أبو الغمسي الخزاعي
أبو الغمسي الخزاعي
باسم عبد الحميد حمودي
مع العدد 320 من مجلة التراث الشعبي الخاص بفولكلور وأنثروبولوجيا محافظة الديوانية قدمت المجلة ملحقاَ مصاحباَ بوصفه هديةً للعدد، وهو الكتيب الذي قدمه الشاعر عبد الحسن المفوعر السوداني تحت عنوان (أبو الغمسي الخزاعي، شاعر الشجاعة والغزل) إذْ جمع المفوعر ديوان أبي الغمسي الشاعر الفريد, أمير الخزاعيين في زمنه وفارسهم تحت قيادة ابن عمه الشهير حمد آل حمود شيخ الخزاعل الذين بنوا مدينة الديوانية على جرف نهر مدينة الحسكة، عندما غير مجراه نتيجة عوامل متعددة منها تدخل القوات العثمانية لكسر ثورة الخزاعل وتعمدها تحريف مجرى الفرات إضافة الى عوامل بيئية أخرى.
حقق السوداني ديوان أبي الغمسي الفريد التجربة وقدم للكتاب وراجعه الدكتور منتظر حسن الحسني بلغة تحقيقية صافية تتبع الأثر الشعري وأسبابه وما ينطوي عليه من معان.
يقول المقدم: (جاءت العناية بهذا الكتاب انطلاقا من سمته التراثية التي تصله بفولكلور المنطقة... فذاع وانتشر قارا في أرجاء البلاد ولم يعد مقتصراً على الحسكة أو الديوانية... حتى نفذ الى الثقافة الجماهيرية) ثم يقر أن شعره المنتشر لم يدون بل بقى شفهياً, ثم أشار الى ابتكار أبي الغمسي هذا النوع الجديد من الصوت الشعري هو(أبو معنَّه), وهو ينظم على بحر الرمل وله مواصفات خاصة.
ويشير المقدم د.الحسني الى خزانة الشاعر الكبيرة والى خروج نصوص من شعره اشتهرت كأغانٍ أو أمثال مبتكرة بين السواد، ومن الأغاني المولدة عن شعر أبي الغمسي :
-أركض وراهم حافي وعبيتي على أجتافي
- مرن عليه وفاتن...سبعة من ضلوعي ماتن
وهو يقارن أغنيات جماهيرية اليوم بشعر أبي الغمسي الذي بنى مذاهبها أو صنع روحها ومنها (يا خشيف الواردة بشاطي الحمد) و(لابسه الهبري وﮔالبته ﮔلاب) وينقل نصوصاً أساسية من شعر الشاعر هي أساس هذه الأغاني وسواها.
ويشير الدكتور منتظر الحسني الى أنَّ ثمة أشعار لأبي الغمسي لم ترد لدى المحقق؛ لذا فقد قام بذكرها اتماما للفائدةـ وفي ذلك تأكيد على علمية المقدم وأمانته وإحاطته بموضوعه؛ حتى أنه نقل شوارد من أبيات له وردت في قرى حمام العليل, كما ذكر دور العماريتين الراويتين لشعر أبي الغمسي وهما(بطحة) و(فرجة), ثم يؤكد مراجعته لرواية الشيخ ثعبان سلمان شرماهي الخزاعي الذي كان راوية لبعض قصائد الشاعر.
وقبل الدخول في صناعة الشاعر المفوعر السوداني لابد أن نذكر أمرين مهمين, أولاهما: إن المؤلف هو الشاعر المحقق عبد الحسن المفوعر(1920-2006) قد ولد في منطقة البحاثة في قضاء الكحلاء في العمارة وتلقى تعليمه الأولي في الكتّاب قبل الالتحاق بالمدارس الرسمية، وقد نشأ شاعراً شعبياً مفوهاً ودارساً مميزاً للتراث الشعبي في ميسان, وقد نكب الشاعر باستشهاد ولده الفنان مطشر السوداني رحمه الله لكنه ظل أميناً على الدرس الشعبي والألوان المتعددة من الشعر الشعبي والاهتمام بدراسة التقاليد الشعبية والممارسات الاخرى، ومن كتبه: (الألعاب الشعبية في العمارة)- قدم له الأستاذ عامر رشيد السامرائي, و(الشاعرة فدعة) و(ديوان أبو الغمسي الخزاعي) و(العادات والتقاليد الشعبية في العمارة) وغيرها.
الأمر الثاني: هو رواية الشيخ علي الخاقاني عن الشاعر أبي الغمسي التي أوردناها في كتابنا(سحر الحقيقة)، وقد خصصنا فيه فصلا عن (حمد آل حمود بين التاريخ والتراث الشعبي) تعرضنا فيه الى مجموعة الروايات المعروفة عن حمد ونقلنا بعض الحكايات الشعبية المتوارثة عن بطولاته وقدراته القتالية وكرمه.
وقد نقلنا عن الشيخ الخاقاني قوله في الحلقة الثانية من موسوعته: ( فنون الأدب الشعبي) الصادرة عام 1962 قوله: (في طليعة من نظم الميمر الشاعر المعروف أبو الغمسي الخزعلي ابن أخ الزعيم حمد آل حمود, فإنه عندما وقف الجيش التركيب على أرض الخزاعل, أمر (حمد) بإقامة سد تُرابي ليمنع وصول الرصاص أليهم من الأتراك، وقد قسم على أفراد قبيلته العمل في هذا السد وقد أنجز الجميع (طروحهم) إلا أبو الغمسي, وعندما مر الزعيم عليه ووجده لم يقم بواجبه قال: (يسده بحصانه) فثار أبو الغمسي ونهض الى جواده فشد عليه السرج بقوة مما دفع الحصان أن يصرخ فقال مخاطبا له:
تزحر يمن ريتك هلب ماتدره والما درى بالعاقبة ما تدره
العز بالوهمات يالماتدره والذل تتلاه الندامه واكثر
لو هلهلت(غوته) ونختني فرجه كل شده لابد من وراها فرجه
أن جان عسكركم كطع ها الفرجه راسي سبيل ويانه بفلس أحمر
وآنذاك حمل على العسكر (التركي) فأزاله من مكانه).
إنَّ هذه اللوحة الشعبية التي رسمها الخاقاني عن مهارة حمد الحمود العسكرية وشدته في متابعة تنفيذ اوامره تقابلها صورة (أبو الغمسي) الشاعر الفارس وهو يتحمل لوم عمه ويقول أبيات ميمر ليتقدم الصفوف كاسراً عسكر آل عثمان.
وكان أبو الغمسي الفنان الشاعر كثيرا ما دخل في منازعات مع سيد الخزاعل بسبب عدم التزام (الفنان) الدائم إزاء خطط (النظام), ومنه ما يرويه الخاقاني إذ يقول:
(وقال أبو الغمسي ابن أخ الزعيم الخزاعي حمد آل حمود وكانت بينهما برودة فكتب إليه يقول:
يا طارشي خوذ الرسالة ودها لحمود عمي مثل عنتر ودها
كلَّه الكلوب اللي تناكر ودها مثل الجزازه كسرها ما يجبر
في مقدمة كتاب السوداني عن أبي الغمسي يشير الى قلة المصادر الواردة عن صفات فدعة الزريجية التي كتب كتابا عنها وكذلك الأمر بالنسبة لأبي الغمسي الذي اشتهر بشجاعته وميله الى النساء وكلك صناعته لنوع من الشعر يسمى (أبو معنَّة) واهتمامه بشعر (الهات)، في السياق ذاته يقول المفوعر:
(يروى عن الشيوخ المسنين في الأرياف والنساء المسنات كنت في سن الطفولة استمع الى الفتيات الصغيرات يرددن شعره في مواسم الأعياد مع نقر الدفوف, فتقول إحداهن المستهل ويسمى عندهن (ردَّة) واسم آخر(راس مشد) فيأخذنه ثم تبدأ في الشعر, وفي نهاية كل بيت تسكت حتى تردد صويحباتها..)
من ذلك قوله –وقد دخلنا في النصوص الواردة – قوله:
شفته يمشي بالنصه عنـﮔود ﮔلبي ﮔصه
يبنيه انطيني مصة يم رقبة العارية
وقوله:
شفته يمشي الموح الموح واروايحه ترد الروح
انا بهواها مطروح ونتاﮔ ما ضل بيه
ومن جميل مردداته قوله:
مرت عليه اغزاله ا شجت بضلوعي فاله
هذا العشج وأفعاله يهلي اشعملتو بيه
وبعد عدة مقطعات راقصة خفيفة يورد السوداني عدة قصائد ترددها الفتيات ومنها(خلاني الدهر سيساني) و(أخذيني وياج) مع شروح الأبيات, لينتقل الى ما أبتكره أبو الغمسي من لون شعري هو (أبو معنَّه), وهي كنية جاءت من نوع من الحلي توضع الى جانب الصدغ وفي بعض الارياف تسمى(كنز) ومن أبياته في الغزل هنا على وفق السلم الموسيقي لبحر الهزج قوله متغزلا:
لابسه الثوبين والثالث يكش ومن وره الثوبين تبينلج نكش
لو يخلوني هلج للبيت ادش لكنس الموقد وأعوف السلطنه
وقد جمع السوداني ما تيسر من شعر الشاعر الفارس كازانوفا عصره ومن ذلك قوله:
يا خشيف الواردة من ماي عين ومن شعاع الشمس خدها ما يعن
خوش ﮔذله وخوش رﮔبه وخوش عين خلقة الباري يعون الفرعنه
والفرعنه هنا هي إزالة غطاء الرأس ليظهر جيد الفتاة وجمالها, وهنا ينقل السوداني قصائد الشاعر في شتى مجالات الوله والعتاب وفوران العواطف, ونحن نجد هنا الكثير من المتداول في الأغاني العصرية الحديثة في خمسينات وستينيات القرن الماضي التي ما تزال متداولة كقصائد مغناة أو أمثلة ومنها:
- الما تشوفه العين يسلاه الكلب
- أبو عيون السود صبغ الدايرة
- فاتني غي الصبا وامسيت عود
- ابن عمي الما نفعني شلي بيه
ثم يورد الكثير من عمارياته وقت الحرب ثم ينقل بيتا لزوجته وهي تعاتبه على سرقة قلوب الحسناوات وتهدده بأنَّ غيره قد يسرق قلبها لينتقل الى لونين من الشعر المستحدث لديه هما(الهات) و(الفزَّاعي) بلغة شفيفة واضحة الشرح والاستدلال؛ ليصنع بذلك تجربة مهمة في جمع شوارد شعر أبي الغمسي الشاعر الفارس.