دراسة في مجلة الثقافة الأجنبية العدد الرابع /1983/ السنة الثالثة

محسن الموسوي 

نظرية الرواية

جون هولبرن
John Halperin
ترجمة وتقديم: د. محسن الموسوي

جون هولبرن هو استاذ الادب الانكليزي المساعد ومدير الدراسات العليا في قسم اللغة الانكليزية بجامعة ساذرن كاليفورنيا . سبق له أن درس في جامعة ولايــة نـيـويــورك في ستوني بروك. وهو مؤلف (لغة التأمل : أربع دراسات في رواية القرن التاسع عشر) المنشور في عام ١٩٧٣ والانانية واكتشاف الذات في الرواية الفكتورية كما أنه محرر (الاناء الذهبي ) لهنري جيمز (1972).
وظهرت هذه الدراسة في كتاب من تحريره بعنوان (نظرية الرواية: مقالات جديدة) من اصدارات جامعة اكسفورد،١٩٧٤. وسبق لهذه المجلة أن نشرت مساهمته الأخرى في هذا الميدان بعنوان اتجاهات نظرية الرواية الاوربية في القرن العشرين.

1: نظرية الرواية: مقدمة نقدية
ترك يسوع منزله في سن الثانية عشرة، وكان عمر الشعر آنذاك آلاف السنوات أما عمر المسرحية فأنه كان يعد بالمئات . ولم يبدأ مخاض الرواية الا بعد ألف ونيف، وليس مدهشاً لذلك أن نجد أنفسنا نملك قدراً متنامياً وأن بقى صغيراً نسبياً من نظرية نقدية ذات مساس بالرواية بعدما قطعنا ثلاثة أرباع القرن العشرين، مقارنة بنظرية الدراما والشعر القائمة منذ قرون في تنويعات متراكمة.
لقد أولى الممارسون المتدربون والنقاد اهتماماً متزايداً خلال السنوات الخمسين الأخيرة لبعض القواعد والأسس النظرية لهذا الجنس الأدبي فما كان تلمساً نظرياً تجربياً متردداً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بدأ يثمر الآن في هذا القرن، بشكل تكوين نظري نقدي للرواية أخذ في الوضوح تدريجياً ......
لقد أخذ نقد الرواية يبلغ ليس درجة من التعقيد والفعالية تقارب ما بلغته الأجناس الأخرى حسب، بل مدى أيضاً من التساؤل الباحث المنقب الذي يتجاوز تشكيلات النظرية الأقدم.
أنها غايتي في هذه المقالة التقديمية أن أقدم للقارىء جرداً عاماً وأن كان شكالياً لنظرية الرواية قبل القرن العشرين . أن عرضاً شاملاً يكاد يكون مستحيلاً لكني اروم تقديم مذاق، أو تقديم ما تعتمده الاتجاهات الحديثة في نقد الرواية، كيف حصلت، وما الذي ثارت ضده.
لقد كانت اتجاهات نقد الرواية النظرية المبكرة في القرن الثامن عشر تهتم بالإشكالات الوعظية والاخلاقية للتقنية .
وهكذا ترى الدكتور جونسن يقول :
أنه ليس تبريراً كافياً للشخصية أن ترسم كما تظهر : ذلك لأن شخوصاً عديدين لا يستحقون أن يرسموا : كما لا يكفي أن تكون سلسلة الأحداث في السرد مقبولة للملاحظة والتجربة، ذلك لأن ’ الملاحظة التي تدعى معرفة العالم تجعل الناس في الغالب حيالين أكثر من كونهم طيبين . . . أما في القصص التي لا مكان فيها للصدق التاريخي، فأني لمَ أكتشف لم تغيب فيها أكثر أفكار الفضيلة كمالاً ، الفضيلة الأعلى والأنقى التي بمقدور البشرية بلوغها ليس الملائكية أو المتجاوزة للاحتمال (فالذي لا نوثق به أو يُصدقه لانقلده أطلاقاً) : أنها تلك الفضيلة التي بعدما تجرب في عدة منازلات تأتيها بها تغيرات.
الأشياء المختلفة تقدر أن تعلمنا ما نتمناه وما نؤديه بعدما تنتصر على بعض المحن وتتحمل الأخرى(1).
ومثل هذا النقد معني بالمهمة الأخلاقية للفن أكثر من عنايته بالسمات النظرية للشكل الروائي، فجونسن لا يجادل هنا ضد الواقعية الأدبية الحقة، بل ضد (الرواية)(*)، شأن رواية فيلدنغ، التي تبدو فاسدة لذوقه لأنها لا تميز تماما بين الفضيلة والرذيلة. وليس في هذا الموقف التزام بالطرح المثالي، لأن الأفراط في المثالية هو من البعد ما يجعله عاجزاً عن التعليم (فما لا نوثق به أو نصدقه لا نقلده أطلاقاً): بل أنه دعوة لتأكيد فضائل أولئك الطيبين أساساً، الذين من المناسب تقليدهم ومحاكاتهم. ومثل هذا التأكيد يتيح يسر الأنموذج الذي يراد منه وعظنا، وهو لذلك يتوجه بفعالية لطبيعتنا الأعلى . فجونسن معني هنا بالفن على أنه واعظ أخلاقي، وبالفنان على أنه أداة الوعظ الأخلاقي. وهو في ذلك شأن أرسطو في بعض الفقرات من فن الشعر. ولهذا تراه يطري روايات ريشارد سن الذي يتبدى فيه النموذج الأخلاقي بجلاء.
أن طريقة ريشارد سن تلجأ الى الحرف على أنه سجل الوعي ، أي سجل الذهن اثناء العمل. واذا ما تعرضنا الى مجريات الفرد الاعتيادي النفسية بأمكاننا مقارنة تجربته الشخصية بتجربتنا، كما يعتقد ريشاردسن، الأمر الذي يعني أن بأمكاننا أن نقترن بذلك الشخص، وأن نتعاطف بيسر معه، وقد يكون بمستطاعنا معرفة الكثير عن أنفسنا جراء معرفتنا به من خلال اهتمامنا المتصاعد.
وستكون هذه هي طريقة جورج اليوت بعد قرن، ففي الحقيقة أن فكرة الاندماج المتعاطف لغرض التنوير الأخلاقي هي عقيدة مركزية في فكر منتصف القرن التاسع عشر بشأن الرواية، كما هي مكانتها في العصر الأوغسطي(*) أما في روايات دفوDefoe فأن الحياة تظهر بمثابة صراع اخلاقي دائم. أذ أن كل بعض من التجربة البشرية يبصره الروائي على أنه مهم أخلاقيا بطريقة أو بأخرى كما يقول أيان وات ، ولهذا فأن الواقعية الشكلية (أي نقل الحياة الفعلية) تهدف في الواقع إلى تنبيهنا إلى الأهمية الأخلاقية لكل ما نفعله(2) وهذا هو اهتمام جورج اليوت أيضاً :
أنها لفكرة رهيبة تلك بشأن التبعات الشريرة التي تكمن في ممارسة واحدة للانغماس الأناني بحيث أنها لابد أن توقظ شعوراً أقل، جرأة من الرغبة المندفعة للعقاب(3) .

الروائي وتاريخ الطيبين
وبغض النظر عن تحفظات جونسن، فأن فيلدنغ برغم كونه أقل حرصا على المهمات الوعظية للأدب من بعض معاصريه، لكنه صريح بشأن غاياته الأخلاقية كروائي.
فهو يهتم بالأنماط أكثر من اهتمامه بالشخوص، ويبقى مدخله للشخصية خارجيا على الأغلب، أما رغبته من حيث فنه الروائي كما هو مطروح في الفقرات الأفتتاحية لـ ( جوزيف اندروز) - ١٧٤٢ فهي تحسبن القارىء، من حيث توسيع تعاطفه من خلال التربية الأخلاقية :
أنها لملاحظة مقتضبة، لكنها صحيحة، تلك التي ترى أن الأمثلة تؤثر في الذهن بقوة تفوق قوة الوصايا واذا صدق هذا في كل ما هو منفر وملام، فأنه يصح أكثر في كل ما هو سمح مستحق الاطراء. فهنا تفعل المحاكاة فعلها فينا، داعية أيانا لذلك بنهج لا يقاوم. ولهذا فأن الرجل الطيب هو درس قائم لكل معارفه، وهو بليغ الأثر في ذلك المحيط الضيق أكثر من أي كتاب جيد.
واذ يحصل غالباً أن الأجود غير واسعي الشهرة، بما يعني عدم مقدرتهم على توسيع نفع أمثلتهم ولهذا فقد يدعى الكاتب للمساعدة في نشر تاريخهم، طارحاً الصور السمحة أمام أولئك الذين لم يسعدوا بمعرفة البشر الأصل. ولهذا فأن الكاتب وهو يوصل هذه الانماط النافعه الى الآخرين، يؤدي خدمة للبشرية لربما تكون أوسع كثيراً من تلك التي يقدمها الشخص الذي كانت حياته مصدر المثل والقدوة الحسنة.
ولم يقدر النقاد لغاية اليوم مدى جدية فيلدنغ في ما يقول هنا(4) لكن اهتمامه بالآثار المترتبة على الأمثلة الايجابية والسلبية في الرواية يتبدى في كل كتاباته . لقد ذكر في مقالة له سبقت جوزف أندروز بعامين:
( نحن نتعلم عبر مثال ما نرفضه أيسر وأحسن مما نتعلمه عن طريق أولئك الذين يعظوننا بشأن ما يجب أتباعه ... ولعل السبب، هو أننا أكثر ميلاً لرفض ما هو قبيح عند الأخرين وأزدرائه، وليس لأطراء ما هو جدير بالثناء.)(5) واذا كانت افتتاحية جوزف أندروز قد بدت متعارضة مع الفقرة السابقة، فأن الحقيقة تبقى في أن فيلدنغ في الاقتباسين كان معنياً بأثر الأدب الأخلاقي على قرائه . وبرغم تحفظات جونسن المعلنة فأن مقالاته في مجلة رامبلر هي أصداء في عدة حالات للمهمات الاخلاقية للأدب التي أقترحها مؤلف جوزف أندروز.

أنه لمن الجدير بالملاحظة أن تكون الفكرة المقتبسة عن جوزف أندروز (عن الروائي بصفته مزوداً للامثلة الاخلاقية من الحياة النافعة والطيبة للأفراد المغمورين) هي الدافع المحرك في قصة دورثي بروك (رواية مدل مادج) لجورج اليوت.
تقول جورج اليوت في خاتمة
مدل مارج:
لقد كان تأثيرها في أولئك الذين من حولها واسعاً تماماً : ذلك لأن خير العالم المتزايد يعتمد جزئياً على أفعال غير تاريخية. وإذا كانت الأمور معي ومعك ليست بذلك السوء، فالسبب يرجع الى أولئك الذين قادوا حياة مغمورة بأمانة ، ليستقروا في قبور لايؤمها زائر.
فالروائيون الفكتوريون لا يختلفون كثيرا عن سابقيهم الأوغسطيين في مجال انشغالهم بالقيمة الوعظية للفن برغم المسافة الزمنية التي تفصل بينهم.
الــقــارئ والنـــــص:لكن نظرية الرواية الأوغسطية وتلك في القرن التاسع عشر معنيتان أساساً بالعلاقة بين القارئ والنص، أو هكذا هو الأمر قبل فلوبير وهنري جيمز. أما طبيعة هذه العلاقة التي تتقرر بالصلاحية المحاكية للسرد القصصي نفسه فأنها تؤشر نمطا من القيمة الأخلاقية، أي أن المستوى الروحاني للرواية يبصر على أساس أنه يتقرر بعلاقة القارىء به، كما أنه يتقرر بالطبيعة الأخلاقية للمؤلف نفسه. فالروائي الاخلاقي ينتج روايات (واقعية) بما فيه الكفاية بحيث أنه يعظ القارىء في أن يكون خيراً .
ففي الحقيقة يكون تأكيد الصلاحية المحاكية للرواية تأكيد أثر الرواية في القارىء وأعتبرت الواقعية الأدبية القائمة على المحاكاة المقنعة للطبيعة ذات اثر روحاني خاص : فكلما كانت الرواية (واقعية). كلما أعتبرت متمكنة في التأثير الخير والشرير. وكلما كان الكاتب أخلاقياً، كلما أصبح الاثر أكثر صحية وصلاحاً .
اما في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع، عشر كما يوضح ايان وات في ارتقاء الرواية، فأن كتاباً متباينينة شأن Sterne شتيرن و فانى بيرني وجين أوستن اهتموا بالحياة الذهنية لشخوصهم في الروايات - وكانوا في بعض الاحيان يقصدون السخرية من الشكل الروائي نفسه، كما هو الأمر في حالة شتيرن، لكنهم يسعون غالبا الى تعليمنا بشأن أنفسنا من خلال تصوير شخصية ليست بعيدة عنا، كما هو الأمر في روايات جين أوستن.
لكن كتاب القرن الثامن عشر بعامة لم يكونوا معنيين كثيراً بالأسس النظرية للجنس الأدبي : صحيح أن كلا من ريشاردسن وفيلدنغ يريان نفسيهما مؤسسين لنمط جديد من الكتابة، وانهما يبصران عملهما على أنه انقطاع عن القصص الروماني المتوارث. لكنهما لم يقدما ولم يقدم معاصر وهما ذلك النوع من التشخيص الخاص بالجنس الجديد الذي نحن نحتاج اليه. أنهما في الواقع لم يؤسسا نظرياً الطبيعة المتغيرة للرواية من خلال تغيير في المسميات والتعابير- ذلك لأن استخدامنا الحالي (الرواية) كمصطلح لم يقم تماما الا في نهاية القرن الثامن عشر(6).

الاتباعية في القرن التاسع عشر:
ولكن آنذاك كانت الرواية القوطية والرواية (الوجدانية) في عز ذيوعها، على اية حال، أما التأمل والتفكير الجاد بشأن شكل الرواية فأنه كاد يكون موقوفاً .
لقد كان ديكنز في مقدمته لطبعة ١٨٣٩ من أوليفر توست يعلن احتجاجه ويحيي مبدأ مشابهاً كثيراً لمبدأ جونسن في مقطع من مقالة له في مجلة رامبلر أقتبست قبل حين . يذكر ديكنز أن الفضيلة والرذيلة قد أصبحا من التداخل والتشابك في الرواية المعاصرة بحيث يستحيل على المرء التمييز بينهما غالباً . واذ كان ديكنز يرد بعنف على الروايات الشعبية الواسعة الانتشار المدعوة بروايات نيوكيت التي ذاعت بينها روايات بلورليتن وهارسن أنيسورث حيث تعتمد فيها شخصيات المجرمين كأبطال، قال ديكنز أنه كتب، أوليفر توست لا كي (يرى أن مبدأ الخير يبقى حيا وينتصر برغم الظروف المناوئة) حسب، بل لكي يوضح المحيط الأليم الجاحد الذي ينبغي على الذهن المجرم العيش فيه. ولهذا كانت الرواية بالنسبة لأنتوني ترولوب الذي لم يكن معجباً بديكنز عبارة عن طرح لدرس في الأخلاق . وحتى هاردي كان قد علق بعد سنوات قائلاً أن (الغاية الفعلية ) لقراءة الرواية هي (درس في الحياة توسيع ذهني من خلال التأملات التي تثيرها هذه العناصر)(7) أي أن المواقف الاتباعية الجديدة ازاء الرواية لم تختلف في (العصر الفكتوري)(8).
كان جورج هنري لوس منظر الرواية الأكثر لمعاناً بين الناطقين بالانكليزية قبل جيمز دون شك، يكرر في بعض الاحيان ما تضمنه نقد الرواية الأوغسطي وهو يؤكد أن الرواية يجب أن تتجنب طرح القبيح والخسيس، أذ أنها دون ذلك ستعجز عن شد تعاطفات القراء وعواطفهم، ومن ثم توسيع مداركهم، فالفن في تقديره يجب الا يتعامل مع اللاواقعي، لكنه يجب أن يجعل الواقع مثالياً لدرجة ما بحيث يوسع مدارك الأنسان ومن ثم يوحي اليها بالاقتداءـ أمــا المحاكاة المجردة للطبيعة فأنها لن تطبع على الروح البشرية أي حس بالجمال. ویری لوس في مبادىء النجاح في الأدب (١٨٦٥) أن الواقعية السطحية معنية ببلوغ التشابه في علاقته بالسمة الخارجية للأشياء، أما المثالية فأنها تسعى للكشف عن الحقائق الباطنية والخارجية أي أن المثالية هي نوع من الواقعية، أنها (أساس الفن، أما معاكس الواقعية ونقيضها، فهو ليس المثالية، بل الزيف)(9).
ويقود أصرار لوس في أن الرواية تكشف عن حقائق داخلية وخارجية الى تأكيده أهمية التشخيص النفسي ، ولهذا فأن وسيلته المفضلة في هذا المجال هي (التمثيل الدرامي) أو التكلم البطني) المسرحي أو الطريقة التي يتيح بها الكاتب للشخصية أن تكشف عن نفسها.(10)
الرسم الدرامي للشخوص: لقد كانت الثمرات المباشرة تماماً لنظريات لوس هي بالطبع روايات جورج اليوت التي تبنت معتقداته في المشاركة الوجدانية الواقعية المخففة من خلال التشخيص النفسي (برغم أنها تتدخل في رواياتها أكثر مما تسمح له نظرية لوس في التكلم البطني). وأخبرت جورج اليوت (كروس) في أواخر حياتها أنها تعلمت من لوس أن الطرح أو التمثيل الدرامي هو سمة الرواية الأعلى(11) لقد كانت جورج اليوت تصر في مسيرتها كروائية وكاتبة مقالة وعروض على ضرورة الرسم الدرامي على أنه الوسيلة الأكثر بلاغة لتحقيق الاندماج أو المشاركة الروحانية من خلال الأمثلة (وكان الفصل السابع عشر المشهود في أدام بيد هو المجال الأكثر وضوحا في طرح ذلك).
لقد كانت تعجب بستندال لاستخدامه هذه الطريقة المنظرية، ويبدو معتقد جورج اليوت في أن يمتلك الروائي مقدرة كيتس السلبية(*) في خلق الشخوص ومخيلة كوليرج التصورية في منح الشكل لمادته في مقالة لها حول شارلز ريد ظهرت في عام ١٨٥٦(12)، لكنها ترى أن الواقعية هي الأساس الوحيد للفن وهو رأي التزم به مردث في خمسينات القرن الماضي. ولهذا فأن رواياتها الأخيرة شأن رواياته، تخفيف للواقع، وابتعاد عن المحاكاة (13). لقد حاول كلاهما في سنواتهما الأخيرة أن يختطا طريقا وسطا بين المثالية والطبيعية(14).
ولعل ديفد ماسن هو ناقد القرن التاسع عشر ومنظر الرواية المغمور كثير السوء الحظ، لقد واصل ماسن David Masson في كتابه الرائد الروائيون الأنكليز وأساليبهم (١٨٥٩) (الذي يعد بمثابة سمات الرواية للقرن التاسع عشر) هجومه على الواقعية النقية، وذلك عن طريق جدله بأن الروايات يمكن أن تكون ملاحم نثرية، أو هي كذلك . فالرواية يجب أن تعالج في تقديره (المواضيع الأساس) وليس الحياة اليومية وملهاتها الطباعية.
والأهم من ذلك أراء ماسن في أن الروايات أكثر من القصائد بكثير (تقدم تفسيرا ... متنوعا للحياة الزائلة)، وأن الرواية لذلك هي شكل قادر على (الصرامة العالية شأن الشعر. ولهذا فأن النقد الذي أعتاد الشعر على التمتع به يجب أن يستخدم تطبيقاً ازاء الرواية. وكانت مقالة ماسن الذائعة حول ديكنز وثاكري قد لجأت الى النقد (الشعري) في تحليلها الدقيق لأسلوب الكاتبين. أنها هذه المقالة التي كانت معنية أساساً بذكر الخلافات والفوارق الفاصلة بين الرومانس والواقعية في الرواية .
لقد بقى تأكيد ماسن منصباً بتميز على الارتباطات بين المحاكاة وعناصر الرواية الأخلاقية من جانب، وعلى الطبيعة الاخلاقية للروائي نفسه من جانب آخر، اذ تلون الطبيعة الأخلاقية للروائي الطبيعة الأخلاقية للرواية التي يكتبها في عرف ماسن كما كان الأمر في تقدير سابقيه من الأوغسطيين:
أن الروائي بصفته خالقا لعالمه المحاكي، هو أيضا عنايته الألهية، فهو يخلق القوانين التي تحكمه وهو يسير خطوط الاحداث الى مالها ويربطها ويقودها جميعاً حسب حكمته الحصيفة. ولهذا فمن الممكن أن نرى كم تكون قوانين حكمه الأخلاقي منسجمة مع تلك التي تحكم الأتجاه الفعلي للأحداث، وبكم من العمق والدقة كان يتدارس الحياة من جانب، لكن تعرف من الجانب الآخر بعد دراسته، عما اذا كان عضوا وفيا للخير البشري العام، أو عما اذا كان متمردا، ساخراً، وأبنا للبراري والقفار.(15)
لقد كان ماسن، مميزا العصره بانشغاله المنهمك هذا بالعلاقات بين الاخلاق والواقعية. أما في أصراره على استحقاق الرواية ذلك النقد الذي منح للشعر دون غيره، فأنه كان يقاوم وجهة نظر شائعة بشأن الرواية ترى أنها شكل فني وضيع، وهي وجهة نظر تساير الآراء المعلنة لعدد من الكتاب المهمين شأن سكوت وثاكري وتر ولوب وراسكن ومل.
وسرعان ما ضعف هذا الموقف المختال لمثل هذه الكوكبة المؤثرة من الكتاب ازاء الرواية في التبنات بعدما حظيت الرواية بصفتها جنساً أدبيا بمعالجات ماسن ولوس وشارلز كنكسلي الجادة، أذ أكد هؤلاء أهمية وحدات الدراما في الرواية، مجددين الهجوم على (التزييف)، بالغين. بالجدل بشأن موضوع الرواية مستوى أعلى من الصرامة والجدية. ويرجع جل ذلك في الستينات الى نهوض الواقعية الفرنسية والتجاوبات التي أخذت تثيرها وتوحي بها .
وغالباً ما كانت الاتجاهات المتعارضة أزاء الرومانس والواقعية متصارعة كما هو واضح داخل فلوبير. فبرغم ولعه الشديد بالواقعية ذاتها لكنه كان يزدري الواقعية النقية، أي تقليد الخارجي ومحاكاته ونقله . اذ كان يقول أن (على الفنان الارتقاء بكل شيء الى الاعلى)(16).
فالـروايــة له تخلق الجمال أساسا في معالجتها لما هو داخلي وباطني، وكان هذا هو الأمر بالنسبة لجورج اليوت أيضاً .
أما الكيفية التي يتحقق بها ذلك فهي ذات أهمية قصوى بالنسبة لفلوبير، فهو مشغول بهاجس الشكل، وهو يعتقد - أكثر من ماسن - أن تقنية الرواية تحتاج الى اهتمام جمالي وتحليلي أكثر من الشعر: ذلك لأن الاسلوب يمنح القيمة والجمال للفن:
قلت أني أعني كثيراً بالشكل. يا الهي، انه شأن الجسد والروح، الشكل والفكرة لي هما أمر واحد والشيء ذاته، اذ لا اعرف ما يكون واحدهما دون الآخر. فكلما كانت الفكرة جميلة كلما كانت اللغة عذبة، يجب الا يخطىء المرء في هذا المجال. ان الاتفاق المحكم في الفكرة يوجد الانطباع الدقيق، أو أنه الانطباع بذاته.(17)
أن الموضوع والاسلوب متكافلان، أو متشابهان، بالنسبة لفلوبير، كما هو بالنسبة لجيمز. يقول موباسان عن فلوبير :
ان الشكل هو العمل نفسه بالنسبة له ، تماماً كما أن الدم يغذي اللحم ويقرر اشكاله ومنظره ، حسب العنصر والعائلة ، في المخلوقات البشرية، فأن العمل، معناه الداخلي يفرض بالحتم التعبير المتفرد الصحيح، والقياس والموسيقى، واللمسات الكلية الأخيرة للشكل.(18)
ويعتقد فلوبير أن لغة المؤلف يجب أن تكون كونية في وضوحها - وأنها يجب الا تحتوي ما يقيـدهـا الى وضع محلي معين، أو طبقة أو مرحلة(19) وأحد أساليب بلوغ هذا الحياد الأسلوبي هو تجنب الانتصار لفكرة معينة أو معتقد(20) فالفن يجب أن يخلو من الشخصانية شأن العلم (هنا لربما تكمن بدايات النزعة الطبيعية). لكن فلوبير كان يشعر أن النثر يمتلك القدرة في أن يكون موسيقياً ومتناغما شأن الشعر، برغم موضوعيته اللازمة .
أن جملة جيدة من النثر يجب ان تكون شأن سطر جيد من الشعر، مستحيلة التغيير نغمية بكل ما في الشعر من موسيقى(21).
اذ يعتقد فلوبير أن على الرواية اعتماد مكونات لسانية وتركيبات تتناسب مع مواقف فنية معينة، وهي في ذلك يجب الا تكون أقل من الشعر.
أما الموقف الفني المثالي لفلوبير فأنه لربما كان "كتاباً عن لاشيء، كتاباً دون مودات وارتباطات، يتماسك بذاته، بقوة أسلوبه الداخلية ... كتاباً دون موضوع تقريباً. أو في الأقل له قدر الأمكان موضوع مخفي"(22) وكانت أنيت مجلسن قد شخصت مصيبة شكوك فلوبير في الفن على أنه محاكاة على أنها اللحظة التي عبر فيها الطموح الأدبي لأول مرة بصورة منهجية ومتناسقة مفهومة (نحو عمل ذي استقلال ذاتي كلي، يغذي ذاته ويقوم بذاته، ويشير لذاته ويبرر ذاته):
أن ذوبان الموضوع أو الكيان وانحلاله، وتفنيد الفن على أنه محاكاة والواقعية نفسها يقومان في الوعي المشكالي لواقع لم يعد يفترض على أنه سابق في وجوده للعمل التصوري، أو أنه سابق في ملامحه وتعريفه له. أن الفن اليوم يتخذ من طبيعة الواقع، ومن طبيعة الوعي في الادراك وخلاله على أنه مجاله ، (ويصبح) بحثاً عن ظروف الأدراك وشروطه .... (23)
وفكرة الفن على أنه (وعي) و (أدراك) نظرية الرواية الحديثة المتأسسة على أساس الاستقلال الذاتي. (24)

المؤلف الغائب :
ولا بد من أيضاح أن فلوبير هو. داعية مبكر للتمثيل الدرامي للذهن البشري في الرواية. أنه عدو لدود للوعظية والرومانس المثقل بالعقدة، و(اللون المحلي). فلكي يرسم الفنان ما هو صحيح كونياً، عليه الا يقدم قصة واسعة التعقيد والتشابك، والا تكون لديه قصة للسرد أطلاقاً، كما يرى فلوبير. بل أن على الفنان الايكون متطفلا في طرحه غير الوعظي للسايكولوجية البشرية. وأحدى طرائق البقاء بعيداً عن المشهد هي في تجنب استعراض معارف المرء أو ارائه ازاء التفاصيل المحلية والمعاصرة وغيرها، وكان فلوبير هو بين اوائل من أحيوا مبدأ المؤلف (المختفي) أو (المختبىء) أو (الغائب) حيث أوضح منذ ١٨٥٢ شعوره بأن على الكاتب أن يكون غائباً في عمله، بحيث لا نعرف ما يعتقده بشأن مخلوقاته، شأنه شأن الله الذي لا نعرف ما يعتقده بشأن خلقه.
أن المؤلف في عمله يجب أن يكون شأن الله في الكون، موجوداً في كل مكان لكنه لا يبصر في أي مكان. (25)
أن على الروائي أن يقلد الله في وسط خليقته، أي أن يفعل ويعمل ويبقى صامتا . ... (26). فيحتفظ بآرائه لنفسه، اما أذا عجز القارئ عن استنتاج الوعظ المناسب، فلأنه غبي أو لأن الكتاب (مزيف من وجهة نظر الحقيقة).

زولا والفضول العلمي :
وكان زولا قد انتقل بنظرية فلوبير في حيادية المؤلف خطوة الى أمام في مقدمة ١٨٦٨ للطبعة الثانية من روايته تيريز راكان Therese Raquin (1867)، معلناً ما أصبح بعدئذ صيحة تجمع الطبيعية الأوربية: تلك كانت عقيدة (الفضول العلمي المجرد). ويذكر زولا أنه بصفته كاتباً يمارس ببساطة ازاء الاجساد البشرية ذلك التشريح الذي يلجأ اليه المشرحون ازاء الجثث. وكان زولا قد أضاف لاحقاً فكرة أصيلة جديدة الى هذا المبدأ الأنشائي الأول.(27)
وتعد نظريات فلوبير في الرواية أصيلة، شأن تلك التي جاء بها هنري جيمز، بسبب ابتعادها أساساً عن نغمة نظرية الرواية في مطلع القرن التاسع عشر ومادتها. فهو أول كاتب يوضح ويثري نظرية منهجية صالحة للتطبيق بشكل واسع، معنية بعلاقات مكونات الخلق الابداعي الجمالي مع بعضها البعض وبينها وبين العمل الكلي، أكثر من عنايتها بالدور الأخلاقي للفن. ولهذا فأن فلوبير هو أول منظر (حديث) للرواية. واذا ما تجرأ المرء في التصميم فأن نظرية، الرواية الحديثة تتميز بمدخل متنوع مرن أحياناً مستقل ذاتياً، وفي بعض الحالات ظاهراتي . أي إنها بمبادىء التأليف المترجمة أكثر من أهتمامها بالسمات الأخلاقية للكتابة .
وتصبح (الواقعية) هنا غالباً التعبير عن الحالات الذهنية وتمثيلها، وليس محاكاة فعل العالم الخارجي . أن الوجود الذاتي للكمال بالنسبة لفلوبير، كما هو الأمر لـ Gautier تبرير اخلاقي للأدب لا يحتاج الى تبرير آخر. ويلخص رولان بارث ذلك بقوله:
أن فلوبير ... أسس في النهاية الأدب على أنه الغاية والهدف، وذلك عن طريق تصعيد الجهد الأدبي الى مكانة قيمة من القيم، فأصبح الشكل الحصيلة المنتوج للمهارة، شأنه شأن جوهرة أو قطعة خزف... وأصبح الأدب منذ فلوبير ولغاية اليوم مشكلات لغة(28).

هنري جيمز:
أي أن بارث يرى فلوبير على أنه الخط الفاصل بين الكتابة القديمة، المحاكية، وبين الجديدة، أي المستقلة بذاتها، وهو أمر اعتمدته أنيت مجلسن في مقالتها أيضاً.
وقد ينطبق الجزء الأول من هذا الرأي على جيمز أيضاً، والذي تعد نظرياته في الرواية ومعتقداته في الشكل من الشمولية والسعة ما يجعل من الصعب منحها استحقاقها الدراسي الجاد في هذا المجال. لكننا يمكن أن نلاحظ عابرين كم أن عدداً من مبادىء جيمز الأساسية هي ذاتها التي لدى فلوبير.
فشأن فلوبير يصر جيمز على التمثيل (التصوير) النفسي للشخوص من خلال الطريقة الدرامية، وعلى تجنب الانتصار الفلسفي في الفن، وعلى غياب الفنان في عمله. كما أنه ينظم أسلوبه بعناية انسجاماً مع الموضوع قيد الكتابة. أن الاسلوب بالنسبة للأثنين لا ينفصل عن المفهوم:
حيث أن نسبة نجاح العمل هي بمقدار تغلغل الفكرة فيه ، وتحريكه واحيائه، فأن كل كلمة وتنقيط تساهمان مباشرة في التعبير، في هذا التناسب نفقد الحس بالقصة على أنها مبضع نستله من غمده : أن القصة والرواية، الفكرة والشكل، هما الأبرة ،والخيط، ولم أسمع مطلقاً بنقابة خياطين أوصت باستخدام الخيط دون الأبرة، أو بالأبرة دون الخيط.(29)
قد يبدو ذلك أصداء لرسالة فلوبير لــ Mile. Leroyer de Chantpre لكن هناك فروقاً بين الاثنين. فكلاهما معنيان بالعلاقة بين النص والقارىء. لكن (فلوبير) يكتب حول علاقة الأسلوب (المفردات والتراكيب ) بالفكرة (الموضوع) – أي نسخة من الديالكتيك الهوراسي التقليدي. وعندما يشير جيمز الى أهمية الأسلوب، فأنه يحلل القضية بصورة مختلفة تقريباً - من حيث علاقة القصة (جوهر العقدة، الحدث) بالرواية (أي الإحاطة الكلية بالقصة في تصوير سردي). لكن الكاتبين يهتمان كما يتضح، بالاستقلالية الفنية الذاتية أكثر من أهتمامهما بالكفاية المحاكية، وذلك من خلال أنشغالهما بمشكلات الأنشاء الجمالية، لا الاخلاقية. هنا في تقديري تبدأ وجهات نظرهما في الرواية تتخذ شكلها الحديث .
وتبدو بعض آراء جيمز اصداء احياناً لكتاب آخرين، بالطبع. فرأيه في أن على الروائي اعتبار نفسه مؤرخاً حقيقياً، والا يقر أن ما يكتبه هو مجرد خيال، سبق أن تكرر على لسان بلورليتن منذ ۱۸۳۸(30) . كما أن مردث أفصح مراراً عن اعتقاده بتناوب الوصف السردي والمشهد المسرحي وتعاقبهما، بحيث يستخدم المشهد المسرحي لماماً ، وانتبه جيمز إلى هذا القانون في أغلب قصصه منذ الثمانينات، جاعلاً من الرأي السابق مذهباً في مقدمته لـ (الدبلوماسيون) أو (السفراء) لكن جيمز كان أكثر أصالة في عدد من مناقشاته المغرية لوجهة النظر، واصراره على فوائد (النظرة المحددة لوعي حساس منفرد) للعمل الروائي.
ولهذا فأن المصدر المولد لنظريات جيمز الأدبية هو التأمل المستمر في القواعد الجمالية للفن السردي ، وليس المقصد الاخلاقي، ولا يعني هذا أنه لا يعبأ بالاخلاق والواقعية. لكن مراعاته للشكل الروائي هي جمالية أكثر مما هي أخلاقية، وذلك جراء بحثه عن الوسائل الأفضل لأعادة أنتاج نسيج الحياة النفسية . ويلجأ جيمز إلى جمالياته لأيجاد تمييزات أخلاقية ،لكن هذه الجماليات هي شأن جماليات فلوبير محايدة اخلاقيا amoral عندما تنشغل بعمليات الخلق الفني أنشغالاً طاغياً، واذا كانت جورج اليوت تؤمن بالواقعية النفسية فلأنها تعتقد أن الاهتمام المتعاطف الوثيق بحياة الرجال والنساء الاعتياديين هو السبيل الأقدر على امتلاك وجدان قرائها وتوسيع هذا الوجدان والأحاسيس.
لكن ايمان جيمز بالواقعية النفسية ينبع من شعوره بأن الرواية تبلغ مداها التعبيري الفني الأعلى عندما تستخدم الواقعية النفسية نهجاً وعندما يتحقق توسيع الذهن لدى القراء جراء ذلك، وليس جراء، رغبة وعظية مجردة لتوسيع مدارك القراء وأحاسيسهم، واذا كان جيمز معنياً في رواياته وقصصه بالخصوصية المتماسكة الصلبة للحياة البشرية، الا أنه مهووس كفنان بالحقائق المجردة للكمال الأدبي.
أنه يسبق نبرة غالبية نظرية الرواية في القرن العشرين، كما كان أمر فلوبير، وتفيض مقالاته ومقدماته النقدية بمشكلاته الخاصة بصفته فناناً مبدعاً دؤ وباً. أما تعليقات جورج اليوت حول الرواية فأنها تعكس عادة رغبتها الشديدة لتحسين حياة البشر من حواليها من خلال فن المحاكاة. واذا كانت روايات جيمز وجورج اليوت تشترك في عدة أشياء فأن الدوافع الكامنة خلف خلقها غالباً ما تكون متفاوتة تماماً. لقد امتص جيمز كثيراً من جورج اليوت، وهو أمر يسهل تبينه في أوجه الشبه بين مدل مارج أو دانيال ديروندا وصورة سيدة. لكن ما كان يهم جيمز كثيرا في روايات جورج اليوت هو الأمكانات المتسعة أمام الفنان المتمثلة في كتاباتها. وهذا نراه يقول في تعليق متميز عن قصة دورثيا بروك في مدل مارج (يبدو الموقف لنا وهو لم يتسع اطلاقا ليبلغ مداه الكامل)(31) أن المشكلة الفنية تعنيه كثيراً . وهذا كان قد كتب صورة سيده ليس لأن موضوعة جورج اليوت عن الكشف المتقدم للشخصية الباطنية تثير شغفه (كما في دانیال دیـرونـدا ومدل مارج)، بل لأنه يريد أن يرى كم يقدر على تطوير ذلك. (۳۲)

الانحطاط الرومانسي:
كان النقد الروائي في نهاية القرن التاسع عشر، أو حتى قبيل ذلك بسنوات، قد شعر بالأثار المنعشة لما يسمى بـ ( الانحطاط الرومانسي). ولم تكن صيحة Gautier الفن لأجل الفن هي صيحة ذلك العصر الوحيدة، اذ قاد الارتداد في أنكلترا على الواقعية الأوربية "باستثناء كسنغ ومور وجيمز وهاردي وكوس وأخرين" الى اندلاع شاحب لتلك المثالية الأدبية التي دعا اليها قبل نصف قرن (بلورليتن)، الذي كان يقترح أن يجعل الروائيون حدود الواقع الصلبة في روايتهم أكثر نعومة من أجل تمتيع قرائهم، وهكذا حصل انتعاش الاهتمام بالعقدة (الذي بدأ مبكرا عند باجتو ولكي كولنز وتابعيهم) على درجة من الشرعية ثانية في كتابات كبلنغ وستيفنس وسنتسبري وأخرين .
وقادت الشعبية الجديدة للأدب الأنهزامي في التسعينات الى هجمات على ترولوب وجورج اليوت وهولز وجيمز، وبلغت الصاعقة الواقعة على قلعة الواقعية تعبيرها الأوضح في المقالات الأدبية للسلي ستيفان الذي حث الروائيين، من بين عدة أشياء، على اتباع خطى دزرائيلي في الجمع بين الغريب والدنيوي في رواياتهم.(33)
لقد اشتكى هاردي (وآخرون) تلك الأعوام أن (ما يدعى بجعل الشخوص مثاليين هو في الواقع جعلهم على درجة من الواقعية تكاد تكون مستحيلة)(34) ويرى هاردي أن المثاليين رسوا طويلاً وبمودة على شخوصهم الطيبين بحيث أنهم لم يتركوا شيئاً لخيال القارىء، الذي سرعان ما فقد الرغبة في الشخوص الذين أطفأ استعراضهم المفرط أمكانية ظهور سلوك مفاجيء ومثير. لكن هاردي لم يكن نصيراً للواقعية المجردة النقية . أذ كتب في مذكراته (۱۸۹۰) قائلا :
أن الفن هو أرباك تناسب الوقائع (أي تشويه هذه وجعلها غير متناسبة) من أجل عرض السمات التي تعني بوضوح أكثر، وهي السمات التي اذا نقلت مخترعة أو صورت كما هي يمكن أن تلاحظ دون أن تضمن الاهتمام .لهذا ليست (الواقعية) فنا.(35)
وبمستطاع المرء أن يسمع بين الفينة والفينة في منتصف هذه المعركة المستمرة الاصوات المختلطة للواقعيين التقليديين والجماليين أصحاب الاستقلالية الذاتية الجديدة. لقد كانت) فيرنن لي) الصوت الأكثر أهمية في التسعينات.
لقد كانت فيرنن لي (Violet Pagel) منظراً مهماً آخر للرواية ، وأن لم تكن ذائعة . إذ عالجت ظهور أول مقالات جيمز المهمة في الثمانينات بعض الموضوعات الأدبية الحرجة التي أهتم بها جيمز بعدئذ في مقدماته لطبعة نيويورك، لاسيما ما يخص موضوعة وجهة النظر(36). اذ كانت (لي) تفضل المؤلفين الذين يوحون بشخوصهم (ويولدونهم) بغموض على أولئك الذين ينمون شخوصهم عن وعي، لتصبح هذه الشخوص (صوراً للحياة بعامة). أذ يلزم الكاتب التمسك بوجهة نظر خارجية في الحالة الأخيرة، في حين أنه يستخدم في الحالة الأولى عادة وجهة نظر متعاقبة (للسرد الصريح) الذي يتحرك من شخصية الى أخرى، بحيث يعين من خلال الحس بالحب والكراهية التداخل الكلي للمؤلف مع أي من الشخوص الرئيسين.

فيرنن لي:
وترى (لي) أن في مثل هذا السرد المؤثر يصبح المؤلف الشخصيات المهمة كافة ويشارك فيها، بحيث أن وجهة نظره الشخصية تبدو وقد اختفت تماماً. هذا هو الانتصار العظيم للرواية في رأيها، وهو ما تجده غالباً لدى تولستوي . فهي شأن فلوبير وجيمز تعتقد أن أعلى أشكال السرد هي تلك التي يبدو فيها المؤلف غائباً . وهي عندما تتحدث عن مشكلة زاوية السرد فأنها تتوقع بعض المشكلات المحددة التي أهتم بها جيمز في مقدماته المذكورة، ومن ثم أهتم بها تلميذه [في اتجاهه] بيرسي لبوك في صنعة الرواية :
أن هذا التساؤل البناء العظيم في الرواية مشابه تماماً لذلك السؤال في الرسم. وعند وصف اختيار الرسام لوجهة النظر أكون قد وصفت أيضاً ذلك الاختيار الأدق والأذكى للفنان : اختيار وجهة النظر التي منها يبصر شخوص الرواية وفعلها اذ بامكانك أن ترى شخصاً أو فعلا في عدة حالات وطرائق ، ومقترناً بعدة أشخاص وأفعال أخرين فانت لا تبصر الشخص من وجهة نظر أخر، أو من المطلق، أو من وجهة نظر المؤلف المحلل الحكيم (37).
لقد شغلت قضية وجهة النظر التي يعتمدها الكاتب ويوجهها القارئ جيمز كثيراً في العقد الأخير من حياته فشأن جميز كانت ( فيرنن لي ) تستخدم غالبا كما هو حالها الان مقارنات بالرسم في مناقشاتها لفن السرد القصصي أنها ليست (ناقدة جيمزيه - نسبة الى جيمز)، برغم أنها معنية بمشكلات كان جميز يعنى بها بعد حين، لكنها على خلاف معه تهاجم الطريقه المنظرية أو الدرامية في البناء. فهي ترى أن بمقدور الرواية أن : تبلغ (الطبيعية)، لكنها يجب الا تقلد طرائق المسرحية. فهي تعترض على شخوص يتم عرضهم درامياً، لأن مثل هذا التصوير غالباً ما يكون على نقيض الانطباع عنهم المطروح في المقاطع السردية. لكنها تتفق مع جيمز، وقبله مردث، في أن (المشاهد) يجب أن تستخدم لماما، وأنها يجب أن تعتمد على (قوة الفعل المتكدس).
لكنها تبدو شبيهة بفلوبير في بعض الأحيان، عند مناقشتها لكمال الشكل. فالرواية في عرفها يجب أن تكتب شأن (السمفونية) والاوبرا، بحيث أن الأفكار المتكرره (leitmotifs) المثيرة تنم عن أثار ذات علاقة في القارىء ولهذا فاذا ما أريد تقديم تخطيط عن مسيرة افكار الرواية المختلفة وأرائها وحقائقها وكلماتها فأنه سيكون دائرة كاملة، تجسد حتمية الشكل العضوية(*). ولهذا السبب تصر في أن كل كلمة واردة لا بد أن توزن بعناية، بحيث يتم الاستغناء عن كل واحدة تقع خارج محيط الدائرة:
أن بناء كتاب كلي كامل في علاقته ببناء الجملة الواحدة هو شأن علاقة أكبر تعقيدات التعارض والتناغم بالاهتزازات التي تؤلف نغمة واحدة مضبوطة.(38)
أنها شأن فلوبير ترى أنه الاسلوب الذي يمنح الجمال للفن . كما أنها تسبق نظرية رواية القرن العشرين ذات الاستقلال الذاتي وتتوقعها في انشغالها بعلاقات السمات الداخلية للرواية مع بعضهما البعض .

الخلاصة:
لاحظنا أن نقد الرواية النظري قبل فلوبير وجيمز كان محاكيا بعامة في اتجاهه، واخلاقياً في لهجته، فالمحاكاة هي السبيل الى الاخلاق في النتيجة. فبأمكان الأدب تحسين خلق الانسان، شريطة اقناعه اولاً أن عالم الرواية الذي يقرأه يحمل بعض العلاقة بالعالم الذي يعيش فيه.
ذلك لأن فكرة الفن على أنه محاك ، وأنه يقلد فعل العالم الحقيقي، هي نظرية الفن الأقدم منذ زمن أرسطو وحتى منتصف القرن الثامن عشر. وبدأت العلاقة التكافلية بين الواقعية الشكلية والمحاكاة بالتهدم بعدما أخذ الكتاب يولعون بالعمليات الذهنية(39) ولمثل هذا الاهتمام شكله الفني المكمل واللاحق، وهو شكل عضوي أكثر من محاك - أي أنه ذاتي الاستقلال، مكتف بذاته.
وحصل هذا الانقطاع في الاراء التنظيرية بشأن الرواية لاحقاً، أي بمرحلة متأخرة عن الشعر. اذ كانت نظريات الشعر الذاتية المنشأ قد ظهرت منذ ستينات القرن الثامن عشر (كما هو أمر بعض كتابات هيرد Hurds ،مثلا)، ومن ثم على لسان الرومانسيين الانكليز (لاسيما كوليرج).
لكنها مرحلة منتصف القرن التاسع عشر، عندما ظهرت كتابات فلوبير وجيمز، التي شهدت نمو نظرية الرواية منهجيا وجدياً لايجاد بدائل جمالية للمحاكاة. ولم ينظر الى الاكتفاء الذاتي بديلا للمحاكاة كوكيل رئيس في الواقعية الشكلية الا في هذه المرحلة المتأخرة.
ان نظرية رواية القرن العشرين التي أعارت نغمتها لدرجة ما من النقاد الاوربيين معنية بالعلاقات بين العناصر البنيوية المختلفة داخل العمل الروائي أكثر من عنايتها بالعلاقة بين القارىء والنص. أي أن نقد الرواية التنظيري في القرن العشرين معني بالرواية على أنها خلق ذاتي الاستقلال بمعزل عن العالم الفعلي أو مستقل عنه أكثر من عنايته بالرواية على أنها اداء محاك أو أخلاقي.
وقد يكون عالم الرواية الذاتي الاستقلال والمكتفي ذاتياً مشابهاً بالحتم لعالمنا، لكنه لم يخلق أو يبدع كتصوير واع لأي شيء خارج نفسه، ولهذا فأن وجهة النظر الحديثة تؤكد بنية العمل وتكافلية عناصرة المتكاملة أكثر من تأكيدها على الرواية على أنها ممثلة أو غير ممثلة لواقع أخلاقي أو محاكٍ .
قد تكون هناك اتجاهات يلتقطها المرء لأغراض المقارنة و المناقشة، لكن من شأن هذه أرباك التمايزات المهمة المذكورة هنا لا تسليط الضوء عليها .

الهوامش
١ - مجلة رامبلر. العدد ٤ (السبت ٣١ آذار ۱۷٥۰).
٢ - أرتقاء الرواية: دراسات في دفو وريشاردسن . وفيلدنغ (١٩٥٧ حيث أن الأقسام الأولى منه مفيدة بخاصة للمعني بوجهات النظر الاوغسطية في الرواية.
٣- آدم بيد، الكتاب الخامس الفصل ٤١.
٤ - من أجل التعرف على قراءتين متباينتين لرواية جوزف أندروز , أحداهما تعتبر الروائي جاداً، والأخرى تراه ساخراً، يراجع شلدن ساكس، الرواية وشكل المعتقد (١٩٦١)، وهو مر غولدبيرغ، فن جوزف أندروز (١٩٦٩).
ه - جاميين (۱۰) حزيران (١٧٤٠).
٦ - أرتقاء الرواية، ص ٩ - ١٠ .
۷ - (القراءة النافعة للرواية)، مجلة فورم (آذار (۱۸۸۸).
8 - ولعل الاهتمام المتعلق بهذا هو الجدل المستمر حول مدى تخفيف الواقعية الأدبية بالمثالية المخففه ودور الرومانس في الرواية. ومثل هذا التساؤل كامن في أغلب نظرية الرواية في القرن التاسع عشر لحين الطبيعية الأوربية. وكان الانتعاش الرومانسي القصير الأمد، ومن ثم الكتابات النقدية لفلوبير وهنري جيمز من بين ما وضع حداً لهذا التساؤل في مطلع القرن العشرين .
من اجل مراجعات عظيمة لهذه القضية والمواقف الانكليزية بعامة أزاء الرواية في منتصف القرن التاسع عشر والعقود الأخيرة منه، يراجع ريشارد ستانغ، نظرية الرواية في انكلترا ۱۸٥۰ – ۱۸۷۰ (۱۹٥۹)، وكنث كراهام، النقد الانكليزي للرواية ١٨٦٥ - ١٩٠٠ (١٩٦٥) . لقد تكونت وجهات نظري عن مواقف القرن التاسع عشر ازاء الرواية هنا ولا خطأ كثيراً جراء هاتين الدراستين الغنيتين.
٩ - دورية ويستمنستر العدد 70, ١٨٥٨، ٤٩٣ - ٤٩٤ .
۱۰ - المصدر نفسه ٤٩٩. وهو يشبه فلوبير في هذا الأمر، حيث كان يدعو الى طريقة مشابهة في رسائل مكتوبة في الخمسينات والستينات . تراجع مناقشتي لفلوبير لاحقاً.
١١ - يراجع جي. و كروس تحرير حياة جورج اليوت كما وردت في رسائلها ومذكراتها (١٨٨٥) . المجلد الأول، ص ٣٣٦ – ٣٣٧.

*مقدرة كيتس السلبية (تعقيب للمترجم) الاشارة هنا إلى المصطلح الذي اعتمده كیتس Negative capability .
الذي يعني به التعاطف مع الشخوص في النص الابداعي، أو مع النص نفسه دون اسراف أو مغالاة، حيث تبقى المسافة الجمالية قائمة، متيحة له أن يطرح الشخوص كما يجب أن يبدان دون اسقاطاته المباشرة. والأمر يعني أن الشاعر يصبح (سلبيا) يمنح نفسه للآخرين. فالاتجاه ليس واقعيا بحكم (سلبية) المؤلف أو تجرده، فالشاعر، كما يقول كيتس عن شكسبير (لا يمتلك هوية.. أنه باستمرار.. يملا كيانا آخر). لكن الاستعمال شاع بعدئذ ليعني قدراً من الموضوعية، أو في حالات أخرى، المدركات الحسية التي تعوض عن التجريد، فتعمق الشعور عبر سلسلة من الصور أطلق عليها اليوت المعادل الموضوعي.
۱۲ - دورية ويستنستر. المجلد ٦٥ (۱۸٥٦)، ٦٤۲ .
١٣ - المصدر نفسه، ٥٧٤ ، تراجع لاحقاً مناقشتي لناقدة لاحقة هي (فيرنن لي) التي كانت معنية جزئياً بدور (المقدرة السلبية) في وجهة النظر السردية . تراجع الى كامنسكي من أجل دراسات مستفيضة عن جورج اليوت وجي. هـ لوس وذلك في مقالتها (جورج اليوت وجورج هنري لوس والرواية)، مجلة مطبوعات الجمعية الأمريكية، العدد ٧٠ (١٩٥٥)، ٩٩٧ -۱۰۱۳، ويراجع ريشارد ستائغ في النقد الأدبي لجورج اليوت)، مجلة مطبوعات الجمعية الأمريكية، العدد ٦٢ (١٩٥٧)، ٩٥٣ - ٩٦١ . وتفيد مناقشتي في هذه الفقرة كثيراً. من المعلومات الواردة في هاتين المقالتين الرائعتين.
١٤ - ويناقش مردث هذا الموقف علانية ديانا 188٥.
١٥ - الروائيون الانكليز وأساليبهم، ص ٢٣.
١٦ - فلوبير، المراسلات المجلد، ۳ ص ٢٤٩ ، من رسالة الى لوي کولیت، حزیران ۱۸٥۳. أني مدين هنا ولاحقاً للترجمات الانكليزية ومختصرات لوجهات نظر الكاتب قدمتها أند ستاركي في كتابها، نشوء الأستاذ (١٩٦٧).
۱۷ - ملحق المراسلات، المجلد الرابع، ص ٢٤٣ ، رسالة الى مدموزيل Leroyer de Chantpie کانون الاول ١٨٥٧ .
18- Nouvelle Revue ، كانون الثاني ۱۸۸۱ .
١٩ - ومع ذلك، فأن أرخ أو برباخ ضمن مناقشة لفلوبير في المحاكاة : تمثيل الواقع في الأدب الغربي (١٩٤٦) ، حيث يجد أن أسلوب فلوبير هو عنوان الواقعية المعاصرة ومثالها .
۲۰ - وفلوبير هو سباق واضح في نظرية الرواية الذاتية الاستقلال والنشوء اللاحقة (تراجع على سبيل المثال مناقشتي لأورتيغا و روب غربيه في اتجاهات نظرية الرواية الأوربية ...) كما أنه يؤشر دينه ودين آخرين الى Gautier الذي ذكر في المقدمة المشهوة لـ Mille de Maupin 183٥ وفي أماكن أخرى أن الفن العظيم ليس وعظيا ولا محاكيا - أنه غاية ذاته ، والنقد الاجتماعي فيه طارئ.
٢١ - المراسلات، المجلد، ٢ ص ٤٦٩ ، من رسالة الى Louise Colet في تموز ١٨٥٢.
۲۲ - المصدر نفسه، المجلد، ۲ ص ۲۳۱، من رسالة الى Louise Colet في كانون الثاني ١٨٥٢ وكذلك مقالتي حول نظرية الرواية الأوربية، لا سيما الهوامش ۱۹ و ۲۱ ، حول بعض اوجه الشبه بين فلوبير وآلان روب غرييه الذي غالبا ما يقارن وجهات نظره في الرواية بوجهات نظر فلوبير الذي، أي غرييه، يتحدث حول صنع (شيء من لاشيء) في الرواية ، وحول (الفن الذي لا يوضح غير نفسه). هذه شذرة واحدة من برهان في التدليل على أن فلوبير هو بين أوائل الكتاب الذين توقعوا مزاج نظرية الرواية الحديثة وموقفها في نظرياته.
23) - أجسام في فضاء : الفلم كمعرفة شهوانية) ظهر حديثاً في مجلة منبر الفن شباط (1969)، واعيد طبعه في كتاب الكون المنقطع: مختارات في الوعي المعاصر، تحرير سالي سيرز وجورجيانا لورد (1972)، ص 313 - 332 .
24 - كما تشير مقالتي في نظرية الرواية الاوربية الحديثة فأن العديد من النقاد الشكليين الروس، لاسيما فكتر شکلوفسكي، يرون قيمة الفن كامنة لدرجة كبيرة في قدرته على توسيع مدارك جمهوره ومثل هذا الامر بالطبع تبسيط لموضوع اوسع واكثر تعقيداً .
25 – المراسلات، المجلد 3 ، رسالة الى Louise Colet في كانون اول 1852. ولأورتيغا عواطف مشابهة ، كما تؤشر ذلك دراستي له في اتجاهات نظرية الرواية الأوربية في القرن العشرين) كما اصبح ذلك شعار ستيفان دیدالس فنان جويس في صورة .
26 - المصدر نفسه المجلد الخامس، ص 227- 228 ، من رسالة الى Amelie Bosquet أيلول 1866 من المثير والشيق أن يوضع موقف فلوبير بجوار اراء جوزف كونراد الذي ذكر في رسالة الى صديقه جون كولز ورشي اعتقاده الذي لا يختلف عن رأي فلوبير :
يجب ان تكون محباً الفكرة
في كتاب وأن تكون أميناً بدقة
لمفهومك للحياة هنا يكمن
شرف المؤلف ونزاهته
وليس في وفائه لشخوصه . يجب
الا تجعلهم يصطادونك خارج
ذاتك، اما ازاء شخوصك
فعليك المحافظة على لا مبالاة
تامة مطبقة ..
وشأن فلوبير، وكذلك شأن هنري جيمز فأن كونراد يؤمن بقدسية مهنة الفنان: (فالشخص الذي يطرح سر خياله وتصوره امام العالم يؤدي طقساً دينياً..)
الإقتباسان مأخوذان من جين أوبري
جوزف كونراد: الحياة والرسائل في مجلدين (1927)، المجلد الأول،
301 ، والثاني 89 .
27 - جورج بكر، وثائق الواقعية الادبية الحديثة (1963)، وهي مجموعة قراءات يقدم فيها الاستاذ بكر اختيارات عظيمة واختصارات ماهرة للمقالات (الطبيعية) النشأة ويعد كتاب زولا الرواية التجريبية المطبوع في 1880 اكثر الدراسات تعبيراً عن نظرياته النقدية .
28 - مقدمة الى الكتابة في درجة الصفر (1953) اعيد طبعها في الكون المنقطع ، ص 3 - 6 . والكتاب من ترجمة أنيت ليفرز و كولن سمث، ومن الجدير بالملاحظة ان نقلة مشابهة من المحاكاة الى الاستقلالية الذاتية حصلت في زمن فلوبير في الرسم - اي نقلة من الرسوم التي هي في تمثيلها الامين. تنقل اهتمامنا الى المشاهد التي تطرحها، الى الرسوم التي تفرض نفسها على اهتمام المشاهد على انها تستحق الاهتمام كما هي .
29 ـ (فن الرواية) وهي مقالة ظهرت اصلا في مجلة لونعمان (ايلول 1884)، وأعيد نشرها في صور متحيزة (1888)، لتشيح بعدئذ .
30 - (فن الرواية) في مجلة السجل التاريخي الشهري Monthly Chronicle ويطرح جيمز هذا الرأي كثيراً لا سيما في مقالته عن (أنتوني ترولوب) التي ظهرت اصلا في مجلة ، century Magazine (تموز 1883) اعيــد نشـرهــا ايضاً في صور متحيزة (1888) لتشيح بعدئذ. يقول هناك جزئياً.
من الصعب تصور كيف يرى
الروائي نفسه، الا اذا رأى
نفسه مؤرخاً وسرده تاريخاً .
يجب ان يسرد حوادث
يفترض انها حقيقة .
ولم تنطلق فكرة الروائي على انه مؤرخ من بلورليتن او جيمز بالطبع. اذ تبنی سرفانتس وسكارن هذا الموقف في اعمالهما، كما فعل فيلدنغ ذلك في محاكاته لهما (برغم انه يقر ، كما يفعل نزولوب ان ما يكتبه هو محض خيال) اما في سيرة مختلفة (وهي سيرة محافظة متشددة دينياً) فأن دفو وريشاردسن يدعيان ان اعمالهما تقدم (تفاصيل اصيلة) لما يوصفاته .
31 ـ نقلا عن عرض دون توقيع لرواية مدل مارج في مجلة كلكسي (اذار 1873 .(
32 ـ هذا ما طرحه جيمز بوضوح تام في مناسبات مختلفة ولعل مقدمته لصورة هي اصداء اشارات لروايات جورج اليوت، وهو اكثر وضوحاً حول بعض donnees التي ذكرتهـا اليــوت لاسيما في (دانيال ديروندا : حديث) المنشورة في اتلانتك (1876) هناك مناقشات نقدية مختلفة لاثر جورج اليوت على جيمز، مع اشارة خاصة الى صورة سيدة وبين الدراسات المفيدة تماماً دراسة ليفز عن جيمز في (الموروث العظيم 1948) وكذلـك (ملاحظة عن الدين الادبي، ديكنز، جورج اليوت وهنري جيمز) في دورية هدسن، المجلد 8 (1955)، 423 - 428، وكذلك مقالة اوسكار كارغيل (صورة سيدة : اعادة تثمين نقدي)، في مجلة دراسات في الرواية الحديثة المجلد 3 (1957)، 11 -32، وكذلك مقالة جورج لطين (ايزابيل، كوندلين ودوروثيا) في مجلة تاريخ الادب الانكليزي، المجلد 30 (1963)، ص 244- 257 ، ومناقشة كورنيلا بلسفر كيلي في النمو المبكر لهنري جيمز 1965، لاسيما الصفحات، 293 - 295، وكذلك مقالتي عن جيمز وجورج اليوت في لغة التأمل : اربع دراسات في رواية القرن التاسع عشر (1973).
ولم يكن جيمز الكاتب الوحيد بالطبع الذي اصر في هذه المرحلة بعد Gautier وفلوبير على المكونات المكتفية ذاتياً للفن، اذ كان علي ببساطة ان احذف أخرين امثال اوسكار وايلد الذي قال ان الفن مستقل عن الحياة الفعلية وكل شيء اخر، عدا الجمال وان الحياة تقلد الفن، تراجع مقالته (انهيار الكذب) التي ظهرت اولاً في مجلة القرن التاسع عشر، المجلد 25 (1889) ، ص 35 - 56 ، واعيد طبعها بكثرة بعدئذ . وكذلك هـ . ج . ويلز الذي لاحظ رسالة موجهة الى ارنولد بنت في عام، 1902 ان عظمة الفن الناجح هي (شيء منه غير متناسب او متكافئ مع اي شيء خارج نفسه)، ولم يكن وايلد او ويلز في - هذا النص في الاقل - بعيدين عن مفهوم (الفن النقي) الذي صاغه Gautier من اجل مقارنة مثيرة تراجع مناقشتي لرولان بارث الذي يرى ان بمستطاع الحياة .. (تقليد الكتاب)، وذلك في مقالتي عن نظرية الرواية الأوربية.
33 - يراجع ساعات في المكتبة (1904) مجموعة مقالات ستيفان المطبوعة خلال السنوات الثلاثين الاخيرة تقريباً. وظهرت المقالة عن دزرائيلي (روايات السيد دزرائيلي) في 1876 ومرة اخرى فأني مدين في مناقشتي حول وجهات نظر نهاية القرن التاسع عشر الى كراهام النقد الانكليزي للرواية 1865- 1900.
34 - الاقتباس عن مقالة قراءة الرواية النافعة وقد اكدت الرومانسية الجديدة بالطبع في هجومها النقدي على الطبيعية الادبية، والتي كانت الرومانسية المذكورة رداً عليه، ولم تكن الهجمات بذاتها مهمة باستثناء دفاعات الطبيعية العنيفة التي نجمت جراء ذلك، وكانت هذة الدفاعات ذات اهمية استثنائية في تاريخ الواقعية الادبية، وكانت مقالة ادموند غوس المعنونة (حدود الواقعية في الرواية) بمثابة دفاع مميز للرواية التجريبية في التسعينات ضد انتهاكات الانحطاط الرومانسي. وظهرت المقالة في مجلة Forum (حزيران 1890).
وهناك مقالة اخرى بعنوان (تعليم زولا الاخلاقي) بقلم فيرنن لي، وظهرت بعد ثلاث سنوات. اما المختارات الجيدة للمقالات المعنية بهذا الصراع. والاسس النظرية للواقعية الادبية فقد توجد بعامة في وثائق الواقعية الادبية الحديثة، حيث يقدم المحرر تعليقات مساعدة بشأن بعض هذه الموضوعات .
35 - تراجع السيدة هاردي. الثانية في حياة توماس هاردي، في مجلدين اصلا جمعا في مجلد واحد في 1962، حيث يحمل مبدأ (عدم التناسب) شبهاً لنظــريــات أورتيغا بشأن تصوير الشخصية (كما هو أمر مناقشته لدستوفسكي ولمفهوم الغاء الالفة لفكتور شكلوفسكي ).
36 - تراجع مقالتها (حول البناء الادبي) في الدورية المعاصرة 68 (1895) - 404 – 419 ، والتي هي تعبير مركزي عن معتقداتها بشأن الشكل الادبي. اني مدين لمناقشة غراهام الرائعة لعملها في كتابه النقد الانكليزي للرواية 1865 – 1900، والذي نبهني اولا الى اهميتها في تاريخ النقد الروائي النظري .
37- فيرنن لي (صنعة الكلمات)، Nouvea Revue المجلد 11(1895)580 -571.
*العضوية
38 - المصدر نفسه .
39 - من اجل مناقشة أوسع، يراجع اليوت غس، الاصغر، في الافراط في الخيال: اللاعقلاني في رواية القرن التاسع عشر، 1972.

محسن الموسوي

  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white