أنواع الصمت لدى جيمس جويس

 

تيريزا برودينت
ترجمة: د.علاء حسين عودة

كما هو واضح من عنوان المقالة، فإن الصمت لدى جيمس جويس يأخذ شكلاً عنكبوتياً متشابكاً متعدد الاتجاهات من ناحية المحتوى والمنهجية عبر استكشاف كامل نتاجه الأدبي، إذ سيجري تحليل الصمت وتأويله من عدة اتجاهات. وهذا واضح من المقالة الافتتاحية لفريتز شين Fritz Senn، إذ يقوم بتفكيك الصمت لدى جويس عبر تحليل الأمثلة التي تشير إلى العديد من الاتجاهات والوظائف المتشابكة، بما في ذلك الوظائف البلاغية والإلهامية وغير المباشرة. ويقدّم شين فهرساً مفهومياً مؤثراً يوفر بنية قوية للاستقصاءات المطورة في المقالات اللاحقة. وتضع مقالته أيضاً الأساس النصي للنظر في الشدّ بين القوى المتضادة التي تحرك بلاغة جويس للصمت، خاصة تلك القوى بين الفراغ / الحضور والنشاط / السلبية.
وتستكشف روزا ماريا بوليتيري-بوسينيلي Rosa Maria Bellettieri-Bosinelliu وإيرا توريسي Ira Toressi ديناميات العرض والإعلان عن الصمت، إذ تتأملان في كيفية استغلال جويس للأشكال المسرحية في كتاباته لتنفيذ تأثيرات الإلهام من الصمت بالكامل. وعبر استشهادهما بأمثلة مأخوذة من (أهالي دبلن Dubliners) و(عيد الغطاس Epiphanies) و(ستيفن بطلاً Stephen Hero) و(يوليسيس Ulysses)، تشير المؤلفتان إلى كيف يستحوذ الصمت على الساحة ويصبح مرئياً ومسموعاً ينطوي على معانٍ يرتبط بها بالحديث المحظور عن الموت. ويجري استكشاف فكرة إسكات المحرم بوصفه وسيلة لجعله أكثر حضوراً وفعالية في المقالات الأخرى الموجودة في الكتاب. وتُستَكشَف أشكال وآثار المسكوت عنه بالعديد من المجالات الدلالية إضافة إلى الأشكال السردية واللغوية التي تكتسبها في كتابات جويس. ويقدم موريس بيجا Morris Beja مجموعة من الأمثلة من أعمال جويس التي يرتبط الصمت فيها بـ "الازدراء والانفصال والبُعد والوحدة واللامبالاة واليأس والنفي"(115).
وفي مقال لورا بيلاسكيار Laura Pelaschiar، على العكس من ذلك، فإن الذي لم يُقَل يجري استكشافه في آثاره السياسية مع الإشارة إلى إسكات الصوت الأنثوي: إذ تتوافق وجهة نظر الكاتبة مع الفكرة المذكورة سابقاً بأن تركيز جويس على الصمت قادر على جعل الذي لم يُقَل / ما لا يمكن قوله أكثر حضوراً واستماعًا مما هو معلَن. وتقدّم بيلاسكيار الحجج بشأن ذلك عبر التحليل النصي الجيني لجويس بمراجعتها لقصته القصيرة الأولى (الأخوات the Sisters)، إذ تكتشف الكاتبة بأنه: "يوسع إمكاناته الخطابية الصامتة"(35) فيما يتعلق بالموضوع الأنثوي. وتقدّم تيريزا كانيدا كابريرا Candera Cabrera نظرة مكملة لسياسة جويس في الصمت، فهي تفسر الصمت في قصة (الأموات The Dead) بوصفه تقنية تجذب الانتباه إلى المحظور، وتقر في هذا الوقت بالعلاقة بالسياق التاريخي والسياسي الأيرلندي، وخاصة التركيز الجويسي على إحساس الغربة. ويصبح الصمت، الذي يعمل في القصة القصيرة على "التهرب من التعبير الكامل والامتناع عن استخدام الصوت"(95)، وسيلة جمالية وسردية تشير إلى جوانب ما لا يمكن قوله في الثقافة والتاريخ والمجتمع الأيرلندي، ولكن أيضاً، بشكلٍ أوسع، [تشير] إلى إمكانية الأدب في إعطاء صوت للتغريب والعزلة والتشرّد.
ويعد التركيز على الجمالية، واستكشاف الروابط بين المحتوى والشكل، من صميم تحليل جون ماكورت John McCourt، الذي يتتبع تطور أسلوب جويس من (جياكومو جويس) إلى (يوليسيس)، عبر الدور المتعدد الأشكال الذي يؤديه الصمت في العملية، وخاصة فيما يتعلق بعكسه، وهو الضجيج، وبأشكال التعبير البديلة مثل الإيماءات.
إن لغة الصمت لدى جويس هي موضوع تحليل سام سلوت Sam Slote لفصل (بينيلوبي) في رواية (يوليسيس) بالاشتراك مع ديناميات التأكيد والنفي في أعمال بيكيت مثل (اللا مسمّىThe Unnamable) و (كيف يكون How it is). ويُظهِر تحليل سلوت الداخلي لتفكيك حالات "النعم" لدى مولي Molly كيف تقوم هذه بمجموعة من الوظائف، منها الدلالية والنحوية، التي تشير إلى "صلة الجملة المستمرة"(109) في عملية الكتابة التي "كل خطوة نأخذها هي أيضًا تكون خطوة مستدامة". "المسار إلى الأمام يعاني من العجز"(110). ويمكن قراءة أشكال التأكيد في أعمال جويس وبيكيت على أنها تأكيدات للعجز، "نعم كبيرة للموت"(112) تضم في الوقت نفسه النفي. إن تضمين جويس لديناميات اللغة والصمت يكون في صميم مقال لورانت ميليسي Laurent Milesi، الذي يربط خطاب الصمت بأصل اللغة، إذ ينظر إلى الصمت على إنه عودة، الصمت "الذي نشأت منه اللغة، ومحكومة أن تعود إليه"(63). ويجادل ميليسي بأن الصمت هو جزء أساس من اللغة – ولغة جويس خصوصاً. ويُثبت ذلك عبر كيفية إشارة بعض المواضيع الرئيسة في (يقظة فينيغان Finnegans Wake) إلى الصلة الوثيقة بين الصمت والأصل، على شكل مصدرٍ مفقود وأسطوري "السعي وراء أصل نهر النيل، وربما الإشارة إلى نهر ألفيوس الأسطوري"، الذي، في قراءة بلانشوتية (نسبة إلى الكاتب الفرنسي موريس بلانشوت)، يعيد اللغة إلى مواجهة تحديها الأساس المستمر ضد عدم التعبير.
وفي الوقت الذي تتعامل بعض المقالات في الكتاب مع الصمت بطريقةٍ غير مباشرة أكثر – نرى تحليل وليام بروكمان William Brockman لرسائل جويس المنقولة شفهياً [المكتَتَبَة]، إذ أن صوت الكاتب، المختلط بأصوات النسّاخ، يسمح بالصمت وبالتالي بتحمل مسؤولية أقل. بينما تحليل سارة سولام Sara Sullam لتاريخ نشر الكتابات النقدية لجويس في إيطاليا، الذي تتبعته في أرشيف الناشرين، يُظهِر بأن جويس جرى "إخراسه" بواسطة الرقابة –إذ يعيد مقال تيم كونلي Tim Coonley الخطاب إلى الربط بين اللغة والصمت، مع تكوين جسر مع الجزء المخصص للترجمة. ويبدأ كونلي من التعدد المعنوي للترجمة – مشيراً إلى الترجمات المختلفة المقدمة باللغة الإنكليزية واللغات الأخرى لكلمة "periphron"، الصفة اليونانية التي تصف بينيلوبي في الأوديسة، ليجادل في الأشكال المتعددة التي تجري منها "ترجمة" لغة مولي بلوم في (يوليسيس). وضمن سياق وجهة نظر كونلي – فإن (يوليسيس) يمكن أن يقوم مقام ترجمة لـ (الأوديسة) – إذ تظهر البنية النصية المتعددة للصوت الأنثوي في الرواية محاولة جويس لـ "ترجمة" الصمت عبر مجموعة من الإستراتيجيات، مثل الأصوات الدلالية وعلامات التنقيط الخاصة، التي تفكك الافتراضات المسبقة المعتادة عن لغة النساء لتظهر "الأنوثة الأبدية بوصفها لحظة اتصال دائمة، أي طريقة للتحدث بدون كلماتٍ مسموعة، طريقة للتحدث ما وراء الموت، في صمتٍ مستقل"(164). وتجري معالجة العلاقة بين الصمت والترجمة في ثلاث مقالات تظهر مفاهيم مختلفة بشأن الموضوع. إذ تركز سيرينيلا زانوتي Serenella Zanotti على الترجمات الصامتة النسخ الإيطالية التي قدمها جويس في كتاباته النقدية الأولى عند الاقتباس من اللغة الإنكليزية لمؤلفين ونقاد آخرين. وبينما تُحاجج في التحولات التي تجعل الترجمات أكثر من مجرد أداة، فإن (تزانوتي) تُظهر كيف تعمل الترجمة الصامتة في (يوليسيس)، وخاصة فيما يتعلق بالإشارات إلى دانتي، وتُعَدُّ واحدة من أبرز سمات بناء جويس لشبكات تناصٍ معقدة. ويقدم مقال جولانتا واورزيكا Jolanta Wawrzycka أساساً وأمثلة لترجمتها إلى البولندية لقصائد مجموعة )موسيقى الحجرات Chambers Music)، إذ تشرح كيف جرى توجيه عملها بواسطة "فلسفة الترجمة الثقافية التي تقترح، مثل رومان إنغاردن Roman Ingarden، الحفاظ على جميع طبقات العمل الفني"(196).
وبالتركيز على البنى الصوتية للقصائد، والطرق التي تشير بها إلى الصمت، تقدّم الكاتبة تحليلاً لخياراتها الترجمية في سياق الترجمة البولندية السابقة وكذلك ترجمتين إيطاليتين. ويتميز تحليل إيريكا ميهاليشا Erika Mihalycsa للموسيقى والصمت في (يوليسيس) بالاهتمام المماثل بعنصر الصوت والمعنى ب فحص ترجمتين إيطاليتين وترجمة مجرية واحدة للرواية. وعن طريق التركيز بشكلٍ خاص على كيفية مواجهة الترجمة للجودة السمعية لحلقات السايرين Sirens (مسلسل تلفزيوني)، إذ تُؤكد ميهاليشا بأن الصمت عبارة عن جزءٍ أساس من الترجمة، في ضوء حقيقة أن "التوقف المتعمد عن التوسط، وعن نقل المعنى، هو إيماءة تثير الترجمة وتواجهها بمحدوديتها"(225). كما يعدّ مقال فرانكا روجييريFranka Ruggieri في ختام الكتاب تحليلاً لأسلوب جويس الشعري للصمت في سياق التجريب الحداثي والثورة الثقافية، إذ تُعدّ أعمال جويس، إضافةً إلى أعمال كونراد وإليوت وكافكا، أمثلة على كيفية تناول الحداثة للصمت بوصفها "تواردات متنوعة من الأفكار والاستعارات والمبالغات".
وكما هو واضح من هذا العرض الموجز، فإن هذا الكتاب يتميّز بثراء الحوافز والإيحاءات، وكذلك بالدلائل والأدلة النصية، ويثبت بأنه مصدر جدير بالقراءة للمختصين بدراسة جويس، رغم إن هذا الثراء قد يكون أيضًا قيدًا، إذ قد تتمنى في بعض الحالات أن يكون لبعض المساهمين المزيد من المساحة لتطوير طروحاتهم بشكلٍ كامل. ومع ذلك، فإن ثراء المنهج وتفسيرات النص المقدمة في الكتاب تشكل منصةً في مجال دراسات جويس تؤدي إلى المزيد من الدراسات.

المصدر:
James Joyce’s Silences (2018) . Edited by Jolanta Wawrzycka and Serenella Zanotti.

  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white