الصمت المطبق تجربة حميمة مع ذاتي: وجهة نظر تأويلية ظاهرية حضارية

ش13

الصمت المطبق
تجربة حميمة مع ذاتي:
وجهة نظر تأويلية ظاهرية حضارية(1)

بابلو فوسا وكريستوبال باجيو
ترجمة:سعد الحسني

الخلاصة:
يشكل الصمت ميدانا قويا للمعنى وحساً بالبناء في التجربة الإنسانية. وبرغم إمكانية فهم الصمت والكلام كنقيضين وتضادين إلا أن كليهما يشكلان ظاهرة تتطور فيها التجربة النفسية. ففي الصمت يحدث الحوار مع الأصوات الداخلية والخارجية والذي من خلاله يحدث صنع القرار وتأمل الذات. فالتطورالبشري ينطوي على علاقة جدلية بين الصمت – الكلام وينطوي ضمن الصمت على علاقة جدلية بين الصمت الصاخب التأملي المتحدث عن ذاته والفارغ وغير المستقر والحاسم. والصمت هو حيث تحدث اللغة الداخلية التي هي العمليات الحوارية بين الأوضاع المختلفة للذات وتتيح التحولات الفكرية مجالًا لبناء التجربة النفسية يحاول هذا المقال أن يفهم الصمت بوصفه تجربة حميمة يحس بها الشخص عبر الاندماج بين التطورات الحالية لعلم النفس الحضاري والأيحاءات النظرية للصمت في علم الظواهر التأويلية. ويطرح الحد بين الكلام والصمت كفاصل ضمني وكظاهرة مترابطة كما تعد الكلمة حدًا بين النطاقات الصامتة في وقتٍ لا رجعة فيه. كما أن الصمت يُطرح وجودًا واحتواءً داخلي للهوية والذي من شأنه أن يكشف عن أشكال محددة للغة، تلك الأشكال التي يكون لها تأثير على التطور النفسي. كما يكُون الصمت حيزًا للتجربة يتطور فيه المعنى الداخلي ويتحول ويتم استيعابه بوساطة معانٍ جديدة أخرى أو يُعبر عنه بالكلام. أن هذه الحركات النفسية ضمن الصمت تعمل بعدها عمليات بناء للمعنى وتنظيمًا نفسيًّا في التجربة الإنسانية بما يسمح لظهور تضادٍ حميم للوعي الإنساني ضمنه.

الكلمات المفتاحية: الصمت، الحميمية، علم النفس الحضاري، علم الظواهر التأويلية

دائمًا ما كنت أحب الصحراء
إذ بوسعك الجلوس على كثيبٍ رملي
فلا يمكنك أن ترى شيئًا ولا تسمع شيئًا
ومع ذلك فإن شيئًا ما يشع في الصمت
الأمير الصغير

المقدمة:
تتكون الحميمية من تجربة شخصية لا يستطيع الوصول إليها سوى الشخص نفسه بشكلٍ خاص، أنها تجربة روحية ونفسية عامة كما أنها وحدة عاطفية - إدراكية لمواجهة ذاتها. ففي حيز الآصرة تتكون الحميمية من أحتمالية فتح ذلك الفضاء على فضاءٍ آخر ضمن بيئة دافئة خالية من المحاباة لذا فمن خلال تجربة الآخر تبرز الجِدة وتندمج في وعي الشخص.
من ناحية علم النفس الحضاري ومفهومه عن النزعة الداخلية/ الخارجية يمكن أن ندرك التجربة غير المحدودة نحو الآخر حين يصبح هذا الآخر أو التجربة النفسية للآخر بعيدة المنال (فالسينر، 2007). فالنزعة الداخلية المطلقة وهي في طريقها إلى ذاتها تكُون كذلك حيزًا بعيد المنال ككل رغم أن هذا الحيز يمكنه الوصول بشكلٍ كبير إلى وعي الشخص. وتعد تجربة شخص ما تجربة حميمة متناهية وغير محدودة ويمكن الوصول إليها عن طريق مصادر اللغة البشرية لكن وسيلتها وهي اللغة غير كافية وهذا ما يعطينا تجربة جسدية وعاطفية في ذلك الحيز.
ففي هذا الإطار يكون الصمت الإنساني واحدة من تجارب الحميمية الرئيسة مع ذات الإنسان. فالبشر يعيشون في عالم الصمت الذي تتم مقاطعته عرضًا فقط بالكلمة. فالصوت البشري والصوت العادي هما فقط اللذان يكُونان حيزًا وسيطًا بين نطاقي الصمت في التجربة الإنسانية. أما الكلمة فتكون كسرًا للصمت كي تستعيد فيما بعد توازنها. فالصمت يحولنا إلى حميمية الحياة الداخلية التي تتكشف وتعبرعن نفسها في الخارج بشكلٍ دائمي. وبخلاف ما نفهمه عن الصمت – بوصفه افتقارًا للصوت أو بوصفه اللافعل – فأن بوسعه الاحتفاظ بدورٍ مهم في عملية صنع المعنى وأستراتيجيات مواجهة الغموض والشك ضمن دفق الوعي في وقتٍ لا رجعة فيه.
يشكل الصمت وحميمية الصمت الإنساني بؤرًة الاهتمام في علم النفس الحضاري لأن في تجربة الصمت يحدث مقدارًا كبيرًا من التجربة الإنسانية حيث تصنع القرارات أو حيث يتم التأمل ببساطة بالتجربة النفسية للفرد مما يعطيها أحساسًا ويبني معانٍ لوجودنا.
أما بالنسبة إلى علم الظواهر وعلم التأويل فيعد الصمت حيزًا من التمثيل المعكوس بوصفه جزءًا من فعلٍ معين استنادًا إلى مواجهةٍ مع الذات المتسامية والمليئة بالأصوات التي هي أنعكاس للغة الأستدلال. فمن منظور ظواهري تأويلي وبتطوير تمرين مراجعة للأصول المعرفية، ينصب الهدف على تحقيق مواجهة معينة مع العناصر التمثيلية للصمت بوصفه عملًا فاعلًا متساميًا في التواصل البشري.
أن هدف هذا المقال هو التوسع نظريًا في بعد الصمت الإنساني من ناحية المنظور الحضاري والظواهري والتأويلي. وبهذه الطريقة سنلقي الضوء عن العمليات التي تحدث خلال التجربة الحميمة للصمت وعلاقته بخارجية العالم الاجتماعي والحضاري.

حميمية الصمت بوصفه ظاهرة حضارية:
بالنسبة إلى علم النفس الحضاري يحدث التطور النفسي في تفاعلٍ دائم بين الوعي والحضارة وهي عملية يؤسس فيها البشر معنًا لوجودهم بغية إعطاء الاستقرار واليقين لتجربةٍ تمر بشكلٍ دائم في وقتٍ لا رجعة فيه. (فالسينر، 2014). ففي هذه العملية يتم أستكشاف سلسلة من الظواهر الإنسانية عن طريق هذا المنظور. وفي هذه الحالة الخاصة عُد الصمت ظاهرة اهتمام حديثة بالنسبة إلى علم النفس الحضاري (ليهمان، 2012)، و(ليهمان 2016 وتانجين ،2017) تطور سلسلة من النماذج الشاملة لفهم الكيفية التي يعمل بها الصمت وعلاقته مع التطور النفسي في التجربة الإنسانية.
يفهم الصمت على أنه تجربة حميمة، انعزالية فعلية أو تجربة مميزة لدى غياب الصوت والتي تحدث في أطر مختلفة من التجربة الإنسانية (ليهمان، 2016، ولافيت، 2001، وتانجين، 2017). إن ظاهرة الصمت البشري تشير إلى كل التجارب المترابطة للغة والكلام. فالصمت هو الحيز بين الكلمة المسموعة وغيابها والذي في بعض الحالات يمكن أن يكون طوعيًا أو قسريًا، موجزًا أو عرضيًا أو ممتدًا في الزمن بوصفه تجربة خلقت من أجل مواجهة الذات.
في الأدب الحديث يفهم الصمت بعدّه غياباً للصوت أو الحيز الحتمي بين الكلمات عبر عملية التواصل البشري (لآفيت، 2001). من ناحية أخرى يفهم الصمت أيضًا بوصفه حالة تأملية وعاطفية مرتبطة بحالة تجريب الذات (تانجين، 2017).
الصمت كذلك هو جزء من الحياة الاجتماعية والحضارية. ففي التجربة اليومية لا يعد التواصل المنطوق مهمًا فقط بل هناك فضاءات الصمت أيضًا. فهناك أطر ومؤسسات متنوعة تطالب بالصمت الإنساني. مثلًا المعابد والكنائس والمسارح أو مناطق محددة للصمت في مؤسسات العمل أو المؤسسات التعليمية تقدم جميعها مقدارًا من الصمت الموروث في الحياة الحضارية – الاجتماعية. وبهذا المعنى لا يعد علم النفس الحضاري الصمت على أنه لحظة أو فضاءً فارغًا بل على العكس كونه ظاهرة مثقلة بالمعنى لأجل التجربة الإنسانية. ففي هذا الفضاء اليومي لدى كل شخص – فضاء ظواهر الصمت – تحدث عملية بناء المعنى وكذلك عملية التأمل الذاتي والحوار الداخلي مع الذات وصنع القرار والتجارب المؤثرة بشدة وتبدأ الحكمة بالظهور في الوعي الإنساني (فوسا، 2017، فوسا 2017ب، وليهمان 2016، وليهمان 2018).
وفقًا لمنظور (ليهمان 2016) هناك أنواع عدة من الصمت مترابطة مع بعضها. وهذه الأنواع المختلفة من الصمت قد صنفت على أنها صمت بحد ذاته و«أنواع صمت» وأسكات.
الصمت بحد ذاته هو تجربة انعزالية جمالية صوفية وأحيانًا غير واعية أو قسرية. هذه هي تجربة الصمت الحميم التي تحدث فيها المواجهة الـتأملية مع الذات. من ناحية أخرى تعد أنواع الصمت اجتماعية وواعية للموضوع. ومثال واضح عن ذلك هو الصمت الموروث في تحولات الاتصال في التفاعلات اليومية. أخيرًا يرتبط الإسكات بالإستراتيجيات أو الوسائل الحضارية أو النصية التي تكشف القوة عن طريق تحديدها لتعبير شخصٍ آخر مما يولد تجربة الصمت. وهذه هي حالة الأطر أو المؤسسات التي يكون فيها الصمت هو القاعدة والكلام محضورًا (المعابد الدينية والمسرح ومعارض الفنون...الخ) (ليهمان، 2016).
من ناحية أخرى يقترح (تانجين 2017) ثلاث تجارب للصمت إضافة إلى تلك التي لدى (ليهمان 2016) والتي تكُون الظاهرة اليومية الموروثة في تجربة الصمت النفسية. فيقترح المؤلف أولاً النوم في أثناء النهار ظاهرةً لصمتٍ متكرر دائم ذي طبيعة مميزة. ثانياً، الصمت حالة ذهنية تفصيلية مرتبطة بحالةٍ حازمة وبعملية صنع القرار. أخيراً يصف (تانجين 2017) حالة الـ «الإيماء بالرأس» التي تتم بعدها حالة فاصلة بين النوم والبقاء مستيقظًا. فظواهر الصمت كما وصفها (ليهمان 2016) و(تانجين 2017) مترابطة مع ظواهر اللغة والتواصل المنطوق. وبهذا المعنى تعتبر دراسة الصمت في التجربة الإنسانية هي دراسة العمليات الحدودية بين التجربة الداخلية والخارجية. أنها بعبارة اخرى دراسة التطور النفسي بين الحدود الداخلية والخارجية.
لقد طور (مارسيكيو وآخرون 2013) رمز الشرفة لفهم الحد الفاصل في التجربة الإنسانية. فالشرفة مكونة من فضاء الأنتقال بين النطاق الخاص والعام. والشرفة هي الجزء الأقصى من البيت وهي الصلة مع العالم الاجتماعي وفي الوقت نفسه هي الجزء الداخلي والخاص للعالم الخارجي. وبهذا المعنى تعطي الشرفة مثالًا لأقصى النطاق الخارجي للداخل وأقصى الجزء الداخلي للخارج (مارسيكو ، 2015).
باستخدام هذا الرمز يشكل الصمت البشري حدًا بين حدود الحميمية والعالم الاجتماعي – الحضاري. فالحدود بين الصمت والكلمة المنطوقة يمكن أن يفهم عندئذ بعده فصلًا شاملًا (فالسينر، 1997). بمعنى أن النقطة التي تفصل هي في الوقت ذاته تربط بعدين من التجربة الإنسانية. فمثلًا حينما يستبعد شخص ما صمته لصالح نطق أفكاره فأنه يبتعد من عملية صنع المعنى في النطاق الحميم للتجربة ويصبح ظهور المعاني مرئيًا للملاحظة ومستمرًا في بناء الآخرين الاجتماعيين. ولأجل عبور نطاق الصمت نحو عالم الكلمات المنطوقة فلابد من عبور مجال الخصوصية والتحرك نحو العام. وتكون ظاهرة كشف الذات هذه مظهراً للحميمية (براجر وروبرت، 2004) وهي تعبير للشخصية الاجتماعية – العلائقية عند الحدود بين الصوت واللاصوت كما يمكن أن تفهم الحدود بين الصمت والكلمة على أنها نطاق انتقالي للتجربة النفسية بوصفهما قطبين للحوار والتبادل الدائم تمامًا كما هو الحال بوساطة هذا التبادل حيث تحدث عملية التطور.
فلو كان الصمت والتجربة المنطوقة عقب هذا النهج هما الحد الفاصل الشامل بين الداخلي والخارجي فأن الانتقالات بين نطاقٍ وآخر عبر هذه الحدود الفاصلة تؤدي دورًا مهمًا في تنظيم السلوك والعواطف (ليهمان، 2012). وكما ذكرنا آنفاً يحافظ الصمت على وظائف مختلفة ويكشف عن أهدافٍ مختلفة. فمن ناحية، يكون الصمت التأملي – الذاتي تجربةً جمالية صوفية من الاتصال مع الذات بينما من الناحية الأخرى يقوم الصمت الحاسم بدورٍ مهم في صنع القرار..
يقدم (الشكل رقم 1) العلاقة بين الصمت البشري واللغة بما في ذلك الانفصال. ويبين الشكل نطاقين: نطاق احتمال اللغة ونطاق أحتمال الصمت. إضافة إلى ذلك يتكون كل واحد منهما من نطاقين فرعيين: نطاق الكلام المعزز ونطاق الصمت المحرم. ويحافظ النطاقان الكبيران على حدود أو حيز فاصل من شأنه أن يكون انفصالاً متساوياً (فالسينر، 1997). أي نقطة الانفصال والاتصال في الوقت نفسه. ويعمل هذا الحد الفاصل مجالًا انتقاليًا للتجربة بين النطاقين.
من ناحيةٍ أخرى، يبين كل واحد من النطاقين الفرعيين أحتمالية الكلام/ الصمت المسيطر وأحتمالية الكلام/ الصمت المعزز على التوالي في أطرٍ اجتماعية – حضارية مختلفة. وفي جميع هذه الأنحاء يمكن إنتاج تنظيم العواطف وتنظيمها الذاتي في التجربة الإنسانية. والأمثلة على ذلك هي السلاسل الدائمة للصمت والكلمات خلال عملية بناء المعاني أو في التفاعل الاجتماعي. وتسمح التحولات المختلفة بالتأكيد والإثارة والسيطرة على التفكير والسلوك وبالعمل منظماً عاطفيًا. ويحدث كل ذلك في الوقت الذي تشكل فيه التسلسلات المتناهية أنواع الصمت والكلمات التي بدورها تشكل تجربة الكلية. مثال آخر عن التنظيم العاطفي الذي يقدمه (ليهمان 2018) هو تجربة الموسيقى. ففي أية أغنية موسيقية هناك جملة من الأصوات ومن الآلات تتناسق بشكلٍ هارموني. وليس هناك أي شخص يعزف ويغني في الوقت نفسه لكنهم جميعا يأخذون أدوارهم ويتناسقون في الوقت نفسه، أزواجًا وجماعات، في الأجزاء المختلفة من اللحن. أن هذه التحولات المنقسمة بحسب نطاقات الصمت تتواصل وتنظِم وتتحدى التجربة العاطفية للمستمع.
يؤسس هذا النظام فهمًا جديدًا للعلاقة الحوارية بين الصمت والكلام مستبعداً الفهم الكلاسيكي في علم النفس الذي يؤكد على هذه الظواهر بوصفها متضادات ومتناقضات (ليهمان 2018). ففي نطاق أحتمالية الصمت هناك حوار مع الأصوات الداخلية التي هي في خدمة صنع القرار أو الاتصال الحميمي البسيط مع وعي الشخص. ففي هذا المجال تنكشف اللغة بأشكال ووظائف أخرى. وليس من المحتمل أن نناقش أن اللغة تحدث فقط في صيغتها المنطوقة والمسموعة، بالعكس، ففي تجربة الصمت تأخذ المعاني موقعها وتتطور وتحدِث حركات نفسية للتطورالتدريجي في مواجهة الفكر لذاته.
انعكست ظاهرة الصمت في الفن بطرقٍ مختلفة. أو بالعكس تعد تعابير الصمت الإنساني في الفن دليلاً آخر على قيام الصمت بتشكيل ظاهرة حضارية. مثلًا في كتاب (الصمت) لهنريش فوسيل يمكن أن نرى الرسم على صيغة شكل مدور مضيء يتداخل مع خلفية مظلمة. ويقدم هذا الشكل صورة امرأة – ربما بسبب شعرها الطويل – في وضعٍ يكشف عن الغموض وتناقض المشاعر. وقد أكد نقاد الفن على أن هذا الشكل يتأرجح بين الاستبعاد والاستيعاب الذاتي. فهي تبدو مثل أمرأة وحيدة أو أنها على الأقل في وضعٍ منعزل وتبحث ضمن ذاتها عن طاقةٍ أو حل أو شفقة ذاتية (غونزاليز، 2019). وفي أيٍّ من هذه التفسيرات هناك مصادفة في أن المرأة الممثلة في الرسم تعيش بهدوءٍ في صراعٍ داخلي (غونزاليز، 2019).
في كتابه (فيلم نيويورك) بقلم ادوارد هووبر كما في أعماله الأخرى يمكن أن نقِيّم المرأة وهي تجرب الصمت. فيظهر في الكثير من أعمال المؤلف أناس من رجالٍ ونساء لوحدهم أو أزواجًا وهم في لحظة صمتٍ على الدوام أو في لحظة استحالة التواصل (بيريز، 2019). وفي هذا الكتاب تحديدًا (فيلم نيويورك) تتأمل امرأة، حيث هي واضعة الفيلم بشكل واضح، على جانبٍ واحد من المسرح. وقد أهلت تفسيرات هذا الكتاب المرأة بأنها تمثل التفكير „الممل“ بالصمت أو أنها تعد لما ستقوم به بعد عملها (بيريز ، 2019). وفي أيٍّ من هذه الأوضاع المحتملة يقدم الكتاب تجربة الصمت الإنساني ضمن إطارٍ يتطلب الصمت. وتسمح لنا عبقرية هذا المؤلف بفهم الفضاء الشخصي للصمت وكذلك في الوقت نفسه بفهم الفضاء الاجتماعي الذي يحدث فيه الصمت ويترسخ. وضمن جميع احتمالات الصمت البشري فأن ما هو محدد وأكيد هو الافتقار إلى الصوت وأن الشخص صامت. على اية حال فهو الآخر- أو نحن - الذي يمثل أو يتصور الحركات النفسية التي تحدث ضمن الصمت.
تبرز لحظات الصمت إذن ضمن طيفٍ واسع من المعاني (ليهمان، 2014). فإزاء تعقيد المعاني غالبًا ما تفهم الظواهر المرتبطة بالصمت على أنها متفاقمة لأنها تعمل على تسامي القدرة التواصلية للغة وأن ترجمتها إلى العالم المنطوق صعبة، لذا فهي تمثل تحديًا لعمل النفس الحضاري في فهم مساهمتها في عملياتنا الهادفة إلى إعطاء معنى للتجربة والوجود. وينطوي النمو والتطور البشري على عمليات صمتٍ مع الوجود والصمت الفارغ والصمت المطبق ومع المحتوى ومع الصمت الحاسم القلق، مع الحركات...الخ التي تحافظ على العلاقات الجدلية في إطار التجربة (ليهمان 2012، 2014) وهذا هو السبب وراء ضرورة فهم معنى عمليات البناء ضمن تجربة الصمت.

الصمت ميدانًا قويًّا لصنع المعنى:
لا يعد الصمت البشري تجربة سلبية بل تجربة أيجابية للوعي. فتختلف التجربة النفسية للصمت في شكلها ووظيفتها وطبيعتها الرمزية عن الكلمة المنطوقة (فيغوتيسكي، 1934، فوسا، 2017أ وفوسا وآخرون، 2018). فاللغة الداخلية (اللفظية او التمييزية) هي العملية النفسية التي تحدث في كل تجربة صمتٍ إنساني وفي هذه الظاهرة التي يحدث فيها بناء المغزى والمعنى (سواريز ديلوتشي وفوسا ارسيولا، 2020). ويكُون الصمت من منظور هذا الكتاب حيزاً لبناء المغزى والمعنى عبر سلسة من الآليات والعمليات الموروثة في الوعي البشري. وعليه ولأجل فهم تطور هذه التجربة في الصمت، من المهم التعاطي مع عملية صنع المعنى.
ومن منظور علم النفس الحضاري تتقدم عملية صنع المعاني في التجربة الإنسانية نحو التعميم «الفائق» (فالسينر، 2006 و 2014). أيّ من كونها تجربة عاطفية – إدراكية هجينة عبر ترميزها في علامة لغوية لحين الوصول إلى أقصى تعقيدها بالرمز المفرط التعميم الذي يعبر أو يقلص من تعقيد التجربة الأولية. وهذه العملية الماضية نحو التعميم المفرط هي عملية جدلية وتدفع بتعبير التجربة إلى فقدان تعقيده (عملية المعايرة). على أية حال هناك قوة أخرى تتحرك في الأتجاه المعاكس وتزيد من التعقيد (التجريد). هذه هي الكيفية التي تعمل بها الوسطية السيميائية عبر بناء المعاني في خطين متوازيين: واحد يميل نحو تجانس أو معايرة التجربة – يدعى التخطيط – والآخر يميل نحو تنافر أو تجريد التجربة – ويدعى الخصخصة. وتسهم كلا العمليتان في وظيفة التعميم لعملية بناء المعنى.
يأخذ (فالسينر 2006) فكرة الخصخصة من مفهوم الملىء (Pleroma). وكلمة (Pleroma) هي مفهوم إغريقي يترجم إلى الكلية والكمال (فالسينر، 2006). من ناحيةٍ أخرى فأن مفهوم المخطط (scheme) يعود أصله إلى الفيلسوف الألماني (أيمانويل كانط 1883) في نصه الشهير (نقد العقل المجرد) الذي ينزلق إلى ظاهرة تخطيط المفاهيم المجردة. فوفقًا له ومن أجل شيء يمكن التعبير به عن طريق مفهوم معين يجب أن يكون تمثيل الأول متجانساً مع تمثيل الثاني. أي أن المفهوم يجب أن يمثل الشيء بوضوح، بحيث أن أي إيضاح يخص تطبيق المفهوم على الشيء لن يكون ضروريًا. وبحسب تعبير كانط يكون المخطط إذن «الشرط الشكلي المجرد للأحساس الذي يتقيد به مفهوم الفهم في استخدامه» (كانط،1883، ص120). وفي فقرةٍ أخرى من كتابه (1883، ص120) يشير إلى أنه «في الواقع وعلى أساس قاعدة مفاهيمنا ليس هناك صور لمواضيعنا بل هناك مخططات». هذا يعني أن التخطيط هو عملية توليف تجعل من المعيار تمثيلًا للشيء والذي هو في حالتنا عبارة عن إحساسٍ أو تجربة، أي عد عملية المعنى المخطط نزعةً داخلية محسوسة.
من هذا المنظور إذن تمتد عملية التخطيط في أصلها إلى الوظيفة الذهنية الدؤوبة في معايرة التجربة – المنتشرة والغامضة في تلامسها مع البيئة – في مخططٍ مبسط وموحد. وهذا محتل ويعود الفضل في ذلك إلى وظيفة التجريد وتعميم اللغة البشرية. أن القدرة على ترميز التجربة في مفهومٍ معين أو علامة لفظية يسمح لنا ببناء معايير شكلية من شأنها أن تبسط التجربة النفسية المعقدة على الدوام وتحولها إلى شيء قابلٍ للنقل إلى المحاور ولنفسه. وبمعايرة التجربة – عبر عملية التخطيط –تفقد الظاهرة تعقيدها الأساس وتستخدم هذه العملية على نطاقٍ كبير في اللغة الأعتيادية، مثلًا في الآراء والأحكام المسبقة والأعراف الاجتماعية اليومية..الخ وكذلك في التجربة الداخلية حيث توجد ظاهرة الصمت. وبعملية التخطيط تتجانس التجربة المعقدة وتفقد قيمتها العاطفية والذهنية.
من ناحيةٍ أخرى وفي حالة الصمت تتقدم العملية بقوةٍ معاكسة فيما يخص بناء المعنى. وتستخدم علامات معقدة لبناء علاماتٍ أكثر تعقيدًا تسمح لنا بتجربة تنافر الحياة العاطفية - الإدراكية وتجمع نظامًا معقدًا من المعاني والصور والمشاعر في علامة منطوقة واحدة. وتكون هذه العروض المفرطة التعقيد التي تجد ثرائها في تنوع وتنافر التجربة كما هو الحال مثلًا مع العلامات المميزة (الأيقونية) التي تتقدم في الأتجاه المعاكس للتخطيط، وتدعى هذه العملية بالملىء.
الملىء إذن هو العملية التي ينتقل بها التعقيد إلى ميدان المعنى والذي يكون أكثر تعقيدًا وتجريدًا من الشيء (المفهوم) الأصلي. وبالعكس في عملية التخطيط يتقلص التعقيد إلى علامة ذهنية أو معيار. ومن هذا المنظور وعبر تجربة الصمت يبني الوعي البشري علامات تتطور بشكلٍ دائم بالعملية المزدوجة للتخطيط والملىء (فالسينر، 2006، 2014).
يقترح (فيغوتيسكي 1934) أن الحالة الأولية للنشاط النفسي هي مجال الوعي العاطفي التحفيزي، أي مجموعة من التجارب المباشرة المنتشرة وغير الوسيطة والعضوية والحسية. وبالإمكان عرض هذه التجربة – بالتخطيط – في علامة لفظية أي بوساطة كلمات في تجربة الصمت. أي أن العلامة قبل اللفظية يمكن التعبير عنها بعلامة لفظية باستخدام وظيفة التخطيط. لذا فهي ستفقد جزءًا من تعقيدها الأصلي. وعقب ذلك فأن هذه العلامة اللفظية (المخطط لها) معممة في مفهوم أو معيار كبير عبر عملية التجريد (المثال الثاني للتخطيط). وعليه فأن التجربة الأصلية المتوسط لها بالكلمات أصبحت الآن معممة في مفهومٍ أكبر من شأنه أن يقلص من تعقيدها الأساس.
أخيرًا تقوم وظيفة الخصخصة بنقل العلامة اللفظية المعممة. وهي علامة مفرطة العمومية بحيث أن زيادة تعقيدها من شأنه أن يكشف مرةً أخرى عن بقايا الطبيعة الأصلية للتجربة. وبعبارة (فالسينر 2006) فأن هذه العلامة اللفظية التمييزية «تمسك بكلية المجال العاطفي والإدراكي للعقل البشري» (فالسينر، 2006، ص3). ففي هذه العملية تقوم بإنقاذ الطبيعة المعقدة الكلية للحالة الأولية. فمن منظوره تأخذ الطبيعة العاطفية لهذا الميدان الجديد من المعاني أرجحية على نمط الفكر. فهي أساس لقدرة السيميائيين العاطفية
في هذا الشكل يمكننا أن نلاحظ أن مفهوم العلامة ما قبل اللفظية (لفالسينر 2006) تمر في فضاء التعقيد اللامتناهي. فالعلامة قبل اللفظية هي تجربة عاطفية – انفعالية منتشرة من الحالات التحفيزية للوعي الإنساني وفقا (لفيغوتيسكي 1934). ويتم التوسط في هذه التجربة أو الإشارة قبل اللفظية بعلامة لفظية في التجربة النفسية الداخلية عبر عملية التخطيط مما يفقدها تعقيدها الأساس. فالتجربة خلال الصمت تتقدم نحو عملية تنتشر فيها العلامة إلى علامة لفظية أخرى من التجريد والتي بدورها تنطوي على علامة لفظية أولية وتحافظ على جوٍ صغير رغم محدوديته من التجربة الأولية المعقدة. وفي هذا المثال فأن تجربة الوعي العاطفية – التحفيزية قد تم التوسط او تم تعميمها عن طريق العلامات اللفظية. ففي الصمت تكشف عملية الخصخصة من عبر الرموز الداخلية (الكلمات أو الصور الذهنية) ضمير الأنسان بعده تجربة حميمة.
ومن المنظور الذي تم تطويره هنا تعد تجربة الصمت ميدانًا لبناء المعنى يتم فيه نشر قوتين متوازيتين – وهما التخطيط والخصخصة – واللتان يضمن تفاعلهما تقدم التجربة النفسية نحو المعاني المعممة حين يكون الصمت ميدانًا لبناء معنى للتطور النفسي.
أن الصمت وعلاقته بالعالم الحضاري هو عبارة عن حيز اتصال/ حدود بين الداخل والخارج والتي تعد التجارب فيه جزءًا كبيرًا من الحياة الإنسانية. فخصخصة وتخطيط العلامات اللفظية في ظاهرة الصمت تنتشر بعدّها حداً فاصلاً بين العالم الاجتماعي وأعمق حوافز الوعي الإنساني بالاتجاه الفيغوتيسكي وكما موضح في الشكل 5.
ففي هذا الشكل يكون بالأمكان ملاحظة نسخة جديدة من عملية بناء المعنى وهي تعبر منطقة الحد الفاصل. فيمكننا هنا ان نُقيِم الكيفية التي يتم توسط تجربة الصمت فيها عن طريق الميدان الداخلي عبر الصمت –بوساطة الخصخصة والتخطيط – حتى يتم تقديمه في الإطار الاجتماعي والحضاري. كذلك، تتيح لنا حوافز البيئة الاجتماعية استيعابًا داخليًا لمعانٍ جديدة بغية استخدامها في بناء المعنى في أثناء الصمت وهذا من شأنه أن يؤثر على حالات الوعي الإنساني. وكما يؤكد فيغوتيسكي فأن هذه الظاهرة بعيدة عن كونها خطية أو تسلسلية بل هي ديناميكية وجدلية تحدث في كل الأتجاهات المحتملة. وهي ما يدعوها الأدب الحديث بعملية «العطفنة». أنها عملية يمكن للإنسان فيها أن يعطف على بيئته وتخضعه للأسئلة. أن هذا التفاعل بين الوعي والحضارة يقوم بتطوير وظائف نفسية أسمى (فوسا، 2019).

أفعال الصمت: الصمت الحميم وجودًا انطولوجيًا:
يدخل أوستن مفهوم „أفعال الكلام“ التي يؤسس فيها بطريقةٍ بنائية نظرية تركز على الديناميكيات الوسيطة في العلاقات الاجتماعية ومحددًا الفعل العارض وقصده على المستوى الشخصي. فهي أفعال كلامٍ تجعل من ظاهرة الوجود الشخصي والجمعي «مرئية» بما يترجم ويمثل أكوان من الواقع وينقل أيضًا قصة رمزية لصورةٍ ذاتية. فالكلمات يمكن أن تكون عناصر قوية تؤثر عاطفيًا بشكلٍ مباشر على تطور وتمثيل شخصيتنا. فالإلغاء اللغوي المجرد يمثل أحتمالية شاقة، من فضاء طريقةٍ ما إلى فعل «اللاوجود». ووفق عبارة إلدوس هيكسلي فأن «الكلمات يمكن أن تكون مثل صور الأشعة، لو أستخدمت بشكلٍ مناسب، يمكن أن تخترق أي شيء» (هيكسلي، 2014، ص64). وتخاطب نظرية فعل الكلام كلاً من التوجه الشخصي والاجتماعي. ورغم وجود أشخاصٍ معينين ممن يقومون بأفعال الكلام إلا أنهم يقومون بإشراك الآخر وإشراك النص الحضاري – الاجتماعي. أن أفعال الكلام مرتبطة بالوظيفة الأدائية للغة. ويستلزم ذلك فهماً للغة بعدّها فعلًا. فالكلمات لا تعبر عن الواقع فقط بل وتنقله أيضًا. فاللغة لها وظيفة أدائية طالما أنها تستهدف التأثير أو تشابك الواقع. وهذه الوظيفة هي ليست قصدًا مبيتاً لمن يقوم بها بالضرورة بل هي وظيفة خاصة باللغة ولها عواقب تنعكس على السلوك والقرارات وظواهر النص الاجتماعي. فهي الفرد وكذلك الشخصية الترابطية لنظرية أفعال الكلام. وبسبب ذلك تعد الأفعال المنطوقة ظواهر حضارية.
أن الإشارة إلى أدائية اللغة من منظورٍ معين وفق أهميتها البراغماتية يقود إلى ربط اللغة بشروط فائدتها بعدّها وسيلة منهجية للحيز الخارجي والحقيقي. ورغم ذلك، فأن عدّ البعد «المنفعي» أو «الذرائعي» للغة ينطوي على فهم جزئي ينبع من الخطوط العريضة للسيميولوجيا وتحليلها. فمن الضروري بالنسبة لتطور المنهج أن ينطوي على تعقيد بناءٍ لغوي من أجل إقامة آصرة مع العناصر ذاتها لجوهراللغة التي تحتويها مناهج الظواهرية التعليلية (لهيديغر 2003). كما أنه ينطوي على فهم الموضوع اللغوي بوساطة أسسه الحضارية والتاريخية والأنطولوجية بما يحول الممارسة الشاملة لمنفعة اللغة ليس فقط إلى تأمل براغماتي فحسب بل إلى دراسة عمقها الخاص يحتويها عالم الجوهر. ويحدد دليل أي وجود لأفعال اللغة إمكانات التسامي في العالم منظورًا إليها من وجهات نظر (هيديغر 2001)، مع إمكانية تجاوزالـ Desian (الكينونة في العالم) الذي يمثل إمكانية تكوين عالم في جوهر كيانه. فمن هذا المنظور، يمكن أن نفهم أن الموضوع في العالم يتم طرحه في عالمٍ من الأشياء أو الأفعال ولا يرتبط بعالم «الأشياء»، ويفقد ارتباطه بالواقعية والفورية، التي تُشكل جزءًا أوليًا من اقتراحه الظواهري.
في الأجزاء التالية ستكون هناك محاولة للأستجابة لإمكانية الوجود عن طريق العمل الفاعل للصمت بعده تمرينًا غير موجه نحو إمكانية خلق أفعال التفاعل الأستطرادي فحسب بل ولكونه مثالًا للمواجهة مع الحميمية من صلب التمرين التأملي الذي يقدمه الصمت.
وكما يقترح (هيديغر 2003) فأن من المهم تحديد الدور المعني الذي تقدمه دراسة علم اللغة البشرية طارحاً بذلك دوراً لغوياً متسامياً لدراسة الظواهرية. فضمن مثل هذه الدراسات ينبغي الملاحظة بأن التصور المحدد للمؤلف فيما يخص قيمة الصمت بوصفه فعلاً يحدد بدوره إمكانية الخطاب، قد وجد الصمت قبل وبعد جميع الأفعال الأستطرادية التي من دون شك تعزى إلى الصمت بعدّه فعلًا مهمًا في تطور أفعال اللغة (هيديغر، 2003).
من ناحيةٍ أخرى يعرض سورين كيريكارد فكرة الصمت بديلاً من شأنها أن تعزز الأفعال الأستطرادية والتي يكون فيها الفهم ممكنًا بعدّه هدفاً للحوار. وكما أشار في كتابه (الخوف والارتجاف):«يعد التشوش حالة صحية فهو يقود إلى الصمت والانتظار ويدعو إلى الصبر وهو شكل آخر للتطهير» (كيريكارد، 1919 في تيجيروس كومبانيس، 1995، ص39). وبمضيه مع مفهوم الصمت بعده مثالاً يمكن عبره فهم التفاعل الأستطرادي يوضح (ماكس شيلر 1994) ما يلي: «يعتمد فهم الذات الذي هو الشرط الأول المطلوب لدى أي شخص ليجعل الشخص الآخر يفهم ما هو وما يفكر وما يريد وما يحب.. الخ على أسلوب الصمت بشكلٍ وثيق (شيلر، 1994، ص74). ويمكن أن نفسر الطرق الحالية كونها تصور الصمت من منظورٍ قائم على الحاجة ليناسب ذلك وبعدِّها فعلاً مجردًا للغة يجعل بالإمكان إجراء تفاعل حواري عبر بعد فني استنادًا إلى مواجهة الذات بعدّ ذلك شرطًا ضروريًا لفهم الآخر في أثناء تطور التفاعل.
لأجل إنقاذ التقاليد اليونانية القديمة قدم هرقليطس وفيثاغورس دروسا مهمة عن دور الصمت بوصفه فعلًا لغويًا يكشف عن إمكانية مواجهة الذات عبر«الصمت الوجودي» وبعدّ أن ذلك «شعارًا حقيقيًا للصمت» الذي يجب أن يدرك كعمل مدرب بشكلٍ مباشر، يستجيب لممارسة أنشطةٍ لدى البشر وليس بوصفه تجربةً سلبية (بوتيغيغ، دي لوكا ومانيون، 2013، اوستيرنهوف، 2013). ويكشف (بوغيلر1991) عن إمكانية إقامة الصمت فعلًا يكشف في غياب الصوت عن اللغة الحقيقية للجوهر والتي تستجيب إلى الحقيقة القائلة أن الصمت فعلًا للمحادثة يمكن أن يقدم إمكانية التواصل المستحيلة من المجالات السمعية بشكلٍ مهيمن.
ومن مفهومٍ واضحٍ للصمت بعده فعلًا يمكننا أن نخلص لعمل (ماكس بيكارد 1952) الذي طوره من المنهج الميتافيزيقي مشيرًا إلى أن الصمت هو طريقة نحو المتسامي، طريقة للتفاعل مع الله تسمح لنا بمواجهة أنفسنا ومواجهة بيئتنا. ويقدم (بيكارد 1952) عنصرًا مهمًا لأفعال الصمت مشابهة للفعل الانعكاسي الذي يسمح بإقامة تحديد ومنهج للحيزات الذاتية. كما يعد أحتمال الأستفادة من فعل الصمت مثالًا كي نتعلم شيئًا عن بيئتنا وهو بديل يشجع فعل „الإنصات“ فيما وراء البعد السمعي مما يحدد الميل المادي والذهني والعاطفي لفعل الأنتباه نحو الخطاب.
ومن منظور ديني مرتبط بظاهرة الصمت يطرح (بارثولوميو 2015) في إشارته إلى طرق جان- لويس شيريتيان تحليلًا لعمل رامبرانت المسمى (القبر الصغير) مؤكدًا على أنه في هذا التمثيل كانت ذراعا المسيح فقط مفتوحة بينما يعبر جسده عن خطاب قابل للنقل من فعل الصمت إلى مستمعيه. ويقدم (شيريتيان 2003) علاقة متسامية مع عمله حين أعطى أهمية لنطاق عمل رامبرانت الذي حقق شيئًا „مستحيلًا“ بكلمات المؤلف لأنه أستطاع أن ينقل الخطاب والصمت بوصفهما أفعالًا ضرورية للتفاعل في تمثيل الشخصية الفنية.
تتبنى (كورادي فيومارا 1990) جهدًا مماثلًا لدور (بيكارد 1952) بخصوص أفعال الصمت في إشارةٍ إلى عمل الصوفيين في ممارسات الصمت وتؤكد على أهمية هذه الظاهرة التي تأسست من إمكانية „إنصاتها“ بوصفها عنصرًا موجهًا للبحث عن هوية الفرد ومدمجة الذات في عمق الفكر الشخصي ضمن فضاءٍ يجب أن يسود فيه الأنصات على التفاعل الأستطرادي. ومن هذا المنظور يسود حيز الصمت فعلاً ذي شخصية أنعكاسية وانصهاراً في عمق هوية الشخص. وتطرح تلك الأمور ظاهرة الصمت بوصفها فعل الصلة مع الحميمية وهي تتميز بكونها فعل مواجهة مع الذات، يستقر في الفعل الانعكاسي الذي يعد فضاءً ممكنًا فقط بتطور ممارسة الصمت.
لدى الحديث عن الصمت من الضروري الإشارة إلى الدلالة الفلسفية العميقة في هذا المصطلح والتي هي مرتبطة بحسب عبارة علماء النفس وعلماء الأخلاق بـ «مسألة الطبيعة الفلسفية في محاولة ربطها بمشكلة الوسطية الداخلية والأستبطان» (دي باولا ميلادو، 1927، ص44). ولا ينظر إلى الصمت من هذا الحيز كونه ممارسة للإثارة والإلغاء بل كونه وجوداً يسمح بفعلٍ ذي شخصية انعكاسية ليكون ممكنًا في الصمت، ويعزى إلى كونه وجودًا بالزمن الحاضر. بعبارةٍ أخرى يستحيل بدون الصمت إقامة فعل التركيز الانعكاسي الذي يسمح بارتباطٍ على الصعيد الداخلي، لأن الصمت هو فعل كذلك يقدم أفقًا للتأمل فيما يخص مدى الأفعال المتخذة عبر مسار دورة الحياة اليومية. ففي الدراسات المنصبة على الصمت كونه فعلاً ينبغي أن نشير إلى العمل الذي قام به (دونهيور1980) والذي قدم تحليلًا مفصلًا لظاهرة الصمت من وجهة نظر ظواهرية موضحًا أهميته بوصفه احتمالًا (eidetic) لتمثيل الخطابات ومعرفًا الصمت فعلاً للتعبير يفهم على أنه إي فعل أو صوت أو إشارة تمثل شعورًا أو فكرة معينة. وبوسعنا كذلك أن نؤكد على تطور تحليل هذه الظاهرة محددين ثلاثة أنواع من الصمت اقترحها (دونهيور 1980) وهي:
1. الصمت المتقطع
2. الصمت قبل وبعد التلفظ
3. الصمت العميق
يستجيب الصمت المتقطع لأي فعل صمت مرتبط بالمقاطعة أو توقف الخطاب، من التعليق المؤقت للإيقاع والاقتران اللحني لهما. وبوسعك أن تفهم هذا النوع من الصمت بعده فعلاً يستند إلى إجراءٍ يعتمد على توفير الفروق الدقيقة في الكلام الملقى.
والصمت يمكن أن يحدث قبل وبعد التلفظ، أي في بداية أو في نهاية خطابٍ معين وهي أفعال تقدم قوة تعبيرية لقصةٍ معينة. أن تطور هذا النوع من الصمت يحدد خطاً زمنياً محدداً تكون فيه البداية مؤاتية لفعل الإنصات الفعال لمتحدثٍ ويولد نزعة إدراكية وعاطفية لقصةٍ معينة. من ناحية أخرى يعد الصمت النهائي هو الذي يعطي قوة أعظم إلى الخطاب الملقى لأنه يدعم بقوة الكلمات المشار إليها في اللفظ والدرجة اللونية الخاصة به ويوفر مساحة لتحليل لاحق من الطرف المقابل.
أخيرًا للصمت العميق نوعية مختلفة فيما يخص الأنواع المشار إليها آنفًا. فيمكن أن يفهم على أنه فعل نهائي يؤسس تمثيلًا رمزياً ويبرز من عالم الجوهر الأنطولوجي ومن المحتوى غير القابل للنقل ومن الصوت الناتج عن طريق التأثير الأستطرادي اللفظي.
يعزز الصمت بوصفه فعلًا للعزلة والتأمل الموجه نحو الحميمية ويولد فضاءات تستنبط ضوضاء جوهر الفرد. يقترح (غابريال مارسيل 2007) أن الصمت هو وسيلة تولد إمكانات الجمع والفرص التي تسهم في إدراك الـ «أنا». وبحسب عبارة المؤلف «ففي الصمت يمكنني أن أستحوذ مرة أخرى على ذاتي وهو بحد ذاته مبدأ الاستعادة» (مارسيل، 2007، ص113). والصمت بذاته هو فعل للحميمية ويسمح بمواجهة ما قبل الوعي ويتقرب من «الآخر» الذي يحدد بصورةٍ معتادة «ذاتنا اللغوية». ويوضح (كيسلي 1976) أن هذا الآخر يسمح بمشاركة التجارب والمسائل والإثارة والاضطراب والمتعة. ورغم أن الآخر يمثل وجودًا غامضًا وفق ما عبر عنه المؤلف، إلا أنه يفضل لقاءً قد تبرز فيه إمكانات القرار وتنقذ الشخص من الأوضاع التي لا يمكن التسامح معها.
ويمكننا أن نعرّف الصمت من منظور القصدية على أنه فعل وجودٍ وفعل تعبير يربط الفرد باحتمالاتٍ داخلية وبين الأشخاص يستحيل تحقيقها عبر تطور التعبير اللفظي من أية طبيعةٍ سمعية.
يمثل الصمت بوابة إلى ما لا يُعبر عنه ولا يمكن التعبير عنه من العرض اللفظي ولكنه في الوقت نفسه، يتطابق مع فعل التعبيرية الكامل، بعدّه جسرًا نحو المظاهر الخفية من التجربة، إذ لا تستطيع الأصداء أن تمضي من دون بنية، مقدماً بذلك علاماتٍ عن لحظةٍ فريدة لا تتكرر مع الفرد. ويعزز مثل هذا الجسردخول ارتباط مع الصعد الفعلية والنصية والجسدية والروحية ممثلًا بذلك ممارسة ضرورية يجب الحفاظ عليها بوصفها فن الانتباه الكامل مع البيئة ومع الذات. وتحدد أفعال الصمت مشكلة التفاعل الأستطرادي بما يسمح في توليد بديل حقيقي عبر «الإنصات الحاضر» الذي يعدّه الصمت مؤاتيًا إضافة إلى تطور الخطاب مع الحميمية. فلو كانت الكلمات انعكاسًا للذات فأن الصمت هو البذرة والملاذ الحقيقي للجوهر والهوية، ويمثل لقاءً حميمًا مع الذات.
يرتبط العمل الحالي بدعوة هيديغر لاستعادة الصمت في تجربتنا اليومية وهو مثال يقربنا من لحظات التأمل لدى أسلافنا ويوجهنا مع الـ «أنا» (هيديغر، 2003).
ومن ناحية الظواهرية التعليلية فأن تطور اللغة المنطوقة لا يمثل منظورًا انطولوجيًا محددًا بل يمثل بدلًا عن ذلك شكلًا من الوصول إلى الحقيقي الذي هو جزء نسبي من واقعنا. فألتزام الفلسفة الحديثة يقضي بجلب الموضوع أقرب إلى الاحتمالات المعروضة عن طريق الوجود فيما وراء الكلمة والذي يتناقض مع النواة الكارتيسانية لعبارة «أنا أفكر إذن أنا موجود»على وصف أن تلك هي حقيقة محددة تخص أحتمال الوجود لدى غياب كل الأشكال.

الاستنتاج
تتكون التجربة النفسية من لحظاتٍ متعددة من الصمت والكلام إذ تكون الفضاءات المتعاقبة للصمت هي الشمولية التي تعطي استمرارية للهوية الفردية بالرغم من أن توجه كل لحظة يختلف في محتواه وشكل عرضه. فكينونة الصمت هي كينونة استمرار التجربة النفسية المشحونة بالإحساس والمعنى والتي تسافر بين الأشكال المختلفة للتجربة – مثل الشكل الحازم والذات التأملية والشكل الضوضائي...الخ والتي تعبر عن اشكال البناء الفكري عبر الشكل العالمي المنتشر إلى التجربة المخطط لها في الصمت.
فالصمت هو احتمال إعادة الحاضر في مواجهة الضوضاء التي تربطنا وتسمح لنا بفهم الآخر وبفهم هويتنا المرمية في عالم الجوهر بشكلٍ رئيس. فالصمت إذن هو ضوضاء غير مريحة قد تنطوي على إعداد شخصي يجعلنا معتادين على هذا الصوت الذي يعطينا احتمالات التقرب من تجربتنا النفسية الحميمة.
أن العمق الموروث المتربط مع الآصرة بين الأشخاص ومع مواجهة العالم الداخلي يترجم التجربة إلى مواقف غير قابلة للكسر ومتناقضة بين فضاءات الغياب/الوجود والتي من شأنها ان تتكهن بالمواجهة/ اللامواجهة مع المعاني البارزة لعالم الجوهر.
تبرز مواجهة الذات عن طريق عالم الجوهر كتأثير للصمت مما يعرض للخطر «الجهد الحالي» المتمركز في الإنصات الفعال للأصداء التي تخرج من الفكر البشري وتملأ بالتقليد والتاريخ.
في المواجهات العلائقية تأتي العلامات الإدراكية من الصمت – من القنوات الحسية ومن الإنصات غير المحابي ومن الاهتمام ومن الرغبة – من أجل خلق الأرضية لأفعالٍ مجردة للتقارب وتجربة الوجود.
ومن شأن أفعال الصمت أن تطرح المقصودية بطريقةٍ تمضي نحو نوعٍ جديد من الضوضاء، تمضي فيما وراء القنوات الذهنية وترتبط «بلغة ما لم يذكر» أو استحالة ذكره من الأحتمالات السمعية المقدمة عن طريق الممارسة الصوتية. والضوضاء هي التي تقدم مفهوم الإيماء، أو الوجود الشخصي قبل طرح نموذج التأمل والإنصات مع التركيز على التحامل والتي هي جميعها أمثلة تسمح بالوصول إلى الضوضاء التي تمر بطرق غير اعتيادية من العوالم الاجتماعية كما تمر من العوالم الشخصية. وفي محاولة لفهم المنظور الاجتماعي – التاريخي تدرك فلسفة اللغة وعلم الظواهرية التأويلية الانقسامات والأقطاب المرئية على أنها عمليات مستمرة مع تحولٍ دائم. فديناميكية الوجود/اللاوجود والضوضاء/ اللاضوضاء (فالسينر 1997) تولد طرقًا متعددة لتجربة الصمت بوصفه صمتًا حاضرًا وضوضائيًا.
وبدراسة تعقيد الصمت الظواهري فأن المظاهر والسمات المختلفة التي تضم الأفكار والكلمات والصور والمشاعر والأحاسيس والمسار والفواصل، الممتلئة والفارغة، وما إلى ذلك، يفتح مجالًا للاستكشاف في علم النفس. ربما يكون ذلك مجالًا بحثيًا تركه علم النفس إلى الوراء جنبًا إلى جنب مع طرق الاستبطان. في عصر العيش في الميدان العام (هان ، 2014). يمكن أن تفتح حركات الحميمية ومعها حداثة الصمت إحتمالاتٍ جديدة ذات مغزى لحياة الإنسان. فالصمت ومواجهة الضوضاء كوجودين في الوعي يشكلان توازنًا في العلاقة الحميمة بين المجالات الأعمق للذات، وتحديداً المجالات العاطفية والمجال الاجتماعي السياقي. أن الصمت الحالي هو لقاء (هنا – الآن) للتجربة النفسية للوجود، والتي ترتبط بالوعي، ولكن «بعلاقةٍ مع» وتقع في السياق. الصمت هو الوجود والوجود في العالم بالنسبة للآخرين. ويصبح السياق الحالي، - ومعه الآخر- في المواجهة الذاتية الصامتة الكاملة عاملًا داخليًا. ويعد الصمت الكامل الحد الفاصل العابر بين الأصوات الداخلية والخارجية إذ تحدث العلاقة الحميمة.
الملاحظات

الـزن (Zen): هم طائفة يابانية من البوذية تهدف إلى التنور عن طريق الحدس المباشر عبر التأمل.( المترجم)
1. تم إعداد هذا الفصل في إطار مشروع ما بعد الدكتوراه رقم 3180117 للجنة الوطنية للبحوث العلمية والتكنولوجية في تشيلي والذي قدمه بابلو فوسا.
2. اقترح القديس (بونافينتورا 2000) تأثيراً مماثلًا، بثلاثة مبادئ يمكن للإنسان عبرها أن يصل إلى الحكمة، والثالث من هذه المبادئ مرتبط بالحاجة إلى تمرين تأملي، مساحة لا يمكن تحقيقها إلا في حالة الكمال، بعيدًا عن صمت القدرات المعرفية، مما يسمح بلقاءٍ شخصي مع الله، وفقًا لتقليد القديس أوغسطين دي هيبونا (2012).
3. في عمل (تايسن ديشيمارو 2002)، أستاذ الزن الذي كان له تأثير كبير على الثقافة الغربية، الصمت هو التوق الذي يجب على الإنسان أن يعود إليه، لأنه يمثل الطبيعة العميقة للفرد، قبل الولادة وما بعدها. الموت، حيث يسود الصمت ويكشف الجوهر الحقيقي للإنسان.
سيرة ذاتية
بابلو فوسا
أستاذ وباحث في كلية علم النفس بجامعة ديل ديسارولو. حصل على درجة الدكتوراه في Pontificia Universidad Católica de Chile. كانت أطروحته عن البعد التعبيري للغة الداخلية في التجربة الإنسانية. ترتبط خطوط بحثه بتاريخ علم النفس واللغة وعلم النفس الثقافي والعمليات العلائقية. يشارك في وحدة البحث في العمليات العلائقية في Universidad del Desarrollo. وهو أيضًا عضو نشط في جمعية أبحاث النشاط الثقافي التاريخي(ISCAR) ، والجمعية الدولية للحوار الذاتي (ISDS) والجمعية الدولية لعلم النفس النظري (ISTP). في الوقت الحاضر، لديه مشروع ما بعد الدكتوراه مدعوم من اللجنة الوطنية للبحوث العلمية واللاهوتية (CONICYT) في شيلي.

كريستوبال باتشيكو
أستاذ وباحث مرتبط بجامعة أوتونوما في تشيلي. حصل على درجة الماجستير في علم النفس الإكلينيكي من جامعة Adolfo Ibáñez، إذ طور اقتراحًا ظاهريًا - تأويليًا لاضطراب الشخصية الحدية. في الوقت الحاضر، هو طالب دكتوراه في علم النفس في Pontificia Universidad Católica de Argentina. ترتبط مجالات بحثه بنظرية المعرفة السريرية والفلسفة والعلاج النفسي، مما يوفر تركيزًا رئيسًا على العناصر الخطابية للغة التي تم تطويرها في التدخلات السريرية.

المراجع

Bartholomew, C. (2015). Introducing Biblical Hermeneutics: A Comprehensive Framework for Hearing God in Scripture. Michigan: Baker Publishing Group.
Buttigieg, J., De Lucca, J. &Mangion, C. (2013). A Philosopher At Large Essays Commemorating Peter SerracinoInglott. 1st ed. San Gwann: BDL.
Corradi Fiumara, G. (1990). The Other Side of Lenguage: A Philosophy of Listening. London: Routledge.
Dauenhauer, P. (1980). Silence: The Phenomenon and Its Ontological Significance. Bloomington: Indiana University Press.
De Paula Mellado, F. (1927). EnciclopediaEspasa. Madrid: Editorial Espasa-Calpe.
Deshimaru, T. (2002). Preguntas a un maestro Zen. Barcelona: RBA Coleccionables.
Dilthey, W. (1986). Introducción a las cienciasdelespíritu:Ensayo de unafundamentacióndelestudio de la sociedad y de la historia. Madrid: Alianza Universidad.
Fossa, P. (2017a). La dimensiónexpresiva del habla interna. Psicologia USP, 28(3), 318-326.
Fossa, P. (2017b). Pleromatization, phyisiognomization and metaphoricity: a theoretical articulation of sense making processes of Valsiner, Werner and McNeill. Psicologia USP, 28(1), 93-101. Fossa, P., Madrigal Pérez, R., &MuñozMarcotti, C. (2019). The Relationship Between the Inner Speech and Emotions: Revisiting the Study of Passions in Psychology. Human Arenas, 3, 229–246.
Fossa, P., Awad, N., Ramos, F., Molina, Y., De la Puerta, S., &Cornejo, C. (2018). Control delpensamiento, esfuerzocognitivo y lenguajefisionómico-organísmico. Tresmanifestacionesexpresivasdellenguajeinterior. Universitas Psychologica, 17(4), 1–15.
Gonzalez, J. (2019). Johann Heinrich Füssli, Silencio. Óleosobrelienzo, 1800. Departamento de Educación, Universidad Francisco Marroquín, Guatemala. Recuperado de https://educacion.ufm.edu/johann-heinrich-fussli-silencio-oleo-sobre-lienzo-1800/
Han, B-Ch (2014). La agonía del eros. Barcelona: Herder
Heidegger, M. (2001). Introducción a la filosofía. Madrid: Catedra.
Heidegger, M. (2003). Ser y Tiempo. Madrid: Trota.
Heidegger, M. (2013). Carta sobreelHumanismo. Madrid: Alianza Editorial.
Huxley, A. (2014). Un mundofeliz. Madrid: Debolsillo.
Kant, I. (1883). Crítica a la razónpura. Madrid, España: Porrúa.
Kelsey, M. (1976). The Other Side of Silence: A Guide to Christian Meditation. New York: Paulist Press.
Lehmann, O. (2012). Silence in the musical scores of human phenomena. Culture & Psychology, 18(4) 465–471
Lehmann, O. (2014). Towards dialogues with and within silence in psychotherapy processes: Why the person of the therapist and the client matters? Culture & Psychology, 20(4) 537–546.
Lehmann, O. (2016). Something Blossoms in Between: Silence-Phenomena as a Bordering Notions in Psychology. Integr Psych Behav, 50, 1–13.
Lehmann, O. (2018). Understanding Silence-Phenomena through the Boundaries of Speech: Semiotic Demand Settings Regulating Felt Experiences. Eds. Carlos Cornejo, Giuseppina Marsico & Jaan Valsiner. I Activate You to Affect Me. Annals of Cultural Psychology, Vol. II. Charlotte, NC: Information Age Publishing (IAP).
Levitt, H. (2001). Sounds of silence in psychotherapy. Categorization of client´s pauses. Psychotherapy Research, 11(3), 295-309.
Marsico, G. (2015). Mind the border! Psychology & Society, 7(2), 1 – 5.
Marsico, G., Cabell, K., Valsiner, J. & Kharlamov, N. (2013). Interobjetivity as a border: The fluid dynamics of betweenness. In Sammut, G., Daanen, P. &Moghaddad, F. Understanding the self and the others: Explorations in intersubjetivity and interobjetivity. USA: Routlegde.
Marcel, G. (2007). Being and Having. United Kingdom: Read Books. Nietzsche, F. (1996). AsíhabloZaratustra. Madrid: Alianza Editorial.
Oosterhoff, R. (2013). From Pious to Polite: Pythagoras in the Res publica litterarum of French Renaissance Mathematics. Journal of the History of Ideas, 74 (4):531-552.
Panikkar, R. (1999). The Intrareligious Dialogue. revised edition. New York: Paulist Press.
Pérez, A. (2019). El silencio de Edward Hopper. Revista Hyperbole. Recuperado de https://hyperbole.es/2016/10/el-silencio-de-edward-hopper/
Picard, M. (1952). The World of Silence. Washington D.C: Henry Regnery Company.
Prager, K. & Robert, L. (2004). Deep Intimate connections: Self and intimacy in couple relationship. In D. J. Mashelk& A. P. Aron (Eds). Handbook of closeness of intimacy. P. 43-60. Mahwah, JN, US: Lawrence Airbaun Associates Publishers.
Pöggeler, O. (1991). Heidegger´s Path of Thinking. New York: Humanity Books.Rhodes, J. M. (2003). Eros, wisdom, and silence: Plato‘s erotic dialogues. Columbia: University of Missouri Press.
San Buenaventura. (2000). Experiencia y Teología del misterio. Madrid: Biblioteca de AutoresCristianos.San Agustín. (2012). Las Confesiones. Madrid: Editorial Tecnos.
Suárez Delucchi, N. & Fossa Arcila, P. (2020). Vygotsky’s inner language and its relation to the unconscious system of Freud. The International Journal of Psychoanalysis, 101(2), 257–272.
Scheler, M. (1994). En Naturaleza y formas de la simpatía. Buenos Aires:Losada.
TejedorCampomanes, C. (1995). Introducción a la filosofía. Madrid: Ediciones SM.
Tangene, C. (2017). The “Silence” of the Ocean: Affective Self-Dialogue on a Sailing Night-Shift. Eds. Olga Lehmann & Jaan Valsiner. Deep Experiencing: Dialogue within the self. Charllotte: Springer.
Valsiner, J. (1997). Culture and development of children´s action. NY: Wiley.
Valsiner, J. (2006). The Overwhelming World: Functions of pleromatization in creating diversity in cultural and natural constructions. International Summer School of Semiotic and Structural Studies, 12, 1 – 21.
Valsiner, J. (2007). Constructing the internal infinity: Dialogic structure of the internalization / externalization process – a commentary on Susswein, Bibok, and Carpendale’s “reconceptualizing internalization”. International Journal for Dialogical Science, 2(1), 207-221.
Valsiner J. (2014). Invitation to cultural psychology. London: Sage.
Vygotsky, L. (1934). Pensamiento y Lenguaje. En ObrasEscogidas II. Madrid: Machado Libros.

المصدر:
Fossa, P. & Pacheco, C. (2022). Full Silence as an intimate experience with myself: A Cultural Phenomenological Hermeneutic point of view. In M.E. Molina, C. Cornejo, G. Marsico & J. Valsiner \publishing.

  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white