ابن فضلان ورحلتُهُ الريادية

محمد كريم إبراهيم الشمري

ابن فضلان ورحلتُهُ الريادية
إلى بلاد البلغار والصقالبة على نهر اتل (الفولجا) سنة 309هـ / 921م
الأستاذ المتمرس الدكتور
محمد كريم إبراهيم الشمري
جامعة بابل / كلية التربية
الملخصُ :
تعد رحلة ابن فضلان سنة 309هـ /921م ، من بواكير الرحلات العربية الإِسلامية ، التي لقيت عناية استثنائية من الباحثين والمحققين ؛ لأنها من أوائل الرحلات العربية التي وصلت إلينا ، ولعل أهميتها تكمن في المعلومات التي وردت فيها عن الأمم والشعوب التي زارها ابن فضلان ، وكتب عن عاداتها وتقاليدها وطراز حياتها ودياناتها.
وقد أبرز هذا البحثُ الدور الكبير والمتميز لمدينة بغداد بصورة خاصة والعراق بصورة عامةِ ؛ لأنه مركز العالم العربي الإِسلامي ، المتمثل بالعاصمة بغداد التي انطلقت منها رحلة ابن فضلان، وحاولنا ذكر الطبعات التي ظهرتْ من هذه الرحلة بجهود المستشرقين والعرب.

المقدمةُ
يهدف هذا البحثُ إلى إبراز دورِ رحلة ابن فضلان في ترسيخ وشائج الاتصال بين العرب والمسلمين مع الأمم والشعوب الأخرى ، انطلاقًا من رسالة الإِسلام العالمية في التعامل الانساني مع الآخر . وقد ركَّزَ البحثُ على العلاقة بين العرب والمسلمين متمثلًا بالخلافة العباسية ، والبلاد المتآخمة لها في آسيا الوسطى والأصقاع النائية مثل : حوض الفولجا ، متمثلة بعدد من شعوبها وقومياتها ، أبرزهم البلغار (الروس) والصقالبة والخزر.
تضمنت خطة البحث ، بعد الخلاصة والمقدمة ، ثلاثة مباحث ، تضمن المبحث الأول دراسة مختصرة عن : ابن فضلان ، شخصيته وما قيل عنه . أما المبحث الثاني فتناول موضوع الاهتمام بنشر رحلة ابن فضلان ، من خلال إبراز جهود المستشرقين والعرب المسلمين بهذا الخصوص ، وتوثيق رحلة ابن فضلان في المصادر الجغرافية .
وكان المبحث الثالث وهو الأخير عن : رحلة ابن فضلان ، بتقسيمه على ثلاثة محاور ، الأول : الرحلة ، أسبابها ومسارها ، والثاني : تأثيرات رحلة ابن فضلان ، والثالث : أهمية الرحلة ونتائجها.

المبحث الأول
ابن فضلان : شخصيته وما قيل عنه
قبل دراسة رحلة ابن فضلان واثرها لابدّ لنا من التعريف بشخصيته ، فهو: أَحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد (1) ، كما هو مثبت تحت رسالته المعنونة : رسالة ابن فضلان، المسماة: كتاب أَحمد بن فضلان (2) ، مولى أمير المؤمنين الخليفة العباسي أبو الفضل جعفر (المقتدر بالله) بن المعتضد ، ثم مولى محمد بن سليمان بن المنفق فاتح مصر الذي شتت الطولونيين ودخلها سنة 292هـ وقتل سنة 304هـ (3)، ونستشف مما ورد في رسالة ابن فضلان انه مولى محمد بن سليمان ورسول المقتدر إلى ملك الصقالبة ، وذكر الحموي (4) أيضًا أنَّهُ مولَى أمير المؤمنين أي الخليفة العباسي المقتدر بالله ثُمَّ مَولَى محمد بن سليمان ، فهو من العجم الموالي لذلك العصر في الأعمِّ الأَرجح.
ولما كنا نعاني من نقص شديد في المعلومات عن شخصية ابن فضلان؛ لعدمِ وقوفنا على ترجمة وافية له في كتب التاريخ والتراجم والجغرافية ، بل لم نَرَ سطرًا واحدًا يُشير إليه بِوُضُوح ، سِوَى اسمِهِ فقط : أَحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد ، وأنَّهُ – كما ذكرنا - مولَى أمير المؤمنين المقتدر بالله العباسيّ ثُمَّ مولَى محمَّد بن سليمان فاتح مصر ، فإننا لا نستطيع الجزم حول أصل ابن فضلان ، واستِنادًا إلى مَا ذَكَرهُ ابن فضلان (5) نفسه ، فإنَّنَا نميل إلى الاعتقاد بغير ذلك ، إذ نقل الينا قول ملك الصقالبة (البلغار) مُخَاطِبًا إيَّاه ومُعَرِّضًا بأصحابه ، بما نصه : " إنما أعرفك أنت ، وذلك أنَّ هؤلاء قوم عجم " ، ولا ندري هَلْ يُريدُ بذلك أنَّ ابن فضلان عربي اللسان أم عربي الجنس؟ أم أنَّ الملك يجهل أصله فدعاه هكذا ؟
نُرَجِّحُ أن الملك لا يعرف أصل ابن فضلان، وقصده أنه لا يعرف جماعته الآخرين ضمن الوفد ؛ لأنهم من أصول غير عربية (أعجمية) ، لكنه يعرف ابن فضلان ؛ لأنَّهُ رسولُ الخليفة المقتدر بالله العباسيّ، وهو رجل مسلم يمثل الخليفة ، فأراد محاسبة ابن فضلان بشأنِ المَالِ الذي أمر الخليفة بتسليمه للملك؛ ليبني له حِصنًا ضدَّ الخَزَرِ أَعدَائِهِ .
وبخصوص اسمِ ابنِ فَضلان الأول (أَحمد) وَجَدنا ما يُخَالِفُهُ بالنص في متن الرسالة(6) ، إذ أَخبرنا ابنُ فضلان أنه أسلم على يديه رجلٌ اسمُه (طالوت) ، فَسَمَّاهُ : عبد الله ، فقال لهُ الرجلُ : " أُريدُ أَنْ تُسمِّيني بِاسْمِكَ محمدًا "، ويخبرنا ابن فضلان أنَّهُ سَمَّاهُ بهذا الاسم ، وعلى الرغم مِن أنَّنَا لا نجد تناقضا واختلافا كبيرين في هذا الأمر ، لكننا وجدنا اختلافًا بسيطًا في اسمِهِ ، لعلَّهُ تَصحيفٌ من ناسخ الرَّسالة ، فضلًا عن أنَّ اسمَ أَحمد هو من الاسماء العربية المحببة ، بَل مِن أسماء الرسول محمد (ص)، واعتزازا باسم الرسول الكريم (ص) فضّل الرجل تسميته - بعد إسلامه – بِاسمِهِ تَيَمُّنَا واعتزازًا بهِ .
ولا يستوقفنا الاسم وحده (أَحمد) ، بل اسم فضلان أيضًا ، فالوزنُ عربيٌّ معروفٌ ، لكننا لن نقع على اسم (فضلان) في الاسماء المشهورة لذلك العصر ، مع أنَّ الرسالةَ تذكرُ أنَّهُ مولى لفاتح مصر محمد بن سليمان ، وقبل كل هذا هو مولى أمير المؤمنين، أي الخليفة العباسي المقتدر باللهِ ورسوله الى ملك الصقالبة ، وهذا ما يجعلنا نعود الى ترجيح الرأي حول كون ابن فضلان مولى من العجم الموالي لذلك العصر(7) .
وبخصوص ولادته فإنَّنَا لا نعلم أين وُلِدَ ابن فضلان من بلاد العجم أو العرب ، كما لا نعلم تاريخ ولادته ومتى دخل الإِسلام ، وكيف نَشَأَ وماذا شغل مِن مناصب دينية قبل البعثة إِلى بلاد البلغار ، وما هيَ صِلتُهُ بِالوزير حامد بن العباس وما هي ثقافته الأدبية والدينية ، وماذا خلّف مِنْ كُتُبٍ غير هذه الرسالة ، كل هذه الأمور مجهولة تمامًا ، لكن الرَّجل كانَ ذا ثقافة دينية وأدب رفيع واسلوب جميل ، وورع وخُلُق وحُب لنشر الإِسلام وصدق الحديث وعفة في المال ، وهو لا يخلو من سذاجة ، لعلها ترجع إِمَّا الى سِنِّهِ المتقدمة أو إلى حالته الخاصة (8) .
ذكر كراتشكوفسكي(9) أن ابن فضلان يحتل المكانة الأولى بين الرحالة الذين زاروا شرق أوربا والمناطق القريبة من روسيا ، سواء من الناحية الزمنية أو الأهمية الذاتية ، وذلك بسبب رسالته المشهورة التي تَجَدَدَ الاهتمام بها في الأعوام الأخيرة بنفس الدرجة التي تمتعت بها أول مرة منذ مئة وعشرين عامًا ، وعلى الرغم من عدم وجود أَيَّة معلومات عن ابن فضلان ، إلا أنه يحاول دائمًا في الرسالة أن ينسبَ إلى نفسه الدور الرئيس ، ولم يقم حتَّى الآن أدنى رَيب حول صحة الرسالة اليه ، وإذا كان البعض قد أبدى ارتيابه من وقت لآخر بشأنها ، فإنَّ ذلك يمسُّ بعض التفاصيل ولا يُثبَت على محك النقد الدقيق.
وبخصوص رحلة ابن فضلان الى بلاد البلغار والصقالبة، فإننا لا نعرف طريق عودته إلى بغداد ، كما أننا نجهل تاريخ وفاته ، ولسنا نعرف عنهُ سوى أنه من رجال القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، ولعل الزمن يكشف لنا معلومات جديدة عن ابن فضلان بالعثور على مخطوطة جديدة عن رحلته، فيها معلومات إضافية توضِّحُ لنا ما غمضَ من تفاصيل حياته ، أو عن طريق اكتشاف وتحقيق ونشر مخطوطات أُخرى تجلو لنا هذا الغموض.

المبحث الثاني
الاهتمام بنشر رحلة ابن فضلان
أ‌- جهود المستشرقين في نَشر رحلة ابن فضلان:
اهتمَّ المستشرقون بتاريخ الروس والبلغار اهتمامًا خاصًّا ومُتميِّزًا ، فمنذ سنة 1800م بدأوا بنشر ما ذكره العرب والمسلمون عن الروس ، من خلال مؤلفات المسعودي وابن فضلان (نقلًا عمَّا ذكره ياقوت الحمويّ حصرًا) ؛ لأنَّ نسخة الرحلة المخطوطة في مدينة مشهد كانت مجهولة ، ونقلوا ما ذكره الإدريسيّ كذلك عن الروس.
في سنة 1819م جمع المستشرق الألماني فرين freen مخطوطات ياقوت الحموي (عن كتابه : معجم البلدان) ؛ ليستخرج منها ما نقله ياقوت عن ابن فضلان ، ونشرها تِباعًا منذ سنة 1822م ، ونشرَ الفصل الخاص عن البلغار سنة 1832م.
وفي سنة 1841م جمع المستشرق راسموسن rasmussenمقاطع من فصول ياقوت ، المنقولة عن ابن فضلان، وترجمها إلى الروسية ، ونقلها نيكلسون إلى الانجليزية بعد أربع سنواتٍ.
وفي سنة 1863م نشر المستشرق الألماني وستنفلد دراسة بالألمانية عن الرحلات عند ياقوت ، وفيها رحلة ابن فضلان، وكانَ يجمع مخطوطات ياقوت ؛ بِهدَفِ نَشرِ كتابه : (معجم البلدان).
وفي سنة 1899م نشر فستنبرغ festberg دراسة كذلك عن ابن فضلان ، وفي سنة 1902م نشرَ المستشرق فون روزن rosen مقالًا باللغة الروسية عن ابن فضلان ، وفي سنة 1911م كتب المستشرقُ التشيكي دفورجاك دراسةً عن ابن فضلان نشرها في مدينة براغ ، وبعد سنتين نشرَ بارتولد parthold دراسةً باللغة الروسية عن موضوع : الرحلات إلى روسية عند العرب.
نستنتج ممَّا سَبقَ ذكرهُ أنَّ رحلة ابن فضلان (المنقولة عبر ياقوت الحموي) كانت في صُلبِ اهتمامات هؤلاء المستشرقين ، قبل اكتشاف مخطوطة رحلة ابن فضلان في مدينة مشهد في إيران.
وفي سنة 1924م نَشَرَ ماركوتارت دراسةً عن الرحَّالةِ في مدينة ليبستك (لايبزك) الألمانية ، وفي السنة نفسها تسلَّمَ المعهد الآسيوي للاستشراق في مدينة بطرسبورغ ورقتين مصوَّرتين من النسخة الخطيَّة التي اكتشفت في مشهد ، ووصلتْ بقيةُ الأوراق إلى المعهد مصوَّرةً بعدَ عشر سنواتٍ ، وقد نُشرَ مقالٌ باللغة الروسية للتعريف بالنسخة الخطية المكتشفة في خزانة المخطوطات بمدينة مشهد.
وفي سنة 1926م صدرَ فهرسُ خزانة مخطوطات مدينة مشهد ، وفيه وصفٌ لهذه النسخة ، تحت رقم 2 (أخبار البلدان) / عربي ، وقد كُتِبَتِ المخطوطةُ بخط النَّسْخِ ، في كل صفحة 19 سطرًا ، وعدد أوراقها 212 ورقة ، آخرها مبتور مخروم(10).
ب- جهود العرب والمسلمين في نشر رحلة ابن فضلان:
يُعدُّ الباحث التركي وليد زكي طوغان أوَّل مَنْ حقَّقَ مخطوطة مشهد من الرحلة، وقابلها مع ما ورد عنها عن ياقوت الحمويّ ، ونشرها بالحروف العربية والترجمة الألمانية سنة 1939م ، وفي السنة نفسها ترجمها المستشرق الكبير كراتشكوفسكي ، وكتب لها مقدمة ضافية ، وفي آخر دراسته نشرَ صورةً فوتوغرافية للرسالة كاملةً عن مخطوطة مشهد ، بحجم كبير ، وعلى أساس هذه الصورة اعتمد التحقيق الذي قامَ به د. سامي الدهان ، وبالاستعانة بطبعة طوغان السابقة (11).
أوضح د. سامي الدهان (12) قصة علاقته مع رسالة ابن فضلان – كما وردت تسميتها في الكتاب الذي حققهُ – منذ سنة 1955م ، بعد لقائه مع العلامة محمد كرد عليّ رئيس المجمع العلمي العربي في دمشق ، في زيارةٍ خاصًّةٍ له في بيته بدمشق ، وكيف أنَّ الرئيس محمد كرد عليّ حدَّثهُ عن أهميَة الرسالة وحاجة المثقفين العرب إلى قراءتها وفهمها ، واستحضار العِبر والدروس منها ، والإشادة بهمم الأجداد وسعيهم وثقافتهم ، فهي تصفُ بلاد الروس والبلغار والأتراك في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي . وهكذا أبان د. سامي الدهان عن فرحه بالثقة التي أولاها الرئيس محمد كرد علي ، وحُسن ظنه به ، للعناية بهذه الرسالة وتحقيقها والتعليق عليها وإخراجها كاملةً إلى النور.
تكللتْ جهود د. سامي الدهان بالنجاح وبلوغ المنَى ، بإكمال تحقيق رسالة ابن فضلان (في وصف الرحلة إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة) ، وصدرت الطبعة الأولى منها في سنة 1959م ، عن مجمع اللغة العربية في دمشق ، مع تقديم واسع وشروحاتٍ ضافيةٍ.
وصدرت الطبعة الثانية عن مديرية إحياء التراث العربي في وزارة الثقافة والإرشاد القومي السورية سنة 1977م ، ثم صدرت طبعة ثالثة سنة 1987م عن مكتبة الثقافة العالمية في بيروت ، وعليها اعتمدت دارُ السويدي في أبو ظبي في طبع رحلة ابن فضلان من جديد (13).
وذكر الأستاذ شاكر لعيبي (14) صدور كتاب تحت عنوان : رسالة ابن فضلان مبعوث الخليفة المقتدر إلى بلاد الصقالبة ، عن رحلته إلى بلاد الترك والخزر والصقالبة والروس واسكندنافيا في القرن العاشر الميلادي [الرابع الهجري] ، جمع وترجمة وتقديم الدكتور حيدر محمد غيبة ، الشركة العالمية للكتاب ، دمشق ، 1991م.
والجدير بالذكر أنني اقتنيتُ نسخةً من رسالة ابن فضلان بتحقيق د. سامي الدهان ، مصوَّرة عن أصل الطبعة الأولى بدمشق (1379هـ/1959م) عن دار صادر ، بيروت ، وقد جاء فيها أن الطبع تمَّ بإذن المجمع العلمي بدمشق رقم 505 / ص ، بتاريخ 8/12/1991م ، وورد ذِكر طبعات الرسالة ، وهي الأولى المشار إليها أعلاه (1959م) ، والثانية : دمشق ، 1409هـ/1988م ، والثالثة : بيروت ، 1431هـ/1993م ، عن دار صادر ، وهي الطبعة الثالثة كما وردت في الرسالة المطبوعة.
أما الطبعة الأخيرة فقد صدرت بعنوان : رحلة ابن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة 921[هـ] ، حَرَّرَهَا وقَدَّم لها : شاكر لعيبي ، عن : دار السويدي للنشر والتوزيع ، أبو ظبي/ الإمارات العربية المتحدة ، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 2003م ، في 151 صفحة.
ت – توثيق رحلة ابن فضلان لدى الجغرافيين العرب والمسلمين قبل نشرِهَا :
أشرنا إلى أن المستشرقين اهتموا بنشر نصوص من رحلة ابن فضلان ، اعتمادًا على النقولات (النصوص) التي وَرَدَتْ عند ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) ، وهذا يعني أن ياقوتًا هو الذي قادهم إلى ابن فضلان ورحلته ، وكان ذلك تمهيدًا للوصول إلى نسخة من مخطوطة رحلة ابن فضلان ، قبل التوصُّل إلى اكتشاف مخطوطة مشهد التي حقَّقها د. سامي الدهان بدمشق.
وأوضح د. سامي الدهان (15) أنَّ كُلًّا من الاصطخري وابن رسته والمسعودي وابن حوقل والمقدسي قرأوا رسالة ابن فضلان ونقلوا عنها ، لكنه لم يثبت أنهم نقلوا عنه مباشرة ، وبالرجوع إلى هؤلاء الجغرافيين يُرجَّحُ أنَّ ما ذكروهُ عن الروس والخزر والبلغار كان نقلا عن ابن فضلان ، لكن نقلهم عنه لا يبدو كثير التطابق مع رسالة ابن فضلان إلَّا عَرَضًا وبنقاط معلوماتيَّة مشاعة يُمكنُ أنْ تتهيَّأَ لأيٍّ جغرافيٍّ جاد .
وذكر د. الدهان (16) أنَّ ياقوت الحمويّ الذي عاشَ في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي ، كان أوَّلَ مَن أشارَ إلى ابن فضلان ، واختار فصولًا من رسالته مُدرجًا إياها في معجمه : (معجم البلدان)، مُصرِّحًا بأَوضح عبارة أنه ينقل عنه (عن ابن فضلان) ، خاصة تحت المواد الجغرافية الآتية :
1- إتل . قال ياقوت (17) ما نصه : "قرأت في كتاب أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمّاد، رسول المقتدر إلى بلاد الصقالبة، وهم أهل بلغار: بلغني أن فيها رجلًا عظيمَ الخلق جدًّا، فلما سرتُ إلى الملك سألته عنه، فقال: نعم قد كان في بلادنا ومات".
2- باشغرد . ذكر ياقوت (18) : " وكان المقتدر بالله قد أرسل أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمّاد مولى أمير المؤمنين ثم مولى محمد بن سليمان إلى ملك الصقالبة، وكان قد أسلم وأهل بلاده".
3- البلغار . مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال ، شديدة البرد ، لا يكاد الثلج يقلع عن أرضها صيفًا ولا شتاء ، وقل ما يُرى أهلها أرضًا ناشفة ، وبناؤهم بالخشب وحده ، وكان ملك البلغار وأهلها قد أسلموا في أيام المقتدر بالله ، وأرسلوا إلى بغداد رسولًا يُعرِّفُونَ المقتدر ذلك يسألونه إرسال مَن يعلِّمهم الصلوات والشرائع ، وذكر ياقوت (19) أنه لم يقف على السبب في إسلامهم ، ثم قال : "وقرأت رسالة عملها أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمّاد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة ذكر فيها ما شاهده منذ انفصل من بغداد إلى أن عاد إليها، قال فيها: لما وصل كتاب ألمس بن شلكي بلطوار ملك الصقالبة إلى أمير المؤمنين المقتدر بالله ".
4- خزر ، وهي بلاد الترك خلف باب الأبواب المعروف بـ: الدربند قريب من سد ذي القرنين ، وقال أحمد بن فضلان رسول المقتدر إلى الصقالبة في رسالة له ذكرَ فيها ما شاهده بتلك البلاد(20) .
5- خوارزم . قال ياقوت (21) : "وقرأت في الرسالة التي كتبها أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمّاد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة ذكر فيها ما شاهده منذ خرج من بغداد إلى أن عاد إليها فقال بعد وصوله إلى بخارى".
6- روس : أمة من الأمم ، بلادهم متآخمة للصقالبة والترك ، ولهم لغة برأسها ودين وشريعة لا يُشاركهم فيها أحد ، ونقل عن المقدسي قوله : هم في جزيرة وبئة تحيط بها بحيرة ، وهي حصن لهم".
قال ياقوت (22) : "وقرأت في رسالة أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد [بن العباس] بن حمّاد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر إلى ملك الصقالبة حكى فيها ما عاينه منذ انفصل عن بغداد إلى أن عاد إليها فحكيت ما ذكره على وجهه استعجابًا به، قال: ورأيت الروسيّة وقد وافوا بتجاراتهم فنزلوا على نهر إتل ".
ومن الجغرافيين القريبين من عصر ياقوت الحموي ، الذي نقل نُصُوصًا من رسالة أحمد بن فضلان ، هو : زكريا بن محمد القزويني ، المتوفَّى سنة 682هـ/1283م في كتابه (آثار البلاد وأخبار العباد) ، وفي أربعة مواضع هي:
1/ في وصفه نهر جيحون ، قال (23): "قال ابن فضلان في رسالته : رأـيت جيحون وقد جمد سبعة عشر شبرًا ، والله أعلم بصحته".
2/ في حديثه عن الإقليم السابع ، ذكر (24) باشغرت ووصفه بأنه : جبل عظيم من الترك بين قسطنطينية وبلغار . حكى أحمد لن فضلان رسول المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة لما أسلم ، فقال عند ذكر باشغرت : وقعنا في بلاد قوم من الترك...".
3/ في حديثه عن عادات الصقالبة ، قال (25) : "حكى أحمد بن فضلان لما أرسله المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة، وقد أسلم، حمل إليه الخلع. وذكر من الصقالبة عادات عجيبة منها ما قال: دخلنا عليه وهو جالس على سرير مغشى بالديباج".
4/ في حديثه عن بلاد الروس ، ذكر القزويني (26) أنهم أمة عظيمة من الترك ، بلادهم متآخمة لبلاد الصقالبة ، قال أحمد بن فضلان في رسالته : "رأيت الروسية وقد وافوا بتجاراتهم على نهر اتل".
ومن خلال المقارنة بين وفاة ياقوت الحموي سنة 626هـ/1228م ، ووفاة زكريا القزويني سنة 782هـ/1283م ، أي بفارق مقداره (57) سنة ، نرجح أن نسخة من رسالة ابن فضلان قد وقعت بين يدي زكريا القزويني ؛ بدليل إشاراته الصريحة التي اقتبس منها عدة نصوص ، فضلًا عن أنَّ معاصرة القزويني لمؤلف آخر ، هو : ياقوت الحموي ، يشتغل مثله على المادة والمعلومات المتوفرة نفسها في عصريهما لا تنفي تمامًا وقوع نسخة من رسالة ابن فضلان بين يدي زكريا القزويني ، وليس اقتباسه نصوصًا منها من كتاب (معجم البلدان)، وبذلك استعمل كلُّ واحد منهما مصدرًا واضحًا باسمِه وعنوانه واسم مؤلفه (ابن فضلان) واعترافهما صراحة بالنقل من رسالته ؛ بدليل قول ياقوت (27) ما نصُّهُ : "وقصة ابن فضلان وإنفاذ المقتدر له إلى بلغار مدوّنة معروفة مشهورة بأيدي الناس، رأيت منها عدَّةَ نُسَخٍ".
نكتفي بهذا القدر من توثيق رحلة ابن فضلان في المصادر الجغرافية ، بإيراد نموذجين صريحين وواضحين ذَكَرَا رسالة ابن فضلان واسمه الصريح ، ولا نريد الاستغراق والاسهاب في ذكر مؤلفات جغرافية متأخرة عن هذا الموضوع ؛ لأن إطار البحث ومضمونه لا يتحملان الإطالة والتوسع في هذا الحَيِّزِ المحدودِ.

المبحث الثالث
رحلة ابن فضلان
جاء في عنوان الكتاب الذي طُبعت فيه رحلة ابن فضلان بتحقيق د. سامي الدهان بالنص أنها : رسالة ابن فضلان ، وتحتها : أَحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد ، في وصف الرحلة إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة سنة 309هـ /921م، وبعد مقدمة المحقق وقبل ايراد نص الرسالة، يرد العنوان التالي (ص65) : هذا كتاب أَحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر الى ملك الصقالبة ، وتحتها جاء النص : " يذكر فيه ما شاهد في بلد الترك والخزر والروس والصقالبة والباشغرد وغيرهم ، من اختلاف مذاهبهم وأخبار ملوكهم واحوالهم في كثير من أمورهم " .
يتضح لنا أنَّ رحلةَ ابن فضلان دُوِّنَتْ في رسالةٍ اقترنَتْ بِاسمِهِ ، ثُمَّ سُمِّيَتْ : كتاب أَحمد بن فضلان ، أي مذكراته ومشاهداته في بلاد الترك ، الخزر ، الروس ، الصقالبة ، الباشغرد ، وغيرهم ، وهي مذكرات وملاحظات شَاهِد عَيان كتبها خلال رحلته وربما أكملها ونقَّحها بعد عودته ، وهذا الاختلاف في التسمية لا يغيِّرُ من الرحلة شيئًا، فالرسالة والكتاب يؤديان هدفًا واحدًا هو توثيقُ رحلة ابن فضلان بعينها .
وقد تناقل المؤرخون والجغرافيون بعد ابن فضلان التسميات المختلفة هذه حول رحلة ابن فضلان ، فالحموي نقل فقرات مطولة منها ضمن مواد جغرافية عديدة ، مثل : أتل ، باشغرد ،بلغار ، قال في مادة أتل ما نصه (28): " قرأت في كتاب أَحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد ، رسول المقتدر الى بلاد الصقالبة ... " . وقال في مادة بلغار ما نصه (29) : " وقرأت رسالة عملها أَحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر بالله الى ملك الصقالبة ذكر فيها ما شاهده منذ انفصل من بغداد الى أن عاد إليها ... " .
نَستَنتِجُ ممَّا جاء في عنوان رحلة ابن فضلان وما ذكره ياقوت الحموي عدم ذكر بلاد البلغار ، بل ورد ذكر الصقالبة فَقط بدلًا عنهم ، مما يدلل ويؤكد ما ذكرناه من أن البلغار هم الصقالبة ، كما ذكر ابن فضلان صاحب الرسالة ، وقد ذَكَرَ الحمويُّ (30) أنَّ قصةَ ابن فضلان وإرسال المقتدر لهُ إلى بلغار مدونةٌ معروفةٌ مشهورةٌ بأيدي الناس ، وأنه رأى منها عدة نسخ ، وذلك في عصره أي خلال القرنين السادس والسابع الهجريين / الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين .
وهكذا يتضح لنا أنَّ الاثر الذي تركه ابن فضلان كان معروفًا منتشرًا، بعد إتمام رحلته تلك التي جرت في مطلع القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي.
أ - أسبابُ الرحلةِ :
أما اسباب رحلة ابن فضلان فكانت استجابة لطلب ملك الصقالبة ( البلغار) المش بن يلطوار (31) إلى أمير المؤمنين الخليفة المقتدر بالله العباسي، الذي أرسل كتابًا إلى الخليفة من قبل رسوله عبد الله بن باشتو الخزري ، وقد طلب الملك من الخليفة العباسيّ في كتابه هذا ، الآتي :
1- إرسال جماعة من المسلمين من علماء الدين ليُفقَهوا الملك وقومه في الدين ويعلمونهم احكام الشريعة الإِسلامية.
2- بناء حصن من مال الخليفة يتحصن فيه من الملوك المخالفين له.
3- بناء مسجد للملك ، وينصب فيه منبرا ليقيم عليه الدعوة للخليفة في بلده وجميع مملكته 0
4- ارسال بعض العقاقـير والأدوية ؛ ليستعيـنوا بها في معالجة مرضاهم (32) .
يتضح لنا من خلال هذه المطالب أن ملك البلغار أراد توثيق علاقاته مع الدولة العباسية في عهد الخليفة المقتدر بالله ، ونستدل أنَّ الملكَ كانَ مُسلمًا أَرادَ الإفادةَ من إمكانيات الدولة العباسية الهائلة وقدراتها وحضارتها ، ليكسب قوة معنوية وذلك بانتسابه الى خليفة المسلمين ، لمواجهة أَعدائِه وأعداء الإِسلام المجاورين له.
وقبل دراستنا للرحلة واحداثها يجدر بنا عرض صورة سريعة عن الظروف التي كانت تَمُرُّ بها الخلافةُ العباسية ، فقد كان الوضع السياسي في بغداد في عصر الخليفة المقتدر بالله متدهورًا ، وازدادت قوة الوزراء وتأزم الوضع المالي ، إِلَّا أَنَّ بغداد ما زالت تمثِّلُ مركزَ الرُّقيّ الفكريّ مقابل الانحطاط الحضاري الذي ساد البلدان التي زارها ابن فضلان ، يتضح لنا ذلك من وَصفِهِ التَّباين الواضح بينَ مُجتمعِهِ وقيمه وبين مجتمعات تلك البلدان ، وبناء على ذلك اخذ البغداديون زمام المبادرة في تعليم هؤلاء الاقوام من الترك والخزر والبلغار وغيرهم من الشعوب تلك الآداب والاصول ، وكان من أَشهرهم أَحمد بن فضلان رسول الخليفة العباسي المقتدر بالله الى ملك الصقالبة ، و ما دَوَّنَهُ مِن معلومات في رحلته تلقي ضوءًا ساطعًا على دور مدينة بغداد وابنائها في نشر الحضارة بين الأُمم القريبة والبعيدة ، ومنهم الصَّقالبة (33) .
تَوَزَّعَت المسؤوليات على أَعضَاء الوفد الذي بعثه الخليفة المقتدر بالله العباسي الى ملك البلغار (الروس)، إِذْ أَخبرنا ابن فضلان (34) أن السفير المبعوث الى الملك هو نذير الحرمي (35) ، وذكرَ عَن نفسِهِ أنَّهُ انتُدِبَ لقراءة كتاب الخليفة عليه ، وتسليم الهدايا اليه ، والإشراف على الفقهاء والمعلمين والصرف عليهم ، وتحصيل المال المرسل اليه ، الذي طلبه لبناء المسجد والحصن في بلاده ، وسيتم تحصيل المال من الضيعة المعروفة بـ : ارثخشمثين (36) من أرض خوارزم، وهي من ضياع وزير المقتدر أبي الحسن علي بن الفرات ، وكان يتولى إدارتها بعد عزله عن الوزارة ، الفضلُ بنُ مُوسَى النصراني وكيل ابن الفرات ، فطلب اليه الخليفة بموجب كتابه تسليمها الى أَحمد بن موسى الخوارزمي ، وكان الرسول من جهة الخليفة هو : سوسن الرسي مولى نذير الحرمي ، وضم الوفد : تكين التركي وبارس الصقلابي .
يَتَّضِحُ لنا أَنَّ الوَفدَ مُكوَّنٌ مِن أَربعَةِ أَشخاص ، هم : أَحمد بن فضلان رئيس الوفد ، إِذْ ينسبُ إلى نفسِهِ الدورَ الرئيسَ ، وكان مُكلَّفًا بعدة مهام أبرزها : قراءة كتاب الخليفة العباسي المقتدر بالله أَمام ملك البلغار ، وهذا يوضح لنا مهمته السياسية فضلا عن تسليم هدايا الخليفة اليه ، والاشراف على الفقهاء والمعلمين الذين اوفدوا لتعليم ملك البلغار وشعبه أُصُول الدين الإِسلامي والشريعة ، وهذا يوضح لنا مهمته الدينية للإشراف على هؤلاء الفقهاء والمعلمين ، كما عُهدت إليه مهمة استلام المال من ضيعة ارثخشمثين في بلاد خوارزم وتسليمه الى ملك البلغار ليبني به المسجد والحصن في بلاده .
أما بقية أعضاء الوفد ، فهم: سوسن الرسي وتكين التركي وبارس الصقلابي ، وقد أرسل الوفد بناءً على طلب رسول ملك البلغار عبد الله بن باشتو الخزري ، وهو أمرٌ يثيرُ التَّسَاؤل والاستغراب أن يرسل ملك البلغار رجل خزري ، إذ المعروف أَنَّ الملك كان على علاقة سيئة جدًّا مع دولة الخزر التي كانت تحارب المسلمين بشدة ، ولعل الاختيار وقع عليه لسببين ، أَوَّلَهُمَا: معرفته باللغة العربية وثقته ، وثانيهما لما يتمتع به من حسُن إسلامه (37) ، ولعل ابن باشتو كان دليل الوفد عِندَ سَفَرهِ من بغداد مُتَوَجِّهًا الى بلاد البلغار ، ويخيل الينا أنَّ اثنين من أَعضاء الوفد البغدادي يعرفان اللغة الروسية ، الأول سوسن الرسيّ الذي يبدو من انتمائِهِ إلى بلاد الروس ، وقيل إِنَّهُ منسوبٌ إلى نهر الرس ، جلب كرقيق ثم تعلم اللغة العربية وحسُن إسلامه ، والثاني بارس الصقلابي واسمه ونسبته دليلان على أَصلِهِ ، فهو من الصقالبة ، وسُمِّي: بارس الحاجب ووصُف بِأَنَّهُ قائدٌ وثائرٌ ، وهو غلامُ إسماعيل بن أَحمد الساماني صاحب خراسان ، وكان من الصقالبة (البلغار) الذين سكنوا بين المسلمين وتعلم اللغة العربية واعتنق الدين الإِسلامي ، أما تكين التركي فكان حدَّادًا في خوارزم ، وله اتصال مع ملك البلغار ، وكان على معرفة بالطريق الذي سيسلكه الوفد ، أما الرابع فهو أَحمد بن فضلان الذي كان يجهل اللغات الاجنبية ، كما يتضح لنا مِنْ رِسَالتِهِ ، ويستعين بالترجمان للتفاهم مع الأقوام التي التقى بها في رحلته ، لكنه كان على المام باللغة العربية والشريعة الإِسلامية ، وأسندت إليه رئاسة الوفد وقيادته ، فهو في كل الظروف يأمر وينهي ويقرر الرحلة أو البقاء (38) ، إذ قالَ (39) : " فنُدبتُ أنا لقراءة الكتاب عليه وتسليم ما أُهدي إليه ، والاشراف على الفقهاء والمعلمين " . وكان مع الوفد أشخاصٌ ثانويون ذكرهم ابنُ فضلان قائِلًا (40) : " وتأخر عنَّا الفقيه والمعلِّمُ والغلمان الذين خرجوا معنا من مدينة السَّلام " ، ولعلَّهُم كانوا في مرتبة الملحقين المعاونين كما نسميهم بلغة الدبلوماسية اليوم.
ب- مسارُ رحلة ابن فضلان
غادر أعضاءُ الوفد مدينة السلام (بغداد) يوم الخميس 11 صفر سنة 309هـ / 21حزيران 921م ، فأقاموا يومًا واحدًا في النهروان ، وبعد وصولهم إلى الدسكرة أقاموا بها ثلاثة ايام ، ولمَّا وصلوا حلوان اقاموا بها يومين ومنها الى قرميسين ، وبعد إِقامة فيها مدة يومين غادروها حتى وصلوا همذان ، فأقاموا فيها ثلاثة ايام ، ثم توجهوا الى ساوة ، فأَقاموا فيها يومين ومنها إلى الرّيّ حيث أقاموا بها أَحَدَ عَشَرَ يومًا ، وهكذا واصلَ ابن فضلان وصف طريق الذهاب من بغداد الى بلاد البلغار سالكين طريق خراسان – خوارزم – البلغار 0
بَعدَ وُصُولِ ابن فضلان والوفد المرافق له مدينة بَخارى ، التقى بوزير السامانيين أبي عبد الله أَحمد بن محمد بن نصر الجيهانيِّ الكاتبِ صاحب كتاب: المسالك والممالك (41) ، وقد سعى لمقابلة الوفد مع الأمير نصر بن أَحمد الساماني ، وفعلًا استقبلهم الأميرُ ، وبدأهم بالسؤال عن الخليفة العباسي المقتدر بالله ، وتم بحضرته قراءة كتاب الخليفة الموجه اليه بتسليم قرية ارثخشمثين من الفضل بن موسى النصراني وكيل ابن الفرات الى أَحمد بن موسى الخوارزمي ، وقام الأمير بإرسال كتابٍ الى صاحبه بخوارزم لتنفيذ أمر الخليفة بخصوصها ، كما أَمَرَ نصر بن أَحمد صاحبه في خوارزم بحماية الوفد وتقديم كُلّ ما يحتاجه وتسهيل مهمة سفره الى بلاد البلغار ،فأجابه بالسمع والطاعة (42) .
ويبدو أَنَّ تسليمَ ارثخشمثين لم يتم ، إِذ وَصَلَ الخَبر إلى الفضل بن موسى النَّصراني وكيل ابن الفرات عليها ، فاستخدم الحيلةَ ضِدَّ أَحمد بن موسى الخوارزمي الذي ما يزال في بغداد ولحق بالوفدِ بَعدَ سَفَرِهِ بِخَمسَةِ أَيَّامٍ ، إذْ كَتَبَ الفَضلُ إلى مَسؤولي الطريق من جند سرخس الى بيكند بالقبض على أَحمد بن موسى الخوارزمي واعتقاله ، وتم ذلك فعلًا ، إذ اعتُقِلَ في مدينة مرو ، وقد اتَّفَقَ (تَوَاطُؤ) الفضل مع مبعوث ملك البلغار عبد الله بن باشتو وغيره حول موضوع أَحمد بن موسى (43) .
وهكذا يتضح لنا عدم تحقيق أحد مطالب ملك البلغار بإيصال الأَموَالِ اللَّازمة اليه من ريع القرية ارثخشمثين، لصرفها على بناء المسجد والحصن الذي طلب ملك البلغار مساعدة الخليفة العباسي لبنائهما من ماله الخاص ، ويدلنا ما جرى من نقاش بين ابن فضلان وملك البلغار على هذه الحقيقة (44) .
استمر ابن فضلان في وصف معاناة الوفد والمتاعب الشديدة التي لقيها من برد قارس وصعوبات الطريق ، بسبب بُعد المفازات بين خوارزم وبلاد البلغار ، وما اعتراهم من الخوف من الخزر والترك في تلك الديار (45) .
ولمَّا اقترب وصول الوفد من بلاد الصقالبة ، التي قَصَد لزيارتها ومقابلة ملكها ، وكانوا على مسيرة يوم وليلة من عاصمة البلغار ، وصلَ الخبرُ بِقُربِ وُصُولِ الوفد القادم من بغداد ، فأمر ملك البلغار أَنْ يخرجَ لاستقبالهم الملوكُ الأربعةُ الذين كانوا تحت إمرته ومعهم إِخوته وأولاده ، فاستقبلوهم ، وحملوا معهم الخبز واللحم والجاورس (حب معروف يؤكل مثل الدهن) وساروا معهم ، ولما اقترب الوفد على بعد فرسخين (46) من عاصمة الملك ، أي أكثر من (9) كيلومترات ونصف ، تلقاهم بنفسه ، فنزلَ وخرَّ ساجدًا شكرًا لله – عزَّ وجلَّ - وفي كمِّهِ دراهم نثرها عليهم ، ونصب لهم قبابًا نزلوا فيها ، وكان وصولهم اليه يوم الاحد 12محرم سنة 310هـ (47) ، الموافق 11 آيار سنة 922م (48) ، فاستغرقت رحلةُ الوفد في ذهابه من بغداد حتى وصوله مدينة بلغار عاصمة بلاد البلغار قرابة أَحَدَ عشَرَ شهرًا، وصف ابن فضلان خلالها ما لقي من مصاعب كثيرة وأَهوال مذهلة وَصفًا جميلًا بارعًا يَضعه في الصف الأول من الرَّحالة الأُدباء(49) .
بعد وصول الوفد البغدادي الى عاصمة البلغار على نَهر الفولجا (أتل) واستقباله من قبل الملك وحاشيته ، أقام أربعة أيام ( الأحد-الأربعاء) في القباب التي ضُرِبَتْ لهم ، جمع الملك خلال تلك الايام الملوك والقادة وأهل بلده ، ليسمعوا قراءة الكتاب الذي أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله إلى ملك البلغار ، كما أَخَذَ الوفدُ خلالها قسطًا من الراحة من سفره الطويل ، وفي يوم الخميس كان اجتماعهم فَنَشَرَ الوفد المِطردين اللذين كانا معهم ، وهما : الراية واللواء اللتين بعثهما الخليفة الى ملك البلغار مع الوفد ، وقام الوفد أَيضًا بإسراج الدابة بالسرج المُوَجَّه الى الملك ، ليركبها تَبَرُّكًا واعتِزازًا بالخليفة العباسي ، كما ألبسوا الملك السواد والعمامة ، كل هذه الامور كانت مع الوفد ، وبذلك قُلِدَ ملك البلغار رسوم الخلفاء العباسيين وشاراتهم، إذ لبس السواد وهو شعار العباسيين والعمامة التي بعثها الخليفة اليه تشبُّهًا به وإكرامًا له قبل قراءة كتاب الخليفة اليه ، وبحفل مهيب حضره الملوك والقادة وأهل بلده .
واصلَ ابن فضلان حديثه عن هذه المناسبة الخالدة فيذكر أَنَّهُ أَخرَجَ كتابَ الخليفة استعدادا لقراءته ، وقال للملك : لا يجوز ان يُقرأ كتاب الخليفة ونحنُ جلوس ، أي يجب أَنْ يَقِفَ الجميعُ بما فيهم الملك، وفِعلًا قام الملك هو ومن حضر معه من وجوه أهل مملكته إجلالًا واحترامًا للخليفة العباسي ، ووصَفَ ابن فضلان ملك البلغار بأنه كان رجلًا بدينًا وبطينًا جِدًّا .
بدأ ابن فضلان بقراءة صدر كتاب الخليفة الموجه الى ملك البلغار ، فلما وَصَلَ منه : " سلام عليك فإني أَحمدُ إِليك الله الذي لا إله إلَّا هو " ، طلب منه ابن فضلان أن يرد السلام على أمير المؤمنين ، فَرَدَّ ورَدَّ الجميعُ معه ، وكان الترجمان يترجم لهم حرفًا حرفًا ، ولما أكمل قراءة كتاب الخليفة كبّر الجميع تكبيرة ارتجت لها الأرض !
وهكذا وَصَفَ لنا ابنُ فضلان وَصفًا رَائعًا ذلك المشهد التاريخي الخالد ، عند قراءته كتاب الخليفة العباسي المقتدر بالله الى ملك البلغار ، وأوضح لنا عظيم هيبة الخليفة في نَفسِ المَلِكِ وأَهلِ بَلده ، فَضلًا عن أنَّ ابن فضلان بدأ مباشرة بنقل قيم وتقاليد المسلمين في احترام الخلفاء وإجلالهم من خلال أمره الملك وحاشيته وجميع من كان حاضرًا بالوقوف اثناء قراءة كتاب الخليفة ، وكذلك أمر الجميع برد السلام على الخليفة العباسيّ ، وبعد انتهاء قراءة الكتاب كَبّر الجميع تكبيرة عظيمة مدوية ، ثم قرأ ابن فضلان كتاب الوزير حامد بن العباس ، وكان الملك واقفًا ، ثم أمره ابن فضلان بالجلوس فجلس عند قراءة كتاب نذير الحرمي ، ولما أكمل ابن فضلان قراءة كتاب الأخير ، نثر اصحاب الملك الدراهم الكثيرة عليه ، ثم اخرج ابن فضلان الهدايا المخصصة للملك وزوجته من الطيب والثياب واللؤلؤ ، وكان من عاداتهم جلوس زوجة الملك الى جانبه فخلع عليها ابن فضلان بحضور أهل بلده ، ولما خلع عليها نثرت النساء عليها الدراهم ، وانتهى هذا الاحتفال المهيب بهذه المراسيم (50) .
ج- تأثيرات رحلة ابن فضلان :
استمر ابن فضلان يرسم في رحلته صورة واضحة للبلغار (الروس) وحضاراتهم وعاداتهم وتجارتهم ، لكنهم كانوا مازالوا دون ما وصل اليه المسلمون في مدينتهم ، على الرغم من وجود عادات طريفة عندهم ، منها أن كل واحد يأكل من مائدته لا يشاركه فيها أحد ، ولا يتناول من مائدة غيره شيئًا ، وكانت ملابسهم التي يلبسونها على الرأس هي القِلانس يرفعونها عن الرأس ويضعونها تحت الإبط للتحية وإظهار الاحترام، كما كانت علاقة الملك بشعبه علاقة ابوية ديمقراطية ، وعرضُ ابنُ فضلان وصفا لطول الليل شتاءً وطول النهار صيفًا ، وتعذَّرَ تحديد أوقات الصلاة . ووصفَ ابنُ فضلان حب البلغار لمادة (السمن) وكان ملكهم بدينا (سمينا) ، كما كان عندهم تفاح اخضر شديد الحموضة تأكله الجواري فيسمن (51) .
إنَّ الذي يهمُّنَا هو إِبراز الآثار العربية الإِسلامية التي تركها ابن فضلان والوفد المرافق له في بلاد البلغار اثناء رحلتهم ، فابنُ فضلان هو الرَّجُلُ المكلَّفُ بِأَدَاءِ المَهام والمسؤوليات الدينية ، استجابة لرغبة ملك البلغار الذي طلب من الخليفة العباسي أَنْ يرسلَ إليه بعثة تضمُّ رجالَ دين ، مُهِمَّتُهُم تَبصيره بأمور الدين الإِسلاميّ وأحكامه وكذلك توضيح هذه الأُمُور لِشَعبِهِ ، واتَّضَحَ لنا أَنَّ ابنَ فضلان كان رَجلًا ملتزمًا متمسِّكًا بِدينِهِ وتقاليد الإِسلام منذ مقابلته الاولى لملك البلغار عند استقبالهِ معَ الوفدِ المُرَافِقِ له ، إِذْ بَدأ يطبق تلك التقاليد العربية الإِسلاميَّة مباشرة عندما أمر ملك البلغار بالوقوف إجلالًا واحترامًا للخليفة اثناء قراءة كتابه وكتاب الوزير حامد بن العباس ، وطلب الرد على سلام الخليفة للملك ، والتكبيرة المدوية التي كبَّرَ بها مَنْ كانَ حاضرًا ذلك الاحتفال بعدَ اختتام قراءة الكُتُبِ المُوَجَّهَةِ إلى ملك البلغار 0
استمر ابن فضلان في وصف مراسيم استقبال الوفد والحفاوة البالغة به من قبل ملك البلغار وحاشيته ، فبعد اتمام قراءة الكتب وتقديم الخلع والهدايا له ولزوجته ، طلب من اعضاء الوفد الدخول اليه ، وكان جالسا في قبته ، وكان الملوك يجلسون عن يمينه، فأمر أعضاءَ الوفد بالجلوس عن يساره ، وكانَ أَولادُهُ جالسين بين يديه ، ، وكان الملكُ جالسًا وحده على سرير مغشى بالديباج الرومي ، فدعَا بِالمَائِدَةِ وقُدمت ، وعليها اللحم المشوي ، وبعد انتهاء الوليمة دعا بشراب العسل الذي يسمونه : (السجو) فَشَربَ قَدَحًا ، ثُمَّ قامَ فَقَال : " هذا سروري بمولاي أمير المؤمنين- أَطال اللهُ بَقَاءَهُ – " ، وقام الملوكُ الأربعةُ وأولادُهُ لقيامه ، كما قام أَعضاءُ الوَفدِ ، وكرَّرَ ذلك ثلاثَ مرات ، ثم غادرَ الوفد المكان (52) ، وبعد ذلك بدأ ابنُ فضلان يضع الأسس والقواعد الدينية في مكانِهَا المناسب ، من خلال تَوجيهاته وتصحيحاته لكثير من الأُمورِ التي جَرَت بشكلٍ مخالفٍ لأُصول الإِسلام وتعاليمه.
ذَكَرَ ابنُ فَضلان (53) أَنَّ الخطبةَ لملك البلغار كانت تبدأ على منبره قبل وصول الوفد بالقول : " اللهم وأصلح الملك يلطوار ملك البلغار " ، وقد أوضح له ابن فضلان بأسلوب الإقناع والنصيحة ما يؤدي الى تغييرِ هذه الخطبة ، بأنَّ الله تعالى هو الملك ، ولا يُسَمَّى على المنبر بهذا الاسم غيره ، وضرب له مثلا ان الخليفة العباسي المقتدر بالله رَضي لنفسه أَنْ يقالَ على منابره في الشرق والغرب : " اللهم أَصلح عبدك وخليفتك جعفر الامام المقتدر بالله امير المؤمنين " ، وكذلك كان قبله حال آبائه الخلفاء ، وعزز ابن فضلان هذه الفكرة ان استشهد بقول الرسول الكريم (ص) : " لا تطروني كما أطرت النَّصَارَى عيسَى بنَ مريمَ ، فإنَّما انا [عبد فقولوا] عبد الله ورسوله )) ، عند ذلك سأل ملك البلغار ابن فضلان كيف يجوز ان يخطب له ؟ فأجابه ان تكون الخطبة باسمه واسم أبيه ، وهنا أثار ملك البلغار مسألة مهمة هي ان اباه كان كافرًا ، لذا فهو لا يُحب أَنْ يذكر اسمه على المنبر ، فضلًا عن أنه ( الملك) لا يحب ذكر اسمه لأن الذي سماه كان كافرًا ويقصد اباه ، وهنا سَأَلَ ملكُ البلغار ابن فضلان عن اسم الخليفة فأجابه : جعفر ، فسأل هل يجوز أنْ يَتَسَمَّى بِاسْمِهِ ؟ فَأَجَابَهُ ابنُ فضلان : نعم ، فقال الملك : " قد جعلتُ اسمي جعفرًا، واسم ابي عبد الله " ، وطلب من ابن فضلان أَنْ يُوَضِّحَ ذلك للخطيب الذي يخطب في المجلس للخليفة العباسي ولملك البلغار ، ففعل ذلك ، فكان الخطيب يخطب للملك بقولهِ : " اللهم وأصلح عبدك جعـفر بن عبد الله أمير بلغار مولى أميـر المؤمنين " .
يتضح لنا مما سبق أَنَّ ابنَ فضلان شرع بتطبيق تعاليم الإِسلام وتصحيح ما كان سائدًا بشكلٍ خاطئ في بلاد البلغار قبل وصول البعثة التي تَرَأَّسَهَا ، فقد بَسّط تعاليم الإِسلام حولَ تسمية الملك وألقابه التي تُقرأ على المنبر ، وجَسّد مبادئ التواضع والبساطة التي يَتَحَلَّى بها الخلفاءُ العباسيون من خلال اقتدائهم بالرسول الكريم (ص) ، إذ إن الرسول (ص) والخلفاء إنما هم عبيد الله سبحانه وتعالى وخلفائه في الأرض ، كما أنَّ ملكَ البلغار غَيّر اسمَهُ إلى اسم عربي إسلامي ، وطلب أن يخطب الخطيب بِاسْمِهِ هذا : ( جعفر بن عبد الله ) على المنبر ، وهذا الاسم كان تيمنًا واعتزازًا باسم الخليفة العباسي المقتدر بالله ، وهكذا بدأ انتشار الاسماء العربية الإِسلامية في بلاد البلغار ، وقد ذكرنا أن رسول الملك البلغاري الى الخليفة العباسي اسمه : عبد الله بن باشتو الخزري.
ما يثير الانتباه تَمسك ملك البلغار واعتزازه بالدين الإِسلامي بشكل وثيق ، إذ رَفَضَ أَنْ يُسمَّى بِاسْمِ ابيه لأنه كان كافرًا ، كما رفض أن يبقى اسمه ؛ لأن أباه الكافر هو الذي سماه به ، وهذا ما جعلَ البعضُ يميلُ إلى القول بأن الإِسلام دخل بلاد البلغار قبيل رحلة ابن فضلان ، أو أن الملك البلغاري أسلم عند وصول ابن فضلان (54) ، وهذا غير صحيح ، بل إن الإِسلام كان معروفًا ومنتشرًا في تلك البلاد قبل وصول ابن فضلان الذي عَزّزَ مسيرته وهَذّبَ كثيرًا من القيم والعادات التي كانت سائدة بشكل خاطئ وغير صحيح ؛ بسبب عدم التطبيق الصحيح لقيم ومبادئ الإِسلام الحنيف.
وبخصوص انتشار الاسماء العربية الإِسلامية بين البلغار ، ذكر ابن فضلان (55) أن رجلًا اسمه (طالوت) اسلم على يديه ، فسماهُ : (عبد الله) ، لكنه طلب من ابن فضلان ان يسميه على اسمه قائلًا : " أريد أن تسميني باسمك محمدًا " ، فاستجاب له ابن فضلان ، وأسلمت امرأته وأمه وأولاده ، وسموا كلهم محمد ، وأضاف ابن فضلان انه علمه : ( الحمد لله ) أي سورة الفاتحة و ( قل هو الله أحد ) أي سورة الاخلاص ، فكان فرحه بهاتين السورتين اكثر من فرحه لو صار ملكًا على الصقالبة.
ويتضح لنا انتشار الاسماء العربية ، فهذا الرجل الذي أسلم وسمَّاه ابن فضلان : عبد الله ، طلب ان يتسمى على اسم ابن فضلان ( أَحمد ) وهو من اسماء الرسول الكريم (ص) اعتزازًا واجلالًا لقدسية الرسول محمد (ص) ، اما تسمية زوجته واولاده كلهم باسم محمد ، فهذا يدل على أن هذه الأسرة أصبحت مسلمة ، يمكن أنْ تعد نفسها ( مُحمدية ) ، أي أنها اعتنقت الإِسلام دين الرسول الكريم محمد (ص) ، واقترنت بِاسْمِهِ تيمُّنًا واعتزازًا به ، وكان ذلك الرجل فَرحًا ومَسرورًا إلى درجة كبيرة ؛ لأنَّ ابنَ فضلان عَلّمه سورتي الفاتحة والإخلاص ، وعبَّرَ عَن فَرَحهِ الشديد بهاتين السورتين أكثر مِن فَرَحِهِ لو صارَ ملكًا 0
وكان مؤذن ملك البلغار يثنّي الإقامة اذا أذَن ، فأخبره ابن فضلان أنَّ مولاهُ الخليفة العباسي يفرد في داره الإقامة ، ويتضح من طريقة الأذان ان البلغار كانوا على مذهب ابي حنيفة الذي كان سائدًا بين أتراك أسيا الوسطى ، بينما كان ابن فضلان على مذهب الشافعي ، ومع ذلك قال للمؤذن : " اِقبلْ ما يقوله لك ، ولا تخالفه " ، واستمرَّ المؤذنُ على ذلك أيامًا ، أي إفراد الإقامة كما اراد ابن فضلان ، لكن البلغار وملكهم ظلوا متمسكين بالمذهب الحنفي طوال تاريخهم.
وقد أثار موضوع المال الذي كان مقررًا ان يحصل عليه ملك البلغار من ابن فضلان لبناء المسجد والحصن ، اختلافًا جديدًا بين ابن فضلان وملك البلغار ، يتضح لنا ذلك من خلال حوار ديني طريف جرى بينهما ، فبعدما أيقن الملك عدم حصوله على ذلك المال تقدم الى المؤذن طالبًا منه أن يُثني الإقامة ففعل ، وأراد أنْ يجعلَ من هذا الموضوع مدخلًا للمناظرة ، لكن ابن فضلان نهى مؤذن الملك من التثنية في الإقامة للصلاة ، فعرفَ الملكُ ذلك ، وأَحضَرَ ابنَ فضلان وأصحابَهُ .
سأل ملكُ البلغار ابنَ فضلان بواسطة المترجم رأيه حول مؤذنين أفرد أحدهما وثنَّى الآخر ، ثمَّ صلَّى كلُّ واحد منهما بقومٍ هَل تجوزُ الصلاة أم لا ؟ أجابَهُ ابنُ فضلان إنَّ الصلاةَ جائزةٌ ، فسأله الملك باختلاف أم بإجماع ، فأجابه : بإجماع ، ثم سأله الملك رأيه في رجل دَفَعَ مالًا لأقوام ضعفاء محاصرين مستعبدين فخانوه ، أجابه ابن فضلان ان هذا لا يجوز وهؤلاء قوم سوء ، فسأله الملك باختلاف أم بإجماع ، قال ابن فضلان : بإجماع ، فقال الملك للمترجم ان يخبر ابن فضلان ان الخليفة لو ارسل جيشًا هل يقدر عليه ؟ أجابه ابن فضلان : لا وكذلك لو قام بذلك العمل امير خراسان ، وذلك بسبب بُعد المسافة وكثرة قبائل الكفار في الطريق بينهما ، قال ملك البلغار للترجمان أن يُوَضِّحَ لابن فضلان أنه في مكانه البعيد هذا خائفٌ من مولاه أمير المؤمنين الخليفة العباسي ؛ لأنه يخاف أنْ يَصلَ الخليفة عنه شيئًا يكرهُه فيدعو عليه ويهلكه في مكانه ، والخليفة في مملكته وبينهما مسافة شاسعة .
أراد ملكُ البلغار أن يُعبر عن اعتزازه وتمسُّكه الوثيق بالخليفة العباسي ، كما يؤكد اعتقاده بقدرة الخليفة وقوته الروحية التي تلحق الضرر بمن يسيئ التصرف معه ، وبذلك أوقع ملك البلغار اللومَ على ابنِ فضلان وجماعَتِهِ بخصوصِ عَدَمِ إيصال مال الخليفة إليهِ لبناء المسجد والحصن الذي أراد بناءَه لِدَرءِ خَطَر هُجُومِ الخَزر ضِدّه ، فقال مخاطبًا إياهم بهذا الصَّدَدِ : " وأنتم تأكلون خبزه وتلبسون ثيابه وترونه في كل وقتٍ خُنتُمُوهُ في مقدار رسالة بعثكم بها إليّ ، إلى قوم ضعفى ، وخنتم المسلمين ، لا أقبل منكم امر ديني حتى يجيئني من ينصح لي فيما يقول 0 فإذا جاءني إنسان بهذه الصورة قبلت منه " ، وعلَّقَ ابنُ فضلان على هذا القول بأن ملك البلغار قد ألجمنا ، أي : أسكتنا لأنهم احتاروا في كيفية الإجابة عليه ثم انصرفوا من عنده ، وهكذا يبدو ملك البلغار شديد الاهتمام بأمر المال لا بسبب حاجته وانما عدّ ذلك المال مقدسًا ويبعث فيهم القوة اذا تم بناء الحصن ضد أعدائهم من الخزر خاصة بذلك المال ، اعتقادًا بقوة الخلافة التي ستزيد قوتهم وبأسهم ، فهم ليسوا ضعفاء بل إنهم ضعفاء بالنسبة للخليفة العباسي ؛ لأنهم رعيته وتبعيته في الدين خاصة ، واضاف ابن فضلان أنَّ الملكَ بعد كلامه هذا كان يُفضله ويُقربه ويُباعد أصحابه إلى درجة أنَّهُ أَخَذَ يُسَمِّيهِ " أبا بكر
الصديق "(56) ، ولعلَّ ذلك نابع من صدق ابن فضلان وتمسكه بدينه وعقيدته ، وعدم قدرته على إحضار المال الذي تأخر لأسباب قاهرة خارج إرادته ، ويرجح أنَّ هذه التسمية يمكن أنْ تكون ان كنية ابن فضلان هي ابو بكر ، فأضاف اليه الصدّيق(57) .
كان أشد ما أَثَارَ استياءَ ابن فضلان وعدم ارتياحه انتشار عادة سيئة في مجتمع البلغار ، هي نزول الرجال والنساء الى النهر واغتسالهم جميعًا عُراة ، لا يستتر بعضُهم عن بعض ، وقد أشار الى العقوبات الرادعة ضد من يزني من الرجال والنساء ، وعلى الرغم مِن مُحَاوَلَتِهِ منعهم من هذه العادة القبيحة ، واجتهاده في استتار النساء من الرجال في السباحة إلا أنَّهُ لمْ يُوَفَّق في ذلك ، فقال : " فما استوى لي ذلك " ، وكان البلغار يقتلون السارق كما يقتلون الزاني (58) .
استمر ابن فضلان يواصل أداء رسالته الدينية في بلاد البلغار ، فقد أشار إلى أنه زَارَ إِحدَى مَجموعاتِ البلغار المعروفين بـ : البرنجار ، لعلَّهُ يقصد : المونغول (59) ، وكان عددهم بحدود خمسة آلاف نسمة من الرجال والنساء دخلوا الإِسلام جميعًا ، وبنوا لهم مسجدًا من خشب يُصلّون فيه ، ولا يعرفونَ القِرَاءَةَ ، وأضاف أنه علَّمَ جماعةً ما يُصلُّونَ به (60) ، أي علَّمَهُم قراءة السُّوَرِ القرآنية وكيفيَّة أداء الصَّلاةِ 0
وكان ابن فضلان يغضب غضبًا شديدًا لانتهاك حرمة المرأة المسلمة من قبل ملك الخزر اليهودي ، واغتصابه لها للزواج منه ، إذ كان يأخذ ابن ملك الصقالبة ( البلغار) رهينة عنده ، ولما عرف بجمال ابنة ملك الصقالبة توجه لخطبتها فرفض أبوها ذلك ، لكنه أخذها غصبًا على الرغم من انه يهودي وهي مسلمة ، فماتت عنده ، وكانت للملك بنتًا أخرى (أختها) ، فتوجه ملك الخزر لخطبتها ، لكن أباها زوّجها سِرًّا من أحد ملوك ( أسكل ) التابعين له ؛ خشية ان يغتصبها ملك الخزر اليهودي كما فَعَل بأختها أوَّلًا ؛ لذلك أرسلَ ملكُ البلغار رسولًا الى بغداد يطلب من الخليفة العباسي المقتدر بالله أنْ يساعدَهُ بالمال اللازم لبناء حصن يتحصَّن فيه خَوفًا من ملك الخزر (61) .
يبدو لنا من خلال رسالة ابن فضلان عدم تحقيق هذا الهدف أي بناء الحصن ، إذ لم تشر الرسالة الى هذا الأمر بوضوح ، بل إنَّ ما أَخبَرَنَا بهِ ابنُ فضلان أكثر من مرة يؤكِّدُ ما ذَهَبنا إليه ، فقد ذكر أنَّ ملك البلغار استدعاه بعد ثلاثة ايام من وصوله مع الوفد وقراءة كتاب الخليفة حول امر اربعة آلاف دينار ، وما كان بشأنها من الحيلة التي عملها الفضل بن موسى النصراني وكيل الوزير ابو الحسن علي بن الفرات من أموال ضيعة ارثخشمثين في بلاد خوارزم ، وتسليم المال الى أَحمد بن موسى الخوارزمي الذي كان يلتحق بابن فضلان ويواصل سيره الى بلاد البلغار ، لكن يبدو ان حيلة الفضل النصراني قد نجحت في القبض على أَحمد الخوارزمي ، فاعتلَّ في الطريق ومنع من الحصول على المال وإيصاله ، وبعد وصول ابن فضلان ومقابلته ملك البلغار قدَّمَ الأخيرُ إليه كتابَ الخليفة المقتدر بالله وكتاب الوزير حامد بن العباس طالبًا منه المال الذي ذكره فيهما الملك ! فأجابه ابن فضلان أنَّ المالَ تعذَّر جمعهُ وضاق الوقت فتركناه (أَحمد بن موسى الخوارزمي) ليلحق بنا ، فردَّ عليه الملك أن مجيئهم وصرف الخليفة العباسي المال الكثير عليهم لإيصال ذلك المال إليه لبناء حصن يمتنع به من اليهود لم يحقق الهدف المنشود ، ليخلصه من استعباد ملك الخزر ، وأخبَرهُ أَنَّ الهديَّةَ يمكن ان يحملها غلامه أي رسول الخليفة ٍ، فأجابه ابن فضلان أنَّ ذلك صحيحًا وأنهم اجتهدوا ، فقال الملك للترجمان : " قل له أنا لا أعرف هؤلاء ، إنَّما أعرفك انت ، وذلك أنَّ هؤلاء قوم عجم ... ولست أطالب غيرك بدرهم فاخرج من المال فهو أصلح لك " ، وأضافَ ابنُ فضلان أنه خرج من عندِ الملك مذعورًا مغمومًا ، وكان رجلًا له منظر وهيبة ، بدين عريض ، وبعد خروجه جَمع أَصحابه وعرَّفهم ما جَرَى بينه وبين الملك البلغاري ، واوضح لهم انه كان يحذر من هذا الأمر ! (62) .
واللقاء الثاني حول هذا الموضوع ذكرناه من خلال المناظرة التي جرت بين ابن فضلان وملك البلغار حول الإقامة في الأذان ، وانسحب النقاش الى موضوع المال الذي قرر الخليفة إرساله إلى الملك ليبني به حصنًا ضد اليهود ملوك الخزر ، وفي ذلك الحوار وَصَفَ ملكُ البلغار ابنَ فضلان وجماعتَهُ بالخيانة في عدم الإيفاء بتطبيق ما جاء في رسالة الخليفة الى الملك حول المال المقرر استلامه لبناء الحصن ضد الخزر اليهود (63) .
نستنتج مما سبق أنَّ ابنَ فضلان لم يستطعْ ايصال المال اللازم من ضيعة ارثخشمثين الى ملك البلغار لأسباب وظروف قاهرة خارج إرادته (64) ، ودليلنا على ذلك ما ذكرناهُ من خلال رسالته ، فضلًا عن أنه سأل ذات يوم ملك البلغار حول أمر طلب المال من الخليفة العباسي لبناء الحصن ضد غارات ملك الخزر اليهودي ، إذ قال له ابن فضلان : " مملكتك واسعة وأموالك جمة وخراجك كثير ، فَلمَ سألتَ السلطان [الخليفة] أَنْ يبني حصنًا بمالٍ من عنده لا مقدار له ".
نستنتج من سؤال ابن فضلان عدم توفر ذلك المال لدى الخليفة العباسي ، الذي أوعز باستحصاله من ضيعة ارثخشمثين في بلاد خوارزم ، فأجابه ملك البلغار قائلًا : " رأيتُ دولة الإِسلام مُقبلة ، وأموالهم يؤخذ من حَلها ، فالتمستُ ذلك لهذه العلة ، ولو أني اردت أن ابني حصنًا من اموالي من فضة أو ذهب لما تَعَذَّرَ ذلك عليّ ، وإنما تبركتُ بمال امير المؤمنين ، فسألتهُ ذلك " (65) .
يتضح لنا من خلال هذه النصوص أنَّ ملكَ البلغار اعترف بقوة الدولة العباسية وهيمنتها ، وهو أمرٌ يُفْخَرُ ويُعْتزُّ به شديد الاعتزاز ، وأن أموالها شرعية فهي أموال حلال ، وبمقدور الملك ان يبني ذلك الحصن من امواله من الذهب أو الفضة ان اراد ذلك ، لكنه اراد ان يتبرك بمال الخليفة العباسي ، فطلب منه ذلك 0 إن هذا الأمر يدعو الى الزهو من جانب بغداد ، ويوضح هيبة الخليفة والخلافة ، ويرسم مكانتهما في اوربا وقتذاك ، خاصة حين يستنجد به ملك مملكة واسعة ويسعى معه الى حلف ثقافي ديني عسكري ، وهذا يؤكد ان سمعة بغداد في الخارج في عصر الخليفة المقتدر بالله كانت جيدة بل وعظيمة ، يتهافت الملوك والامراء عليها ليعقدوا معها أجمل الصِلات وأوثق التحالفات ، حتى إنَّ الصقالبة - وهم سكان شمال أوربا على أطراف نهر الفولجا وعاصمتهم على مقربة من مدينة قازان اليوم في خط يوازي مدينة موسكو - طلبوا عونَ الخلافة العباسية ومساعدتها (66) ، وعلى أي حال فَإِنَّ ما قام بهِ ابنُ فضلان مِن أَعمالٍ في مَجَالِ التربية والتثقيف بين مختلف الشعوب التي زارها خلال القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي ، دليل على الدور الذي انجزته مدينة بغداد في نقلها الحضارة وتنظيمها للقيم الروحية الإنسانية في مختلف بلاد العالم(67) .
بعد انتهاء مهمة السفارة التي شارك فيها ابن فضلان عاد يصف في رسالته هذه رحلته ، كما يكتب السفراء تقاريرهم اليوم بعد القيام بمهماتهم ، وجاءت رسالته بأسلوب بديع رائع ممتع مليء بالغرائب والعجائب وأَطراف المُشَاهدات ، تصور حال الأَقوام والبلاد وعاداتهم المدنية والاجتماعية والدينية ، وترسم الطريق اليهم ، والفوارق التي تفصل بين الشرق والغرب ، وهذه الرحلة جديرة بالدراسة والتعليق ، تَصِفُ رأي رجل مسلم بتلك الربوع من جانب واحد ، ولا نجد ما يقابلها في كتب الروس والصقالبة من أثر لذلك العهد ، فهي وثيقةٌ تاريخية ، ترفع للعرب شأنًا في التأليف والوصف ، وذخيرة من ذخائر تُراثنا المدهشة النافعة(68) .
وتجدرُ الإِشَارَةِ إلى أَنَّ خَاتِمَةَ الرسالة مفقودةٌ ، وأنَّ النسخةَ المخطوطةَ التي اكتُشِفَتْ في مدينة مشهد (طوس)، تُمكننا لأول مرة من الحكم على الرسالة في صورتها الكاملة ، ومن المستحيل الجزم أنَّ جميع المسائل المتعلقة بمتن الرسالة قد حُلت نهائيًّا . أمَّا تاريخ وخط سير الرجعة فليس معروفًا لدينا ؛ لأن خاتمة الرسالة امتدت اليها أيدي الضياع (69) .
د – أهمية رحلة ابن فضلان
ذَكَرَ بارتولد (70) المصادر المتعلقة ببلاد البلغار (الروس) ، وعَدَّ ابنَ فضلان عمدةَ المصادر عن البلغار ؛ لأنَّهُ اشترك في الوفد الذي أرسلَهُ الخليفةُ العباسيُّ المقتدرُ بالله سنة 309هـ/921م ؛ إذ أُوكِلَتْ إليهِ مهمَّة تعليم البلغار الدين الإِسلامي ، مما يوضح دوره في الجانب الديني للوفد .
وذَكَرَ كراتشكوفسكي (71) أن ابن فضلان تبوَّأَ المكانةَ الأُولَى بين الرحالين ، سواء من الناحية الزمنية أو الأهمية الذاتية ؛ بسبب رسالته التي تَجَدَّدَ الاهتمامُ بها في الأعوام الأخيرة بالدرجة نفسها التي تمتعت بها أول مرة منذ أكثر من مئة وعشرين عامًا، فقد قدَّمتْ لنا صورةً حيَّةً للظروف السياسية في العالم الإِسلامي ، والعلاقات بين بلاد الإِسلام والبلاد المتآخمة لها في آسيا الوسطى أو الأصقاع النائية التي تمل أطراف العالم المتمدن وقتذاك مثل حوض الفولجا ، كما أن الرسالة تحفل بمادة اثنوغرافية قيمة جدًّا ومتنوعة بصورة فريدة ، وهي تتعلَّق بعدد من القبائل التركية البدوية المستقرة في آسيا الوسطى ، وعدد من الشعوب التي أدت دورًا أساسيًّا في تاريخ أوربا الشرقية ، مثل : البلغار والروس والخزر ، فضلًا عن قيمتها الأدبية وأسلوبها القصصي السلس ولغتها المصورة التي لا تخلو من بعضِ الدعابة غير المقصودة.
ترجع أهمية رسالة ابن فضلان في أنها زودت التاريخ العالمي بشذرات مهمة عن أنماط معيشة الشعوب قلما سُجِّلتْ ، وبذلك سَدَّتْ ثغرةً تاريخية في هذا المجال ، وتعد رائدًا في الإشارة إلى تاريخ الشعوب الصربيَّة والروس منهم على وجه الخصوص ، وبذلك أوضحت هذه الرحلة علاقة العرب بالآخر ، وفتح مجال الاتصال مَعَ الشُّعُوبِ الأُخرى النَّائية عن بلاد العرب ، وتبادل المصالح والمنافع وعناصر الحضارة بينهما (72).
إنَّ قِرَاءَةَ رحلة ابن فضلان تمنحُ المرءَ متعة نادرًا ما يتلقَّاها في عملٍ من النوع الأدبي نفسه ، وسيكتشف القارئ الكريم هذه المتعة عندما يشرع في قراءتها بتمعنٍ وأناةٍ.
الهوامش والتعليقات:
1. ورد هذا الاسم في رسالة ابن فضلان ( صفحة العنوان ) ، وكذلك ص65 ، وجاء فيها ما نصه : " هذا كتاب أَحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر بالله الى ملك الصقالبة " ، وعلى ص67 : " قال أَحمد بن فضلان" ، يُنظر أيضًا : الحموي . معجم البلدان 1/322 ، 486 ، حسن . الرحالة المسلمون ص36 .
2. رسالة ابن فضلان ص65 ، نقلًا عن : مخطوطة مدينة مشهد الوحيدة ، الورقة 196 ظ .
3. تجارب الأمم 5/ 51، نقلًا عن : الدهان ( محقق ) . مقدمة رسالة ابن فضلان ص38 ، حسن . الرحالة المسلمون ص26 .
4. معجم البلدان 1/87 ،322 ، 486 .
5. الرسالة ص119 ، الدهان . مقدمة تحقيق الرسالة ص38 .
6. المصدر نفسه ص135 . الدهان . المرجع نفسه ص37-38 .
7. الدهان . مقدمة الرسالة ص38 .
8. المرجع نفسه ص38-39 .
9. تاريخ الأدب الجغرافي 1/186-187 ، العبادي . العلاقات ص118 .
10. الدهان ، مقدمة رسالة ابن فضلان ص 44-49 ، شاكر لعيبي ، مقدمة رحلة ابن فضلان ص 12 ، 14 .
11. الدهان ، مقدمة رسالة ابن فضلان ص 50 ، شاكر لعيبي ، مقدمة رحلة ابن فضلان ص 12 .
12. الدهان ، مقدمة رسالة ابن فضلان ص 7-10 ، 51-52 .
13. شاكر لعيبي، مقدمة رحلة ابن فضلان ص 12 .
14. المرجع نفسه ص 17 ، . يُنظر للتفصيل : المرجع نفسه ص 17-29 .
15. الدهان ، مقدمة رسالة ابن فضلان ص 34 ، 40 ، 54-56 ، شاكر لعيبي ، مقدمة رحلة ابن فضلان ص 13.
16. مقدمة رسالة ابن فضلان ص 42 .
17. الحموي ، معجم البلدان 1/87-88 ، وقارن : شاكر لعيبي ، رحلة ابن فضلان ص 94-95 (هامش).
18. معجم البلدان 1/322-323 ، وقارن : شاكر لعيبي ، رحلة ابن فضلان ص 71 (هامش).
19. معجم البلدان 1/485-487، وقارن : شاكر لعيبي ، رحلة ابن فضلان ص 78-80 (هامش).
20. الحموي . معجم البلدان 2/267-269، وقارن : شاكر لعيبي ، رحلة ابن فضلان ص 111-114 (هامش).
21. معجم البلدان 1/397-398، وقارن : شاكر لعيبي ، رحلة ابن فضلان ص 53-54 (هامش).
22. معجم البلدان 3/79، والتفاصيل : المصدر نفسه 3/79-83 ، وقارن : شاكر لعيبي ، مقدمة رحلة ابن فضلان ، هوامش ص 54-58 ، 118-122.
23. آثار البلاد وأخبار العباد ص 526، يُنظر أيضًا: مصطاف . زكريا القزويني ص 127-128 ، شاكر لعيبي ، مقدمة رحلة ابن فضلان ، ص 15.
24. آثار البلاد وأخبار العباد ص 609-610، يُنظر أيضًا: مصطاف . زكريا القزويني ص 128، شاكر لعيبي ، مقدمة رحلة ابن فضلان ، ص 15 ، 71 (الهامش).
25. آثار البلاد وأخبار العباد ص 526، يُنظر أيضًا: مصطاف . زكريا القزويني ص 128، شاكر لعيبي ، مقدمة رحلة ابن فضلان ، ص 15-16.
26. آثار البلاد وأخبار العباد ص 586 . وقارن : الحموي ، معجم البلدان 3/79 .
27. الحموي ، معجم البلدان 1/88 .
28. معجم البلدان 1/87 . ويُنظر : شاكر لعيبي . رحلة ابن فضلان ، ص 94-95 (الهامش).
29. المصدر نفسه ص 486 . . ويُنظر : شاكر لعيبي . رحلة ابن فضلان ، ص 78-80 (الهامش).
30. المصدر نفسه ص 88 .
31. وَرَدَتْ تَسميتُهُ هذه عند ابن فضلان . الرسالة ص67 ، وعلى ص102 ذَكَرَ ابنُ فضلان نقلًا عن ملك الترك أنه قال لهم : " إن هؤلاء رسل ملك العرب إلى صهري المش بن شلكي " ، وهذا يعني أنَّ المش بن شلكي ملك الصقالبة هو صهر ملك الترك . وقبل رحلة ابن فضلان ذكر لنا ابن رسته ( الأعلاق النفيسة ص141 ) أن ملك البلغار يسمى : المش وهو ينتحل الإِسلام ، ولا ندري لعله الملك نفسه الذي زَارَهُ ابن فضلان بعد ذلك ، وسماه الحموي : المس بن شلكي بلطوار . معجم البلدان 1/486 ، ولعلهُ تصحيفٌ لاسم : المش ، كما ورد اسمه : المشرح بن سلكي يلطوار . د. جمال رشيد أَحمد . مع رحلة ابن فضلان ص345 . وذكر بارتولد نقلًا عن ابن فضلان أنَّ اسمَ ملك البلغار ( المس ) كان موجودًا في الرواية التي نقل عنها ابن رسته ومن جاء بعده ، وأضاف حول مسألة الاسم ( المس ) أو ( المش ) بأنه لا يعرف هل كان الاسم قد ظهر بهذه الصيغة في الرسالة أو أَنَّهُ يرجع إلى النُّسَّاخِ المتأخرين ؟ إذ إنَّ الرسالةَ كانت منتشرةً بِنُسَخٍ عديدةٍ في عهد ياقوت . مادة (بلغار) . دائرة المعارف الإِسلامية 7/589-591 .
32. ابن فضلان . الرسالة ص67-69 ، الديوةجي . الصلات ص4-5 .
33. د. جمال رشيد أَحمد . مع رحلة ابن فضلان ص342 .
34. الرسالة ص68 ، 77-78 ، الدهان . مقدمة رسالة ابن فضلان ص24 ، شاكر لعيبي . مقدمة رحلة ابن فضلان ص 32.
35. اختلف في لقبه فهو عند ابن فضلان : الحرمي . الرسالة ص68 فما بعد ، وعند الحموي : الحزمي . معجم البلدان 1/486 ، وسماه الدهان : الخرمي . مقدمة رسالة ابن فضلان ص23 فما بعد ، ينظر أيضًا : الديوةجي . الصلات ص5 .
ونرجِّحُ لقبه "الحرمي" ، كما ورد في رسالة ابن فضلان ، وما جاء من اختلاف انما هو تصحيف النُساخ في الأعم الأرجح .
36. ارثخشمثين : مدينة كبيرة ذات أسواق عامرة ونعمة وافرة ، من أعمال خوارزم من أعاليها ، بينها وبين الجرجانية مدينة خوارزم ثلاثة أيام ، زارها ياقوت الحموي في شوال سنة 616هـ ، قبل وصول التتر إلى خوارزم بأكثر من عام . الحموي . معجم البلدان 1/141 .
37. الدهان . مقدمة رسالة ابن فضلان ص23 ، العبادي . العلاقات ص121-122.
38. المرجع نفسه ص23-24 ، ص69 هامش ، العبادي 0 العلاقات ص 122-123 الديوة جي 0 الصلات ص 5-6 0
39. الرسالة ص69 .
40. المصدر نفسه ص87 . يُنظر أيضًا : الدهان . مقدمة الرسالة ص24 ، العبادي . العلاقات ص123 .
41. ينظر عنه : ابن النديم . الفهرست ص153 ، ابن فضلان . الرسالة ص76 وهامشها .
42. ينظر عن الرحلة : ابن فضلان . الرسالة ص73-110 ، ( وعن سير خط الرحلة راجع ملحق رقم 1 ) ، ينظر أيضًا : الحموي . معجم البلدان 1/486 ، الديوةجي . الصلات ص6-7 .
43. ابن فضلان . الرسالة ص77-78 .
44. المصدر نفسه ص118-120 .
45. المصدر نفسه ص73-110 ، الحموي . معجم البلدان 1/486 ، الديوةجي . الصلات ص6-7 .
46. الفرسخ فارسي معرب فرسنك ، وهو وحدة قياس للأطوال (المسافات) ، ويساوي (3) ميل ، أي بحدود أربعة كيلومترات ونصف . هنتس . المكاييل والأوزان الإِسلامية ص94-95 .
47. ابن فضلان . الرسالة ص113 . وذكر كراتشكوفسكي أنَّ السفارةَ وَصَلَتْ إلى بلغار في 18 محرم 310هـ = 12مايو 922 م . تاريخ الأدب الجغرافي العربي ق1/187 . وحدد د. الدهان وصول الوفد الى الفولجا عند ملك الصقالبة يوم الأحد 12 محرم 310هـ الموافق 11 أيار 922م . مقدمة رسالة ابن فضلان ص25 ، 37 .
48. ذكرَ د. زكي محمد حسن أنَّ الوفد وَصَلَ بلادَ البلغار في 12 محرم سنة 310هـ / الموافق 12 مايو سنة 922م . الرحالة المسلمون ص27 ، وحدَّدَ كراتشكوفسكي التاريخ الميلادي نفسه كما ذكرنا في الهامش السابق . وأخطأ د. الدهان فذكر أَنَّ الوفد عادَ إلى بغداد في 12 محرم 310هـ /الموافق 11مارس 922م ، وأَنَّهُ قَضَى قرابةَ عامٍ كامل في رحلته . قدماء ومعاصرون ص52 . ولم نجد تحديدًا لعودة الوفد الى بغداد إِطلاقًا في أي مصدر من مصادر دراستنا .
49. ينظر : ابن فضلان . الرسالة ص73-113 ، الحموي . معجم البلدان 1/486 ، الدهان . قدماء ومعاصرون ص52 ، مقدمة تحقيق رسالة ابن فضلان ص25 ، 37 ، كراتشكوفسكي . تاريخ الأدب الجغرافي العربي ق1/187 ، الديوةجي . الصِلات ص6-7 ، الدهان. مقدمة رسالة ابن فضلان ص 25-29.
50. ينظر : ابن فضلان . الرسالة ص113-115 .
51. المصدر نفسه ص116-131 ، حسن . الرحالة المسلمون ص28-30 ، بارتولد . بلغار ص594 .
52. رسالة ابن فضلان ص115-117 .
53. المصدر نفسه ص117-118 ، ينظر أيضًا : الحموي . معجم البلدان 1/486-487 .
54. ذكر الحموي أنَّ ملك بلغار وأهلها أسلموا أيام المقتدر بالله ، ولم يقفْ على السبب في إسلامهم . معجم البلدان 1/486 ، حسن . الرحالة المسلمون ص27 ( وذكر أنَّ الإِسلامَ كان منتشرًا بينهم قبل هذه الفترة ). الداقوقي . دولة البلغار ص207-208 .
55. الرسالة ص135 .
56. يُنظر عن هذا الموضوع : ابن فضلان . الرسالة ص120-122 ، د. جمال رشيد أَحمد . مع ابن فضلان ص345 ، هربك . بلغار ص605 .
57. الدهان . رسالة ابن فضلان ، مقدمة الرسالة ص27 ، ص122 هامش.
58. الرسالة ص134 ، الدهان . مقدمة الرسالة ص26 .
59. الدهان . رسالة ابن فضلان ص135 هامش .
60. الرسالة ص135 .
61. المصدر نفسه ص145 ، الديوة جي . الصلات ص5 .
62. الرسالة ص119-120 .
63. الرسالة ص120- 122 .
64. يُنظر : رسالة ابن فضلان ص77-78 ، بارتولد . بلغار ص594 .
65. الرسالة ص146 ، الدهان . مقدمة الرسالة ص23 ، الديوة جي . الصلات 5 .
66. الدهان . مقدمة رسالة ابن فضلان ص12-13 .
67. أَحمد ، د. جمال رشيد . مع رحلة ابن فضلان ص348 . ويُنظر : عن إسلام الروس : شاكر لعيبي . رحلة ابن فضلان ، هوامش ص 100-102 .
68. الدهان . قدماء ومعاصرون ص52 .
69. كراتشكوفسكي . تاريخ الأدب الجغرافي العربي ق1/187 ، وذكر الحموي ان ابن فضلان عاد الى بغداد . معجم البلدان 1/486 ، ولم يحدد طريق العودة .
70. بلغار ، دائرة المعارف الإسلامية 7/590، 600 .
71. تاريخ الأدب الجغرافي العربي 1/186-187 .
72. يُنظر عن أهمية رحلة ابن فضلان : الدهان ، مقدمة رسالة ابن فضلان ص 29-34، شاكر لعيبي ، مقدمة رحلة ابن فضلان ، ص 30-33.

المصادرُ والمراجعُ
* ابن رسته ، أبو عليّ أحمد بن عمر (ت 291هـ/904م)
1- الأعلاق النفيسة ، مطبعة بريل ، ليدن ، 1891م.
* ابن فضلان ، أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد (ت بعد 309هـ/921م).
2- رسالة ابن فضلان في وصف الرحلة إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة سنة 309هـ/921م ، تحقيق د. سامي الدهان ، المطبعة الهاشمية ، دمشق ، 1379هـ/1959م .
- رحلة ابن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة ، تحرير وتقديم : شاكر لعيبي، دارُ السويدي للنشر والتوزيع ، أبو ظبي ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط 1 ، بيروت ، 2003م.
* ابن النديم ، أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق بن محمد المعروف بالوراق (ت 380هـ/990م).
3- كتاب الفهرست في أخبار العلماء والمصنفين من القدماء والمحدثين وأسماء كتبهم، تحقيق رضا تجدد ، طهران ، 1391هـ/1971م.
* بارتولد ، فاسيلي (ت 1930م).
4- بلغار ، دائرة المعارف الإسلامية ، مجلد (7) ، إعداد وتحرير إبراهيم زكي خورشيد ، وزميليه ، كتاب الشعب ، القاهرة ، د. ت .
* د. جمال رشيد أحمد .
5- مع رحلة ابن فضلان إلى مدن البلغار والتوران تشع بغداد معالم حضارتها إلى مختلف البلدان ، بحث ضمن كتاب : بغداد في التاريخ ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، بغداد ، 1991م.
* حسن ، د. زكي محمد .
6- الرحالة المسلمون في العصور الوسطى ، دار الرائد العربي ، بيروت ، 1401هـ/1981م.
* الحموي ، أبو عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله (ت 626هـ/1228م)
7- معجم البلدان ، دار صادر ، ط 8 ، بيروت ، 2010م.
* الداقوقي ، د. حسين عليّ .
8- دولة البلغار ، المسلمين في حوض الفولجا ، مجلة (المؤرخ العربي) ، العدد 21 ، بغداد ، 1986م.
* د. الدهان ، محمد سامي .
9- قدماء ومعاصرون ، دار المعارف ، القاهرة ، 1961م.
* الديوة جي ، سعيد .
10- الصلات بين العباسيين والبلغار ، مجلة (الأقلام) ، ج 5 ، السنة (6) ، بغداد ، 1970م.
* العبادي ، فاضل كاظم .
11- العلاقات التجارية والثقافية العربية الإسلامية بشرق أوربة خلال العصور العباسية ، (رسالة ماجستير في التاريخ الإسلاميّ ) ، قسم التاريخ / كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 1422هـ/1991م.
* القزويني ، زكريا بن محمد بن محمود (ت 682هـ/1283م).
12- آثار البلاد وأخبار العباد ، دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر ، بيروت ، 1380هـ/1960م.
* كراتشكوفسكي ، أغناطيوس يوليانوفتش (ت 1951م).
13- تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، القسم (1) ، ترجمة : صلاح الدين عثمان هاشم ، القاهرة ، 1963م.
* مصطاف ، د. ثامر نعمان .
14- زكريا القزويني ومساهماته العلمية ، دار تموز ، ط 1 ، دمشق ، 2012م.
* هربك ، أي .
15- بلغار ، دائرة المعارف الإسلامية ، مجلد (7) ، القاهرة ، د. ت .
* هنتس ، فالتر .
16- المكاييل والأوزان الإِسلامية ، ترجمة : الدكتور كامل العسلي ، مطبعة القوات المسلحة الأردنية ، عمان ، 1970م .

القسم الثاني
مخطط الاماكن التي وردت في رحلة ابن فضلان كما رسمها الاستاذ كانار في الترجمة

المصدر : رسالة ابن فضلان .

محمد كريم إبراهيم الشمري

  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white