مدونات حفظ التراث
مدونات حفظ التراث
(التذكرة الحمدونيّة) أنموذجاً
عبد العزيز إبراهيم
تقديم:
لم يكن القرنان الخامس الهجري والسادس الهجري حقبة زمنية تشهد ازدهاراً بل كانت مسرحاً لتدهور الدولة العباسية وهي تدخل تحت رحمة السلاجقة في سنة (447ه) الذين ساقوا امورها بالقوة التي لا تعرف رحمة ولا عدلاً. مما مَهّد من بعد ذلك لسقوط بغداد على يد هولاكو سنة (656ه). فلا ننتظر تقدماً حضارياً أو تماسكاً اجتماعياً أو ثقافة ترفع من قيم ذلك المجتمع.
وفي هذا يعلق أحد الباحثين بقوله: ((يمكن أن يقال بأن عدم الاستقرار هو الطابع لتلك الحياة (السياسية)، فالمعارك لا تكاد تهدأ بين العباسيين والسلاجقة من جانب، حتى تستأنف بين العباسيين و(قبيلة) المزيديين من جانب آخر، أو بين المتنفذين من السلاجقة أنفسهم، كذلك لم يتوقف الصراع من أجل السلطة بين رجال البلاط العباسي بعد أن رحل السلاجقة عن بغداد)(1) لكن التدهور السياسي وما صاحبه من تفكك اجتماعي أثر سلباً على الحياة الثقافية التي شهدت تجاوزاً على مؤلفات في الفلسفة والمنطق بالحرق كرسائل إخوان الصفا، أو الشفاء لابن سينا(2) فضلاً عن مؤلفات الفقهاء(3). لكن هذه الظواهر السلبية لم تحول عن وقف الحركة الثقافية المتمثلة في الإقبال على التأليف أو التصنيف مما شجع على خلق أسواق ثقافية لبيع الكتب أو شرائها أو نسخها وتجليدها امتداداً للقرنين الثالث والرابع الهجريين، اللذين شهدا ازدهاراً، حرص المتأخرون على السير في نهجه تقليداً.
في هذه الحقبة برزت ظاهرتان على سطح الثقافة في القرون الثلاثة الأخيرة من عمر الدولة العباسية في مجال التأليف، هاتان الظاهرتان هما: الجمع والنقل.
فالظاهرة الأولى، الجمع نشأت جذورها من خلال جمع (مختارات من شعر العرب، متجسدة في المعلقات السبع التي جمعها حماد الرواية (ت/255ه)، ثم قفى على آثاره، معاصره ومنافسه، المفضل الضبِّي المتوفى في سنة 178ه حيث جمع جملة من قصائد شعراء العرب في كتابه الذي عُرِف بـ(المفضليات)(4). ثم توالت تلك الاختيارات بـ(الأصمعيات) التي صنعها الأصمعي (ت/216ه) و(جمهرة أشعار العرب) لأبي زيد القرشي في القرن الخامس الهجري. و(مختارات ابن الشجري) (ت/542ه) ..الخ.
والى جانب هذه الاختيارات ظهرت كتب الحماسة صورة أخرى لهذا الجمع، فكانت حماسة أبي تمام (ت/ 231ه) المعرف بـ(ديوان الحماسة)، وحماسة البحتري (ت/ 284ه) ثم الأشباه والنظائر للخالديين (أبي عثمان (ت/391ه)- وأبي بكر (ت/ 380ه). وبعدها ظهرت (حماسة الظرفاء من أشعار المحدثين والقدماء) للزوزني (ت/ 427ه).
وتتداخل هذه الاختيارات والحماسات في شروحها وتعليقاتها لتصنع كتباً أدبية مثلما صنع أبو بكر محمد بن داود الاصبهاني (ت/296ه) في كتابه (الزهرة) ومن بعده الشمشاطي (ت/377ه) في كتابه (الأنوار ومحاسن الأشعار)، على سبيل التمثيل لا الحصر.
أما الظاهرة الثانية فهي النقل أو النقول عن الآخرين سواءً أكانوا قدماء أو معاصرين. وقد انقسم المؤلفون الى قسمين من ناحية أمانتهم العلمية فالقسم الغالب على هؤلاء المؤلفين هو النقل عن السابقين دون الإشارة الى المصدر الذي استقى منه الكاتب نصه الذي ذكره في مؤلفه. وهؤلاء يشكلون النسبة الكبيرة في هذه النقول التي درجها النقاد تحت مُسمّى السرقات الأدبية. أما القسم الأقل من هؤلاء الكتّاب فهم من وقف أميناً على مصدر النصّ مشيراً اليه في مقدمة كتابه أو في هوامشه. ومن هؤلاء ياقوت الحموي (ت/626ه) فقد قدّم سرداً للكتب التي اعتمدها في مؤلفه (معجم الأدباء) مما يساعد القارئ حين يشكل عليه النصّ أو يشك فيه أو بصاحبه أن يرجع الى مصدره. فتراه يقول في مقدمته: ((وأثبت مواضع نقلي ومواطن أخذي من كتب العلماء المعول في هذا الشأن عليهم، والمرجع في صحة النقل اليهم))(5) ثم ينبّه على مًنْ ألّف قبله في موضوع كتابه تراجم الأدباء فيذكر جمعاً ومنهم أبو بكر الاشبيلي الزبيدي الذي ((لم يقصر (في كتابه)، وهو من أكثر هذه الكتب فوائد، وأكثرها تراجم وفرائد، وقد نقلنا فوائده أيضاً الى هذا الكتاب))(6) ومن أجل أن يزيل شكّ القارئ عن رواية نصوصه الشعرية أو النثرية فيعتمد الإسناد كما يفعل أهل الحديث فضلاً عن اعتماده على صحة مصادرها كما فعل أبو الفرج الاصبهاني في كتابه (الأغاني) الذي قال فيه: ((في كل فصل من ذلك بنتف تشاكله، ولمع تليق به إذا تأملها قارئها لم يزل متنقلاً بها من فائدة الى مثلها، ومتصرفاً فيها بين جد وهزل، وآثار وأخيار وسير وأشعار، متصلة بأيام العرب.. تجمل بالمتأدبين معرفتها، وتحتاج الأحداث الى دراستها، ولا يرتفع من فوقهم من الكهول عن الاقتباس منها؛ إذ كانت منتحلة من غرر الأخبار، ومنتقاة من عيونها، ومأخوذة من مظانها ومنقولة عن أهل الخبرة بها))(7) وهو في هذا يؤسس نهجاً لكتاب المجاميع التراثية لعلهم يسيرون عليه حفاظاً على سلامة النصّ وصحة روايته.
هذه النقول تنبّه عليها النقاد القدامى ووقفوا عندها في باب السرقات فأفرد لها الحاتمي (ت/388ه) في كتابه (حلية المحاضرة) بابا تحدث فيه عن أنواع السرقات فيقول: ((هذا فصل أودعته فقراً من أنواع الانتحال والاختزال والاقتضاب والاستعارة، والإحسان في السرق..))(8) منطلقاً في دراسته للشعر، الذي تُردُّ السرقات فيه الى المجاز.
وقد عدّ ابن رشيق القيرواني (ت/456ه) السرقات باباً واسعة فلا (بقدر أحد من الشعراء أن يَدّعي السلامة منه)(9) وينسحب ذلك على الكتّاب، الذين كثر الشعر في كتاباتهم او شروحهم فضلاً عن تعليقاتهم كشواهد دون يهتموا بصاحب الشاهد.
(1)
إنَّ الجذر اللغوي لكلمة (التذكرة) يعود الى مادة (ذكر) وفيه يقول الزَّبيديّ في التاج ((ذكر: الذِّكر بالكسر: الحفظ للشيء)) ومنها جاءت ((التّذكرة: ما يُستذكر به الحاجة، وهو من الدلالة والأَمارة))(10) وقد وظّفها الكتّاب القدماء لتدل على ((مقيدات مرسلة لا يضبطها ضابط، تقف فيها الموعظة الى جانب الفائدة العلمية، الى جانب التجربة الذاتية))(11) وفي هذا يقول د. احسان عباس ((ولا بُدَّ لمن يؤلف مثل التذكرة أن يكون شغوفاً يجمع الكتب، فالتذكرة إنما هي في نهاية الأمر ثمرة المطالعة والتقييد لما يستحسنه المطالع))(12).
وإذا كان الجمع شرطاً في تدوينها، فإنَّ هذا الجمع قد تباين في كتب القدماء التي تحمل اسم (التذكرة) وتختلف في مضمونها ودلالتها. وهي تعبر عن المكانة العلمية لصاحبها كونها تمثل المحفوظ في ذاكرته وما تَمكّن من جمعه فضلاً عن المظان التراثية.
والملاحظ أنّ القدماء من الذين امتهنوا كتابة مدونات التذكرة كانوا قلة إذا تمت المقارنة بين مؤلفات في شتى المجالات الأدبية والتأريخية والدينية فضلاً عن العملية. ولهذا لم تحفظ لنا خزائن التراث هذه المدونات إلا القليل منها، فهي أقرب إلى الأمالي المختصرة، يتقرب فيها صاحب التذكرة الى عموم القرّاء مبسطاً القول في الموضوع الذي يريد أن يوصله لهم، مُنبّهاً على أنّه أكثرهم علماً في اللغة والنحو والتأريخ والفقه... الخ.
وأمام هذه المدونات، وما تمكّنت يدي منها أن أقف على أنواع سبعة مصنفاً إياها على سبيل العرض لا الحصر. وهي:
1-اللغة والنحو: التذكرة الإصبهانية/ التذكرة القصرية/ تذكرة النحاة/ تذكرة الزَّوكشيّ/ تذكرة ابن هشام.
2-القراءات القرآنية: التذكرة لاختلاف القرّاء.
3-الفقه وأصوله: تذكرة الجويني/ تذكرة العالم/ تذكرة الحفاظ وتبصرة الإيقاظ.
4-الجمع: التذكرة الحمدونية.
5-التأريخ والمؤرخون: تذكرة الخواص/ تذكرة الحفّاظ.
6-موسوعة الأدب والتأريخ: التذكرة الصفدية أو الصلاحية.
7-الحماسة والشعر: التذكرة الفخرية/ التذكرة السعدية.
ومن أجل التعريف بهذه المدونات الخمس عشرة، فلابُدَّ من الرجوع الى المظان التراثية وما ذكرته عنها أو نقلته منها. ونرفق ذلك كله بترجمة مختصرة لأصحابها، مُرتّبه حسب تأريخ وفاة مدونيها.
أولاً: التذكرة القصريّة: لأبي علي الفارسيّ (ت/377ه) وهو الحسن بن أحمد ابن أبان الفارسي النحويّ. وجرت بينه وبين المتنبي مجالس. ومن مؤلفاته: كتاب التذكرة وهو كبير- كما يذكر ابن خلكان في وفاته(13) وكتاب الحجة في القراءات، وكتاب المسائل الحلبيات، والمسائل البصرية.. الخ. والإشكال في هذا العنوان (التذكرة القصرية) أنّ عبد القادر البغدادي في خزانته(14) يُعدّد تآليف أبي علي الفارسي، فيذكر بالنصّ ((التذكرة القصرية)) لكن ابن خلكان في وفياته يذكر كتاب (التذكرة) مجرداً من (القصرية) وذاكراً كتاب ((المسائل القصريات)).
وما أظنه أن البغداديّ وهم في العنوان لأن (التذكرة) غير (المسائل القصريات) وفي هذا يقول ياقوت الحموي في معجم الأُدباء إنّ محمد بن طويس القَصْريّ) هو ((أحد تلاميذ أبي علي الفارسي، أملى عليه المسائل القَصْريَّات، وبه سُمِّيت))(15) وقد ذكر ابن النديم في الفهرست(16) التذكرة دون أن يذكر المسائل القصريات. وفي إنباه الرواة ذكر (التذكرة) و(المسائل القصريات)(17).
إنّ البغداديّ في وهمه بتسمية القصريات بالتذكرة نجده في الجزء الثامن من خزانته حيث يقول: ((وفي التذكرة القصرية، وهي أسئلة من أبي الطيب محمد بن طويس المعروف بالقصريّ، وأجوبة من شيخه أبي علي الفارسي))(18) وهو في هذا يتفق مع المؤرخين أن القصرية جاءت نسبة لابن طويس القصريّ، لكنه يسميها بالتذكرة. ويستشهد بسؤال التلميذ لشيخه قال: ((سألت أَبا علي عن أحضر الوغى، أي شيء موضعه؟ فقال: نصب، وهو يريد حاضراً. فقلت: كيف يجوز أَن يكون حالاً وانّما الحضور مزجور عنه لا من غيره؟ فقال: قد يجوز أن يكون لم يذكر المزجور عنه. فقلت: قد فهمنا من قوله: (ألا أيُّهذا الزَّاجري أحضُرَ الوغى)(19).
قد نهاه عن حضور الوغى. قال: صَيِّرْ أن يُفهمَ منه هذا وإن كان ذلك لا يفهم منه إذا قدرته بقولك حاضراً. قلت: فإنَّ الحضور لم يقع ونحن نعلم أنه ما نهاه وقد حضر. قال: هذا مثل قولك: هذا صاحب صقر صائداً به غداً. قلت: فما الحاجة الى أن قدَّرته حالاً. قال: ليتعلّق بما قبله، وإلا فلا سبيل الى تعلّقه بما قبله إلاّ على هذا الوجه))(20).
ثانياً: التذكرة الإصبهانية: لابن جني (ت/392ه)
هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي النحويّ المشهور، كان إماماً في علم العربية، قرأ الأدب على الشيخ أبي علي الفارسيّ. له من التصانيف في النحو كتاب (الخصائص) و(سر صناعة الإعراب) وفي الأدب (التمام في شرح شعر الهذليين) و(التذكرة الاصبهانية) و(مختار تذكرة أبي علي وتهذيبها)(21) عاش في العصر البويهي وكان مقرباً منهم(22) لمكانته العلمية، فقد كان إماماً واسع الرواية والدراية في اللغة.
أما التذكرة الإصبهانية فقد ذكرها القفطي في انباه الرواة(23) ومن بعده ابن خلكان(24) دون أن يعلق أيّ واحد منهما عليها، أو ينقل عنها.
ثالثاً: التذكرة لاختلاف القرّاء: لمكي بن أبي طالب (ت/438ه) هو أبو محمد مكي بن أبي طالب بن حَمُّوش القيسي المقرئ؛ أصله من القيروان، وانتقل الى الاندلس وسكن قرطبة، وهو من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية(25) ويُعدّ العالم الثاني الذي دخل بلاد الأندلس بعد أبي عمر الطلمنكي. وفي هذا يقول ابن الجزري (ت/833ه) عنهما: ((لم يكن بالأندلس ولا ببلاد الغرب شيء من هذه القراءات الى أواخر المائة الرابعة فرحل منهم من روى القراءات بمصر ودخل بها وكان أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي مؤلف الروضة أول من أدخل القراءات الى الأندلس.. ثم تبعه أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي مؤلف التبصرة والكشف))(26)مؤلفاته كثيرة لا سيما في القراءات القرآنية منها (التبصرة في القراءات) بخمسة أجزاء، وكتاب (الموجز في القراءات) جزءان، وكتاب (الرعاية لتجويد القراءة) في أربعة أجزاء. و(الكشف عن وجوه القراءات وعللها) بعشرين جزءاً، كما ذكر القفطي في إنباه الرواة(27).
لقد اختلف القدماء في اسم هذه التذكرة، فهي عند ابن خير الاشبيلي(28) (التذكرة في القراءات السبع) وعند القفطي في انباه الرواة(29) (التذكرة لاختلاف القرّاء السبعة) وعند ياقوت الحموي في معجم الأدباء(30) (التذكرة في اختلاف القرّاء) وعند ابن خنكان في وفيات الأعيان(31) (التذكرة لاختلاف القرّاء).
وهؤلاء يذكرون اسم التذكرة دون أن ينقلوا عنها. وله كتاب تذكرة أخر باسم (التذكرة لاصول العربية ومعرفة العوامل) ذكره القفطي في انباه الرواة(32).
رابعاً: التذكرة لأبي محمد الجوينيّ (ت/438ه)
هو أبو محمد عبد الله بن يوسف الجوينيّ. فقيه شافعي؛ كان إماماً في التفسير والفقه والأصول والعربية والأدب. وقد صنّف كتاب (التفسير الكبير)، وفي الفقه صنّف (التبصرة) و(التذكرة) وغيرها. لم ينقل ابن خلكان شيئاً من التذكرة في ترجمته(33) ولم يتطرق ابن العماد الحنبلي الى ذكرها في مصنفاته(34).
خامساً: تذكرة العالم لابن الصّباغ (ت/477ه)
هو أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، المعروف بابن الصباغ الفقيه الشافعي.. من مصنفاته كتاب (الشامل) في الفقه. وله كتاب ((تذكرة العالم والطريق السالم)) و(العمدة) في أصول الفقه. تولى التدريس في المدرسة النظامية ببغداد(35).
أما التذكرة التي ذكرها ابن خلكان في وفياته، فإنَّ ابن العماد الحنبلي يشير اليها بـ(كتاب الطريق السالم) في أصول الفقه(36) دون أن يذكر الإثنان عنها شيئاً إلا العنوان.
سادساً:التذكرة الحمدونيّة: لابن حمدون (ت/562ه)
-وهي موضوع هذه الدراسة في القسم الثاني
سابعاً: تذكرة الخواص: لسبط ابن الجوزيّ (ت/654ه)
هو شمس الدين أبو المظفر يوسف قُزغُلي. وكان أماماً فقيها، علاّمة في التأريخ والسَّير. قال ابن خلكان ((وصنَّف تأريخاً كبيراً رايته في أربعين مجلداً سمّاه (مرآة الزمان)(37) وفي الوافي للصفدي اسمه (مرآة الناس)(38) أما تذكرة الخواص فلم يرد ذكرها في هذه المصادر. ولكن د. احسان عباس اعتمد كتاباً في مصادره لتحقيق التذكرة الحمدونية(39) اسمه (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزيّ طبع في النجف الأشرف/ 1964م.
وربما هو كتاب (جوهرة الزمان في تذكرة السلطان) الذي ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان(40) ونقل منه ما حكاه ابن عمر (عبد الله بن عمر بن الخطاب) رضي الله عنهما قال: ((بينما أبي يعس بالمدينة إذ سمع امرأة وهو تقول لابنتها: لا بنية. قومي فشوبي اللبن بالماء، فقالت يا أماه أما سمعت منادي أمير المؤمنين أنه نادى: أن لا يشاب اللبن بالماء؟ فقالت: وأين أنت من مناديه الساعة؟ فقالت: إذا لم يرني مناديه، ألم يرني ربّ مناديه؟ -وفي رواية أخرى، قالت: والله ما كنت لأطيعه في الملأ واعصيه في الخلاء، قال: فيكي عمر (رض). فلما أصبح دعا بالمرأة وبابنتها وسأل: هل لها زوج؟ فقالت: ليس لها زوج، فقال: يا عبد الله، تزوج هذه، فلو كانت لي حاجة الى النساء لتزوجتها. فقلت: أنا في غنى عنها. فقال: يا عاصم (بن عمر) تزوجها، فتزوجها، فجاءت بابنة فحملت بعمر بن عبد العزيز)).
ثامناً: التذكرة الفخرية: لأبي الحسن الإربلّي (ت/692ه)
هو أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح، الصاحب بهاء الدين، ابن الأمير فخر الدين الإربلي، المنشئ الكاتب. له شعر. ومن مصنفاته (المقامات الأربع) و(رسالة الطيف)(41) فضلاً عن (التذكرة الفخرية) التي نشرها المجمع العلمي العراقي سنة1984م محققة.
وإذا صنفناها من مجاميع الشعر فقد ضمت أشعاراً ((لشعراء لم تعرف دواوينهم أو لأشخاص لم تقف التراجم عند أخبارهم..))(42) قسّمها الكتاب الى ثمانية أوصاف (الشباب/ الغزل/ الخمر/ الغناء/ الربيع/ السحاب/ الليل/ المدح والفخر) ويرجع الشعر الى صاحبه والمصدر الذي نقل عنه فعندما يذكر هذا البيت فإنه يقدم قائلاً(43):
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصحَ إلاّ ضُحى الغَدِ
ومعلقاً عليه ((وأنشد في قصة أخرى قول دُرَيد بن الصمةِ.. وهو من أبيات الحماسة)) أو يصحب استشهادة بتعريف مثلما تحدث عن الشيخ تاج الدين أبو اليُمْن(44) أو يعطي رأياً نقدياً في أبيات جرير فيقول: ((وإنْ خلت من معنى في الطيف مبتكرة، فهي حلوة الألفاظ سهلة))(45).
تاسعاً: تذكرة النحاة: لأبي حَيّان الأندلسي (ت/745ه).
هو أثير الدين أبو حَيَّان محمد بن يوسف بن علي بن حَيّان. شيخ النحاة بالديار المصرية. إمام في علم العربية واللغة والحديث. مؤلفاته كثيرة منها (البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم) و(الأسفار الملخص من كتاب الصّفار) وهو شرح لكتاب سيبويه) و(التذكرة)(46) .. الخ. وأن تصانيفه تزيد على خمسين مؤلفاً(47). ترك الأندلس (غرناطة) ولحق بالمشرف خوفاً على حياته من سلطانها (48).
أما كتابه (تذكرة النحاة) أو (التذكرة في العربية) فقد نشر منه د. عفيف عبد الرحمن جزءاً من المجلد الثاني. علماً أنَّ التذكرة في أربعة مجلدات. مادتها النحو العربي ما يقارب من أربعين مجلساً، فضلاً عن عرض لكتب النحاة والآراء النحوية التي عرضوا اليها.
عاشراً: تذكرة الحفاظ: للذهبي (ت/ 748ه)
هو الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان. كان إما ما بين المؤرخين، مؤلفاته كثيرة منها (تأريخ الإسلام) في واحد وعشرين مجلداً و(سير النبلاء) و(العبر في أخبار من غبر) و(طبقات الحفاظ) أسهب ابن العماد الحنبلي في سرد مؤلفاته(49).
اما تذكرة الحفاظ فقد نشرت سنة 1374ه (1954-1955م) في حيدر آباد الركن بالهند في أربعة مجلدات(50).
الحادي عشر: تذكرة ابن هشام (ت/ 761ه)
هو جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري النحويّ العلامة. صنّف (مغني اللبيب عن كتب الأعايب) و(شرح اللمحة لأبي حيان) و(التذكرة) في خمس مجلدات. و(المسائل السفرية في النحو) وغيرها(51).
عرض البغدادي لكتاب التذكرة في خزانته متحدثا عن الموصول فقال: أل مبنية والبناء يقابل الإعراب، فأي إعراب نقل منه الى ما بعدها؟ قلت: أراد أنها في محلِّ لو كان بدلها معرب لظهر إعرابه، فإعرابها محلي. وقد صرح ابن هشام في (تذكرته) أنّ الجملة الواقعة صلة لا محل لها من الإعراب تطرد فيما عدا نحو قوله: (إنّي لك اليُنذُر من نيرانها فاصْطلِ) وقوله: (مِنَ القوم الرسولُ اللهِ منهم) لأنها في هذه الحاّلة محلَّ المفرد المعرب من قولك الضارب والمضروب)(52).
الثاني عشر: التذكرة الصّفديّة: لابن أيبك الصفديّ (ت/ 764ه)
هو صلاح الدين أبو الصفا خليل بن أيبك بن عبد الله الصفديّ. صنّف نحو خمسين مصنفاً. نقل ابن العماد الحنبلي قوله ((وكتبت بيدي ما يقارب خمسمائة مجلد. قال ولعل الذي كتبت في ديوان الإنشاء ضعف ذلك))(53).
أما التذكرة الصَّفدية أو الصَّلاحيَّة، فهي أكبر موسوعة أدبية وتأريخية ألّفها الصّفديّ، وتزيد عن ستّة وأربعين جزءاً، ولم يطبع منها غير ((المختار من ديوان شمس الدين بن دانيال)) وهو الجزء الرابع عشر. وقد طبع في الموصل بالعراق سنة 1979م بتحقيق محمد نايف الدليميّ.
الثالث عشر: تذكرة الزَّركشي (ت/794ه)
هو بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصريّ الزَّركشي. وكان فقيهاً اصولياً أدبياً. له تصانيف في فنون عدة، منها (لقطة العجلان وبلة الظمآن) و(البحر في الأصول) في ثلاثة أجزاء(54).
أما تذكرته فقد ذكرها البغداديّ في خزانته في موضوع المعرب والمبني فقال: ((قال الزركشيّ في تذكرته: ((سئل الزمخشريّ عن اطلاق الذات على الله عزَّ وجل، فأجاب بأنها تأنيث ذو معنى صاحب، وهي موضوعة ليوصف بها ما تلبّس بما يلزمها الإضافة اليه من الأجناس في نحو قولهم: رجل ذو مال وامرأة ذات جمال، ثم قطعت عن مقتضاها وأجريت مُجرى الأسماء الجوامد فلا تلزم الإضافة ولا الاجراء على موصوف، وعُنى بها نقس الباري وحقيقته، وأصلها في التقدير نفس ذات علم وغيره من الصفات، ثم استغنى بالصفة عن الموصوف، ومثله كثير))(55).
الرابع عشر: التذكرة السعديّة في الأشعار العربية: للعبيديّ (من رجال القرن الثامن الهجريّ)
هو محمد بن عبد الرحمن بن عبد المجيد العبيدي. لم تذكر المظان التراثية شيئاً عنه، إلا ما صرح به المؤلف في نهاية مخطوطة التذكرة حسب إشارة المحقق د. عبد الله الجبوري (56). ونبّه على أهمية التذكرة السعدية كونها جمعت ثلاثة كتب من الحماسة. هي حماسة أبي تمام، وحماسة ابن فارس وحماسة العسكريّ(57) وقد رتبها المؤلف على أربعة عشر باباً. فكان الأول منها في الحماسة والافتخار، وأخرها في الدعاء. وقف عند أشعار الحماسة دون أن يعلق عليها. فهي اختيارات شعرية.
الخامس عشر: تذكرة الحفاظ وتبصرة الايقاظ: لابن المِبْرَد (ت/909ه)
هو جمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي. الشهير بابن المِبْرَد (بكسر الميم وسكون الباء الموحدة وفتح الراء الخفيفة) (كان إماماً علاّمة يغلب عليه علم الحديث والفقه ويشارك في النحو والتصريف والتفسير. وله مؤلفات كثيرة)(58).
أما التذكرة فهي في الفقه مخطوطة بدار الكتب الظاهرية (مكتبة الأسد) حالياً بدمشق.
وإذا قدمت أن ما أذكره من مدونات التذكرة كان على سبيل التمثيل لا الحصر. فإنْ مظان القدماء أشارت الى بعض منها ونجد ذلك في (الفهرست لابن النديم/ ت380ه) الذي ذكر اسم التذكرة(59) ويقصد به كتاب (الإيضاح في النحو) لأبي علي الفارسيّ. وكتاب التذكرة لابن جبريل بختيشوع. وربما كانت هذه الإشارة تأريخاً لتأليف التذكرة في القرن الرابع الهجريّ. كتبت لغرض تعليمي.
وأضاف ابن خير الإشبيلي (ت/575ه) في فهرسة ما رواه عن شيوخه(60) (التذكرة في القراءات السبع عن القرّاء السبعة المشهورين) لأبي الحكم العاصي المقري. و(التذكرة في القراءات) لأبي الحسن طاهر بن غليون. ومن بعد القفطي (ت/624ه) في إنباه الرواة(61) (التذكرة للكفرطابي) في النحو. و (التذكرة الأدبية) لابن السيد البطليوسي، و(التذكرة السفرية لملك النحاة ((الحسن بن أبي الحسن الصافي)).
وجاء من بعد ابن خلكان (ت/681ه) ذاكراً في وفيات الأعيان(62) بعضاً مما ذكره السابقون عليه. ومن بعده ابن تغري بردي (ت/ 874ه) ليذكر (التذكرة الكِنْدية) لابن وداعة في موسوعته النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة(63) هذا في الأدب والتأريخ والفقه.
أما في العلوم فقد ذكر عبد اللطيف زاده في كتابه (أسماء الكتب/ ص (100-101) خمسة حملت اسم التذكرة وهي: ((التذكرة في الكيمياء)) للشيخ داود المصري، و((التذكرة في الطب)) لحاج باشا الآيديني و((التذكرة في علم الحساب)) للشيخ غرس الدين، و((التذكرة في الكيمياء)) لابن كمونة، و((التذكرة في الهندسة)) للنصر الطوسي، وموضوعه في الأخلاق لا في العلوم الهندسية.
أما جهود المحققين المعاصرين في نشر كتب التذكرة، فقد عرضنا لبعضها كـ((تذكرة الخواص)) التي نشرها محمد صادق بحر العلوم في العراق (1964م) و((التذكرة السعدية)) التي نشرها عبد الله الجبوري في العراق (1972م) وأعاد نشرها في ليبيا (1981م) و((التذكرة الحمدونية)) التي نشرها الدكتور احسان عباس في لبنان (الجزء الأول والثاني) 1983-1984م. وأكمل تحقيق الأجزاء الثمانية الأخرى مشاركة مع أخيه بكر عباس (1996م). و((التذكرة الفخرية)) التي نشرها د. نوري حمودي القيسي –د. حاتم صالح الضامن في العراق (1984م) و((تذكرة النحاة)) التي نشرها د. عفيف عبد الرحمن في لبنان (1996م). وسبقت هذه الجهود خارج وطننا العربي ما قدمته مطبعة حيدر آباد الدكن بالهند ((تذكرة الحفاظ للذهبي)) (1955-1957)م ولم تكن دار الكتب المصرية بعيدة عن هذا الجهد فنشرت ((تذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه)) لابن حبيب (محمد/ ت 245ه) بتحقيق د. محمد أمين 1976م هذه الجهود المبذولة من أجل نشر كتب التذكرة، تخدم التراث العربي وتحفظ للقدماء مدوناتهم، سلامة متن وصحة نسبة.
(2)
وعند دخولنا الى كتاب التذكرة لابن حمدون، فإننا نحتاج الى ثلاث وقفات، الأولى سيرته الذاتية، والثانية مكانته العلمية، والثالثة كتاب التذكرة الذي يشكل مَعْلماً في مدونات التراث العربي الذي ينحاز الى ما نسميه بعلم الاجتماع الأدبي الذي يعاني فيه الكاتب من السلطة، فتراه يغازلها بهذا الموروث الأدبي بنثره وشعره. وكأنه في هذا المنحى يعيد للقارئ ما كتبه الفيلسوف الهندي بيدبا قبل أكثر من عشرين قرناً، لتوجيه الحاكم من خلال قصص على لسان الحيوان، بكتابه (كليلة ودمنه) وهو ما دفع بابن المقفع في النصف الأول من القرن الثاني الهجري الى ترجمته من الفارسية الى العربية. وكان سبباً لقتله في خلافة أبي جعفر المنصور.
وهو المصير الذي لقيه مؤلف التذكرة الحمدونية من الخليفة العباسي المستنجد بالله الذي سخط على ابن حمدون وزجّ به في السجن حتى مات فيه حسب رواية المؤرخين.
الوقفة الأولى: السيرة الذاتية.
هو أبو المعالي محمد بن أبي سعد، الحسن بن محمد بن علي بن حمدون. الملقب كافي الكفاة بهاء الدين البغداديّ(64). وقد حرّف ابن الأثير اسم أبيه فذكر (محمد بن الحسين) بدلاً من (محمد بن الحسن)(65) وعُرِف بـ((المنشئ)) لكونه أديباً صاحب الرسائل. وهي صفة تطلق على من عمل في ديوان المكاتبات الرسمية.
أما نسبة فقد ذكر ياقوت الحموي في ترجمة ابنه (الحسن بن محمد ابن حمدون)(66) أنّه سأله بقوله: ((حمدون الذي تُشبون اليه، أهو حمدون نديم المتوكل ومن بعده من الخلفاء؟ فقال: لا، نحن من آل سيف الدولة بن حمدان بن حمدون من بني تغلب))(67).
وقد عُرفت اسرته بمكانة مرموقة، وبيت مشهور بالرياسة والفضل هو وأبوه وأخواه أبو نصر وأبو المظفر كما يذكر ابن الدُّبيثي(68). وفي هذه الأسرة ولد ابن حمدون سنة خمس وتسعين وأربعمائة(69).
أما وفاته فإنَّ المظان التراثية تجمع على أنّ ابن حمدون توفي سنة اثنتين و ستين وخمسمائة. وأقدمها خريدة القصر(70) وينقل ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة(71) ((أنَّ ابن خلكان قال: إنه توفي ببغداد في يوم الأربعاء من شهر رجب سنة خمس وسبعين وخمسمائة، بخلاف ما ذكرناه من قول أبي المظفر)) ولا وجود لهذه الرواية في وفيات الأعيان لابن خلكان. والموجود هو سنة اثنتين وستين وخمسمائة. وهذا وهم أما المناصب التي تقلدها ابن حمدون فهي عارض العسكر في خلافة المقتفي لأمر الله (532-555ه) ثم صاحب ديوان الزمام (ديوان الخليفة) في خلافة المستنجد بالله (555-566ه). كما يذكر عماد الدين الاصبهاني في الخريدة(72) وكان يلقب بـ(كافي الكفاة بهاء الدين)(73).
ومكانته المرموقة والتقدير الي يحضى به، لم يدم فقد نقم عليه الخليفة المستنجد بالله (فأخذ من دست منصبه وحبس ولم يزل في نَصْبِه الى إن رُمس وذلك في أوائل سنة اثنتين وستين وخمسمائة) كما ذكر صاحب الخريدة(74). أما خلقة فقد عُرِف عنه أنه كريم الأخلاق، حسن العشرة(75).
الوقفة الثانية: مكانته العلميّة :
ـــــــــــــــــــــ (أ) ـــــــــــــــــــــ
وصف ابن الدّبيثيّ في كتابه ((ذيل تأريخ مدينة السلام بغداد)) ابن حمدون أنه ((شيخ فاضل له معرفة حسنة بالأدب والكتابة))(76) وأكّد ابن خلكان في وفياته من بعده هذا الرأي بقوله: ((كان فاضلاً ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة))(77) ولا يوصف الإنسان بـ(الشيخ الفاضل) إلا ذا تعلم من شيوخ كبار، وهذا التعلم أساسه السماع لأنه مرحلة التدوين المُوثَق أو المدرسي المنظم. وفيها يسمع التلميذ المرويات التي يلقيها الشيخ من حافظته وابن حمدون سمع أبا القاسم إسماعيل بن الفضل الجرجاني الحديث منه(78) وهناك غيره أمّا مَنْ سمع منه: ولده أبو سعد الحسن، وأحمد بن طارق القرشي، وأبو المعالي أحمد بن يحيى بن هبة الله، وأبو العباس أحمد بن الحسن العاقولي وغيرهم(79).
أما مقدرته الأدبية فإنّ العماد الاصبهاني يرى أنّ مجد اسرته وعلو شأنها في خلافة بني العباس هي التي حفزته الى الأدب بعدما جرب في مكاتبات الدولة ومراسلتها قدرته على الإنشاء مما خلق له أدباً خارج هذه المكاتبات أو المراسلات.. وهذا ما نستشفه من قول الإصبهاني: ((وهو كلف باقتناء الحمد وابتناء المجد، وفيه فضل ونبل، وله على أهل الأدب ظل))(80).
فإذا حاولنا أن نقف على ظله الأدبي، فإنَّ هذه الوقفة خارج ديوان الخلافة ومراسلاتها تظهر لنا أدباً بنثر وشعر. فالنثر يقف عند كتابه (التذكرة) لا يغادره الى مؤلف آخر. وفي هذا عرفه القدماء بهذا الكتاب فمنهم من مدحه ومنهم من قدحه. وأما الشعر فإنّ المقطعات التي أوردها هؤلاء عن شاعريته كانت شحيحة تصور شعر المجالس الاجتماعية والمماحكاة التي تجري فيها، فضلاً عن هذا فلم تشر المظان التراثية التي عرضت هذا الشعر أنّ له ديوان شعر مخطوط، أو تقف عند هذا الشعر نقداً. أو تذكره في ترجمته كما صنع ابن الدبيثي في تأريخه. أو تعرض أبياتاً له دون أن تحلي هذه الأبيات بسيرته كما صنع الأبشيهي في كتابه (المستطرف) في تقديمه: ((وقال ابن حمدون في آل المهلب)) ولا ندري من يكون أهو مؤلف التذكرة، أم ابن حمدون النديم؟ فتراه مادحاً ولا جديد في قوله (ثلاثة أبيات) مطلعها:
آل المُهَلّبِ مَعْشَرٌ أَمْجادُ
وَرِثُوا المُكارِمَ والوَفاءَ فَسادُوا (81)
وما يذكره صاحب الخريدة من شعر يذهب معنا الى هذا الرأي، وهو أقرب من ترجم له فيقول(82): ((وأنشدني لنفسه في مروحة الخيش ملغزاً. (خمسة أبيات)
مطلعها:
ومرسلة معقولة دون قصدها
مقيدة تجري حبيس طليقها
ويمدح أحدهم فيقول: (بيتان)
وحاشا مَعَاليك أَنْ يسترَادَ
وَحَاشا نَواُلك أن يُقتَضى
وقد يهزأ من شخص فيقول: (بيتان)
يا خَفيفَ الرأسِ والعقل مَعاً
وثقيلَ الرُّوح أيضا والبدنْ
الوقفة الثالث: كتاب (التذكرة الحمدونيّة)
يُقرّبنا الدكتور احسان عباس –رحمة الله عليه- الى فهم مصطلح التذكرة بقوله: التذكرة إنما هي في نهاية الأمر ثمرة المطالعة والتقييد لما يسحسنه المطالح، وقد نُقدّر أنّ هذا النحو من النشاط كان مجالاً لارتياح)(83) من دَوّنها أو اعتمدها من الكتّاب سواءً كانوا شيوخاً في مجالس التدريس، أو مربين لابناء الخلفاء والوزراء، أو من أراد أن يكتب شيئاً بعيداً عن فضول الآخرين. وفي الوقت نفسه يجد في المدوّن زاداً يقربه من السلطان ليبرهن له أن مجالسته ستكون ممتعه بحس الاطلاع واتساع المعرفة. وهذا يتطلب زاداً كثيراً، أقصد المطالعة التي تكون ناتجة عن حُبّ ورغبة فضلاً عن شغف بجمع الكتب والبحث عنها في أسواق الوراقين (المكتبات).
ولذلك جاءت التذكرة في نهجها ((أقرب الى أن تدل على مٌقَيدات مرسلة لا يضبطها ضابط، تقف فيها الموعظة الى جانب النادرة، الى جانب الفائدة العلميّة الى جانب التجربة))(84) لكن ذلك لا يعني حكماً على كل كتب التذكرة، فقد تبتعد مدونات النحاة عما تعارف عليه الأدباء، وتختلف آراء الفقهاء عما سار عليه سرد المؤرخين بالرغم من أن الجميع تحت مظلة العلوم الأدبية والاجتماعية. لكن ذلك لا يعني أن كتب التذكرة هذه غير خاضعة لتبويب منظم أو خطة تُصنِّف مادتها، وإن تفاوتت الخُطط في كتب التذكرة بفعل ثقافة المؤلف وكثرة محفوظة وقدرته على إقناع القارئ بما يسرده لكون المسرود يتعلق بالذاكرة. وهذا ما جعلها بوحاً ذاتياً يعبر عن قناعات مؤلفيها. فهي كالشعر الوجداني الذي يكون همساً. أما الذاكرة فإنّ الورقة هي ما يبث الكاتب ما يفكر فيه أو يعانيه أو يخاف من نسيانه عندما يفقد الأمل في الحياة أو الآخرين اليها. وهذا ما نجده شاخصاً في مقدمة ابن حمدون في التذكرة. فتراه يقول: ((حين بُدَّل الصفو بالكدر، وغيّرت بني الأيام الغِيَر، وفسد الزمان، وخان الأخوان، وأوحش الأنيس، وخيف الجليس، وصار مكروه العزلة مندوباً، ومأثور الخلطة محضوراً، وأضاءت آثار الوحدة في القلوب فأنارتها، وحكمت العقول بفضيلة التخلِّي فاختارتها، فوجدت الكتاب خير صاحب وقرين..))(85) فالكتاب هنا له وجهان: القراءة والكتابة، فالأول يمثل خزين الكتاب، والثاني يرسم معاناة الكاتب التي تتحول الى كلمات تعزي الذات بعد (فساد الزمان وخيانة الأخوان)!!
لم تسعفنا المصادر التراثية عن السبب الذي سمّى ابن حمدون كتابه بالتذكرة سوى قول ابن الدبيثي ((أبو المعالي –ابن حمدون- هذا جمع كتاباً حسناً سماه ((التذكرة)) يحتوي على فنون من العلم أجاد فيه وأحسن في جمعه))(86) ونقل المتأخرون عليه دون أن يسأل أيُّ منهم: لماذا سمّاه بـ(التذكرة)؟ الذي وصفه الصفديّ بقوله: ((كتاب التذكرة في الأدب والنوادر والتواريخ، وهو كبير يدخل في اثني عشر مجلداً))(87). مع علمنا أنّ حجم التذكرة لا يتخطى الكتاب الواحد لا مجموعة تجاوزت عشرة مجلدات. والغرض منها التنبيه على السهو والخطأ. كقوله تعالى:﴿ إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ طه/ 3. وللاجابة عن السؤال نقول: إنه تجاوز التنبيه الى التعليم، وبالتالي يرشد الناس كيف يعيشون. ومن رغب في العيش عليه يتعلم فنونه فهو بقدر ما يهدف في تذكرته علماً يرغب بايصاله الى الاخوان بعد أن فسد زمانهم، وضاعت قيمهم فإنّه نأى بنفسه عنهم في تذكرته: وكان الجزاء أَن طمروه في السجن وأسرعوا بالموت كأساً يجرعه!!
إنَّ ابن حمدون –كما تؤكد المظان التراثية –لم يؤلف غير التذكرة كتاباً، وبها عُرف. وفي هذا يصف ابن العماد الحنبلي ابن حمدون بـ((صاحب التذكرة الحمدونيّة))(88) ويقول عنه ابن تغري بردي (وأبو المعالي هذا هو مصنف كتاب التذكرة)(89) لكن لهذه التذكرة اسماً آخر ذكره د. احسان عباس في مقدمة التحقيق هو (تذكرة المحاضرة وتبصره المحاورة) وعلق في حاشية الصفحة بقوله: هل هذا هو الاسم الذي اختاره المؤلف؟ ليس من السهل القطع بذلك كما أني أستبعد أن يكون العنوان مخترعاً، وضعه أحد النساخ))(90) أما محاولات نشر التذكرة فقد كانت في بدايتها جزئية، فيشير الدكتور احسان عباس في تحقيقه للتذكرة ((أنّ قسماً من الجزء الأول من التذكرة يشمل الباب الثاني، كان قد نشر بمصر سنة 1345ه-1927م بعناية مكتبة الخانجي))(91) ونشر هلال ناجي الباب الرابع والأربعين (ما جاء في الخمر والمعاقرة) من التذكرة في مجلة المورد العراقية سنة 1397ه-1976م، ثم نشر الدكتور احسان عباس الجزء الأول والثاني بيروت سنة 1983م، 1984م. وأكمل ثمانية أجزاء، فصار المنشور عشرة سنة 1996م خلا البابين الآخرين من التذكرة حيث يقول معتذراً في بداية الجزء العاشر ((أعتذر مرة أخرى لأني أنا وأخي (المشارك في التحقيق) اتفقنا على أَن نهمل آخر بابين في التذكرة وهما ((باب 49/ 50)) لاعتقادنا أن فائدتها للقرّاء ضئيلة))(92).
ـــــــــــــــــــــ (ب) ـــــــــــــــــــــ
لم يكن ابن حمدون في كتابة تذكرته بعيداً عن المنهج الذي اختطه القدماء وهم يُدوّنون مؤلفاتهم. ولذا تراه في مقدمة الكتاب يقول: هذا كتاب جمعته من نتائج الأفكار، وطرف الأخبار والآثار، ونظمت فيه فريد النثر ودرره، وضممته مختار الشعر ومحبَّره، وأودعته غُرَرَ البلاغة وعيونَها، وأبكار القرائح وَعُونها، وبدائع الحكم وفنونها، وغرائب الأحاديث وشجونها..))(93).
ثم يُنبّه على أنه بدأ كل باب بآي من كتاب الله موجهاً الحمد له ثم يختم ذلك بطرف من نوادره. وملح من غرائبه. وقد قيّد قلمه عن الإسهاب الممل أو الاختصار المُخلِّ. وحَلّى كتابه بما سَمّاه (جمل من التأريخ) وربما كانت حوادث عاش الناس وأراد ابن حمدون أن يتعلموا من تجارب الآخرين أو رؤياهم في المنام. وهذا الباب لم ينشره محققا التذكرة – وقد أشرنا الى ذلك.
ثم يختم المنهج الذي اختطه بقوله: ((ورتبته في خمسين باباً، يجمع كل باب فيها فصولاً متقاربة، ومعاني متناسبة)) ليسهل على القارئ انتزاع المعلومات. هذه الأبواب الخمسون تشكل المواعظ والآداب الدينية بدايتها. والأدعية ختامها. أما إذا تصفحنا التذكرة بحثاً عن المصادر التي إستقى منها ابن حمدون مواد كتابه، فإنه لن يرجع ما تضمنته التذكرة من مواد الكتاب إلى مؤلف. مؤكداً القول ((هذا كتاب جمعته من نتائج الأفكار، وطرف الأخبار والآثار)) وهذا يعني أنّ لا أحد له الفضل في تأليف التذكرة. لأنَّ النصوص في مؤلفات السابقين عليه لم تكن ملكاً لأي واحد منهم. وهو بهذا يقلب مقوله الجاحظ في السرقات الأدبية عندما يقول ((المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي..))(94) لتكون الألفاظ مطروحة في الطريق!!
وإذا حاولنا أن نقف على مصادر ابن حمدون التي اعتمدها في كتابه التذكرة بأجزائه التسعة المنشورة، فإن العدد –على وفق تخريج النصوص –قد تتجاوز المائة. وفي هذا يلفت نظرنا د. إحسان عباس في مقدمة تحقيق الجزء الأول بقوله: ((وسيكتشف القارئ مدى اعتماد ابن حمدون على نهج البلاغة وحلية الأولياء، والبيان والتبيين، وعيون الأخبار، ونثر الدر، والبصائر والذخائر، والأدب الكبير لابن المقفع، وكليلة ودمنة، وكتاب النمر والثعلب لسهل بن هارون. في هذا الجزء وحده)) ويضيف في الهامش قائلاً: ((لا يقتصر الاعتماد على كتب الأدب، ففي فصل السياسة مثلاً يلتقي ابن حمدون كثيراً مع المؤلفات في هذا الفن، وكذلك الأمر في موضوعات أخرى. ولهذا تتعدد المصادر، وتتباين بحسب طبيعة كل باب..))(95) ويتعذر عن اختصار المصادر، فالتذكرة استرسال جمع. وهذا النقل من مصادر كثيرة يؤكد ما ذهبت اليه في التقديم من أن القدماء يعتمد فيهم المتأخر على المتقدم في كتاباته. وهذا ما ذهبت اليه الحداثة حين قالت: إنّ النصّ النقي (الخالص) لا وجود له. وفي هذا يقول الناقد الروسي ميخائيل باختين: (إنّ كل نص صدى لنص آخر الى ما لا نهاية، جديلة لنسيج الثقافة ذاتها))(96) وتلعب شخصية الكاتب وقدرته على توظيف النص في مؤلفه. وهذا ما نبّه عليه الناقد الفرنسي (بول فاليري) بقوله: ((لا شيء أدعى الى ابراز أصالة الكاتب وشخصيته من أن يتغذى بآراء الآخرين؛ فما الليث إلا عدَة خراف مهضومة))(97). مع العلم أنّ القدماء تجاهلوا نسبة النصَّ الى قائله أو مصدره في النصّ النثري مما سهل السرقات الأدبية وفتح لها باباً في نقدنا العربي القديم. وعذرهم في ذلك أنَّ الإسناد يكون ملازماً للحديث. ويبرر ابن حمدون صنيعه بأنه لم يجمع أجود المختارات من الشعر والنثر، وانما كان يقيد ما يظنه متصل المعنى بالباب الذي يعقده.
إنّ الأبواب الخمسين التي وَزَّع ابن حمدون مواد كتابه عليها يمكن أن تنحصر في سبعة أبواب لقربها من بعضها وتداخل مادتها في الاستشهاد وهي:
1-الأخلاق (التعامل الاجتماعي): عددها (25) باباً
الباب: الرابع/ الخامس/ السادس/ السابع/ الثامن/ التاسع/ العاشر/ الحادي عشر/ الخامس عشر/ السادس عشر/ السابع عشر/ الثامن عشر/ العشرون/ الحادي والعشرون/ الثاني والعشرون/ الثالث والعشرون/ الرابع والعشرون/ الخامس والعشرون/ السادس والعشرون/ السابع والعشرون/ الثامن والعشرون/ التاسع والعشرون/ الرابع والثلاثون/ الثاني والأربعون/ السادس والأربعون.
2-السياسة: عددها (5) أبواب
الباب: الثاني/ الثالث/ الثاني عشر/ الأربعون/ الحادي والأربعون.
3-الأدب: عددها (5) أبواب
الباب: الثلاثون/ الحادي والثلاثون/ الثاني والثلاثون/ والثالث والثلاثون/ الثالث والأربعون.
4-التأريخ والأخبار: عددها (5) أبواب
الباب/ الخامس والثلاثون/ الثامن والثلاثون/ التاسع والثلاثون/ السابع والأربعون/ التاسع والأربعون.
5-المواعظ الدينية: عددها (4) أبواب
الباب: الأول/ التاسع عشر/ السادس والثلاثون/ الخمسون.
6-الحكم والنوادر: عددها (4) أبواب
الباب: الثالث عشر/ الرابع عشر/ السابع والثلاثون/ الثامن والأربعون.
7-الفتون: عددها (2) بابان
الباب: الرابع والأربعون/ الخامس والأربعون.
وكان يختم كل باب بـ((نوادر هذا الباب)).
وإذا حاولنا أن نرصد أقرب مصدر تأثر به ابن حمدون في كتابة تذكرته، فإنّ كتاب أبي حيّان التوحيدي (ت/414ه) البصائر والذخائر هو العصا التي اتكأ عليها ابن حمدون بعد قرن ونصف، فوجد ضالته فيه استرسالا في الأفكار، وجمعاً للنصوص. وهو يقرأ الفقرة (96ب) من الجزء الثاني قوله: ((الحديث يتدافع كما ترى. وقد أنشأت هذا الكتاب على رواية ما حصلت. لأنه ثمرة العمر. وزبدة الأيام. ووديعة التجارب. وفي حفظ مضمونه. واعتبار ما اجتمع فيه. تبصرة من العمى. وتذكرة من العيّ..))(98) مقسماً تذكرته الى أبواب وفصول، متجاوزاً نهج البصائر ليمكّن القارئ من أخذ وقفات للاستراحة من تدافع الحديث عبر عشرة مجلدات.
قلنا لم يعرف المؤرخون لابن حمدون مؤلفاً غير التذكرة إلا الذهبي الذي نسبها الى ابنه ابي سعد الحسن بن محمد ابن حمدون في كتابه (العبر وأخيار مَنْ غبر) كما نقل ابن العماد الحنبلي في الشذرات(99) وقد تباينت آراءهم فيه. فقال العماد الاصبهاني وهو يترجم له في الخريدة(100): ((وله على أهل الأدب ظل. وألف كتاباً كبيراً سماه (التذكرة) وجمع فيه الغث والسمين والمعرفة والفكرة)). وقال ابن الدبيثي في ذيل تأريخ مدينة السلام(101): ((وأبو المعالي هذا جمع كتاباً حسناً سماه (التذكرة) يحتوي على فنون من العلم أجاد فيه وأحسن في جمعه)). وقال ابن خلكان في الوفيات(102): ((وأبو المعالي المذكور... صنف كتاب (التذكرة) وهو من أحسن المجاميع، يشتمل على التأريخ والأدب والنوادر والأشعار، لم يجمع أحد من المتأخرين مثله، وهو مشهور بأيدي الناس كثير الجود، وهو من الكتب الممتعة)) وقال الصفدي في الوافي(103): ((صنف كتاب التذكرة في الأدب والنوادر، والتواريخ، وهو كبير يدخل في اثني عشر مجلداً مشهور)) وكرّر ابن شاكر قول الصفدي في الفوات(104). وأثنى عليه ابن تغري بردي بقوله: ((وأبو المعالي هذا هو مصنف كتاب (التذكرة) وهو من أحسن التصانيف، يشتمل على التأريخ والأدب والأشعار، وقفت عليه، وهو في غاية الحسن))(105) أما المعاصرون فمنهم جرجي زيدان فقد نقل وأي ابن خلكان في تأريخ آداب اللغة(106) والزركلي في اعلامه(107) اختصر قول الصفدي.
هذا الكتاب كان سبباً لنهاية مؤلفة –كما صَوّر لنا العماد الاصبهاني في الخريدة- عندما قال: ((فوقف الإمام المستنجد (الخليفة العباسي) على حكايات ذكرها(108) نقلاً من التواريخ توهم في الدولة غضاضة، ويعتقد للتعرض بالقدح فيها أغراضه وتواتر النقل في مؤلفات الذين جاءوا بعد العماد!!
هذه الرواية لنهاية ابن حمدون ملفقة لأن ما نقله ابن حمدون في أبواب السياسة ليس فيها جديد فقد سبقه ابن قتيبة في (عيون الأخبار) في الجزء الذي سّماه (كتاب السلطان) وسبقه الجاحظ في (البيان والتبين) و(رسائله) وما نشره ابن المقفع في ترجمته (كليلة ودمنة) قبلها.. الخ.
فالخلفاء لا وقت لديهم للقراءة لأن عيونهم في رؤوس الآخرين، وهم يرصدون تحركات حاشيتهم. والمعروف عن ابن حمدون وأسرته ميولهم نحو العلويين الذي كانوا في صراع خفي مع العباسيين على الحكم. فأراد الخليفة العباسي أن يضع حداً لأي نشاط لهذه الاسرة من خلال رميه في السجن الذي انتهى بموته وسبق هذا السجن فرض ما نسمّيه حديثاً بالإقامة الجبرية في داره. فانقطع عن عالمه المحيط في عزلة فرضت عليه أن يكتب مؤلفه الوحيد (التذكرة). فتراه يقول في المقدمة (كما قدمنا): ((هذا كتاب جمعته... حين بُدِّل الصفو بالكدر، وغيَّرت بني الأيام الغير، وفسدَ الزمان، وخان الإخوان، وأوحش الأنيس، وخيف الجليس، وصار مكروه العزلة مندوباً، ومأثور الخلطة محضوراً... فوجدت الكتاب خير صاحب وقرين، وأفضل رفيق وخدين، لا يخون ولا يمن، والمفضي بسره مستظهر آمن،.. فهو لمن وُفق للاعتزال أسلم خليل،.. ولمن سُلِبَ الايثار، وحكمت عليه الاضطرار، تذكرة للناسي، وتبصرة للساهي..))(109) ولا نحتاج بعد هذا القول من وصف لحالة ابن حمدون وهو يُصوّر وضعه وعزلته وخوفه من الناس المحيطين به. إلا إذا كان هذا الخوف تكمن السلطة خلفه.
أما الذين تأثروا بابن حمدون في كتابه (التذكرة)، فمنهم النويري في كتابه (نهاية الإرب)(110) فقد نقل من الباب الرابع والأربعين المعنون بـ(ما جاء في الخمر والمعاقرة) دون أن يشير إلى ذلك أو ينبّه عليه، مما دفع بـ(هلال ناجي) وهو ينشر هذا الباب(111) الى اتهامه بالسطو على التذكرة وما أراه أن النويري استعان بالتذكرة في النصوص الشعرية والنثرية، وهذا متداول بين كتاب الموسوعات التي تقوم على الجمع والنقل و(السطو العجيب) على حدّ وصفه لا وجود له لأن مؤلف التذكرة نفسه في كل باب من أبواب كتابه كان ينقل عن السابقين له، دون أن يشير الى ذلك.
عبد العزيز إبراهيم
العراق/ الديوانية 26/ شباط 2022
هوامش البحث
1-الشعر العراقي في القرن السادس الهجري/ 17.
2-الكامل في التأريخ 9/272.
3-فوات الوفيات 1/662 تنظر ترجمة عبد السلام الحنبلي برقم (279).
4-التذكرة السعدية في الأشعار العربية/ 5
5-معجم الأدباء 1/49-50
6-المصدر نفسه 1/47
7-الأغاني/ المقدمة 1/1-2
8-حلية المحاضرة 2/28
9-العمدة 2/280
10-تاج العروس/ ذكر
11-التذكرة الحمدونية/ مقدمة التحقيق 1/11
12-المصدر نفسه/ المقدمة 1/8
13-وفيات الأعيان 2/81
14-خزانة الأدب 1/18
15-معجم الأدباء 18/206-207
16-الفهريست/ 69
17-إنباه الرواة 1/309
18-خزانة الأدب 8/507
19-البيت لطرفة بن العبد من معلقته وعجزه: (وأن أشهَدَ اللَذّاتِ هل أنت مُخِلدي) وجاءت (اللائمي) بدلاً من (الزاجري) في شرح القصائد التسع المشهورات لأبي جعفر النحاس/ القسم الأول/ ص264.
20-خزانة الأدب 8/507-508
21-وفيات الأعيان 3/246
22-إنباه الرواة 2/335
23-المصدر نفسه 2/337
24-وفيات الأعيان 3/247
25-المصدر نفسه 5/274
26-النشر في القراءات العشر 1/34
27-إنباه الرواة 3/315
28-فهرسة ما رواه عن شيوخه/ 41
29-إنباه الرواة 3/318
30-معجم الادباء 19/169
31-وفيات الأعيان 5/276
32-إنباه الرواة 3/317
33-وفياة الأعيان 3/ 47
34-شذرات الذهب 3/ 261
35-وفيات الاعيان 3/217
36-شذرات الذهب 3/355
37-وفيات الأعيان 3/142
38-الوافي بالوفيات 22/472
39-التذكرة الحمدونية 10/ 357
40-وفيات الأعيان 6/302
41-الوافي بالوفيات 17/268، فوات الوفيات 2/117
42-التذكرة الفخرية (مقدمة المحققين)/ 16
43-المصدر نفسه/ 44-45
44-المصدر نفسه/ 57
45-المصدر نفسه/ 89
46-نفح الطيب 2/552
47-تذكرة النحاة (تقديم المحقق)/ م19
48-بغية الوعاة 1/281
49-شذرات الذهب 6/153-156
50-تأريخ آداب اللغة العربية 3/200
51-شذرات الذهب 6/192
52-خزانة الأدب 5/483
53-شذرات الذهب 6/201
54-المصدر نفسه 6/335
55-خزانة الأدب 1/141
56-التذكرة السعدية/ 20
57-المصدر نفسه/ 17
58-شذرات الذهب 8/43
59-الفهرست لابن النديم/ 69، 355
60-فهرست ما رواه عن شيوخه/ 30، 26
61-إنباه الرواة 4/111، 2/142، 1/343
62-وفيات الأعيان 8/495
63-النجوم الزاهرة 9/167
64-وفيات الأعيان 4/380
65-الكامل في التأريخ 9/332
66-معجم الأدباء/ المجلد التاسع/ رقم الترجمة (14)
67-المصدر نفسه 9/185
68-ذيل تأريخ مدينة السلام 1/205، وفيات الأعيان 4/380
69-وفيات الأعيان 4/382، ذيل تأريخ مدينة السلام/ 206
70-خريدة القصر 1/184، الكامل 9/332، ذيل تأريخ مدينة السلام 1/207 وفيات الأعيان 4/382، فوات الوفيات 2/312، الوافي بالوفيات 2/190، شذرات الذهب 4/206.
71-النجوم الزاهرة 5/256
72-خريدة القصر 1/184
73-وفياة الأعيان 4/380
74-خريدة القصر 1/184
75-الوافي بالوفيات 2/190، فوات الوفيات 2/312
76-ذيل تأريخ مدينة السلام 1/205
77-وفيات الأعيان 4/380
78-ذيل تأريخ مدينة السلام 1/206، وفيات الاعيان 4/380
79-المصدر نفسه والصفحة نفسها
80-الخريدة 1/ 184
81-المستطرف 2/99
82-الخريدة 1/184-185
83-التذكرة الحمدونية/ مقدمة المحقق 1/8
84-المصدر نفسه 1/11
85-المصدر نفسه (مقدمة المؤلف) 1/22
86-ذيل تأريخ مدينة السلام 1/205
87-الوافي بالوفيات 2/190، فوات الوفيات 2/311
88-شذرات الذهب 4/206
89-النجوم الزاهرة 5/355
90-التذكرة الحمدونية/ مقدمة المحقق 1/15
91-المصدر نفسه/ مقدمة المحقق 1/16
92-المصدر نفسه/ قصة التذكرة الحمدونية 10/6
93-المصدر نفسه/ مقدمة المؤلف 1/22
94-الحيوان 3/131
95-تذكرة ابن حمدون (مقدمة المحقق) 1/17
96-المرايا المحدبة/ 363
97-الأدب المقارن/ 18
98-البصائر والذخائر 2/41
99-شذرات الذهب 5/32
100-خريدة القصر 1/184
101-ذيل تأريخ مدينة السلام بغداد 1/205
102-وفيات الأعيان 4/380
103-الوافي بالوفيات 2/190
104-فوات الوفيات 2/311
105-النجوم الزاهرة 5/355-356
106-تاريخ آداب اللغة العربية 3/61
107-الاعلام 6/85
108-خريدة العصر 1/184
109-تذكرة ابن حمدون 1/22
110-نهاية الأرب 4/74-126
111-التذكرة الحمدونية، تأليف الشيخ أبي المعالي محمد بن الحسن البغدادي، مجلة المورد، مج5/ ع4 لسنة 1397-1976م ص128.
مصادر البحث ومراجعه
1-الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال، دار العودة- بيروت ط5، د.ت
2-أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون، عبد اللطيف محمد زادة، تحق. د. محمد التونجي، مكتبة الخانجي بمصر 1395ه-1975م.
3-الاعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين- ط17 بيروت 2007م.
4-الأغاني، لأبي الفرج الاصبهاني، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، بيروت- عن ط. دار الكتب، القاهرة- 1963م.
5-إنباه الرواة على أنباء الرواة، للقفطي، تحق. محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت ط1، 1424ه-2004م.
6-البصائر والذخائر، لأبي حيّان التوحيدي، تحق. د. وراد القاضي. دار صادر- بيروت ط5، 1431ه-2010م.
7-بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، جلال الدين السيوطي، تحق. محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي، القاهرة ط1، 1964م
8-تاج العروس من جواهر القاموس، للزَّبيدي، تحق. د. عبد المنعم خليل كريم سيد محمد، دار الكتب العلميّة- بيروت ط1، 2007م-1428ه.
9-تأريخ آداب اللغة العربية، جرجي زيدان، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت- 1967م.
10-التذكرة الحمدونية، لابن حمدون، تحق. احسان عباس –بكر عباس دار صادر بيروت، ط3، 2009م.
11-التذكرة الحمدونية تأليف الشيخ أبي المعالي محمد بن الحسن البغداديّ مجلة المورد، مج5، ع4، 1397ه-1976م وزارة الاعلام بغداد.
12-التذكرة السعدية في الأشعار العربية، لمحمد بن عبد الرحمن العبيديّ، الدار العربية للكتابة –ليبيا، 1981م.
13-التذكرة الفخرية، بهاء الدين المنْشئ الإربلي، تحق. د. نوري حموديّ القيسيّ –د. حاتم صالح الضامن، مطبوعات المجتمع العلمي العراقي 1404ه-1984م.
14-تذكرة النحاة، لابن حيّان الأندلسيّ، تحق د. عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة- بيروت، ط1، 1406ه-1986م.
15-حلية المحاضرة في صناعة الشعر، لابن المظفر الحاتمي، تحق د. جعفر الكتابي، وزارة الثقافة والإعلام –بغداد 1979م.
16-الحيوان، للجاحظ، تحق. عبد السلام محمد هارون، منشورات المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت ط3، 1388ه-1969م.
17-خريدة القصر وجريدة العصر، للعماد الاصبهاني، تحق. محمد بهجة الأثري – د. جميل سعيد، مطبوعات المجمع العلمي العراقي بغداد 1375ه-1955م القسم العراقي.
18-خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، عبد القادر البغدادي، تحق. عبد السلام محمد هارون، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة (1979-1985)م
19-ذيل تأريخ مدينة السلام بغداد، لابن الدبيشي، تحق. بشار عواد معروف مطبعة دار السلام بغداد، 1974م.
20-شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، دار الكتب العلمية –بيروت د.ت.
21-شرح القصائد التسع المشهورات، لأبي جعفر النحاس، تحق. أحمد خطاب، وزارة الاعلام –بغداد 1393ه-1973م.
22-الشعر العراقي في القرن السادس الهجري، مزهر عبد السوداني منشورات وزارة الثقافة والإعلام، بغداد -1980م.
23-الضائع من معجم الادباء، د. مصطفى جواد، شركة المعرفة للنشر والتوزيع المحدودة، 1990م-1410ه.
24-العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحق. محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل –بيروت ط4، لسنة 1972م.
25-الفهرست، لابن النديم، تحق. رضا تجدد، طهران، 1971م.
26-فهرسة ما رواه عن شيوخه، لابن خير الاشبيلي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت ط2، 1399ه-1979م.
27-فوات الوفيات، لابن شاكر الكتبي، تحق. علي محمد معوض -عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية –بيروت ط1، 1431ه-2000م.
28-الكامل في التأريخ، لابن الأثير، تحق. د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي –بيروت، 1431ه-2010م.
29-المرايا المحدبة من البنيوية الى التفكيك، د. عبد العزيز حموده، المجلس الوطني للثقافة –الكويت -1998م (سلسلة عالم المعرفة)
30-المستطرف في كل فن مستظرف، للأبشيهيّ، تحق. إبراهيم صالح دار صادر –بيروت 1419ه-1998م.
31-معجم الادباء، ياقوت الحموي، دار إحياء التراث العربي، بيروت عن ط، 1936م، القاهرة.
32-النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لابن تغري بردي، تحق. محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت ط1، 1413ه-1992م.
33-النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، دار الفكر، بيروت د.ت.
34-نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، المقري التلمساني، تحق. د. احسان عباس، دار صادر –بيروت، ط5، 1429ه-2008م.
35-نهاية الأرب في فنون الأدب، للنويري، تحق. د. يحيى الشامي، دار الكتب العلمية –بيروت، ط1، 2004م-1424ه.
36-الوافي بالوفيات، لابن أيبك الصفدي، تحق. أبو عبد الله جلال الأسيوطي، دار الكتب العلمية –بيروت، ط1، 2010.
37-وفيات الأعيان، لابن خلكان، تحق. د. احسان عباس، دار صادر –بيروت 1397ه-1977م.
مدونات حفظ التراث
(التذكرة الحمدونية) أنموذجا
في العصور المتأخرة من الدولة العباسية برزت ظاهرتان في التأليف هما : الجمع والنقل .
فألاولى خلفت ما يعرف بالموسوعات . والثانية قتحت الباب امام السرقات الأدبية .ومن خلال الموسوعات التي حفظت التراث العربي ظهرت كتب التذكرة . وهي مقيدات مرسلة لا يضيطها ضابط ,تقف فيها الموعظة الى جانب الفائدة العلمية , الى جانب التجربة الذاتية, وغطت هذه الكتب اللغة والفقه والتأريخ والأدب فضلا عن النوادر . وعرف من مدونيها ابن جني (ت / 392 هـ) ومكي ابن ابي طالب (ت / 438 هـ) .....الخ
أما التذكرة الحمدونية فهي لابن حمدون (محمد بن الحسن) ت/ 562 هـ وهو شيخ فاضل له معرفة بألادب والكتابة . حقق د. احسان عباس وبكرعباس التذكرة بعشرة مجلدات ضمت خمسين بابا خلا البابين (49/50) فلم ينشرهما المحققان . مدح القدماء التذكرة وتحفظ غيرهم عليها
Heritage preservation blogs
(Hamduni ticket) as a model
Abdul Aziz Ibrahim
In the later ages of the Abbasid state, two phenomena emerged in the composition: collection and transmission.
The first left what is known as encyclopedias. The second opened the door to literary thefts. Through the encyclopedias that preserved the Arab heritage, the ticket books appeared. They are transmitted restrictions that are not controlled by an officer, in which the exhortation stands on the side of scientific interest, as well as personal experience, and these books covered language, jurisprudence, history and literature, as well as anecdotes. Among its bloggers, Ibn Jinni (d. 392 AH) and Makki Ibn Abi Talib (d. 438 AH) .....etc.
As for the Hamduniya ticket, it is for Ibn Hamdoun (Muhammad bin Al-Hassan) d./562 AH, a virtuous sheikh with knowledge of literature and writing. achieved d. Ihsan Abbas and Bakr Abbas The ticket is for ten volumes that contain fifty chapters, except for the two chapters (49/50), which the investigators did not publish. The ancients praised the ticket and others kept it