير - أيضاً- وخلص إلى أنه بهذا الوصف، وبهذه العبارات والصياغة يختلف فهم سيبويه للجهر والهمس عن فهم المحدثين( ).
وأَشْكَل بعض المحدثين على سيبويه، أن تقسيمه الأصوات إلى مجهورة ومهموسة يثير الكثير من الشبهة التي لم تجد لها حلاً معقولاً حتى الآن( ). واستنتج إن تعريفه لا يقوم على أساس إهتزاز الوترين الصوتيين في الحنجرة ، وإنّما يقوم على جري النفس وعدم جريه ، وإن هذا التعريف كان من الممكن أن ينطبق على الأصوات الشديدة والأصوات الرخوة ـ لولا أن سيبويه قسّم الأصوات بعد ذلك إلى شديد ورخو ، وبيّن المراد بهما ( )
وهذا ما نجده – أيضاً- عند بعض المحدثين الذي ذهب إلى أن التقسيمين السابقين تداخلاً والتبسا، وإن التفريق عند القدماء غير واضح وضوحاً تاماً( ).
وتابع الدكتور (عبد الصبور شاهين) ما ذهب إليه الدكتور (إبراهيم أنيس) مع بعض التفصيل والتوضيح ، محاولاً إلتماس تحليلاً، وتفسيراً يقترب مما أراده سيبويه والقدماء ، ورأى أن عبارة (بإشباع الاعتماد) أن للمجهور موضعين : أحدهما في الفم هو مخرج الحرف ، وآخر في الصدر وهو مخرج الجهر، ومن هنا كان المجهور مُشْبعاً لقوة اعتماده بازدواجه ، في حين كان المهموس ضعيفاً ، لأنه معتمد على موضع واحد هو مخرج الفم ، والتنفس يجري معه من دون اقتباس ، وإن سيبويه أدرك صدى الصوت ، وليس الصوت ذاته لعدم معرفته بمصدر الذبذبة( ).
وخلص إلى أن للمجهور على رأي سيبويه ثلاث صفات (إشباع الاعتماد ، الاعتماد في الصدر والفم ، منع النفس من الجريان منعاً تاماً ، جريان الصوت ، وهو يقابل عند المحدثين نشاط الأوتار الصوتية) ، أمّا المهموس فيتميز بصفتين هما : (ضعف الاعتماد ، لما أن له موضعاً واحداً في الفم ، جريان النفس على طبيعته)( ) .
ودخل في تفاصيل التعريف للتدليل على ما ذهب إليه ، فيرى أن سيبويه يشير إلى أن المهموس يمكن ترديده خلال مجرى النفس بعكس المجهور ، والمهموس هو عبارة عن (اعتماد + نفس) ، أمّا في حالة الجهر فلا يمكن النطق بالصوت مردداً مع انطلاق النفس وحده ، لأن ذلك سيؤدي إلى النطق به مهموساً ، في حين إن المجهور يحتاج إلى عمل آخر عند النطق به ، وهو(رفع الصوت) وهو ما عناه بصوت الصدر( ).
وفيما يخص تداخل وصف المجهور والمهموس في الشديد والرخو ، ذهب إلى أن فكرة سيبويه تقوم على (التوتر) بمعنى أساس النشاط العضلي من دون أن يكون للنفس دخل في التفرقة ، فالمنبع في حالة الشدة منصب على (الصوت) ، وليس على النفس ، والصوت الذي يقصده سيبويه يشمل المجهور والمهموس ، ففي الشدة يكون الاقتباس كاملاً ، لأن التوتر في المخرج قد بلغ أكمل حالاته ، ولا فرق في درجة التوتر بين المجهور الشديد والمهموس الشديد ، أمّا الرخو فعلى العكس من ذلك فيجري فيه الصوت( ) .
وعلى الرغم من أن تفسيره لكلام سيبويه لم يقترب من مفهوم التفريق بين صفات الجهر، والهمس ، والشدة ، والرخاوة ، فإنه قراءة لمرامي النصّ الصوتي القديم الذي يحفل بالمصطلحات التي تستحق الوقفة أمامها، وتفتح الطريق واسعاً لتعدد احتمالية القراءة ، حتى أنه ذهب إلى أن سيبويه جعل دور الرئتين ركناً أساسياً في تعريفه لكل من المجهور والمهموس ، ثم يعود ويرى أن سيبويه بعبارته (ويجري الصوت) يقصد شيئاً زائداً في حالة الجهر عن حالة الهمس ، وهو بذلك لم يدرك أن منشأ هذه الزيادة في الحنجرة ؛ لأنه يجهل تشريح الأعضاء الصوتية ، وهذا أدى به إلى أن يعبِّر عن فكرته بهذا التعبير الغامض العام( ).
وذهب بعض الباحثين إلى أن القدماء لم يعرفوا الوترين الصوتيين ، فجاء وصفهم للأصوات حاملاً معه بعض المشكلات ، ومرده نقص معلوماتهم التشريحية، لأن التعريف الذي جاءوا به لا يفي بالوصف الدقيق اللازم من جهة ، ويقترب من تعريفه للشديد ، فكلاهما بحسب رأيه المقصود منهما أمر واحدٌ، وهو منع النفس والصوت من الجريان ، أي ما يتعلق بشدة الصوت وليس بجهره ، وكان يمكن أن يكون منع النفس صفة للجهر ، ومنع الصوت صفة للشدة ، لولا أن سيبويه ذهب إلى أن الاعتماد لا يكون في الحلق أو الفم فقط ، وإنّما في الفم والخياشم( ) .
إن النفس والصوت كانا من الأسس التي انطلق منها بعض الباحثين لتفسير ما ذهب إليه القدماء في وصف الأصوات ، وهذا قادهم للاصطدام بالعبارات المتشابهة في تعريفات مختلفة كالجهر ، والهمس ، والشدة ، والرخاوة ، فأخذوا يفسرون صفة بمثيلتها ، وهي خطوات تحليلية يراد منها الوصول إلى فهم النصّ الصوتي القديم حتى لو تطلب الأمر إلى إعادة تشكيل النصّ، وتفكيك عباراته، وإعادة تجميعها ، وقد تدور فكرة الفهم حول النصّ ، ولكنها في النهاية تسعى جاهدة للوقوف على دلالته .
قراءة النصّ القديم
المنطلقات والتأسيس
واجه تفسير النصّ الصوتي القديم بعض الصعوبات التي منعت الكثير من المحدثين من تفكيكه وصولاً إلى فهم المراد منه ، وكان المنهج الذي إعتمده الباحثون يستند إلى تحليل لغوي لمفردات النصّ، أو محاولة ربط النصّوص مع بعضها، بالانتقال السريع إلى ألفاظ مبثوثة في متون تلك النصّوص ، واللجوء إلى عملية التجميع اللفظي ، لاستخراج نصّ آخر يعطي المراد من المصطلحات الصوتية في مفهومي (الجهر والهمس) .
إن قراءة النصّوص تنطلق من أسس معرفية مستجمعة من متون أحكمها واضعها الذي لديه إدراك تام لمضامينها ، ولا يمكن تقويله بحسب رغبات منهجية تحاول أن تخرج بتحليل يخدم غرضها ، فينطلق من مفهوم ذاتي ، وقراءة تنظر في الإطار العام للنص ، ولا تنظر إليه على وفق دلالته العامة ، فالقدماء لهم عباراتهم ومتونهم التي تقوم على أساس من الدقة الجامعة التي تحاول أن تعطي لكل مصطلح أو مفهوم دلالته القطعية ، وإن اختلاف التأويل للنص بين القديم والحديث يرجع إلى الأدوات المنهجية المستعملة في التحليل .
فالحديث يحاول استرجاع قراءة النصّ على وفق المفاهيم السائدة في التحليل الحديث ، مما يستدعيه إلى جمع شتات المعاني المتفرقة في النصّوص المتقاربة التي تشير إلى مصطلحات صوتية توحي ألفاظ تعاريفها إلى أنها متشابهة في الفهم الكلي للنص ، ولكن في حقيقتها الدلالية، لكل مصطلح تعريفه الخاص به
فعندما يذهب بعض المحدثين إلى أن تعريف سيبويه للجهر والهمس يمكن صياغته بعبارات حديثة ، وإمكانية إنتاجه من جديد، وقد تقدم ذكر ذلك فيما مرّ ، فإن ذلك يعطي مؤشرات على محاولة التفسير المعجمي للنص ، والرجوع إليه مع إضافة ألفاظ وعبارات حديثة قد تساعد في الوصول إلى مضامين النصّ القديم ، وكما هو معلوم أن دراسة المصادر القديمة تفترض أن يتوافر لدى الدارس الأدوات الفكرية اللازمة لدراسة النصّوص العربية القديمة ، وذلك لطبيعتها المتخصصة ، والتي تتطلب أسلوباً تقنياً عالياً حتى يمكن الوصول إلى دلالاتها ، وإن النظريات اللغوية الحديثة ما هي إلاّ وسيلة من أجل (الحوار) مع النصّوص العربية، من أجل الكشف عن النظريات التي طورتها هذه النصّوص ، ولا يمكن القطع بأن الطرائق التي تجسدها النصّوص القديمة، يمكن تفسيرها بنظرية أو بأخرى من النظريات الحديثة ، لأن أي تفسير من هذا النوع لن يكون مفيداً أو يضيف شيئاً إلى ما نعرفه( ).
فقراءة النصّ متولِّدة من الزمن الحاضر ، وإعادة الصياغة له وإنتاجه يستند إلى الزمن الماضي ، فيصبح هناك نوع من الفهم الذي يقود إلى الربط النسقي بين القراءة الجديدة والصياغة التاريخية . أي بما يظهر عليه الآن وبما كان عليه . فيمكن النظر إلى الجذور التاريخية لولادة النصّ ، ولا يجوز قطع تلك الجذور ، لأن ذلك سوف لن يعطي لنا قراءة شاملة له ، ولا يمكن بيان مرامي ألفاظه ، بحيث يظهر عبارة عن ألفاظ متراكمة غير متجانسة ولا يوجد رابط بينها ، فالوقوف على ألفاظ النصّ وجعلها هي المعيار لجميع القراءات يمكن أن يوصل إلى فهم مقبول .
إن قراءة التراث تقوم على مستويين ، أولهما النظري الذي تنصرف معه دلالة العبارة إلى وصف العمليات التصورية، أو الآليات العقلية التي تقوم عليها، أو تتضمنها قراءة التراث ، تكون معه العبارة واصفة لأبعاد العلاقة التي تربط القارئ المعاصر بتراثه ، من حيث هي علاقة إدراكية تنطوي على مجموعة من المستويات، وتتحرك عبر مجموعة من الوسائط ، وتتشكل بحسب مجموعة من الأعراف مما يجعل العبارة قرينة مباحث تتصل بنظرية (الهرمنيو طيقا) من حيث هي نظرية القواعد التي تحكم تأويلاً من التأويلات ، أي تفسر نصاً من النصّوص ، أو تفسر مجموعة من العلامات التي يمكن النظر إليها بوصفها نصاً . وثانيهما المستوى التطبيقي الذي تكون فيه قراءة تطبيقية لجانب أو أكثر من جوانب التراث ، فتشير إلى مجالات معرفية تنطبق عليها المفاهيم المنهجية والعمليات الإجرائية ، وسواء أكانت القراءة نظرية أم تطبيقية، فإن معنى القراءة بوجه عام لا يبتعد عن التفسير والتأويل( ) .
إنّ الكثير من الباحثين الذين وقفوا على النصّ الصوتي القديم انطلقوا في تفسيره وتحليله من منطلق ذاتي ، من دون التعمق بزمنية النصّ، وما ترمي إليه ألفاظه بحسب شكلية النظم ، الذي يمكن أن نتلمسه من خلال التحليل الموضوعي الذي يقوم على التاريخ (تاريخ اللغة) . مع أن التحليلين يستعملان الطريقة نفسها . فإن التحليل التاريخي في حقيقته يقوم على رسم أنواع الصيغ لعصور مختلفة ، فيردها إلى مستوى واحد ، فهو أقرب إلى معرفة الوحدات الصغرى التي تدخل في بناء لفظ بعينه ، غير إنّه يعمل على إعطاء تركيب جامع موحد لكل أنواع التقسيمات التي أجريت خلال الزمن( )، فلا يجوز أن نصف صاحب النصّ إنه قد أخطأ ، أو خلط، ونحن نحاول تفسير النصّ القديم كما فعل بعضهم ونعت سيبويه بذلك ، ونسب له التوهم والخلط بين الشديد والرخو والمجهور والمهموس ؛ لأن صياغة النصّ جاءت على وفق نطق صاحبه وصياغته له ، وإحساسه هو الذي أقرَّ هذا النصّ ، وإن تحليل المحدثين يرجع إلى زمن غير الزمان الذي تم على ضوئه صياغة النصّ، فجاءت القراءة تحمل فهماً مستنبطاً من إدراك لعبارات تم صياغتها بدلالات، ربما لم تضع في منهجيتها طريقة تأليف الكلام وسبكه في ذلك الزمان .
ولعلّ ما جاء به علماء التجويد والقراءات من أقوال وتعريفات للجهر والهمس يمكن أن يكشف بعض المفاهيم والمضامين التي تحملها النصّوص القديمة، للوقوف على ما أراده العلماء بمعنى الجهر والهمس ، فذهب الداني (ت444هـ) إلى أن معنى المهموس (حرف أَضْعفَ الاعتماد في موضعه ، فجرى معه النفس)، والمجهور (إنّه حرف قَوِي الاعتماد في موضعه فمنع النفس أن يجري معه)( ).
وهنا جاء لفظا (أُضْعِف أو قَوي) ربما ليشيرا إلى معنى الضغط من حيث إن المجهور (حرف أُشْبِع الاعتماد عليه في موضعه ومُنع النفس أن يجري معه)، والمهموس (ضَعُف الاعتماد عليه في موضعه حتى جرى معه النفس)( ).
وزاد القوطي (ت461هـ) توضيحاً أكثر لكلامه ، عندما فرغ من تعريف المجهور والمهموس قائلاً (فتجد الصوت في المهموس يَضْعُف لأجل جريان النفس معه ، وفي المجهور يَقْوى لامتناع جريان النفس معه ، ولهذا قيل إن المهموس ما خفي والمجهور ما أُعلن به)( ).
وأعطى ابن الجزري (ت832هـ) توضيحاً أكثر إفصاحاً عندما عرَّف المهموس بقوله : (إنه حرف جرى معه النفس عند النطق به ، لِضَعْفِه وضَعُف الاعتماد عليه عند خروجه ، فهو أَضْعَف من المجهور)( ). في حين عرّف المجهور بقوله : (حرف قَوي مَنْع النفس أن يجري معه عند النطق به لقوَّته وقوَّة الاعتماد عليه في موضع خروجه)( ).
وقد أعطى السبب الذي جعل الصوت يأخذ صفة الجهر والهمس بقوله : (وإنما لُقبت بالجهر ، لأن الجهر الصوت الشديد القوي ، فلمَّا كانت في خروجها كذلك لُقبت به، لأن الصوت يجهر بها)( ).
فالهمس (هو الحس الخفي الضعيف ، فلما كانت ضعيفة ، لُقْبتَ بذلك ، لأن الشيء إذا خُفِيَ ضَعُفَ ، فالهمس جري النفس عند اللفظ بها لِضَعْفِها وضَعْف الاعتماد عليها عند خروجها وجريان النفس معها)( ).
فعند النطق بالأصوات المهموسة يخالط النفس في مخرجها ، على العكس من المجهورة فلم يخالطها النفس في مخرجها( ) .
(فالذال) التي هي صوت مجهور، التي لولا الجهر فيها لصارت (ثاء) للهمس الذي في (الثاء) ؛ لأن مخرجها ومخرج (الظاء) واحد ، فعند وضع اللسان مكان المخرج ، وجرى النفس لصارت (ثاء) ، ثم بإزالة الهمس وجريان الصوت تصبح (ذالاً) ، ثم إذا زيد عليه الاستعلاء أصبحت (ظاء)( ).
فالجهر والهمس بوصفهما مصطلحين صوتيين هما المعيار الذي يميِّز بين الأصوات التي هي من مخرج واحد ، فلا توجد أصوات اتفقت في الصفات والمخرج واحد ، لأنّ ذلك يوجب اشتراكها في السمع ، فتصير بلفظ واحد، فلا يفهم الخطاب منها، فلولا الصفة لاتحدت( ) .
وكانت إشارة العلماء إلى التفرقة بين الشديد والمجهور، والمهموس والرخو، مبنية على أسس صوتية دقيقة ، فهم عندما وصفوا المجهور بأنّه قَوي الاعتماد في موضعه ، أشاروا إلى أن الشديد (إشتدَّ لزومه لموضعه ، وقَوِيَ فيه حتى منع النفس أن يجري معه عند النطق به)( ).
وعندما بيّنوا أن المهموس صوت أُضْعِف الاعتماد في موضعه ، أشاروا إلى أن الرخو (ضَعُفَ الاعتماد عليه في موضعه عند النطق فجرى معه الصوت فهو أضْعف من الشديد)( ).
فالجهر والشدة، ويضاف إليهما الصفير، والاطباق، والاستعلاء، من علامات قوة الصوت في حين إن الهمس والرخاوة والخفاء من دلالات ضعف الصوت( ).
لذلك من الخطأ التصور –بعد كل ما قاله العلماء العرب في الجهر والهمس – إنهم لم يوفقوا في الوصف ، لأنه لابد من الاكتفاء بالمعطيات التي توافرت لنا من أقوال العلماء القدماء . وما قدَّموه لنا من وصف دقيق يستند إلى قرائن ودلائل ، وقبل كل هذا وصف الأصوات بدقة كما نطقها القدماء وبحسب تلفظ عصرهم ، فتركوا لنا توصيفات مهمة للأصوات (فعندما يقتضي الأمر أن نحدد قيمة حرف معين ، فمن الأهمية بمكان أن نعرف ما كان عليه الصوت الذي يمثله في مرحلة سابقة، أمّا قيمة الحرف الحالية فهي نتيجة لتطور يسمح لنا بأن نتخلى فوراً عن كثير من الافتراضات)( ).
إنّ قراءة المحدثين للجهر والهمس عند القدماء على وفق النصّوص التي وقفوا عليها ، لم تكن قراءة دقيقة عندما يصفون القدماء بالخلط والاضطراب . فهناك فرق بين مضمون النصّ القديم واستنباط المحدثين له . فوصف القدماء كان وصفاً يستجيب لمتطلبات النطق في عصرهم ، ويمكن أن نستحضر التطابق الكبير بين وصفهم ووصف المحدثين للأصوات الذي يدل على براعة في الدقة والتبويب والتصنيف .
فكل منطلق صوتي حديث يدرس أصوات اللغة العربية كان يعود إلى التراث في محاولة لإخضاعه إلى قراءات جديدة، وآليات تفسيرية تسعى لتقريب الأفكار واستنباط نتائج ، حتى تلك الدراسات التي سعت إلى بحث النتاج القديم ، والانتقال به من الوصف إلى المعيارية في قوالب نظرية تفتح الطريق لاكتشاف القيمة الصوتية للنصوص عبر الزمن ، من دون إغفال المسافة البعيدة بين القديم والجديد ، وما حملته من قراءات متعددة للنص القديم ، وما وقفت عليه الدراسات الصوتية الحديثة ، وما أنطوت عليه من إضافات متفاوتة في قيمها المعرفية، وامتداداتها، وتحولاتها على وفق المتغيرات الثقافية المتراكمة، وتطورات العصر وتقدمه .

الخاتمة
تعدد الدراسات، وتنوع أبعادها الثقافية والمعرفية ، التي دارت حول الدراسات الصوتية القديمة، على الرغم من أنها أظهرت كل ما يحيط بها من إيجابيات ، وبيّنت مواطن الجدة والإبداع ، فإن النصّوص الصوتية القديمة لا زالت بحاجة ماسة إلى مزيد من الدرس، من أجل الوقوف على المضامين الحقيقية لها ، والسعي الجاد المتواصل لتحليل النصّ على وفق معطيات عصره ، من دون إغفال عامل الزمن ، وتعدد الدراسات العربية القديمة ، التي يمكن النظر إليها على أنها وحدة كاملة ، وكل نتاج عصر يُفسِر نتاج العصر الذي سبقه .
إن انطلاق الدراسات الصوتية العربية من الخليل بن أحمد الفراهيدي، وسيبويه، مروراً بابن جني، وانتهاءً بعلماء التجديد، لا يعني إنفصال عُرى التواصل وإنعزال إبداعها ، وإنما هو إبداع متواصل، كل مرحلة تضيف للأخرى ، وتأخذ منها، وتعطي تفسيراً أوضح ، لتحقق نوعاً من التكامل المعرفي .
فعندما يجابه النصّ القديم بالنقد ، ويصفه بعض الباحثين بالقصور ، أو الغموض، إنّما يأتي ذلك لاقتصاره على نص معين ، وعدم فهم عبارات وألفاظ النصّ القديم ، ومحاولة فك معاني الألفاظ بحسب الفهم الأولي له ، والقراءة الأولى له . في حين لو تم البحث بطرائق أفقية وعمودية لكانت القراءة أوسع وأعمق ، من حيث إن ما هو غامض عند عالم ما، لاستغلاق العبارة ، نجده واضحاً عند عالم آخر أو في نصِّ آخر . وهذه حيوية النصّ القديم ، غير إنّ ذلك لا يمنع من احتفاظ كل نصّ بميزته وإضافته التي تُحسب لصاحبه .
لقد تعددت قراءات المحدثين للنص القديم ، ولكنها اتفقت على براعة النتائج وتطابقها مع ما توصل إليه الدرس الصوتي الحديث بقراءته الحديثة ، وتطوره التكنولوجي , ومن هنا يجدر إعادة قراءة النصّ القديم قراءة موضوعية تستند إلى جملة من المعطيات تقف في مقدمتها ، الزمن ، والترابطية ، والشمولية التي ستولي فهماً أكثر عمقاً ، ومن خلالها يمكن إعادة قراءة النصّوص، وإعطاء نتائج أكثر موضوعية لا تكرر نفسها ، وتعطي درساً صوتياً عربياً مكتملاً بنتائجه ومنهجيته.

المصادر والمراجع
1- الكتاب : أبو بشر عمرو بن عثمان سيبويه (ت180هـ) النسخة مصورة على طبعة بولاق (1317هـ) ، مطبعة المثنى – بغداد .
2- المقتضب : أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (ت285هـ) ، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة ، عالم الكتب ، بيروت ، (د. ت).
3- الأصوات اللغوية ، إبراهيم أنيس ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 1971م .
4- علم اللغة العام – الأصوات ، د. كمال بشر ، دار المعارف – مصر ، ط2، 1971 .
5- شرح كتاب سيبويه ، أبو سعيد بن عبدالله السيرافي (ت368ه) ، تحقيق د. رمضان عبد التواب ود. محمود فهمي حجازي ، ومحمد هاشم عبد الدايم ، الهيئة المصرية للكتاب ، 1986 .
6- سر صناعة الإعراب ، أبو الفتح عثمان بن جني (ت392هـ) ، تحقيق: مصطفى السقا ومحمد الزفزاف وإبراهيم مصطفى وعبد الله أمين ، مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده – مصر ، ط1 ، 1954 .
7- شرح شافية ابن الحاجب ، رضي الدين استرباذي (ت688هـ) ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد وآخرين ، مطبعة حجازي ، القاهرة ، 1358هـ.
8- التراث اللغوي العربي : بوهاس . جبوم كرلوغلي ، ترجمة : د. محمد حسن عبد العزيز ، ود. كمال شاهين ، دار الإسلام ، القاهرة ، ط1 ، 2007 .
9- تجويد القرآن الكريم من منظور علم الأصوات الحديث ، د. عبد الغفار حامد جمال ، مكتبة الآداب ، القاهرة ، ط1 ، 2007 .
10- جهد المقل : محمد المرعشي (ت1150هـ) ، تحقيق : سالم قدوري الحمد ، ط1 ، دار عمار ، عمان ، 2001م .
11- علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ، محمود السعران ، ط2 ، 1997 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، مصر .
12- دراسات في علم اللغة ، د. كمال بشر ، دار غريب للطباعة ، القاهرة ، 1998.
13- المدخل إلى علم أصوات العربية ، د. غانم قدوري الحمد ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، بغداد ، 2002م .
14- العربية وعلم اللغة الحديث : د. محمد محمد داود ، دار غريب ، القاهرة، 2001م
15- الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني ، أ.د. حسام سعيد النعيمي ، دار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت ، منشورات وزارة الثقافة ، جمهورية العراق ، دار الرشيد للنشر ، 1980 ، ط2 ، 1997 .
16- اللغة العربية معناها ومبناها، تمام حسان، المصرية العامة للكتاب، ط2، 1979م، الهيئة.
17- المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي : د. رمضان عبد التواب ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط2 ، 1997م .
18- فقه اللغة مفهومه ، وموضوعاته ، وقضاياه ، الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ، دار بن خزيمة للنشر والتوزيع ، 2005م .
19- أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي : د. عبد الصبور شاهين ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، الطبعة 1 ، 1987 .
20- مبادئ اللسانيات : د. أحمد محمد قدور ، الدراسة الرابعة ، بيروت ، ط1 ، 2011م .
21- قراءة التراث النقدي ، د. جبار عصفور ، دار سعاد الصباح الكويتية ، ط1 ، 1992م .
22- محاضرات في علم اللسان العام ، فرديناند دي سوسير ، ترجمة : عبد القادر قنيني ، أفريقيا الشرق ، المغرب ، ط1، 2008 .
23- التحديد في الإتقان والتجويد ، أبو عمر عثمان بن سعيد الداني (ت444هـ)، دراسة وتحقيق: د. غانم قدوري الحمد ، ط1 ، بغداد .
24- الموضح في التجويد : عبد الوهاب القرطبي (ت461هـ) ، تحقيق: د. غانم قدوري الحمد ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، 1990.
25- التمهيد في علم التجويد ، شمس الدين بن الجزري (ت832هـ) ، تحقيق: أ.د غانم قدوري الحمد ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1 ، 1986م.
26- الجامع المفيد في صناعة التجويد ، الشيخ زين الدين السنهوري (ت894هـ)، تحقيق: د. مولاي محمد الإدريسي الطاهري ، دار ابن حزم ، بيروت ، ط1 ، ص2020 .
27- الرعاية لتجويد القراءة ، وتحقيق لفظ التلاوة: مكي بن أبي طالب القيسي (ت437هـ) ، تحقيق : احمد حسن فرحات ، دمشق ، 1393هـ/1973م.
28- شرح الهداية : أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي (ت440م) ، تحقيق : د. حازم سعيد حيدر ، مكتبة الرند ، الرياض ، المملكة العربية السعودية ، ط1 ، 1416هـ/1965م .

علي خليف حسين

  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white