تقنيات ما وراء سردية في رواية (المدونة الرقمية )

نضال عبد الرحيم سلمان

تعد تقنية (ما وراء السرد) أو(الرواية داخل الرواية) من التقنيات ما بعد الحداثية التي تبناها عدد من النقاد العرب بعد أن التفتوا إلى ظهورها في روايات عربية وعراقية، ولعلّ عدداً من الروائيين وظفها رغبة منه في اظهار قدرات فنية ليست متداولة في المجال السردي الروائي، وهناك من وظفها بلا وعي واضح بها فجاءت متواضعة ,أو منقطعة بعض الشيء، غير أن حنون مجيد تبناها بذكاء لافت , ووعي متقن في روايته (المدونة الرقمية)؛ التي حققت ما لم يحققه الآخرون في مجال ما وراء السرد المتداول منذ ثمانينات القرن الماضي بظهور محدود، وإن ظاهرة استعمالها قد توسعت فيما بعد لاتساع الوعي وكثرة الدراسات عنها، ورواية (المدونة الرقمية) الصادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع ط2016م ,التي تتضمن رواية داخل رواية يتخللها راويان: الأول (إطاري) , والآخر( تضميني) يتماهيان فيما بينهما إلى حد التلاحم على الرغم من اختلاف انتمائهما الديني , وتلك مزية تحتسب للروائي حنون مجيد؛ فالراوي الأول(مسيحي) أما الثاني (مسلم) ، تبدأ الرواية بعثور الراوي الإطاري على قرص (CD)  في شارع المتنبي فيفتحه فإذا به يختزن رواية بالعنوان نفسه واسم الراوي يشابه اسم الراوي الإطاري.

 تدور أحداث الرواية بشكل رئيس حول حب ارتقى إلى أعلى درجاته بين الشخصية الرئيسية (سليم ناصر) وحبيبته (بلقيس) وما تخلل هذه الأحداث من وقائع سياسية وأوضاع اجتماعية تحكي ما لحق بالعراق بعد الاحتلال الأمريكي فضلاً عن إحالات إلى زمن النظام السابق ولاسيما مرحلة الحصار وما قبلها لكونها امتداد لما يحصل لنا الآن.

سنقف في هذه الدراسة عند توصيف تقنية ما وراء السرد ومظاهرها في الرواية عموماً وسيكون جهدناً منصباً على الوقوف  عند أهم مظاهر ما وراء السرد في رواية (المدونة الرقمية)؛ التي وظفت الـ(CD) بديلاً عن المخطوطة الورقية أو السجلات التي تؤرخ الشيء ويتركها بعض المؤلفين كوصية أو عرض تاريخي لزمنهم والأحداث فيها، أو كتابة تاريخ العائلة أو القبيلة, غير أن حنون مجيد تعامل مع هذه التقنية بطريقة أكثر تطوراً؛ إذ جعل الحاسوب وسيلة لقراءة المدونة (غير الورقية) التي عثر عليها الراوي مصادفة في شارع المتنبي ولهذا الشارع دلالته الثقافية، وهو معروف.

ما وراء السرديات يعرف بأنه "السرد الذي يعمل على سرد آخر، هذا السرد هو مدلول عليه"([1]). وقد ارتبطت تقنية ما وراء السرد بالبنى الشكلية في الكتابة الروائية ويقصد بالمبدأ الشكلي الاهتمام بالشكل، أو التكنيك الروائي على حساب الحكاية ومدلولاتها([2])، فما وراء السرد يعيد النظر بأوليات الكتابة وإشكاليات التمثيل الأدبي والتشخيص الواقعي عبر بيان الدوافع الكامنة وراء التأليف والكتابة ونظم صياغة المرويات وتتابعها ونظام ظهورها.

وقد جاء تيار (ما وراء السرد) ردة فعل على مظاهر " الإقصاء والإلغاء التي حلت بالمؤلف ولكشف دوره في عملية الخلق الأدبي، إذ سيكون المؤلف طرفاً في التأليف، ولإظهار دوره في عملية الإنشاء الروائي، وإزاء هذا الوضع سيكون المؤلف طرفاً في التأليف يضع في روايته تصوراته ويترك فراغات يتيح من خلالها للقارئ أن يبدي تصوراته، فالمؤلف يدعى أنه لا يعرف كثيراً عن حركات شخوصه أو دواخلهم ليترك المساحة المتخيلة للقارئ ([3]).

من المعروف أن العملية السردية تقوم على المؤلف الذي يفترض مؤلفاً ضمنياً يكون بين المؤلف الحقيقي والراوي وهو مؤلف مفترض كي يستبعد الرواية عن مؤلفها الحقيقي([4])، غير أن ما وراء السرد يقوم بكسر الأطر التراتبية للعملية الإرسالية عبر ولوج الروائي مصرحاً باسمه في الرواية، لكي تختفي الحدود الفاصلة بين الواقعي والمتخيل، إذ يكون الروائي في ما وراء السرد على مقربة من الرواية فيحرص على مشابهة الحقيقة والواقع طالما لم يتمكن من مطابقتهما([5]).

والروائي في ما وراء السرد يعي ذاته سردياً، ويعمل على انتهاك المقاصد الجمالية في النص والمتمثلة ببنية الإيهام الواقعي، ويسعى جاهداً نحو إنشاء رواية داخل الرواية، فما وراء السرد كما ترى (ليندا هتشيون) يمحص دور المؤلف ويعيد بناء مفهومه من جديد، فضلاً عن انه يُضيف بُعد القراءة كونها متوازية مع الكتابة كفعل تخيل إبداعي والنتيجة أن درجة مشاركة القارئ تبدو متزايدة([6]).

من هنا يتميز وضع القارئ في ما وراء السرد "بطابع المفارقة ؛ لأنه مرغم على أن يكون مندمجاً ومبعداً في آنٍ واحد، ويتمثل الاندماج في مشاركته في صنع متخيل النص، أما الأبعاد فيتجلى في ضرورة جعله واعياً بالطابع اللغوي والتخيلي للعمل الروائي وكذلك بالمسافة الفاصلة بينه وبين الكائنات الورقية([7]). فما وراء السرد لا يعني بالضرورة موت المتخيل الروائي أو السردي، إذ إنه لا يتجنب منطق التحول في السرد، بل يعنى بصيغتي الاتصال بسياقه القائم، والانفصال عنه بسياق آخر([8]).

فهو "كتابة جديدة تهدف إلى تحطيم مبدأ الإيهام بالواقعية وإنشاء مبدأ آخر في جماليات التلقي"([9]).

إن الدلالة الاصطلاحية لما وراء السرد تشير إلى العنصر البنائي والوظيفي وتدل على نوع "من الرواية أو القصة التي تعمل على نحو مقصود على هدم الخيال السردي لتعلق بشكل مباشر على طبيعتها الخيالية أو على عملية الإنشاء الروائي"([10])، فهدم الخيال الروائي "وظيفة من وظائف ما وراء السرد، أما العنصر البنائي فيتجلى في الأنساق الروائية التخيلية ذاتها والتشكيلات التي يتم من خلالها صنع الواقع وفقاً للأعراف السردية" ([11]).

أشرنا في مستهل كلامنا إلى تماهي الروايتين فيما بينهما بالشكل الذي يصلان فيها إلى حد التلاحم، الراوي الإطاري يتمتع بشخصية مثقفة فهو يمارس الكتابة الروائية ومنشغلاً بها بشكل كبير، يتضح هذا في قوله: "كنت مشوش الذهن أنتظر رسالة من صديق، يقنعني فيها برأيه في فصول روايتي التي بدأتُ بنشر فصول منها تباعاً"([12])، فالراوي الأول (الإطاري) يتماهى بشخصيته المثقفة وميوله نحو كتابة الروايات مع الراوي الثاني (التضميني) (سليم ناصر)، ليس في الشخصية فحسب، بل حتى بالاسم، يأتي هذا على الرغم من اختلاف انتمائهما الديني، وتجدر الإشارة إلى أن الروائي تعمد إظهار الاختلافات فيما بينهما من خلال الانتماء الديني لكنه اتجه ساعياً نحو التقريب بنيهما إلى حد التماهي من أجل أن يوضح مسألة مهمة تكمن في أن العراقيين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية والعرقية فهم متحدون ومتعايشون تعايشاً سلمياً، متحدين كل الهجمات والصراعات الطائفية التي حاولت إثارة الفتنة بين المذاهب والأديان، لاسيما بعد مرحلة الاحتلال الغاشم على العراق.

ويتضح التماهي بصورة جلية في قول الراوي الإطاري أثناء تعليقه على الراوي التضميني في أثناء حديثه عن التشابه في الأحاسيس ومشاعر الحب بينهما: "لحظة خُيل إلي أننا وبطل المخطوطة نتتابع في الأحاسيس باستثناء ما قد يطرأ عليها أو على بعضها من مواقف طارئة..."([13]).

تعد عتبة العنوان الواجهة المهمة التي تثير فضول القارئ وتحثه على الولوج بشوق إلى داخل النص للبحث عن ضالته، لذا فإن "العنوان؛ مرجع يتضمن بداخله العلامة والرمز وتكثيف المعنى، بحيث يحاول المؤلف أن يثبت فيه قصده برمته كلياً أو جزئياً، إنه النواة المتحركة التي خاط المؤلف عليها نسيج النص... والعنوان بهذا المعنى يأتي باعتباره تساؤلاً يجيب عنه النص إجابة مؤقتة للمتلقي، كإمكانية الإضافة والتأويل"([14]).

في رواية (المدونة الرقمية) شكلت عتبة العنوان بؤرة الحدث إذ وضعنا الكاتب في قلب الحدث لأول وهلة وأشعرنا أن مركز السرد يتمحور حول (المدونة الرقمية)؛ التي تحيلنا فيها المفردة الأولى إلى شيء مدون أو مكتوب يشبه المعرفة وهذه الفكرة بالطبع تستفز القارئ كونها تقنية جديدة ما بعد حداثية كذلك من ميزاتها أنها جاءت مواكبة لتطورات العصر من تطور تكنولوجي وحاسوبي يقابله في ذلك عنوان فرعي جاء على هامش غلاف صفحة الرواية متوسطاً إياها بجملة (حب هذا العصر)، فالعنوان الرئيس والعنوان الفرعي يتواءمان فيما بينهما  من ناحية التقدم الالكتروني, كون الأول يحيل إلى التطور التكنولوجي في التعامل مع الحب، أي إنه يحمل بعداً حداثوياً، أما العنوان الفرعي فهو يحمل البعد ذاته لكنه يتكئ على تجربة فريدة تجلت في الحب المعاصر الذي حمل خصوصية قل نظيرها في زماننا , والتي عاشها الراوي التضميني (سليم ناصر) مع (بلقيس) بنقائها وروحيتها عبر تبادل الرسائل بينهما عن طريق الاتصالات والتفاعل عبر الشبكة العنكبوتية، ولم يتنفس النور أو يظهر أمام المجتمع إكراماً لمشاعر زوجته (خديجة) بهذا الأمر؛ فالراوي متمسك بكلتيهما (زوجته وحبيبته) في آنٍ واحد وهذا لا يعد تناقضاً أو ازدواجاً في شخصية الراوي التضميني؛ لأن زوجته تهتم به وتشاركه في جميع مفاصل حياته ولا يعتري علاقتها أي نقص أو تقصير، لكنه يبحث عن حب مثالي يغذي روحه الهائمة الباحثة عن الفن والجمال؛ فسليم يرتبط بمشاعر روحية مع حبيبته (بلقيس)، على حين يتكئ على حاجات الجسد في علاقته بزوجته، وعلى الرغم من بعد المسافات بين سليم وحبيبته غير أنهما يرتبطان روحياً فيما بينهما، فالعلاقة التي تربطهما علاقة نادرة من نوعها تسمو نحو عوالم أرحب وأجمل.

نلحظ أن جملة (حب هذا العصر) تحيل إلى أن هنالك حب مختلف عن حب الزمن الماضي في طبيعة وسائل الاتصال الحديثة , فضلا عن تطورات ايجابية على مختلف الأصعدة , إذ يصعب على المرء أن يجد حباً بهذا النقاء والطهارة , فقد جاء متعالياً على كل الماديات التي تغيب فيها رهافة الحب وشفافيته، تلك الماديات التي شاعت في عصرنا الحالي بالشكل الذي غيبت فيه حبا من هذا النوع؛ فالحب الذي يعيشه الراوي التضميني في ما وراء السرد , حب عجيب كما وصفه الراوي الإطاري في المشهد الذي يخاطب فيه زوجته: "حب عجيب! لعلها من المرات النادرة التي أقرأ فيها شيئاً عن حب فيه هذه العلاقة المتشابكة بين ثلاثة أطراف لا تستطيعين أن تلقي باللوم على أحد فيها، هنا أجد نفسي متساوقاً مع فكرة أن الحب لا يخضع لمنطق أو ميزان، بل إنه قوة عليا تهبط من فوق لتضرب هامة الإنسان.

- أوه، لا شيء أقول، لعل ذلك صورة من صور حبك، أتظن رسائلك القديمة خافية عليّ إن لم تكن لك رسائل أخرى جديدة، لعلها هذه التي نقرأها الآن؟

- أتظنين ذلك؟

- ولم لا وهو قوة عليا تضرب الرأس، كما تفكر الآن، دعنا نقرأ فأنا سعيدة بهذا، بالدرجة التي يكون فيها بعيد عني ولو على مستوى الظن.

- أنت بارعة في الرد عليّ وتذكرينني بماضٍ خفتت جذوته، ماذا لو كنتُ أحد هذين..." ([15]).

يتجه الراوي في ما وراء السرد كما أشرنا في النص أعلاه إلى خلق علاقة تواصلية مع القارئ من خلال تأكيد حضوره في السرد بضمير المتكلم أو الذكر الصريح لأسمه, أو معلومة مشابهة لمعلومات الكاتب، ويهدف من هذا كله إلى " تحطيم مبدأ الإيهام بالواقعية وإرساء مبدأ آخر من جماليات التلقي يتمثل في جعل القارئ يقظاً على الدوام أو متأملاً ومتسائلاً وربما مصدوماً"([16]).

إن "المسافة التي يضعها النص الجديد بينه وبين القارئ من شأنها أن تجعل من هذا القارئ ناقداً يتجه نقده لا إلى النص والبنى النصية، بل يتجاوزها إلى البنى السياسية والاجتماعية والثقافية التي أنتجت البنية النصية التقليدية"([17]).

تجدر الإشارة إلى أهم مظاهر تجلي تقنيات ما وراء السرد في رواية (المدونة الرقمية) تكمن أو تتوزع ما بين تقنية ظهور الروائي في ما وراء السرد، وظهور الراوي ناقداً فيما يخص الراوي الإطاري والتضميني فضلاً عن القارئ أو المتلقي الذي سيتحول إلى ناقد آخر يكون مشاركاً فاعلاً في العملية السردية، وبذلك استطاع حنون مجيد أن يخلق أجواءً إضافية على ما وراء الرواية باستخدام العنصر النقدي مع الإبداع الروائي فكلا الراويين ناقد له آراء مهمة.

توحي رواية (المدونة الرقمية) لقارئها لأول وهلة بأنها رواية تنتمي إلى نوع الروايات السير ذاتية، وتحثنا نحو المقارنة بلا وعي بين ما يكتبه الروائي بضمير الأنا على طول امتداد الرواية وبين حياته الشخصية الواقعية، وذلك بسبب التطابق بين شخصياته السردية وبين حياة الكاتب الخاصة ولاسيما من ناحية الحديث عن مسيرة عمله في التعليم من ثم إحالتها على التقاعد ([18]).

تجدر الإشارة إلى أن ظهور الراوي في ما وراء السرد تجلى بأشكال عدة منها؛ مخاطبة القارئ وتجلى هذا في الصفحات الأولى للرواية، فضلاً عن السرد بضمير الأنا، ولم يرد الذكر الصريح لإسم الروائي (حنون مجيد)؛ بل جاء الإيهام بواقعية السرد من خلال التشابه الوارد بين شخوص الرواية، فالراوي الاطاري مثقف وكاتب روائي , والراوي التضميني روائي ايضاً فضلاً عن ممارستهما العملية النقدية.

إن مهمة الروائي اتضحت من خلال اهتمامه بمخاطبة القارئ من خلال التقديم الخاص بالمدونة الرقمية؛ الذي انفتح على شاشة الحاسوب أما الراوي الاطاري (سليم وزوجته) في أثناء تشغيل القرص الذي تصدَر  صفحته الاولى " قارئي العزيز إنما هي صفحات كتبت بدم حار ما لديك منها بعض ما لدي، فإن قبلها عقلك وحسبها واقعاً حياً كما لو أنه واقعك، فلك الحرية في أن تتقدم فيها وكما يحلو لك، أما إذا لم تحسبها كذلك فما هي سوى سطور سود، دبجها خيال جامح، جمعها في قرص لا تعدو مساحته مساحة الكف، فلك الخيار في أن تتقدم أو تحجم، الامر متروك لك، وسيان عندي أن تقرأ ذلك وتعده واقعاً، أو تقرأه وتعده خيالاً، فربما كنت َ في كل ذلك محق، فمن حسنات الواقع، أن هذا الكم الهائل من الاشياء المثيرة التي تحيط بنا دونما فكاك تبهجنا وتحزننا، كما أن من حسناته ايضاً أنه أنتج لنا خيالاً واسعاً لصيقاً به، فتهيأ لنا أن نكتب من خلاله ما يسري عنك وعنا... فرصاً كافية لنتغلب بها على مصاعبنا في حال انكشاف امرنا، في الأخير هذا ليس سوى السلوى التي قد نبدد بها بعض عتمتنا"([19]).

هنا نلحظ ان الراوي التضميني في ما وراء السرد يتجه نحو مخاطبة القارئ الذي من شأنه أن يكسر الإيهام بواقعية السرد، كما أن الراوي اخذ على عاتقه مهمتين في آنٍ واحد تجلت الاولى بكونه راوياً, أما الثانية بكونه ناقداً يتضح ذلك من خلال التقديم للرواية وشرح حيثياتها وما تنطوي عليه إلى أن يصل إلى البوح بالهدف الرئيس الذي يكمن وراءه بقوله ، وهو يصف الرواية: " فإنّ هذا ليس سوى السلوى التي قد نبدد بها بعض عتمتنا".

تجلى حضور الروائي في ما وراء السرد في سياق كشفه بضمير الانا عن الهدف من وراء هذه الكتابة والتي تمّت بها احالتها إلى الخيال ونفيها عن الواقعية، بعد ذلك سعى الراوي التضميني نحو زج القارئ في مسألة محيرة وجعله حائراً بين شيئين لم يحسم الأمر لأحد منهما، وذلك من خلال التراوح بين نسب الأحداث إلى الواقع ومرة أخرى إلى الخيال، فهو يترك الأمر للقارئ بهذا الشأن محاولاً إشراكه في العملية الإنتاجية، فالأمر لم يكن محسوماً من لدن الراوي التضميني فحسب، بشأن الإيهام بين الواقع والخيال، بل نلحظ أن الأمر تعدى إلى الراوي الإطاري وهو يخاطب القارئ الضمني الذي كان له موقف مشابه لموقف الراوي التضميني أو نقده، تجلى ذلك من خلال الملاحظة التي دونها الراوي الاطاري سليم ناصر ؛التي جاءت بلون غامق فيه بعض الميلان لتمييزه عن الراوي التضميني بقوله: " ثم إنك وأنت تمضي في قراءة ما بين يديك، ستجد أن اسمي (سليم ناصر) الذي يرد  فيها، قد يكون مطابقاً لأسمك أنت أيضا، عندئذٍ ستكون أنت مدون الرسائل الواردة فيها، وهذا محض مصادفة غريبة قد لا تحصل إلا في الأحلام، ثم إنها قد لا تكون سارة بالنسبة لك لأسباب "عائلية" لن تكون خافية عليك، وأعلم أن هذه الرسائل إن كانت واقعية فهي أكثر الرسائل الغرامية عدداً بين عاشقين أديبين أو فنانين، سمّها ما شئت، على مر التاريخ أو هكذا أظن، ثم ما عليك إلا أن تكبر الخيال الذي أنتجها إن كانت كذلك, لك وحدك القرار" ([20]).

ترى الناقدة (باتريشيا ووه) أن وظيفة ما وراء السرد أو (الميتافكشن) تهتم بكيفية انعكاس خبرة البشر بالعالم في كتاباتهم في ضوء النظرية الفلسفية وذلك من خلال الاستكشاف الذاتي الشكلي مستعيناً بالاستعارة التقليدية للعالم بوصفه كتاباً، وإن حضور المؤلف في متن روايته بالطريقة السابقة ناجم عن تجريب سردي للغة يجرب فيها المؤلف لوناً جديداً من أشكال الكتابة التي تغادر المألوف نحو تجريبية جديدة... بعد أن اختلطت في كتاباته تجارب روائية غريبة رائدة يستقبلها المتلقي المعاصر بوصفها نمطاً من التجديد الأُسلوبي الخاص بالرواية الحداثوية([21]).

يستثمر الكاتب حنون مجيد في روايته (المدونة الرقمية) هذا اللون من الكتابة عندما يتحول فيها الراويان (الإطاري، والتضميني) إلى ناقدين لكتب وروايات يقدمان فيها خلاصة أفكارهما وخبرتهما الثقافية التي تسهم في أثراء ثقافة المتلقي وتفتح آفاقه نحو البحث والاستقصاء وذلك من اجل فهم العالم والارتقاء به.

يتجه الراوي الإطاري في كتابته الروائية نحو التماهي مع حكاية (حي بن يقظان) لأبن طفيل هذا ما نلحظه في قوله وهو ينتظر رسالة من صديق يخبره برأيه في روايته " وما كنت أنشده منه في سردي، درجة النجاح في عملية تماهي روايتي هذه مع حكاية (حي بن يقظان) في فلسفة التدرج المعرفي من التنشئة الحيوانية إلى الإنسانية والإيمان المطلق بالله حين ينشأ طفل بين الحيوانات..." ([22]).

من الملاحظ أن الروائي أراد من خلال الراوي الإطاري في عملية التماهي مع قصة (حي بن يقظان) أن يدعو القارئ نحو الاقتداء بهذه الشخصية التراثية، والرؤية الفلسفية التي سعت نحو اكتساب الخبرات عن طريق الملاحظة والتفكير من دون تدخل أحد بصورة مباشرة فيه, فشخصية (حي بن يقظان) سعت نحو التدرج في تطوير النفس وانتشالها من العدم (الطبيعة الحيوانية) إلى الوجود (الطبيعة الإنسانية) من خلال الملاحظة والاستنتاج، لذا فإن مصدر الارتقاء عند (حي بن يقظان) يكمن في التركيز الذهني (العقل)، ويبدو أن الروائي أراد عقد المقارنة بين روايته وقصة ابن يقظان أن ينبه المتلقي إلى سبل التكامل وكيفية تطوير الذات عبر التركيز على التفكير السليم، فمثلما يسعى الراوي الإطاري نحو الكمال في روايته وينشد أن ترتقي نحو التطور وتلاقي رواجاً وانتشاراً كقصة (حي بن يقظان)، فمن جهة أخرى نجده يحث القارئ ويجذبه نحو الأسلوب نفسه في عملية الارتقاء الفكري؛ فالراوي هيأ للمتلقي البذور وترك له الباقي لينهض بنفسه.

وفي موضع آخر يأخذ الراوي على عاتقه دور الناقد الخارق الذي يدلي برأيه في رواية قرأها أو كتاب اطلع عليه، ويهدف عن طريق ذلك كله إلى إشراك القارئ في العملية السردية، إذ يتوزع النقد ما بين الراوي الإطاري والتضميني, ليفتح آفاق القارئ نحو تساؤلات أعمق وأكثر كي يدلو بدلوه ويقدم نقده.

هذا ما نلحظه في نقد الراوي التضميني وإن كان انطباعياً حيال رواية (حفلة القنبلة)، التي قرأها وسجل رأيه فيها، وترتكز فكرة الرواية على الجشع والأحقاد والطمع الذي يملأ قلوب البشر، حين تتحول إلى أمراض نفسية لا يمكن محو خطرها بسهولة، وقد ركز الراوي على المشهد الحواري الذي دار بين الشخصيتين الرئيسيتين الزوج (جونز) ووالد الزوجة الدكتور فيشر: "- ألا نسامح أحداً حتى الموتى؟".

- "أوه، المسامحة يا جونز، إنه مصطلح مسيحي، هل أنت مسيحي يا جونز؟ " .

- "لا أعلم ولكنني أعلم بأنني لم احتقر أحداً بقدر احتقاري لك".

" أنت تستعمل المصطلح الخاطئ مرة أخرى، إن علم دلالات الألفاظ وتطورها مهم يا جونز، أقول لك: إنك تكره، أنت لا تحتقر، إن الاحتقار لا يأتي إلا من خيبة عظيمة، وأكثر الناس غير قادرين على الشعور بخيبة عظيمة، وأشك إن كنت قادراً على هذا الشعور، عندما يحتقر المرء يا جونز، يكون ذلك كجرح عميق لا علاج له إنه بدايات الموت، ويجب على المرء أن ينتقم لهذا الجرح ما دام عنده الوقت الكافي لذلك..." ([23]).

إن اختيار الراوي التضميني لهذا المشهد الحواري الذي حدث بين الشخصيتين يوحي بتركيزه على طبيعة الدين المسيحي , ويشيع أفكاراً خاطئة لا تنطلي على الإنسان الواعي، كما أنها تغذي القارئ البسيط بأفكار غير صحيحة قد يأخذها على محمل الجد بعدّ النص عاكساً حقيقة غير قابلة للنقاش، على حين يأتي الراوي الإطاري ليردم الفجوات من خلال الإدلاء بنقده وإبداء رأيه بهذه القصة، والأمر الذي يجعل تأثيره فاعلاً على المتلقي يكمن في أنه من الدين المسيحي وهذا من شأنه أن يرتقي برأيه نحو التأثير الفاعل كون رأيه نابع من تجربته مع هذا الدين السماوي السمح، هذه المحفزات تأخذ مداها الواسع في التأثير بالمتلقي وتحثه على أن يبدي آراء أخرى في الراوية ويكشفها، أو يُضيء جوانب غامضة لم تكشف من قبل، كما أنها تؤكد على مسألة مهمة تكمن في عدم تقبلنا للمعلومات من دون التأكد من صحتها، يقول الراوي الإطاري بهذا الصدد: "على أي حال هذه رواية وليست كتاب دين..."([24])، وهو رأي نقدي يميز الحكم الأخلاقي بعيداً عن المتخيل السردي المتمثل بالرواية فلا حكم قيمي أو أخلاقي أو ديني على بنية سردية روائية متخيلة.

هنا تكمن نقطة الجذب المهمة في النص الروائي السابق، إذ يضعنا الراوي بعد أن انتقد الرواية وأبدى مساوئها كأنها حقيقة واقعة, نجده في نهاية حديثة يؤكد على أنها مجرد نص خيالي يُشكل على هيئة رواية، فهي ليست دستوراً مقدساً غير قابل للنقاش.

نلحظ أن الروائي من خلال الراوي الإطاري يسعى نحو إيهام المتلقي بين الحقيقة والواقع، وتجذبه نحو المشاركة في إنتاج النص وتأويله، وهذا التراوح بين المتخيل السردي والواقع يأخذ على عاتقه مهمة جعل المتلقي في شك وحيرة مما يجعله دائم اليقظة ويسعى في الوقت ذاته إلى التأكد من المعلومات كي لا يقع في فخ التسليم والخضوع للنص أو أن يكون بمثابة المستهلك الذي يكون دوره سلبياً في تلقي النص.

وتجدر الإشارة إلى أهمية العلامة الميتاسردية التي تؤكد " إحالتها إلى داخل النص الروائي وهي تنطوي على قدر كبير من القصدية ابتغاء كسر العلاقة القائمة بين الواقع والمتخيل، وهي بذلك تشرك القارئ في إتمام المبنى الروائي سردياً على وفق أنظمة وأعراف تحيل إليها، منها المقدمة، والخواتيم، والوثائق المدونة... والفضاء الكتابي الذي يصر الروائي على جعلها مصادر متخيلة للعمل الروائي، فهي تستلزم الفهم والاستنباط الدلالي عبر آليات التفسير والتأويل، فخاصية ما وراء السرد تتجلى في الضبط الذاتي للإحالة السردية، وفي إيجاد منطق تأويلي داخل الرواية عبر الموجهات الميتاسردية التي تمنح التأويل مصداقية في كسر الإيهام ومن ثمَّ بنائه".([25])

ينتقل الراوي التضميني بعد ذلك إلى رواية عربية أخرى تجذبه بحبكتها وبالأساليب السردية التي تتمتع بها، إذ تنتمي الرواية إلى تقنية (ما وراء السرد) والتي تتضمن روايتين متداخلتين جذبتا انتباهه لما تتضمناه من موضوعات تمس الواقع المصري، كما أنها تحث القارئ على الانحياز لها بإذعان:

" انطوت الرواية الثانية على روايتين متداخلتين وإن انفصلتا نسبياً في الموضوع وفي لون الحرف للتفريق بينهما، وهو تكنيك ليس بالجديد، ولكن ما يحمل على الاعتراف بهذه الرواية، إنها تنفتح على آفاق واسعة تحث القارئ على الاستجابة لها، لأنها تمس في ما تمس الواقع المصري كذلك، ولكن بثيمات سياسية عضوية لا تقلل بالمباشرة صيغة العمل الفني وإن يتضح من خلالها البعد السياسي للروائي نفسه"([26])

اكتظ النص السابق بالعلامات القصدية الدالة التي تستثير ذهن القارئ وتوجهه نحو كيفية التعرف على التقنيات السردية الحديثة، فضلاً عن أهميتها في جعل المتلقي دائم اليقظة فيما يتلقاه، فضلاً عن ذلك فأنها لا تركز على الشكل فحسب وإنما على موضوعات ثيمية، من مثل: الأبعاد السياسية لكن ليس بالقدر الذي يفقد النص الأدبي فنيته ويحيله إلى وثيقة تأريخية، وهذا الإيهام يأخذ دوره في نفس القارئ من خلال جعله حذراً ونابهاً كونه مشاركاً في العملية الإنتاجية.

كما نلحظ أن الراوي الإطاري ينحى منحىً ايجابياً في أثناء نقده للراوية من خلال إعجابه بالروائي، وبمنجزه الأدبي، والتطور الملموس الذي بدا واضحاً في عمله الروائي، وهذا الشيء يؤشر على الميل نحو الروايات التي تتجه نحو هذا المنحى شكلاً ومضموناً لما لها من أهمية في توسيع إدراك القارئ وإثرائه ثقافياً من خلال الدور الذي يقدمه عبر ممارسة النقاد.

وتجدر الإشارة إلى أن زوجة الراوي الإطاري (سليم) أبدت وجهة نظرها أيضاً في الروائي ذاته (علاء الأسواني) وروايته (شيكاغو) من خلال تأشيرها على مسألة مهمة عقدت فيها مقارنة بين مؤلف الرواية والروائي نجيب محفوظ، وهذا يدل على رأي متلقية واعية تقرأ باستمرار وتستقصي المستوى الأسلوبي للروائي ومدى تطوره، وهذا ما لا يتوافر لدى الناقد المبتدئ ذي الإمكانيات المحدودة، فضلاً عن ذلك كله فهي تفسح المجال لرأي آخر يمكن أن يأخذ دوره ويكمن في رأي القارئ أو المتلقي، الذي سيستفيد من الآراء المعروضة ويستوعبها مضيفاً إليها رأياً جديداً قد يكون غفل عنه النقاد الآخرون.

نلحظ ذلك في قول الراوي معقباً على رأي الراوي التضميني بهذا الصدد: "حقاً لقد قرأتُ هذه الرواية أول صدورها، كنت احد المبشرين بهذا الاسم الجديد لما تحمله روايته من صناعة فنية تامة النضج، وإمكانية سردية عالية ولغة دالة ونظيفة... وهو يتناول موضوعاً على أهمية مستديمة، واقع الشعب المصري الذي لم يتغير بما فيه الكفاية منذ ثورة يوليو (1952)، بعد أن جاءت سياسة الانفتاح عقب التغييرات التي حصلت بعد موت عبد الناصر لتزيد الأمور تدهوراً... أنت الأخرى قرأتِ الرواية وصفقت لروائي جديد وقلتِ: أنه يشبه نجيب محفوظ وذلك ليس عيباً، الآن أصبح الرجل مختلفاً فلقد ظلت الاهرام رابضةً في فسحته الجلية بينما أمست الوفود تتقدم عليها، من بينها هذا الوافد الجديد، كاتب شيكاغو!"([27]).

من هنا يعمل جميع الروائيين بكفاءة الناقد الواعي، فكل واحد منهم يهتم بالتركيز على زاوية محددة محاولاً التقاطها، ويأتي الثاني بزاوية أخرى يركز عليها ويبدي محاسنها ومساوئها، وهذا من شأنه أن يقدم للقارئ بداية الانطلاق ويجعله واعياً بالعملية الإبداعية ومشاركاً فيها، ولاسيما عندما يرشده الروائي على سبل الارتقاء في كيفية الممارسة النقدية والنهوض بها عن طريق الاطلاع على آراء الآخرين والإفادة منها.

ولا شك أن الروائي (حنون مجيد) قد وفق كثيراً في توظيف تقنياته الجديدة وعرضها بمهارة عالية تأخذ على عاتقها النهوض بمستوى إبداعي في سياق الإفادة من احد أطراف الرسالة المتمثل في (المتلقي) والتركيز عليه، وذلك لأن العملية الإرسالية تكتمل برأيه الذي يستدعي تركيزه على النص والافادة بما يحتويه من خبرات حياتية وثقافية يأخذها الرواة على عاتقهم.

      ولعل تقنية استثمار النقد في الرواية تقدم للقارئ نقطة الانطلاق بما يحمله من زاد معرفي ومبدئي بما قدمه النص، كما أن عملية التشكيك بالمعلومات وعدم تقبلها بسهولة يحث المتلقي على البحث وتقصي الحقيقية وهذا من شأنه أن يعٌد ناقداً مطلقاً لا يقبل أن يكون مستهلكاً سلبياً، فضلاً عن ذلك فإن لهذه التقنية وعملية التشكيك في المعلومات التي تبثها , تنبه القارئ الى المعلومات المغلوطة التي تُروج داخل النصوص الإبداعية، وتأخذ بيده نحو الإشادة بالكتب الجيدة التي لا غبار عليها، وتأخذ على عاتقها مهمة الارتقاء بالمستوى الثقافي والمعرفي من خلال عدم تقبل المعلومات من دون التأكد من صحتها.

وفي موضع آخر يعقد الروائي مقارنة بين روايات لكاتب واحد ويتعداه مرة أخرى إلى المقارنة بين رواية عربية وأخرى غربية بدراية ودقة ونقد بناء، فنلحظ الروائي يتوسم من القارئ مشاركة أكبر وتركيزاً أعمق نحو النص، فالقراءة التي يجسدها المتلقي تعد كشفاً "عن منطق البناء الداخلي للنص، وهو منطق ليس معطى من خلال ما تقوله العلامة عبر وجهها المرئي، بل هو بناء يوحي به النص، وتقوم بتجسيده الذات القارئة من خلال مسك البياضات، وتنشيط الذاكرة، كما توصي بذلك جماليات التلقي"([28]).

تجلى نقد الراوي التضميني في ما وراء السرد لرواية فؤاد التكرلي (اللا سؤال واللا جواب) التي لم تجذبه ليقف عندها طويلاً بل وجدها " قصة طويلة في أكثر من مئة صفحة لم تستوقفني فيها صفحة واحدة ، ويبدو أن التكرلي كتبها بسرعة تتناسب مع اطراد سني عمره الجميل..."([29]).

إذن الراوي هنا وضح لنا أسباب إخفاق الرواية في جذب انتباهه، كونها لا تملك طاقاته المكتنزة المشعة في إشراك القارئ وهذه لا تتوافر في النقد الكلاسيكي، الذي يفتقد التقنيات الحديثة، ولا يملك الإمكانيات التي تجعل النص محبوكاً يملك وجهات نظر متعددة.

فالراوي في ما وراء السرد كان يتوقع من الروائي في منجزه (اللا سؤال واللا جواب) أن يجد تطوراً ملموساً من حيث الشكل والمضمون كونه روائياً رائداً في مجال السرد في العراق وله باع طويل في الكتابة الإبداعية، كما أن رواياته السابقة منها (المسرات والأوجاع) و(الرجع البعيد) تعد من الروايات المهمة في نتاجه , وتكمن أهميتها في اكتنازها بالدلالات والتقنيات الحديثة، بالشكل الذي تحيل النص إلى بنية مشبعة بالحياة تتميز بنصها المسبوك فضلاً عن تركيزها على المتلقي.

الجدير بالذكر أن الراوي التضميني في نقده هذا يأخذنا بالاعتقاد بحقيقة ما يقوله، غير أنه يكسر الإيهام بقوله: " ومهما يكن من أمر فإنها في حصيلتها النهائية تنتمي لأدب التكرلي الذي من النادر أن تجده كذلك في أدب محمود عبد الوهاب النظيف! " ([30]).

هنا يكسر الراوي التضميني ايهامنا بواقعية الرواية بعد أن أقنعنا في الصفحات السابقة بواقعيتها , وهو يصف الواقع العراقي في مرحلة الحصار والمتغيرات التي حصلت بعد غزو الكويت: " وفي الحق فإن فؤاد بروايته القصيرة اللا سؤال...واللا جواب"، أراد أن يقول كلمته عن الواقع العراقي قبل أن يحصل له ما يجهضها أو يحول دونها، فقالها ولكن ليس كما ينبغي أن يقولها فنه الذي عرفناه، في "الرجع البعيد"، "المسرات والأوجاع" أو حتى "خاتم الرمل" "(1).

الراوي هنا يبدي لنا كيف تفعل الرواية الحداثية فعلتها في المتلقي حتى وأن مضى على كتابتها عقودٌ، فأن لذتها ومتعتها تبقى حاضرة في ذهن المتلقي، بالشكل الذي يستعيد فيها شيئاً جديداً ومتعة أكثر في كل قراءة يقرأها.

هكذا يحثنا الراوي على طرق الكتابة الإبداعية شكلاً ومضموناً كما يصفها هو: " امتداح الخالة أثر روائي جريء ومثير، كذلك لا أظن كاتباً عراقياً أو حتى عربياً، تناول موضوعها أو قدر على تقديمه بهذه الصيغة المبهرة، سوى ما كانت عليه بعض صور التكرلي في "المسرات والأوجاع""([31]).

ويبدو أن حنون مجيد أضاف زاوية جديدة في مجال ما وراء السرد ليس على مستوى وجود رواية داخل الرواية فحسب , إنما طوّر الأمر إلى وجود ناقد سردي هو الراوي بصنفيه (الإطاري والتضميني), ولم يكتف بذلك بل عرض لروايات متوافرة على مستوى الواقع الأدبي وليس مما يدخل في المتخيل الافتراضي , ففؤاد التكرلي له وجود حياتي في الإبداع الأدبي (السردي) وعناوين رواياته كما هي في الواقع لكن النقد الموجّه هنا موجود في الرواية حصراً وليس له وجود خارجي، ولم نعرف ناقداً باسم سليم ناصر على مستوى الواقع النقدي أبداً , هذا من عنديات حنون مجيد وهو إضافة نوعية بحق.

وفي تقنية أُخرى غير متداولة كثيراً,  نلحظ في رواية حنون مجيد توظيفاً كبيراً لرسائل الحب التي جرت بين الراوي التضميني سليم وبلقيس، وهذه الرسائل تُعد من الوسائل الحديثة التي استعملها الروائي في ما وراء السرد، وتشير إلى " صنف من الكتابة الخطية المتحققة بوسائل الكتابة كالقلم والريشة وغير ذلك من وسائل الكتابة، بخلاف الصنف الآخر من الكتابة المتحقق من استعمال الآلية وسيلة لإنتاج الكتابة"([32]).

وتعد المخطوطات من ضمن التقنيات المهمة التي يلجأ إليها المبدع من أجل إثراء مادته الفنية، غير أن مزية الروائي حنون مجيد في توظيفه لهذه التقنية تكمن في اتكائه على الوسائل الحديثة في نقل الرسائل عبر الهاتف النقال أو الأرضي، والتي تعد من الوسائل المستحدثة للتواصل في عصرنا الحالي، ولا ننكر الشاعرية التي تخلقها الرسائل التقليدية الورقية بين الأهل والأحباب , فضلاً عما تخلفه من أجواء رومانسية ، غير أن هذه الوسيلة باتت من ضمن الوسائل التي لا تتوائم مع روح العصر ولاسيما ونحن نعيش في زمن التطور التكنولوجي السريع، والزمن القصير في الوقت ذاته، ذلك الزمن يعيشه شخوص الرواية في عصر المعلومات، لذلك كان الروائي موفقاً في عملية توظيفه لهذه التقنية الأثيرية في تبادل الرسائل بما يتوائم مع العصر الذي تعيشه الشخصيات.

تتنوع التقنيات الموظفة من لدن الراوي في ما وراء السرد ما بين الرسائل الغرامية، فضلاً عن القصص والروايات الما وراء سردية والوثائق السياسية , وتعد الرسائل الغرامية نقطة الارتكاز في الرواية وتأتي لتكوين نافذة للأمل في زمن غيبت به آمال الناس تحت وطأة الظلم والوحشية التي عاشها العراقيون بعد الاحتلال الأمريكي وفي اثنائه ، نلاحظ ذلك في نموذج شخصية سليم الراوي التضميني ، فهو رجل تجاوز عقده الستيني وأحيل الى التقاعد, وهو يرى في الحب النافذة الوحيدة للحياة من خلال وصفه لحبيبته التي لم يكن " أسمها غريباً على مسامعه "بلقيس أحمد سليمان اليماني "، ولقد سبق أن لفت انتباهي بنسبه ما ، منذ أن توقفت أمام لوحه لها في معرض عام، منذ ما يقارب من عشر سنين, لا لا المرأة ذي, لفتة من لفتات السماء وهبة من هبات الله، ومن أي باب يحكم النقاد إليها فهي غَنمْ عظيم. وكما يلوح ، فإنني وجدت فيها ما يعد بذلك الحب الفريد الذي كان يبحث عنه ولا يجده ، رجل مثلي طوال عمر ناف على الستين"([33]).

هنا يظهر لنا الحب بعّده وسيلة يلجأ إليها الراوي في ماوراء السرد من اجل التغلب على مايحيط به من بؤس في ظل الاحتلال الأمريكي ، وضغوطات الحياة الأخرى، فكانت بلقيس الحبيبة ملاذه الذي يلجأ إليه عندما تحاصره هموم الحياة.

تشتد الحاجة للحب كلما زاد ضغط الحياة ، ويكون التشبث بالحبيبة أكبر عندما تكون على قدر من العلم والثقافة والقوة ، فالكلمات التي تبثها بلقيس كانت تفوح شذى وحبا وحياة , فيها ما يطيب الجرح ويلم شتات الروح المبعثرة ، كما في قول الراوي : " مساء الخير سيدتي المبجلة، كان لصمتك ما يحزن روحي، فهل لك أن تطفئي  نار الذي لا يحمل لك إلا الود الطاهر والتقدير الخالص" ([34]).

وجاء رد الحبيبة مباشر كالغيث الذي يسقط على ارض متعطشة له: " أوكأنني لا أعرف، أو كأنك في اختبار ؟ هونّ عليك أيها النبيل أنا أيضا أراك بالعين ذاتها. الم أطلب منك أن تعتني بالإنسان الجميل الذي فيك من اجلي؟ لاتؤذه أرجوك, لا تقس عليه فهو شفاف حساس نقي مثل كرستالة نادرة تختزن الأنوار، لتعيد بثها شعاعاً يفوقها ندرة لك في الروح مقام عال" ([35])؛ فكان رد بلقيس كالروح التي تعاد للجسد بعد انتزاعها: " الآن أشكرك وتبارك قلبك النبيل" ([36]).

بعد ذلك يأتي كلام كلاديس زوجة الراوي الإطاري في  سياق المشهد الوصفي تعقيبا على رسائل الحبيبين وإظهار مدى حبهما والإعجاب به:

"- انه شي كالريح ، خاطف ، مارد موار, أنت تأخذني، أو هو في تقدير صحيح ،الى اشد المناطق حساسية ،لاسيما في هذا الوقت وفي هذا العالم المليء بالمعارك والحروب والفناء ،"حب هذا العصر" ياله من عنوان ساحر وجذاب ، ويا لرفاهية بعض الناس. استمر في العرض، فلا بأس من أن نطلع على موضوع كهذا ، ولو من باب الفضول الذي قد يكون مشروعاً لنا القيام به وكأننا نطلع على اسرار رسالة مغلقة سقطت من يد حاملها في الطريق لكن ما  يبرر فعلنا أن العنوان مغر، محايد ، مفتوح ، ومهما كانت أسراره ، فلا أظنها ستكون أسرارا مؤذية ، أو هكذا احتمل... من اجل أن نبدد وحشة أيامنا المتطاولة ،التي ليلها المرعب أطول من نهارها الملبد، ربما سيكون من المستحيل ان لا نحس رعشة الحب  تنبثّ في نفوسنا المتماسكة، سيكون من غير الممكن أن لا تخترق نفثاته نوافذ قلوبنا المغلقة" ([37]).

ومن ثَّم يرد الراوي الإطاري مبدياً رأيه فيما قرأه معقباً على كلام زوجته بقول: " لم أجب كنت أريدها أن تقول ذلك ، بل تشاركني القراءة ، وتمتد اعصابها معي حتى النهاية ، حديثها هذا منحني شعوراً بالفوز, إن لقيتي لم تكن بالبائرة ماحسبته اللحظة على أنه انطلاق نفسية جامحه ، الخاطف والمارد والموار واشد المناطق حساسة ،إنما هو انفتاح النفس المحاصرة جراء ما يبهجها الآن ، أو  يحرّضها على منابع لذاتها أو متعتها ، أو ماهو أبهى بتعبير اخص "([38]).

من خلال النصين السابقين في المشهد الحواري الذي دار بين الراوي الإطاري وزوجته نلحظ الأول يسعى نحو لفت نظر القارىء نحو مسألة مهمه تكمن فيما خلفه الاحتلال الأمريكي من خراب فضلا عن عظم خطره ، منبهاً إلى مساوئه ،على حين ركزت آراء الناقدين من ناحية أخرى على الرغبة بالسلام التي سيطرت على روح بلقيس لاسيما بعدما تعرضت له من اضرار نتيجة تخريب بيتها من لدن قوات الاحتلال. 

وتجدر الإشارة الى رأي الراويين وتأكيدهما على الدور النسوي الفاعل ، في محاولة نحو تعزيز الصورة الايجابية للمرأة القوية التي لا تنكسر ولا تنهزم ، وهذه الميزة تحسب للروائي (حنون مجيد) ومن خلال تأكيده على العنصر النسوي الفاعل على عكس بعض النقاد والكتاب الذين سعوا على مر التاريخ نحو إعطاء صوره سلبية شاحبة عن المرأة ،التي تُصور اغلب الأحيان بالضعف والانكسار والهزيمة بأنها غير قادرة على تحمل الشدائد وإنها لاتقف في مصاف الرجل مهما اجتهدت ومهما حاولت, نلحظ ذلك من خلال الرسائل المتبادلة بين سليم وبلقيس بعد تحطم بيتها "مساء الخير أرجو لك السلامة ،واطمع بمعرفة أخبارك التي أتمنى أن تكون طيبة لا يشوبها قلق ما"([39]).

وجاء ردها سريعاً وبكل قوة وحزم وثبات "أيها العزيز ظنك صحيح أنا في بيتي الذي حطمه الأمريكان والخسائر كثيرة "([40])، من ثَّم يأتي دور الناقد الإطاري في المشهد الحواري الذي جاء مكملا لدور الراوي التضميني وشاغلاً بعض الفراغات الاستفهامية من كلامهما بقولهما :

"- انظر كيف تحطم بيوت الناس, ما لم تحطمه الزلازل يحطمه الإنسان, قالت ذلك وذهبت تعد لنا فنجاني قهوة آخرين.

- الزلزال لم تحطم مثلما حطم الإنسان ، ثم إذا أخطأ الزلزال هدفه وهذا قد يحصل كثيراً ، فإن زلازل البشر في الصميم ، نحن بحاجه إلى إعادة إنتاج أرجوك لا تجعلي مزاجي ينحرف نحو مسار آخر , دعينا نتمسك بهذا الشيء الذي وان كانت له زلازله ،فهو ممتع ولذيذ.

- أوافقك فأنا بحاجة الى ما يعزز قناعتي بوجود امرأة على مثل هذه الأعصاب أولاً , ويسود قلبها هذا السلام ثانياً ، قالت ذلك وفتحت النافذة ليتسرب الينا من الحديقة هواء بارد حتى حسبت ذلك فرصة لي انا الآخر لأزيح شيئاً مما تسرب الى نفسي"([41]).

لم تكن رواية حنون مجيد مجرد رواية فهي تداخل السردي بالتاريخي ولعل ذكر الخراب الذي حل ببيتي الراوي والشخصية النسوية التي تواجه قدرها بقوة الإيمان بتغيير الواقع وتحويل الخراب الى بناء ، فالحدث التاريخي واضح وواقعي وهو احتلال العراق من لدن الجيش الأمريكي وماحلَّ من تفكك لكل البنى التحتية للوطن ، وتعامل الشخصية مع واقع الاحتلال فيه قوة بأس لدى المرأة بعيداً عن سلبية الموقف؛ الذي يقف بعض النقاد منه وجعل المرأة متقوضة بعاطفتها ففتح النافذة من لدن شخصية المرأة فيه دلالة رمزية على أن نسمات المستقبل ستغير الواقع الرتيب الذي يحيط بها وبالشخصيات الأخرى.

ننتقل الى نوع آخر من أنواع التقنيات في ماوراء السرد تجلت في القصة الفنية اوالرواية من لدن راوٍ تضميني او اطاري في ماوراء السرد.

في عمل الروائي (حنون مجيد) نلحظ وجود شخصيات روائية تتجلى في الراويين الإطاري والتضميني تسعى نحو القيام بتأليف رواية ، وتهتم بالحديث عن تفاصيلها وكيفية كتابتها ، وفي بعض الأحيان تسعى لبيان الهدف منها كما في قول الراوي الإطاري- أي كما ذكرنا في بداية  البحث- "كان يخيفني ألا تحظى روايتي – عارف بن نبهان- هذه باهتمامه " ([42]) في إشارة فيه لصديق عرض عليه رأيه بروايته.

وفي موضع أخر نلحظ ان الراوي التضميني يسعى نحو تأليف رواية محاولاً وضع خطوط اولية لها: لينطلق عبرها نحو تجميع نص روايته من خلال تلك البدايات التي انطلق في سياقها: " في الرابعة فجرآ ، كنت دونت في ورقه مستقلة خطوطا لفصل من روايتي ، سأترك مراجعة ذلك لساعة قادمة من صباح اكون فيها استعدت كامل وعيي"([43]).

لم يكتف الروائي بتوظيف الرواية , بل تعدى ذلك الى القصة التي اكتمل بناؤها منشغلاً بوضع اللمسات الأخيرة على مجموعته القصصية ، هذا ما نلحظه في قول الراوي التضميني سليم: "استيقظت بعد العاشرة ليلاً من غفوة الكتابة على رنين هاتفي ،كانت وراء ذلك بلقيس ،سلمت بأنفاس مترفة ، ثم اختصرت حديثها على ضرورة اللقاء في المدرسة لتجاوز بعض صعوبات تتعلق بوضع اللمسات الأخيرة على تصميم غلاف مجموعتي، قلت أشكرك شكراً جماً, ولكن هل تستحق هذه المجموعة هذا الجهد وهذا العناء؟

كل ما يصدر منك يستحق هذا، قالت بلسان ملاك وقاطعتها لكيلا يكون كلامها حكماً قاطعاً على قصص ربما لم تقرأها كلها، وقد يكون لها رأي آخر فيها لاحقاً..."([44]).

وفي موضع آخر يتكئُ الروائي على تقنية اخرى في ماوراء السرد ، تتجلى في اللوحات التي يسعى من خلالها نحو جذب انتباه القارئ ومخاطبة عقله وإثارة فضوله نحو الاستعلام والتركيز من اجل أن يفك الشفرات الغامضة سعياً نحو اثبات دورها الفاعل في ذلك ، نلحظ ذلك في لوحات بلقيس المفعمة بالإيهام والغموض ،كما في قول سليم وهو يستذكر لوحاتها: " كنت شاهدت بعض رسوماتها التي كانت تطلعني عليها أثناء ما كنا معاً في المدرسة ، وكنا نتفق ونختلف على هذا الرسم أو ذاك، ولاسيما إذا كانت اللوحة هلامية التعبير، بحيث لا يقف المتلقي منها على دلالة ما, سوى تشوش ذهني ولا شيء غير، كنت ادعوها إلى بعض الوضوح الذي لا يقف أمام التداعيات المختلفة ، التي يمكن أن تولدها لوحة تعتمد الايهام إسلوباً وليس الإبهام مثلما يحصل في عالم الأدب، الرواية منه تحديداً ، كان جوابها دائماً أن المتلقي هنا غير المتلقي هناك استشهد بلوحات لفنانين كبار خلدتهم لوحاتهم العظيمة مثل: دافنشي الموناليزا ...كان جوابها الأخر أن الفن كلما توغل في الغموض كان مثاراً لإعمال العقل، وحافزاً في تربيه الفهم على عكس اللوحات الطبيعية التي تفصح عن نفسها من اول وهله ...."([45]).

وفي الختام ؛ فالرواية التي نحن بصددها اتسمت  بالجدة والقدرة الإبداعية للمؤلف الذي عرض تقنيات الرواية بصورة غير نمطية تقليدية ,إنما استثمر (ما وراء السرد) برؤية جديدة , وجعل هناك رواية داخل الرواية وبراوٍ آخر غير الإطاري ، فضلاً عن توظيف النقد الروائي في هذه الرواية وتلك اضافة  نوعية في الرواية مع واقعية عنوانات بعض الروايات وأسماء أصحابها.

 

 

([1]) ما وراء السرد ما رواء الرواية، عباس عبد جاسم، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 2005.

([2]) ينظر: نحو رواية جديدة، ألان روب جرييه، ت1، مصطفى إبراهيم مصطفى، دار المعارف - مصر، د.ط، د.ت: 48.

([3]) ينظر: تيار [الرواية داخل الرواية] في الرواية العراقية، د. حمزة فاضل يوسف، مجلة كلية الفقه - جامعة الكوفة، ع5، 2007: 140.

([4]) ينظر: الأدب والدلالة، تود ورف، ت/ محمد نديم خشفة، مركز الإنماء الحضاري للدراسة والنشر- جلب، 1968: 84.

([5]) ينظر: الروائي والميتاروائي، عبد الكريم الزيباري، جريدة المنارة، ع66، 2008: 6-7.

([6]) ينظر: العوالم الميتاقصية في الرواية العربية، أحمد خريس، دار أزمنة-عمان، الأردن، ط1، 2001.

([7]) المسرح والمرايا، شعرية الميتامسرح واشتغالاتها في النص المسرحي الغربي والعربي، د. حسن يوسفي، آفاق المغرب- الدار البيضاء، نسخة الكترونية بصيغة الـPDF .

([8]) ينظر: ما وراء السرد ما رواء الرواية، عباس عبد جاسم: 18.

([9]) في القصة القصيرة بالمغرب، جميل حمداوي، موقع على شبكة النت: www.diwanalarab.com

([10]) مدخل الدراسة، الرواية، جيرمي هورثرون، ت: غازي درويش العطية، مراجعة: سلمان داود الواسطي، دار الشؤون الثقافية - بغداد، ط1، 1996: 34.

([11]) ما وراء الرواية، نرجسية الكتابة السردية، فاضل ثامر، مجلة الأديب العراقي، ع2، 2005: 3.

([12]) المدونة الرقمية، حنون مجيد، دار غراب للنشر والتوزيع، ط1، 2016: 10.

([13]) المدونة الرقمية: 107.

([14]) هوية العلامات في العتبات وبناء التأويل، شعيب الحلفي، ط1، 2005، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء: 12.

([15]) المدونة الرقمية: 212-213.

([16]) أنماط الرواية العربية الجديدة، شكري عزيز الماضي، سلسلة عالم المعرفة، 2008: 40.

([17]) قراءات في الأدب والنقد، د. شجاع العاني، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2000: 98.

([18]) يراجع: المدونة الرقمية: 10-29.

([19]) المدونة الرقمية: 13.

([20]) المدونة الرقمية: 14.

([21]) روايات الميتافكشن أو كيف يعكس البشر خبراتهم بالعالم، فاضل التميمي، أحوال البلاد، موقع على شبكة الانترنت: ahwalelbelad.com

([22]) المدونة الرقمية: 10.

([23]) المدونة الرقمية: 179-180.

([24]) المدونة الرقمية: 179 – 180 .

([25]) ما وراء السرد في الراوية العربية في العراق، حسن مجاد عبد الكريم، رسالة ماجستير، جامعة القادسية – كلية التربية، 2009: 197.

([26]): المدونة الرقمية :182

([27]) م.ن : 182.

([28]) مقال عن الرواية العربية وتعدد المرجعيات الثقافية، سعيد بنكراد، ممكنات السرد، أعمال الندوة الرئيسية لمهرجان القرين الثقافي الحادي عشر: 274.

([29]) المدونة الرقمية: 207.

([30])المدونة الرقمية: 208.

([31])المدونة الرقمية: 207-208.

([32]) المخطوط، أحمد شوقي بنين، موقع على شبكة الانترنت

http://mohaga.librariannetinet.                            في 8/10/2008                  

([33]) المدونة الرقمية: 20.

([34])المدونة الرقمية: 48.

([35]) م.ن: 48-49.

([36]) م.ن: 49.

([37]) م.ن: 49-50.

([38]) المدونة الرقمية : 50.

([39]) المدونة الرقمية: 74.

([40]) م.ن :74.

([41])المدونة الرقمية: 75-74.

([42])المدونة الرقمية:  10 .

([43])م . ن : 288.

([44]) المدونة الرقمية: 283.

([45])المدونة الرقمية:289 .

  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white