الثقافة الشعبية الأقوى في عصر العولمة
الثقافة الشعبية الأقوى في عصر العولمة
اشلي كروسمان
عمر عبدالغفور القطان
تمكن هذا المفهوم من فرض نفسه كأحد أهم صور القوة الناعمة التي تجلت بصورة واضحة في تسويق الثقافة الشعبية الأميركية واليابانية للعالم ولكن قبل الدخول إلى موضوع المقال لا بد من توضيح بعض المصطلحات فمعنى كلمة الثقافة في اللغة العربية تعني الفطنة أمّا في الاصطلاح فتُعرَّف على أنّها نظام يتكوّن من مجموعة من المعتقدات، والإجراءات، والمعارف، والسلوكيات التي يتمّ تكوينها ومشاركتها ضمن فئة معينة. وقد شرح مفهوم الثقافة العديد من الباحثين في مجال الدراسات الثقافية وقدموا عددا من التعريفات منها (انها سلوك اجتماعي ومعيار موجود في المجتمعات البشرية. ينتقل بواسطة التعلم الاجتماعي في المجتمعات البشرية). كما تم تقسيم مفهوم الثقافة إلى قسم مادي يغطي التعبيرات المادية للثقافة، مثل التكنولوجيا، الهندسة المعمارية والفن، والجوانب غير المادية للثقافة مثل مبادئ التنظيم، الأساطير، الفلسفة، الأدب (المكتوب والشفوي)، كما يتم تقسيمها في بعض الأحيانً اعتماداً على مستوى التطور الثقافي الذي يميز بعض الحضارات المتقدمة عن المجتمعات الأقل منها. فهناك الثقافة العالية وهي مجموعة المنتجات الثقافية، وخاصة في مجال الفنون والتي تحظى بأعلى درجات الاحترام ثقافيا. أو ثقافة الصفوة مثل النبلاء والمثقفين. والثقافة الشعبية التي تدل على المنتجات الثقافية مثل الموسيقى والفن والأدب والأزياء والرقص والأفلام والثقافة الرقمية والتلفزيون والراديو التي يستهلكها غالبية سكان المجتمع أو الطبقة الأقل ثقافة.
لعل أهم الكتب التي تناولت الموضوع كتاب (النظرية الثقافية والثقافة الشعبية) لمؤلفه الإعلامي البريطاني جون ستوري. لقد تمت صياغة مصطلح "الثقافة الشعبية" في منتصف القرن التاسع عشر في بريطانيا، وهو يشير إلى التقاليد الثقافية للشعب، على عكس "الثقافة الرسمية" للدولة أو الطبقات الحاكمة. ويرجع الكتاب أصول صعود الثقافة الشعبية إلى خلق الطبقة الوسطى التي ولّدتها الثورة الصناعية. بدأ الأشخاص الذين تم تكوينهم في الطبقات العاملة وانتقلوا إلى بيئات حضرية بعيدة عن حياتهم الزراعية التقليدية في إنشاء ثقافتهم الخاصة لمشاركتها مع زملائهم في العمل، كجزء من الانفصال عن آبائهم ورؤسائهم. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أدت الابتكارات في وسائل الإعلام إلى تغييرات ثقافية واجتماعية مهمة في الغرب. في الوقت نفسه، أخذت الرأسمالية، وعلى وجه التحديد الحاجة إلى جني الأرباح، دور التسويق فتم تسويق السلع المبتكرة حديثًا لطبقات مختلفة. ثم بدأ معنى الثقافة الشعبية في الاندماج مع الثقافة الجماهيرية، وثقافة المستهلك، وثقافة الصورة، وثقافة وسائل الإعلام، والثقافة التي أنشأها المصنعون للاستهلاك الشامل للبضائع.
لقد شهد مطلع القرن الحادي والعشرين تغير في مصادر الثقافة الشعبية واكب التغيرات في وسائل الإعلام لدرجة أن العلماء يجدون صعوبة في تحديد كيفية عملها. فحتى عام 2000م، كانت (وسائل الإعلام) تعن فقط المطبوعات (الصحف والكتب) والبث (التلفزيونات والراديو) والسينما (الأفلام والأفلام الوثائقية). اما اليوم، فهي تحتضن مجموعة كبيرة ومتنوعة من وسائل الإعلام الاجتماعية والأشكال إلى حد كبير، أصبحت الثقافة الشعبية اليوم شيئاً أنشأه المستخدمون المتخصصون لتلك المنتجات التجارية مثل الموسيقى الرائجة حتى عندما يكون الجمهور صغيراً، مقارنة بأيقونات كمغني البوب مثل بريتني سبيرز ومايكل جاكسون. فإن وجود وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى تمكن المستهلكين للتحدث مباشرة مع المنتجين ثم تحول البعض منهم إلى منتجين لتلك الثقافة بانفسهم، مما يقلب مفهوم الثقافة الشعبية رأساً على عقب. لذلك عادت الثقافة الشعبية إلى أبسط معانيها: اي شيء يحبه الكثير من الناس.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف نصف أي محتوى على انه شعبي. ثمة شرطين اساسيين هما:-
الأول: ان يكون محتوى ترفيهي جماهيري مشهور بين عامة الناس والذي يتابع ولا يشترط فيه ان يحبه الجميع مثل مسلسل تحت موسى الحلاق/ او شخص مثل مؤيد البدري/ او مغني مثل كاظم الساهر.
الثاني: مسلسلات ذات محتوى تجذب العامة مثال على ذلك فيديو التك توك أو مقاطع السنابجات. وهنا يجب ان يكون هناك إشادة وترويج للمنتج الذي يخص الثقافة الشعبية من خلال الكلام أو من خلال الملابس. هذه الثقافة مصنوعة من قبل الناس وهي تتقاطع مع غيرها لأنها مصنوعة من قبل صناع المحتوى على الانترنيت.
مثال عن ترويج الدول لثقافتها الشعبية
تعد تجربة اليابان مميزة في صناعة الثقافة الشعبية الخاصة بها فهي عملت على تسويق مفهوم اليابان اللطيفة كول جابان (Cool Japan) من خلال اعتناقها من قبل الشعب الياباني نفسه فهي تتعلق بقدر تفاعلك مع من حولك من ملابسك- كلامك وطعامك بل حتى نكاتك. ويمكن تحديد مصادرها مما ياتي الأعلام– المحتوى الترفهي المقروء (الكتب والروايات) والمسموع (الإذاعة والوبدكاست) والمرئي (الافلام والمسلسلات– اليوتيوب). تعد المسلسلات الكارتونية (انمي)- مجلات رسوم (مانجا)- موضة اللطافة (انواع من الملابس) العاب الفيديو- الاغاني- الموسيقى- مسلسلات- برامج التلفزيون كل هذه المواد الثقافية تسهم في تكوين انطباع أو فكرة عن شعب أو أمة ما من خلال ما تم تقديمه، فهي تستعمل وسائل الاتصال المعروفة مقروة مسموعة مرئية عن طريق بناء سمعه لهذا الشعب. يمكن ان نعد المسلسل الياباني أوشين افضل مثال قدم اليابان بصورة ناجحة للعالم.
على العكس من ذلك، فان محاولة بريطانيا لترويج ثقافتها الشعبية باءت بالفشل بعد اطلاق حملة بريطانيا اللطيفة (Cool Britannia) المرتبطة برئيس الوزراء حيث قدم توني بلير فكرة الترويج لثقافة المملكة المتحدة في تسعينيات القرن الماضي من خلال تجديد عرض الثقافة الشعبية لبريطانيا في الستينيات، بما في ذلك أزياء بريتبوب (Britpop) وأزياء الستينيات، للدلالة على مركزية بريطانيا، وعلى وجه التحديد لندن لتاخذ مكانها في الثقافة العالمية الحديثة والعمل على زيادة الاستثمار الاقتصادي فقد فشلت تلك الخطة بشكل من الاشكال.
الثقافة الشعبية الأميركية... الثقافة الشعبية الاقوى في العالم
تعد الثقافة الشعبية الأميركية الاوسع انتشار فإن بعض صورها استطاعات الحفاظ على مكانتها وفرض نفسها في انحاء المعمورة. هناك عدد لا يحصى من مظاهر الثقافة الشعبية الأميركية مثل الموضة على سبيل المثال السترات الرياضية وبناطيل الجينز الزرقاء كذلك استعمل البث التلفزيوني ونشر اللهجة الأميركية كذلك استوديوهات هوليوود لانتاج الافلام والتعليم العالي والموسيقى الأميركية البرامج التي تنتشر على الإنترنت والرياضات الشعبية مثل كرة السلة والبيسبول والوجبات السريعة والملصقات والإعلانات وموسيقى الروك أند رول والبرامج الإذاعية وبرامج التبادل الثقافي التي تمثل فرصة سانحة لنشر الثقافة الشعبية وزيادة تاثيرها في السياسة العالمية، فإن الكثير من المختصين يتجنب تحويل الأدب إلى أحد موضوعات الثقافة الشعبية.
هنا نقف لنتسائل هل هناك أرتباط بين الثقافة الشعبية لدولة ما مع السياسة الخارجية لها؟ سيكون الجواب نعم واكثر الأمثلة وضوحا على ذلك هو المثال الاميركي لاستخدام الثقافة الشعبية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية للترويج لنصوص ومؤسسات وممارسات ثقافية شعبية سواء كانت إخبارية أو رياضية أو سينمائية أو سياحية، غالباً على أنها أصول مهمة للقوة الناعمة. وسمي هذا الترويج بـ النداء الثقافي الشعبي للولايات المتحدة ونتيجة لذلك، فان الثقافة الشعبية ساعدت الولايات المتحدة على تحقيق أهداف مهمة في السياسة الخارجية على سبيل المثال
1- تمكنت الثقافة الشعبية الأميركية المتجسدة بالمنتجات والاتصالات التي انتشرت على نطاق واسع بين المراهقين السوفييت الذي كانوا يرتدون بناطيل الجينز الزرقاء ويبحثون عن التسجيلات الأميركية في تحقيق اختراق داخل المجتمع السوفيتي قبل انهيار عام 1991م وهو نفس الحال بالنسبة للصين حيث استخدم الطلاب رمزاً على غرار تمثال الحرية خلال احتجاجات ميدان تيانانمن والمعروفة بأسم حادثة 4/حزيران في الصين عام 1989م.
2- ساهمت الثقافة الشعبية الأميركية في إعادة بناء الديمقراطية لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
3- الانتصار في الحرب الباردة(1945-1990م) الذي جاء نتيجة لعمل استغرق سنوات طويلة من نقل صور الثقافة الشعبية للغرب الذي نجح في اختراق جدار برلين قبل سقوطه عام1989م. فقد تفوقت موسيقى الروك على الموسيقى الروسية وهو الحال نفسه بالنسبة لنجاح الأفلام الغربية على تلك المنتجة في الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية، والترويج لصورة أن الناس في الغرب لم يكن عليهم الوقوف في طوابير طويلة لشراء الطعام، ولم يعيشوا فيها شظف العيش وهم يملكون سياراتهم الخاصة .
4- في الآونة الأخيرة لعبت الثقافة الشعبية دوراً بارزاً كقوة ناعمة في الدبلوماسية العامة الأميركية في الحرب على الإرهاب فإن وزارة الخارجية الأميركية، على سبيل المثال، استخدمت الرياضة على نطاق واسع والأفلام والحوار والتبادلات الثقافية مثل برنامج التبادل الشبابي والدراسة الذي ركز على الطلاب من العالم الإسلامي في محاولاتها لخلق مواطنين يؤمنون بهوية عالمية جامعة في أنحاء العالم. تعتمد أيضاً ممارسة القوة الناعمة السائدة بشكل متزايد المتمثلة في العلامة التجارية الاميركية(1).
الامتداد العالمي للثقافة الشعبية الأميركية
تتجلى هوية الثقافية الشعبية الأمريكية في تجسد الناتج الثقافي الذي افرزته هذه الأمة وانتشر في جميع أنحاء العالم. ويعكس هذا الناتج الغني الخصائص العامة لعملية التجديد وإعادة التعريف المستمرة بهذه البلاد، والذي أصبح جزءاً من المشهد الثقافي الأميركي الحي المتجدد باستمرار. وتُظهر الدراسات مدى تغلغل الثقافة الشعبية الأميركية ورسوخها ورغبتها في تأكيد هويتها الثقافية في العالم على الرغم من أن الثقافة الشعبية الأمريكية تملك تاريخاً قصيراً إلى حد ما إذا ما قارنها بالثقافة الأوروبية، إلا أنها مع ذلك تجسد روح الأمة الأميركية وتتماشى مع التطور الهام الذي عرفته أميركا.
لقد دفع الازدهار الاقتصادي للولايات المتحدة إلى صناعة ثقافة قوية تعمل على تسويق الثقافة الشعبية الأميركية. فانتشار تلك الثقافة يعتمد على القوى الرئيسية الثلاثة للعولمة: التجارة الداخلية والتجارة الدولية، وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات، والفنون واللغة. كانت وراء صعود فكرة الاقتصاد الاستهلاكي ونمط الحياة الأميركي، والتي بدورها لها تأثيرات شديدة على مختلف الدول حول العالم. فقامت الشركات العالمية ومقرها الولايات المتحدة والشركات متعددة الجنسيات مثل ولمارت (Walmart) أو كوكولا(Coca-Cola) أو ماكدولند (McDonald’s) أو مايكروسوفت (Microsoft) بنشر صناعاتها التحويلية في أجزاء كثيرة من العالم من أجل إعادت إنتاج منتجاتها أو خدماتها على نطاق واسع، ونقلها في جميع أنحاء العالم للاستهلاك الشامل. ولكون الثقافة الشعبية الأميركية هي ثقافة استهلاكية بطبيعتها لأنها تغري جمهورها المستهدف باستهلاك سلعها المادية.
لقد مكنت وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات بشكل عام المنتجات الثقافية من الانتشار بحرية أكبر بين مختلف أنحاء العالم. مع ظهور الإنترنت والإعلانات عبر القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الثقافة الشعبية الأمريكية أكثر انتشاراً. إذا ما قيست بالمقاييس الاقتصادية فالمطربين وكذلك عامة الناس لا يقيمون الأغنية بجوهرها الفني بل من خلال عدد المشاهدات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل اليوتيوب (Youtube) والفيس بوك (Facebook). إلى جانب ذلك، يعتمد معظم مستخدمي الإنترنت على محركات البحث مثل كوكل (Google) أو بنكون (Bing) للبحث عن المعلومات. وفقًا لإحصائيات الإنترنت الحية، فإن عدد عمليات البحث على كوكل (Google) يقارب 3.5 مليار في اليوم. قد يشير هذا إلى الشدة التي وصلت إليها الثقافة الشعبية الأميركية؛ لقد تطور من منتج تقليدي يتم استهلاكه مرة واحدة إلى منتج أساسي يتم الاعتماد عليه باستمرار.
تفقد أي هوية ثقافية أحد أهم عناصرها دون حضور قوي للغتها. فإن اللغة الإنكليزية توفر قناة اتصال بين أميركا والعالم. من جانب، أدى ذلك إلى انتشار اللغة الإنكليزية في جميع أنحاء العالم وتمهيد الطريق بشكل كبير لفهم الأفلام والموسيقى والكتب الأميركية. تتمتع السلع الثقافية الأميركية بشعبية واسعة في الخارج، وبالتالي تشكل الرأي العالمي. يدعي ينس أولف مولر في كتابه (حروب أفلام هوليوود مع فرنسا: دبلوماسية تجارة الأفلام وظهور سياسة حصص الأفلام الفرنسية) أن "الأفلام الأميركية في العشرينات من القرن الماضي لم تحل محل الإنتاج الأوروبي فحسب، بل زادت العدد الإجمالي من الأفلام المتوفرة بنسبة200٪ -300٪. إلى جانب ذلك ، مثلت الأفلام الأميركية في عام 1987م-56٪ من سوق الأفلام الأوروبية. في الوقت الحاضر، تمثل الأفلام الأميركية حوالي 70٪ من مبيعات شباك التذاكر الأوروبية كل عام. وفقاً لما سجلته إحصائيات دور العرض، تحتل الأفلام الأميركية الصنع المركز الأول للأفلام المعروضة في أوروبا بنسبة 64٪. في المقابل، الأفلام الأوروبية المعروضة في الولايات المتحدة لا تشكل اكثر من 3٪. وفقاً لـ CNC الفرنسية، بلغت عائدات الأفلام الأميركية 747.7 مليون يورو في عام 2016م. وفي المقابل، بلغت عائدات الأفلام الأوروبية 125.9 مليون يورو. في نهاية المطاف، بدأ عدد الأفلام الروائية التي تم طرحها في دور السينما الأميركية حوالي110 فيلماً في عام1980م، وتزايدت باستمرار لتصل إلى 736 فيلماً في عام 2016م. وتعكس الزيادة الهائلة في عدد إنتاج الأفلام سنوياً الانتشار العالمي للثقافة الشعبية الأميركية في دور السينما، ويتحدث عن امتداده المثير للإعجاب ليشمل المجالات الثقافية الأخرى. من ناحية أخرى، تقوم الثقافة الشعبية بتسويق العقلية الأميركية ونمط الحياة الاستهلاكية لجمهور عريض حساس. وبشكل رئيسي الشباب الذين يميل عادةً إلى تصديق ما يظهر لهم، بسبب الافتقار إلى البصيرة والفطرة السليمة، يكونون مستعدين بحماس لأي دعوة للعمل مما يجعل الجماهير مبرمجة لاستقبال ما يتم تقديمه لها"(2).
في الأصل فان الثقافة الشعبية، وكما يدل اسمها، تستمد هويتها من الجمهور. لذلك فهي مصممة لتناسب ذوقهم العام ومفهومهم عن الترفيه اليومي بشكل ما فهي تعبر عن نفسها من خلال ربط الجماهير بالأفكار المعدة لتعريفها. وهكذا فإنها تشكل أفكارهم ومعتقداتهم الداخلية. فالمقاطع الموسيقية تُستخدم مراراً وتكراراً في الإعلانات كما يتم الاستمتاع بها في عزلة بحد ذاتها؛ وبلا شك هناك أناس لم يسمعوها كاملة من قبل. حيث يمكن أن تحلل الأغنية دون فقدان المعنى– كما يمكن استحضار لحظاتها وإعادة استخدامها. في المقابل. تدربنا صناعة الثقافة الأميركية على التركيز على فترات دقيقة من الوقت والمحتوى، مما يضعف قدرتنا ورغبتنا في تجربة الأعمال الفنية كأشياء موحدة ومعقدة.
تزعم مارثا بايلز أستاذة العلوم الإنسانية في كلية بوسطن، في مقابلة تلفزيونية أنه "خلال الحرب الباردة، رعت الحكومة جولات لموسيقى الجاز وبث موسيقى الجاز" لتقديم صورة جديدة وجذابة لأميركا إلى العالم وفي نهاية الحرب الباردة وصلت موسيقى الروك لدرجة تحفيز الشباب في الكتلة الشرقية ليكونوا أكثر تمرداً وتخريباً. مع ذلك علقت لاحقاً قائلة بأن الثقافة الشعبية الأمريكية المعاصرة تسعى لجذب انتباه الجماهير، وبالتالي تطور مفهوماً متحرراً عن الحرية، مما يزيل في النهاية أصالتها الفنية. فيما يتعلق بالإفراط في إضفاء الطابع الجنسي على صناعة الموسيقى، تقول: لا أعتقد أن الموسيقى الشعبية الأميركية لديها ذاكرة التخزين المؤقت نفسها التي كانت تمتلكها، ويرجع ذلك جزئياً إلى أننا رفعنا الحماسة الجنسية بالفعل، وأصبحت الثقافة الأميركية عملاً تجارياً. في محاولاتها لتشكيل الرأي العالمي من خلال صنع البهجة، وحولت نفسها من شكل من أشكال الفن إلى سلعة.
يمكن أيضاً قياس النطاق العالمي الذي وصلت إليه الثقافة الشعبية الأميركية من خلال حقائق مختلفة ولكنها مترابطة. أدت الحدود التي لا يمكن تخيلها على نطاق واسع إلى نوع من "التجانس" للثقافات، حيث يأكل الناس من مختلف أنحاء العالم ويلبسون ويستقبلون ويتفاعلون ويتواصلون بالطريقة نفسها. يضع هذا حداً للتنوع الثقافي، ويقر بإمكانية الثقافة السائدة لإضعاف الثقافات المحلية. علاوة على ذلك، اتباع نظرية الإمبريالية الثقافية، فإن هيمنة ثقافة واحدة تفضلها كنقطة مرجعية للتطور والتقدم. وبالتالي يتم التقليل من الثقافات المحلية إلى أدنى حد والنظر إليها على أنها غير متطورة، وهذا يؤدي إلى تدميرها. على سبيل المثال، يفضل شخص غير أميركي اصطحاب صديقته إلى مطعم ماكدونالد بدلاً من الذهاب إلى مطعم محلي للوجبات السريعة لأنه قد يرى في ماكدونالد طابع التطور والتقدم الأمريكي الذي لا يجده في مطعم الوجبات السريعة المحلي. بالطريقة نفسها، وبدرجات، يبدأ الناس في دمج الأخلاق الأميركية النموذجية في حياتهم الخاصة، وهذا بمثابة نقطة انطلاق لأميركا لاكتساب النفوذ السياسي، وعلى المدى البعيد، لإقامة علاقات دبلوماسية أقوى للمساعدة في تقدم أجندة سياسية. لتنشر العولمة والثقافة الشعبية الأميركية التي لا مثيل لها فحسب، بل تساعد أيضاً على غرس المثل الاقتصادية والسياسية والثقافية الأمريكية عبر الحدود الجغرافية. يعتبر العديد من المراقبين العولمة منفذاً لـ "امركة" العالم، لأن الولايات المتحدة الاميركية هي إلى تعد أكبر منتج لمجموعة واسعة من السلع الثقافية. تتدفق قوى العولمة في الثقافة الشعبية الأميركية إلى العالم، وتتكون من العديد من جوانب الثقافة المدنية الأميركية، لدرجة أن الناس يصبحون مهووسين بأميركا. على سبيل المثال، يتابع الناس من مختلف أنحاء العالم أخبار وشؤون الولايات المتحدة عن كثب. قد تقدم التغطية العالمية لمنافسة ترامب وهيلاري على الرئاسة أفضل مثال. لقد ذهب الذكاء بعيداً إلى حد الإيحاء بأن العالم يجب أن يصوت مع الأميركيين لأنهم قلقون بشأن دبلوماسية أميركا وقراراتها السياسية وسياساتها الخارجية أكثر من اهتمام الأميركيين أنفسهم. ربما يكون أفضل دليل على أن الولايات المتحدة قد عولمة ثقافتها الشعبية هو أن الناس من مختلف القارات الذين لم يسبق لهم زيارة الولايات المتحدة لديهم بالفعل فكرة شاملة عن شكل المنازل والشوارع والمدارس الأميركية. هذا ليس مذهلاً لأن أجهزة التلفزيون الأميركية مثل الفوكس(FOX) وسي ان ان(CNN) بدأت فقط للمشاهدين القابعين في منازلهم ولكنها تصل الآن إلى ملايين المنازل والأقاليم عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. ساعد تصدير الثقافة الشعبية الأميركية إلى العالم ليس فقط في تشكيل الرأي الدولي ولكن أيضاً في تقديم صورة معدلة عن نفسها في فترة ما بعد الحرب العالمية واكتساب نفوذ سياسي على العديد من البلدان.
ربما يمكن تلخيص الامتداد العالمي للثقافة الشعبية الأميركية بشكل أفضل في كلمات رئيس الوزراء الكندي السابق كيم كامبل الذي لاحظ أن (صور أميركا منتشرة للغاية في هذه القرية العالمية بحيث يبدو الأمر كما لو أميركا هاجرت إلى العالم، مما سمح للناس أن يطمحوا لأن يكونوا أميركيين حتى في البلدان البعيدة)(3).
الهوامش:
(1) اقتباسات من بحث بعنوان الثقافة الناعمة والشعبية إلى الثقافة الشعبية والسياسة العالمية - كريستينا رولي و جوتا ويلديز- جامعة بريستول.
FROM SOFT POWER AND POPULAR CULTURE TO POPULAR CULTURE AND WORLD POLITICS By Christina Rowley and Jutta Weldes
University. of Bristol School of Sociology, Politics and International Studies
(2) من كتاب حروب أفلام هوليوود مع فرنسا: دبلوماسية تجارة الأفلام وظهور سياسة حصص الأفلام الفرنسية.لينس أولف مولر،
Hollywood›s Film Wars with France: Film-Trade Diplomacy and the Emergence of the French. Film Quota Policy By- Jens Ulff-Moller
(3) من بحث بعنوان قوة البوب: دبلوماسية البوب من أجل مجتمع عالمي: ثقافة البوب كأداة للدبلوماسية الثقافية ، لبناء مجتمع عالمي في سياق العلاقات الدولية. الحالة: كوريا الجنوبية واليابان في بيرو.
POP POWER: Pop Diplomacy for a Global Society
Pop Culture as a tool for Cultural Diplomacy, for constructing a Global Society in the context. of International Relations. Case: South Korea and Japan in Peru
المصدر:
من مقال بعنوان (التعريف السوسيولوجي للثقافة الشعبية ...تاريخ ونشأة ثقافة الشعبية) لاشلي كروسمان.
Sociological Definition of Popular Culture (The History and Genesis of Pop Culture) By Ashley Crossman.