الصيد بكلاب السلوقي في المغرب
ناسمي محمد/ باحث من المغرب
مما لا شك فيه أن تناول أي موضوع يتصل بدراسة التراث الشعبي يكون له طابعه الخاص، لما له من أهمية في إعطاء صورة واضحة وحقيقية عن المجتمعات البشرية، لارتباطه الوثيق بهويتهم وشخصيتهم الوطنية، مصورا بذلك حياة هذا الشعب أو ذاك.
وفي هذا المقال وقع الاختيار على دراسة رياضة شعبية هي الصيد بكلاب السلوقي، التي يجد فيها المتأمل أنها أكثر من رياضة وجدت للترفيه والتسلية، بل هي جزء لا يتجزأ من تراث شعبي يمتد تاريخيا لمئات السنين، وجغرافيا في بلاد عربية ومنها عدد من المناطق المغربية، وهو ما ساهم في ثراء وتنوع عناصر هذه الرياضة الشعبية من عادات ومعتقدات شعبية وأشكال من الأدب الشعبي.
ملامح من رياضة الصيد بالسلوقي:
كانت تربية كلاب السلوقي في المغرب شأنه شأن أغلب المناطق العربية في الماضي وسيلة من الوسائل التي لجأ إليها الإنسان للعثور على الغذاء خاصة الطرائد من الأرانب، ومع التحولات الاجتماعية والاقتصادية تراجعت هذه الوظيفة الأصلية ليصبح الصيد بالسلوقي اليوم من الرياضات الشعبية التي تعرف بها مجموعة من المناطق المغربية، يمارسها الشباب كما الشيوخ للترفيه والترويح عن النفس، وهي تقوم على تربية كلاب السلوقي وتدريبها تدريبا كبيرا ومستمرا، والعناية بها وفق برنامج مضبوط وصارم حتى لا تفقد سرعتها ولياقتها وقدراتها على الصيد والمطاردة.
وقد تم اختيار كلب السلوقي دون الأنواع الأخرى من الكلاب لتوفره على عدد من الميزات منها؛ الرشاقة والسرعة، والقدرة على التحمل، إضافة إلى أنه "لطيف مع مربيه ويلبي رغباته في ميدان القنص باحثا عن الطريدة بكيفية ذكية ويأتي بها في فمه "(1)، "سليمة دون أن يأكلها أو يأكل بعض منها حتى ولو كاد يموت جوعا"(2).
وتكون عملية الصيد بإطلاق كلاب السلوقي لمطاردة الطريدة وجري أصحابها من ورائها لتتبع مسارها وأخذ الطريدة منها في الحين.
عادات ومعتقدات الصيد بالسلوقي:
تتسم رياضة الصيد بالسلوقي بسمات تميزها وتطبعها بطابع خاص، والتي تتجلى في خضوعها لمجموعة من العادات والمعتقدات الشعبية، التي تعتبر جزءا هاما في هذه الرياضة الشعبية، لما تلعبه من دور كبير في ضبط وحفظ قواعد ممارستها، ومقوما أساسيا لهويتها التي تميزها عن باقي الرياضات الشعبية الأخرى.
وقد جرت العادة أن يخرج هواة هذه الرياضة للصيد في جماعة يصطحبون معهم من ثلاثة كلاب فما فوق، والهدف من الخروج في جماعة هو الترفيه والترويح عن النفس وخلق جو من السمر فيما بينهم، أما الطرائد من الأرانب المصطادة فيتم سلخها وتهيئتها للإعداد طبق من الطجين في وجبة الغذاء لليوم التالي لجميع أعضاء الجماعة.
ولأن ممارسة رياضة الصيد بالسلوقي تمارس غالبا في الليل وتستهدف أرانب حقول الصبار(3)، فقد نسجت معتقدات شعبية مرتبطة بزمان ومكان هذه الرياضة، بحيث ينتشر معتقد شعبي هو أن الجن يكون في هيئة أرانب، كما أن حقول الصبار تسكنها الجن، وهذا المعتقد من المعتقدات المتجذرة في نفوس المغاربة والتي "تنحدر بشكل عام من أصل وثني وإسلامي من جهة، ومن أصل إفريقي قرطاجي من جهة ثانية"(4)، ومن خلال المقابلات التي أجريتها أثناء البحث الميداني الخاص بهذا المقال وجدت أن كلها تروي حالات عن خروج الجن من حقول الصبار أو رؤية أرانب بأشكال غريبة، أو سماع أصوات غريبة ومفزعة، أو تعرض أحدهم للمس، ومما ذكره لي أحد هواة هذه الرياضة أنه "أثناء تقفي أرنب بحقل للصبار في ليلة أحد أيام الصيد تفاجأ في لحظة ما، بظهور شكل غريب مع انطفاء مصباحه اليدوي لوحده، مما أفزعه فزعا شديدا وأجبره على عدم اكمال الصيد ورجوعه للبيت"(5).
الصيد بالسلوقي في المثل الشعبي المغربي:
تعددت الأمثال الشعبية المغربية التي ضربت عن الصيد بالسلوقي، والتي حاولت أن تحمل بين ثناياها مختلف التعبيرات عن هذه الرياضة الشعبية، وعاداتها، وتقاليدها، وأساليبها، وتصورات الناس حولها، وهي بذلك تعد مصدرا من مصادر الفهم والدراسة، ومن هذه الأمثال الشعبية المغربية، نجد:
- اخْبارْ الذِّيبْ عَنْدْ السْلُوقِي:
يضرب هذا المثل في الشخص الذي يريد إخفاء حقيقته مع أنك تدرك فساده ومكره.
- امْنَاينْ كَيْجِي وَقْتْ الصْيَادَّة كَيَمْشِي السْلُوقِي يْدُورْ:
يقال فيمن ترجو المساعدة منه وقت الاحتياج إليه فلا تجده بجانبك يعضدك ويأخذ بيدك(6).
- إِيلاَ شَفْتِي الذِّيبْعْرَقْ اعْرَفْ رَا سْلُوقِي وْرَاهْ:
يعرف أن مربي السلوقي يستغنون عن البندقية في صيد الذئب، ويكتفون بصيدها عبر مطاردتها بواسطة كلاب السلوقي، ويقال هذا المثل: في شخص إذا رأيته في حالة اعياء شديد فاعلم أن هناك شخصا فوقه أثقل كاهله بكثرة الأوامر.
- بْحَال السْلُوقِي الضَّيْعَانْ:
يقال فيمن اشتدت نحولته كثيرا بسبب هم أو مرض أو خلقة(7)، ويشبه بكلب السلوقي في نحافة الجسد.
- عَمَّرْ الذِّيبْ مَا يْصَيِّدْ وْالسْلُوقِي وْرَاهْ:
عند حضور كلاب السلوقي تمنع على الذئب الصيد، بل يفر خوفا من أن يصبح هو نفسه طريدة لكلاب السلوقي، ويقال هذا المثل: في الشخص السيء الذي يريد أن يعمل عمل السوء لكنه لن يستطيع وذلك لحضور شخص صالح يراقبه.
- وَقَّرْ الكَلْبْ عْلَى وْجَهْ مُولاَهْ:
واجب احترام الكلب وعدم التعرض له بالأذى احتراما لصاحبه.
- يْخَلِّي الصَّيْدْ ويْتَبَّعْ الاَرْضْ:
يضرب هذا المثل لمن ترك شيئا مرجوا ثم تتبع أثره بعد فوات الأوان.
رياضة الصيد السلوقي بين خطر الاندثار ورد الاعتبار.
كانت لرياضة الصيد بالسلوقي في عدد من المناطق المغربية مكانة مهمة، غير أنها اليوم أصبحت تهددها مجموعة من المخاطر التي تعتبر الأسباب الرئيسية لانقراضها والتي من أهمها؛ انتشار مظاهر التحديث داخل المجتمع وكثرة الانشغالات اليومية للإنسان المغربي، كما ارتفعت تكاليف العناية بكلب السلوقي مع غياب أي دعم من الجهات المسؤولة، إضافة إلى ثقل الغرامة التي تفرض على مربي كلب السلوقي في حالة قيامه بالصيد خارج أوقات الصيد المحددة أو بدون رخصة، وهو ما نتج عنه تراجع كبير في عدد هواة هذه الرياضة الشعبية.
أما كلاب السلوقي الأصيلة فقد تراجعت اعدادها في جميع مناطق المغرب نتيجة "التهجين Croisement الذي يتعرض له عبر الكلب الاسباني المعروف كالكوCalgo، وهو التهجين الذي يعزى إلى رغبة البعض في الحصول على سرعة أكبر حين صيد الطرائد"(8) مما يهدد بانقراض كلب السلوقي المغربي الأصيل.
وأمام هذه الوضعية التي آلت إليها هذه الرياضة الشعبية، جعل من التدخل لإيجاد حلول ناجعة لحمايتها ضرورة ملحة تلزم جميع الفاعلين بالعمل على اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير الكفيلة لإنقاذها، وهكذا تم تأسيس الجامعة الملكية المغربية للصيد بالسلوقي والصقر، إضافة إلى تنظيم وتأطير مربي كلاب السلوقي في إطار عدة جمعيات مثل (جمعية أهل الشاوية للصيد التقليدي البري بالسلوقي والصقر، جمعية دكالة للصيد التقليدي بالسلوقي...)، كما يتم إقامة عدة مهرجانات جهوية ووطنية وحتى دولية أهمها: (المهرجان الدولي للصيد التقليدي بالسلوقي بمدينة مكناس، المهرجان الدولي للصيد التقليدي بالسلوقي والصقر، جماعة سيدي المختار، إقليم شيشاوة) التي تساهم بدور كبير في النهوض وتطوير رياضة الصيد بالسلوقي.
يمكن القول إن رياضة الصيد بالسلوقي شأنها شأن جميع العناصر التراثية الأخرى مركبة وتتداخل مع باقي عناصر التراث الشعبي الأخرى، ومن جهة أخرى فهي رياضة تتجاوز حدودها المغرب وتنتشر في الوطن العربي ودول أوربية أخرى، لهذا فالأمل معقود على جميع الفاعلين والمتدخلين لإيلاء المزيد من الإهتمام لهذه الرياضة الشعبية قصد إعطائها ما تستحق من إهتمام، والبحث أكثر عن سبل حمايتها من خطر الاندثار.
الهوامش
1- محمد الرمضاني، السلوقي، معلمة المغرب، ج 15، الجمعية المغربية للتأليف والنشر، مطابع سلا، 2002، ص 5099.
2- محمد الماطي، السلوقي والفرس والصقر مفخرة الدكاليين، http://eljadidaflash.com/eljadida-maroc-231/
3- مجال الدراسة هنا هو منطقة دكالة بالمغرب.
4-عبد الغني منديب، الدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب، ط1، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2006، ص 20.
5-مقابلة ميدانية: إدريس الزكاي، السن 30 سنة، يمارس الصيد بالسلوقي منذ سن 14 سنة، دوار لورادغة، خميس الزمامرة، سيدي بنور، يوم: 14/12/2015.
6- دادون إدريس، الأمثال الشعبية المغربية، ط1، مكتبة السلام الجديدة، الدار البيضاء، 2000، ص 314.
7- المرجع نفسه، ص 24.
8- من يحمي المغرب السلوقي من خطر الكالغو الإسباني،