أثر سيبويه في كتاب الإغفال لأبي علي الفارسي(ت377هـ
أ.د. حليم حماد سليمان
جامعة الأنبار – كلية التربية الأساسية / حديثة
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
وبعد :
فإنّ العالم الكبير سيبويه يعدّ واحداً من النحاة الذين ذاع صيتهم كثيراً في أرجاء الساحة اللغوية ؛ إذ إنّه ألفّ كتاباً في غاية العلمية والروعة هذا الكتاب الذي قيل فيه ما قيل من المدح والثناء فقد قيل فيه: " لم يُعْمَل كتابٌ في علم من العلوم مثلُ كتاب سيبويه، وذلك أن الكتب المصنَّفة في العلوم مُضْطَّرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج من فهمه إلى غيره ". وقيل: إذا تأمّلتَ الأمثلةَ من كتاب سيبويه تبينتَ أنه أعلمُ الناس باللغة. وتأثر به كثير من العلماء فلا تكاد تجد عالماً كتب بالنحو إلّا وكان كتاب سيبويه واحداً من منابع ثقافته اللغوية والنحوية ومن العلماء الذين تأثروا بهذا الكتاب أبو علي الفارسي الذي اعتمد عليه كثيراً في كتابه الإغفال لاسيما في المستويات الصوتية والصرفية والنحوية فلذلك حاولت في هذا البحث أن أبيّن الفائدة التي استقاها أبو علي في كتابة الإغفال من كتاب سيبويه فجاء البحث بعنوان (أثر سيبويه في كتاب الإغفال لأبي علي الفارسي(ت377هـ) قسمت البحث على ثلاثة مباحث هي :
المبحث الأول : المسائل الصوتية.
المبحث الثاني : المسائل الصرفية.
المبحث الثالث: المسائل النحوية.
اعتمدت في هذا البحث كثيراً من المصادر والمراجع منها على سبيل المثال :
1- كتب النحو ومنها : كتاب سيبويه، والمقتضب لأبي العباس المبرد وكتاب الإغفال لأبي علي الفارسي ، واللمع في العربية لابن جني ، وشرح ابن عقيل.
2- كتب اللغة والمعجمات ومنها:: سر صناعة الإعراب لابن جني ، ومختار الصحاح للرازي.
3- كتب معاني القرآن ومنها: معاني القرآن للأخفش ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج.
4- كتب الأدب والتراجم ومنها: الأصمعيات للأصمعي ، وأخبار النحويين البصريين لأبي سعيد السيرافي.
5- المراجع والدوريات، ومنها: معاني النحو للدكتور فاضل السامرائي ، والنحو العربي نقد وتوجيه للدكتور مهدي المخزومي، وإعراب لاسيما وفوائد أخرى للشيخ الغزي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
توطئة:
مما لا شك فيه أن سيبويه هو إمام النحاة ؛ لأنّ مؤلفه المعروف بـ (الكتاب)
أول كتاب نحوي قد وصل إلينا ؛ إذ جمع فيه كثيراً من علوم العربية من صوت وصرف ونحو ودلالة ولذلك لا تكاد تجد مؤلفا في النحو واللغة إلا ويعتمد عليه وهذه سنة متبعه تتمثل في تأثر اللاحق بالسابق وربما يزيد عليه .
إنّ المطلع على كتاب الإغفال يجد تأثر أبي علي الفارسي الواضح بكتاب سيبويه وربما يعود ذلك لأسباب أهمها :
الفارسية التي جمعت سيبويه وأبا علي إذ إنّ الأول ولد في البيضاء والأخير ولد في مدينة (فسا ) وكلتاهما تقعان في بلاد فارس.
دراسته العميقة لكتاب سيبويه الأمر الذي جعل أبا حيان التوحيدي (ت412هـ) يقول في أبي علي وكتاب سيبويه : (( واما أبو علي فأشدّ تفرداً بالكتاب وأشد إكبابا عليه ))[1] .
المكانة الكبيرة التي يتمتع بها كتاب سيبويه عند علماء العربية إذ مدحه كثير من العلماء يقول المبرد (ت 285 هـ) لأحد تلاميذه : هل ركبت البحر يعني كتاب سيبويه تعظيما لما فيه[2]...
أمّا ملامح تأثر أبي علي بالكتاب فيمكن أن نوجزها بالأمور الآتية :
استخدام عبارات تدل بوضوح على نهاية النقل من الكتاب مثل : انتهى كلام سيبويه[3], وانقضى كلامه[4] . وهذا الأمر يؤكد أهمية عنايته بكلام سيبويه حتى لا يحصل خلط بينه وبين كلام غيره.
بيان دقة الزجاج (ت 311 هـ) في النقل عن سيبويه فقد قال أبو إسحاق الزجاج : قال سيبويه : سألت الخليل عن هذا الاسم فقال الأصل فيه إلاه فأدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة[5] ... قال ابو علي معلقا على قول الزجاج (( ماحكاه [6]عن سيبويه عن الخليل سهو ولم يحك سيبويه عن الخليل في هذا الاسم انه (إلاه) ولا قال : إنّه سال عنه لكن قال[7] : إنّ الألف واللام بدل من الهمزة في حد النداء المترجم بـ (هذا ما ينتصب على المدح او التعظيم او الشتم ؛ لأنه لا يكون وصفا للأول ولا عطفا عليه .
الجزم بصحة مذهب سيبويه وترجيحه على سائر الآراء الأخرى فعند ذكره اختلاف العلماء في اصل كلمة (النبي) إذ ذكر سيبويه إن (النبي) أصل لامه الهمز ولذلك فإنها مأخوذة من كلمة (النبأ) وقال غيره : إنّها مأخوذة من النبوة قال : (( وهذا الذي أذهب إليه في أنّ ( النبي) أصل لامه الهمز مذهب سيبويه[8]وهو الصحيح الذي لا يجوز غيره ))[9] إذ إنّ عبارة ( وهو الصحيح الذي لا يجوز غيره ) تؤكد بجلاء تمسكه برأي سيبويه .
وعلى الرغم من دفاعه عن سيبويه والسير على خطاه إلّا أننا نجده مخالفا له بعض الشيء فعند وقوفه على قوله تعالى : ((أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ))[10] وذكر آراء عدة في (أنّ ) الثانية منها[11]:
أن ( أنّ) الثانية بدل من الأولى وهذا مذهب سيبويه.[12]
أنها مكرره للتأكيد وهذا مذهب الجرمي وأبي العباس المبرد[13]
انها مرتفعة بالظرف وهذا مذهب الأخفش[14] (ت 215هـ ) ثم قال معلقا عليها : (( ولا يجوز ان تبدل ( أنّ ) الثانية من قوله : (( أيعدكم أنّكم )) من الأولى , لأنّ صلة الأولى لم تتمم اسما وإذا استوفت صلتها تامة وصلتها تكون اسما – كان مبتدأ قبل دخولها عليه –مع خبره))[15] وفي هذا النص نجد أبا علي لم يأخذ برأي سيبويه الذي ذهب إلى ان (أنّ) الثانية بدل من الأولى في قوله تعالى : (( أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ))[16] والرأي الصحيح عنده هو رأي المبرد إذ قال عنه : (( وهذا أحسن الأقاويل عندي في هذه الآية))[17] أما عن تأثر أبي علي بسيبويه فنجده في المباحث الآتية :
المبحث الأول : المسائل الصوتية :
اعتمد أبو علي الفارسي على سيبويه بكثرة في موضوع الإمالة ويمكن أن نلمس ذلك في الأمور الآتية :
1- إمالة الألف في اسم (الله ) عز وجل :
من المعروف أنّ الإمالة هي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة فتميل الألف التي بعدها نحو الياء بسبب التجانس الصوتي أمّا ما يخص الإمالة في الألف في اسم ( الله) عز وجل فقد قال أبو علي : ((فأمّا الإمالة في الألف من اسم (الله ) تعالى فجائز في قياس العربية , والدليل على جوازها فيه أنّ هذه الألف لا تخلو من أن تكون زائدة لـ (فعال ) كالتي في (ازار ) و(عماد) , أو تكون عين الفعل فان كانت زائدة لـ (فعال ) جازت فيها الإمالة من جهتين :
أحدهما : أنّ الهمزة المحذوفة كانت مكسورة وكسرها يوجب الإمالة في الألف كما أنّ الكسرة في (عماد) توجب إمالة ألفه فإن قلت كيف تمال الألف من أجل الكسرة وهي محذوفة ؟ فالقول فيها : إنّها وإن كانت محذوفة موجبة الإمالة . كما كان توجيها قبل الحذف ؛ لأنها وان كانت محذوفة فهي من الكلمة ونظير ذلك ما حكاه سيبويه من أنّ بعضهم يميل الألف في (مادّ) و (شادّ)[18] للكسرة المنوية في عين (فاعل) المدغمة قال : (( ومنهم من يقول هذا ماش فيميل الألف في الوقف وإن لم يكن في لفظه بالكلمة كسرة ))[19] فكذلك في اسم ( الله ) عز وجل يجوز إمالتها وإن لم تكن الكسرة ملفوظا بها ويجوز إمالتها من جهة أخرى وهي أن لام الفعل منجزة فتجوز الإمالة , لانجرارها قال سيبويه : (( سمعناهم يقولون : من اهل عاد ومررت بعجلانك فأمالوا ))[20] فكذلك أيضا تجوز الإمالة في الألف من اسم الله ...))[21]
2- منع إمالة اسم الفاعل المضاف المختوم بالراء:
قال أبو علي : (( فهل تجوز الإمالة في :هذا فارُّ وبارَّ ورأيت فارّاً وبارَّا كما امال قوم على كل حال : هذا جاد ؟ فان ذلك في الراء لا يجوز قال سيبويه : (( من قال : هذا جاد لم يقل ك هذا فارّ , لقوة الراء هنا ))[22] فأما إمالة الإلف في هذا النحو في حال الجر نحو : (مررت بفار ) و ( ايتني بمار) فجيد حسن لا يدفعه شيء ولا يرده ...))[23] والذي يمكن ملاحظته مما سبق انه يجوز إمالة اسم الفاعل المضاعف إذا كان مختوما بالراء وذلك في حالة الجر كقولنا : مررت بفار أمّا في حالة الرفع والنصب فلا يجوز ذلك كقولنا : هذا فار ,رأيت فاراً والسبب في ذلك أنّ صوت الراء المكسورة يبدو وكأنّه حرفان مكسوران .
3- منع إمالة المستعلي إن كان لاما والعين راء : إنّ الحروف المستعلية في اللغة هي الخاء والغين والقاف والضاد والطاء والصاد والظـاء والمـراد بمصطلــح الاستعلاء هو أن تتصعـد في الحنـك الأعلى [24] .
وقد ذكر أبو علي ان المستعلي إذا كان لاما وعينه راء نحو : مارق وفارق فإنّ الإمالة حينئذ لا تجوز؛ لأنّ الإمالة هنا اصعادا بعد الانحدار فهو عكس طارد وبابه[25] . وذكر أنّ سيبويه قال : (( تقول : ناقة فارق اينق مفاريق فتنصب كما فعلت ذلك حيث قلت : ناعق ومفارق ومناشط ))[26] والذي يبدو لي أنّ سبب عدم الإمالة في المستعلي إذا كان لاما وعينه راء هو ؛ لكونها حروفا مستعلية إلى الحنك الأعلى والألف إذا خرجت من موضعها استعلت إلى الحنك الأعلى فلما كانت مع هذه الحروف المستعلية غلبت عليها كما غلبت الكسرة عليها في مساجد .
المبحث الثاني: المسائل الصرفية : وفيها مسائل عدة منها :
1- حذف الهمزة في مضارع ( أفعل) :
ذكر أبو علي[27] ان همزة أفعل تحذف في المضارع نحو : أكرم – يكرم وسبب الحذف هو كراهية اجتماع الهمزتين كما ذكر ذلك سيبويه[28]وهذا الحذف إنما يكون في مضارع (أفعل) عندما يكون الفعل المضارع للمتكلم وقالوا : ( أكرم ) في مضارع ( أكرم ) والأصل في مضارعه ( أؤكرم ) فحذفوا همزة القطع الزائدة لثقلها عند اجتماعها مع همزة المتكلم في المضارعة .
2- الوزن الصرفي لـ ( معيشة ) :
ذكر أبو علي[29]ان العين في (مَعِيشة ) هي ياء من الفعل عند الخليل ( ت 175 هـ ) وسيبويه يصلح أن يكون مفعلة وان يكون ( مَفْعُلَة )[30] ففي الأول تكون ( مَعْيُشَة ) إذا نقلت الضمة إلى العين فانضمت بعدها وبعدها ياء ساكنة فأبدلت كسرة لتسلم الياء فصارت ( مَعْيِشَة ) وأما على وزن ( مَفْعِلَة ) فتكون ( مَعْيِشَة ) إذا نقلت كسرة العين فقط[31]
والذي أراه اكثر صحة ما ذهب إليه أبو بكر الرازي (ت666 هـ) من أنّ أصلها معيشة وتقديرها مَفْعِلَة والياء متحركة أصلية لذلك لا تنقلب في الجمع همزة[32] وفضلا عن هذا فإنّ الوزن الأول يحتاج إلى خطوات أكثر منه في الوزن الثاني .
3- الجموع : ومن أهم المسائل التي تأثر بها أبو علي بسيبويه فيما يخص الجموع هي :
أ- جمع القلة والكثرة :
قال أبو علي في جمع اناء : (( وذكر سيبويه[33] في جمعه القليل : آنية كإزارٍ و آزرة وجمعه الكثير : أوان ...))[34]
إن أصل كلمة ( آنية ) : أأنية بهمزتين ثانيتهما ساكنة خففت وتحولت إلى مد فأصبحت ( آنية ) وزنتها أفْعِلَة ؛ إذ إنّ هذا الوزن يطرد في الاسم المذكر الرباعي قبل آخره حرف مد[35] . وأما ( أوان ) فإنّ وزنها أفاعل ؛ إذ إنّها تطرد في مزيد الثلاثي بحرف واحد[36]
ب- إجراء التثنية مجرى الجمع :
ذكر أبو علي أنّ التثنية قد تجي مجرى الجمع[37] كقوله تعالى : (( فَقَدْ صَغَت قُلُوبُكُمَا ))[38] ، ثم ذكر هذا يكون أيضا فيما كان شيئين منفردين نحو ما حكاه سيبويه[39] عن يونس بن حبيب (ت 182 هـ ) في قوله : ( وضعا رحالهما ) , و ( هم غلمانهما ) وهم يريدون غلامين ورحلي راحلتين .
المبحث الثالث : المسائل النحوية :
1- حذف نون ( لدن ) : ذكر أبو علي مسائل في الحذف منها حذف النون ( لدن ) كقولنا : من لد الصلاة[40] و من لد شولا ...[41]
فإذا اضمر رد إلى الأصل فقيل : من لدنه قال تعالى : ((مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ ))[42] ، فرد في الإضمار المحذوف في حال الإظهار وكذلك قال سيبويه[43]
ومنهم من ذكر في لدن ثلاث لغات هي : لدن و لدى و لد.[44]
2-إضمار اسم ( أنْ ) المفتوحة المخففة :
من المعروف لدى النحاة أنه إذا خففت ( أن ) بقيت على ما كان لها من العمل شريطة أن يكون اسمها ضمير الشأن محذوفا وخبرها لا يكون إلّا جملة نحو : علمت أن زيد قائم .[45]
وقد ذهب أبو علي مذهب سيبويه في أنّه لا بد من إضمار اسم ( أن ) المفتوحة المخففة إذ قال : (( ويذهب سيبويه إلى أنّ ( أن ) المفتوحة إذا خففت أضمر معها القصة والحديث ولم يظهر في موضع ...)) [46]
_3- مجيء الواو لمطلق الجمع:
اختلف النحاة في مجيء (واو العطف) لمطلق الجمع او للترتب، فالبصريون يرونها لمطلق الجمع ،فإذا قلت (جاء زيد وعمرو)دلّ ذلك على اجتماعهما في نسبة المجيء إليهما ، واحتمل كون عمرو) جاء بعد (زيد)او جاء قبله او جاء مصاحباً له ، وانما يتبين من ذلك بالقرنية ، نحو: جاء زيدٌ وعمرو بعده، وجاء زيد وعمرو قبله ، وجاء زيدٌ و عمرو معه ، ومذهب الكوفيين : أنها للترتيب[47] ولكنه مردود بقوله تعالى:(( إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا))[48] .
وقد ذكر أبو علي الفارسي نقلاً عن سيبويه أن ((الواو التي في قولك (مررت بعمرو وزيد) انما جئت بها، لتضم الآخر إلى الأول وتجمعهما، وليس فيه دليل على أن أحدهما قبل الاخر))[49] .
والذي يبدو لي مما جاء به النحاة أن الواو العاطفة تفيد الجمع المطلق دون تحديد وإنّما يتضح ذلك من خلال القرينة التي في السياق.
4_إعمال (إذن) إذا فُصِلتْ عن الفعل بالقسم:
ذكر النحاة شروطاً لإعمال (إذن)[50] وهي:
1_ أن تكون مُصدّرة، فتكون غير عاملة، نحو قولك: أنا إذنْ أكرِمُك.
2_أن يكون الفعل بعدها دالاً على الاستقبال، فلو حّدثك شخص بحديث
فقلت له (إذن نصدقُ) رفعت،لأنّ نواصب الفعل تقتضي الاستقبال وانت تريد الحال فتدافعا.؟
3_أن يكون الفعل إما متصلاً بالقسم أو بلا النافية، فالأول بقولك:(إذن أكِرمَك)والثاني نحو: (إذن واللهِ أكرِمَك) والثالث نحو: (إذن لأفعلَ).وقد ذكر أبو علي ان(إذن)تَكون
عاملة إذا فصل بينهما وين الفعل بالقسم ؛ إذ قال:((وأيضا فإنّه يَفصِل بين (إذن) والفعل اذا نُصِبَ، نحو ما حكاه سيبويه من قولهم : (إذنْ والله آتيكَ)[51] .
5_ تركيب(لن):
ذهب الخليل في أحد قوليه: أنّ أصل هل (لا أنْ) وكان يقول: انها (لا أن ولكنهم حذفوا لكثرته في كلامهم، كما قالوا: ويلمّه، يريدون: ويلأمه، وكما قالوا، يومذِ ، وجُعلت بمنزلة حرف واحد) والذي نلاحظه أن الأداة (لن) قد مرت بمرحلتين حتى وصلت إلى ما علية اللفظة، فالمرحلة الأولى تمثلت بحذف همزة (أن)، والأخرى: اتصال اللام بالنون مباشرة بعد حذف الألف من (لا) لالتقاء الساكنين ؛فصارت (لن)[52]
أما سيبويه فقد ذهب إلى أنها مفردة غير مركبة، فقد كان يرد على الخليل بأنّه لو كانت يعني (لن) على ما يقول الخليل لما قلت : أمّا زيداً فلن اضربَ ؛ لأن هذا اسم والفعل صلة له ، فكأنه قال :(ّمّا زيداً فلا الضرب له)[53].
وقد قال ّبو علي نقلا عن سيبويه في (لن): (أما الخليل فزعم أنّها (لا إنْ) ،ولكنهم حذفوا لكثرته في كلامهم، كما قالوا: ويْلُمّهِ وكما قالوا: يومئذٍ و حينئذٍ وجُعِلت بمنزلة حرف واحد...)[54] والراجح عندي ما ذهب اله الدكتور مهدي المخزومي مؤيداً في ذلك مذهب الخليل ، إذ قال :(والذي اوقع سيبويه في مثل ما وقع فيه أنه لم يفهم وجهة نظر الخليل في ذلك ،ولم يدرك أن الخليل لم يفته مثل ما ظن أنه لتستدركه عليه ، فإنّ الخليل كان يرى أن الكلمتين(إذا ركبتا .ولكل منهما معنى وحكم صار لهما بالتركيب حكم جديد)
فلم يعد ؛لأنّ المركبة مع (لا) حكمهما الأول ، وصار لهما بعد التركيب استعمال جديد و حكم جديد ، ولذاك لم يعد لاعتراض سيبويه مكان)[55].
6_ زيادة (ما) في لاسيما :
ذكر العلماء حكم الاسم الواقع بعد لاسيما[56] ،وهو إما أن يكون مجروراً أو يكون مرفوعاً. كما ذكر سيبويه تقول :(أحب العلماء لاسيما محمودٍ أو ولاسيّما محمودٌ)) ففي حالة الجر تكون (ما) زائدة مؤكدة بين المضاف والمضاف إلية .فالمضاف هو (سي)والمضاف اليه هو محمود ، وفي حالة الرفع تكون (ما) موصولة أو نكرة موضوعة والتقدير: ولا مثل الذي هو محمود او لا مثل شخص هو محمود ، وعند كلام أبي علي .على الحروف الزائدة قال ((فرُبّ زائدٍ لازمٌ حتى يكون بمنزلة ما هو من نفس الحرف ، ومثل ذلك (من)في :((كأيّن مِن قَرْيَةٍ))[57] ،و (ما) في (سيما)عند الاكثر في ما حكاة سيبويه)) [58]،والذي يراه الباحث أن زيادة (ما) في (سيما) كما ذهب إلية سيبويه هي لازمة إذ قال : ((فرُب توكيدٍ لازمٌ حتى يصير كأنّه من الكلمة))[59]
_دلالة الفعل المضارع على المضي :
ذكر الدكتور فاضل السامرائي [60] المواضع التي يدل فيها الفعل
المضارع على وهي : أ _إذا اقترن بــ (لم) او ( لما ) .
ب _اذا دخلت عليه (لو ) الشرطية. جـ _إذا دخلت عليه (ربما).
د_إذا دخلت عليه (قد) التقليلية . هــ _إذا دخلت عليه (إذ) .
و_ إذا وقع المضارع حالاً عامله فعل ماضٍ .
ز_حكاية الحال الماضية.
وقد ذكر أبو علي الفارسي هذا الأمر اذ قال :((قال سيبويه : وقد يقع (نَفْعَلُ) في موضع (فَعَلْنا ) في بعض المواضع ، ومثل ذلك قول رجلٍ من سَلول[61]
وَلَقَدْ أمُرّ على الّلئيمِ يَسُبّني
فمضيتُ ثمّتُ قلت لا يعنيني
قال :((وأسير بمعنى سِرْتُ اذا أردتَ بـ(أسيرْ) معنى (سرتُ) ))[62] . وقال في موضع اّخر [63] : ((يجوز ان يُجعَلَ (أفعلُ) في موضع (فعلتُ) . ولا يجوز (فعلتُ) في موضع (أفعلُ) الّا في مجازاة نحو: (إن فعلتَ فعلتُ ))[64]
ملخص البحث:
بعد هذا التطواف في البحث الموسوم بـ ( أثر سيبويه في كتاب الإغفال لأبي علي الفارسي (ت377هـ) يمكنني القول :
إنّ هذا البحث يتناول عالمين كبيرين هما : سيبويه وأبو علي الفارسي رحمهما الله تعالى ، فقد تأثر أبو علي بعلماء أجلّاء كثيرين ومنهم تأثره بالعالم الكبير سيبويه ؛ فقد أفاد منه كثيراً من خلال كتابه الإغفال وإفادته تتضح من خلال ما يأتي:
الإفادة منه في المسائل الصوتية مثل : ظاهرة الإمالة في الألف في اسم الله تعالى ، ومنع إمالة اسم الفاعل المضاف المختوم بالراء، و منع إمالة المستعلي إن كان لاما والعين راء.
الإفادة منه في المسائل الصرفية مثل : حذف الهمزة في مضارع ( أفعل)، وفي الوزن الصرفي لكلمة ( معيشة ) والجموع.
الإفادة منه في المسائل النحوية مثل: حذف نون لدن ، وإضمار اسم أنْ المخففة المفتوحة ، وتركيب لن ، ومجيء الواو لمطلق الجمع وغيرها.
من أكثر المسائل التي نقل فيها أبو علي من سيبويه هي المسائل النحوية ثم الصرفية فالصوتية.
إنّ سبب تأثر أبي علي الفارسي بسيبويه يعود إلى المكانة الكبيرة لكتاب سيبويه فضلاً على الفارسية التي تجمع هذين العلمين الكبيرين.
الكلمات المفتاحية : سيبويه ، أبو علي الفارسي ، ، تأثر أبي علي الفارسي ، كتاب الإغفال.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
أخبار النحويين البصريين ,ابو سعيد السيرافي(ت368هـ) تحقيق :طه محمد الزيني , ومحمد عبد المنعم خفاجي,ط,القاهرة,1374ه_1955م
الأصمعيات , اختيار أبي سعيد الأصمعي(ت216هـ), تحقيق: أحمد محمد شاكر .وعبد السلام هارون,ط5,دار المعارف, القاهرة(د.ت)
الإغفال ,ابو علي الفارسي(ت377هـ) تحقيق وتعليق : د. عبد الله بن عمر الحاج إبراهيم, المجمع الثقافي, دبي مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث,1424هـ ,2003م .
سر صناعة الاعراب ,ابن جني (ت392هـ),ج1,تحقيق :مصطفى السقا وجماعتة,1954م.
شرح ابن عقيل(ت769هـ)على ألفية ابن مالك (ت672هـ).راجعة وعلق عليه :د. مالك المطلبي و د. غالب المطلبي , دار الحرية للطباعة , بغداد ,1415هـ_1994م .
شرح أبيات سيبويه ,لأبي سعيد السيرافي (ت385هـ) , تحقيق :د . محمد علي سلطاني ,دار المأمون ,دمشق, 1979م .
الغرة المخفية لابن الخباز(ت639هـ) في شرح الدرة الألفية لابن معط (ت628هـ) ,تحقيق :حامد محمد العبدلي , الناشر :دار الانبار ,بغداد, الرمادي ,مطبعة العاني , 1990م .
في النحو العربي نقد وتوجيه ,د. مهدي المخزومي , دار الشؤون الثقافية العامة,ط2, بغداد ,2005م
كتاب سيبويه, سيبويه (ت180هـ) تحقيق وشرح عبد السلام هارون ,مكتبة الخانجي , مصر , 1977م.
الكشاف عن حقائق التنزيل, أبو القاسم الزمخشري (ت538هـ) دار المعرفة للطباعة والنشر , بيروت ,لبنان (د.ت)
اللمع في العربية ,ابن جني (ت392هـ) ,تحقيق :حامد المؤمن ,منشورات جمعية منتدى النشر ,النجف الأشرف ,مطبعة العاني ,بغداد,1983م .
مختار الصحاح ,أبو بكر الرازي _(ت666هـ) دار الرسالة ,الكويت,1403هـ_1983م .
معاني القرآن ,الأخفش (ت215هـ) ,تحقيق فائز فارس, الكويت ,1979م .
معاني القرآن وإعرابه ,أبو إسحاق الزجاج(ت311هـ),تحقيق : عبد الجليل عبده شلبي ,عالم الكتب , بيروت ,ط1 .1408هـ_1988م .
معاني النحو ,د. فاضل صالح السامرائي ,ط2, دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ,1424هـ_2003م.
المقتضب , أبو العباس المبرد (ت285هـ) ,تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة , القاهرة ,1399هـ.
المنصف شرح تصريف المازني ,ابن جني (ت392هـ) ,تحقيق: إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين ,مطبعة مصطفى البابي الحلبي , القاهرة ,ط1,1373هـ_1954م.
الدوريات
إعراب لاسيما وفوائد أخرى ,تأليف :الشيخ حسين بن محمد البالي الغزي (ت1271هـ),تحقيق :د. صبيح التميمي ,مجلة آفاق الثقافة والتراث ,دائرة البحث العلمي والدراسات بمركز جمعة الماجد ,دبي ,الإمارات ,السنة التاسعة ,العدد السادس والثلاثون ,شوال,1422هـ , كانون الثاني ,2002م.
[1] - الامتاع والمؤانسة :1/131_132.
[2] - ينظر: أخبار النحويين البصريين:39.
[3] - ينظر:الإغفال:2/.135.
[4] - ينظر: نفسه :2/152.
[5] - ينظر :معاني القرآن وإعرابه:5/151_152.
[6] - الهاء في(حكاه) تعود الى الزجاج.
[7] - ينظر:الكتاب:2/197,والإغفال:1/39.
[8] - ينظر :الكتاب :3/460.
[9] - الإغفال :1/235.
[10] - المؤمنون:35.
[11] - ينظر :الإغفال:2/451.
[12] - ينظر :الكتاب :3/132.
[13] - ينظر المقتضب:2/354.
[14] - ينظر :معاني القرآن للأخفش:1/119.
[15] - الإغفال:2/451.
[16] - سبق تخريجها.
[17] - الإغفال:2/452.
[18] - ينظر :الإغفال :1/72.
[19] - الإغفال:1/72.
[20] - الكتاب :4/122.
[21] - الإغفال :1/72.
[22] - الكتاب: 4/140.
[23] - الإغفال:1/171.
[24] - ينظر :سر صناعة الإعراب:1/71.
[25] - ينظر :الاغفال :1/179.
[26] - الكتاب :1/137.
[27] - ينظر:الإغفال:1/108.
[28] - ينظر :الكتاب:4/279.
[29] - ينظر :الإغفال :2/229.
[30] - ينظر:الكتاب:4/349.
[31] - ينظر :المنصف1/296_297.
[32] - ينظر: مختار الصحاح:465.
[33] - ينظر: الكتاب :3/602.
[34] - الإغفال : 1/318.
[35] - ينظر :الكتاب 3/601_602 ,والمقتضب:2/212_213.
[36] - ينظر: الكتاب: 3/644.
[37] - ينظر:الإغفال:1/268.
[38] - التحريم:4.
[39] - ينظر :الكتاب:3/622.
[40] - ينظر :نفسه:1/265.
[41] - رجزٌ لم أقف على قائله, وتتمته: ((مِنْ لَدُ شَوْلاً فإلى إتْلاَئِها)).
[42] - الكهف:2.
[43] - ينظر :الكتاب :2/373.
[44] - ينظر :مختارالصحاح:596.
[45] - ينظر :شرح ابن عقيل:2/16.
[46] - الاغفال:1/68,وينظر :الكتاب :3/163_164.
[47] - ينظر: شرح ابن عقيل :3/85.
[48] - المؤمنون:37.
[49] - الاغفال :1/250,وينظر : الكتاب 4/216.
[50] - ينظر: اللمع في العربية:220 الغرّة المخفية :1/162.
[51] - الإغفال:2/168.
[52] - ينظر:المقتضب:2/8,والفرّة المخفية:1/161وفي النحو العربي نقد وتوجيه:277.
[53] - الكتاب:3/5.
[54] - الإغفال:1/335_336,وينظر :الكتاب:3/5.
[55] - في النحو العربي نقد وتوجيه::277.
[56] - ينظر :إعراب لاسيما وفوائد أخرى :144_145.
[57] - الحج:45_48,محمد:13,الطلاق:8.
[58] - الإغفال:1/286,وينظر :الكتاب:2/171.
[59] - الكتاب:2/171.
[60] - ينظر: معاني النحو:3/283_286.
[61] - البيت في الأصمعيات:126, منسوب إلى شمر بن عمرو الحنفي.
[62] - الكتاب:3/24.
[63] - نفسه:3/55.
[64] - الإغفال:1/355,الكتاب :3/24.