العنف الاجتماعي

العنف الاجتماعي

(العنـف الاجتماعــي)

وبعض مظاهره في المجتمع العراقي

طالب كريم حسن

لم يخل مجتمع من المجتمعات من مظاهر العنف، سواء الظاهرة منها أوتلك التي تكون في حالة كمون، فهو واقعة تاريخية أرتبط ظهورها بوجود الانسان وتطورت خلال مسيرة البشريه ونمو الضمير الحضاري ,ليبتدي باشكال مختلفه ,منها ما هو مادي وماهو نفسي وفكري يشتمل على استلاب الوعي والضغوط الفكريه ,وغيرها من المظاهر التي تختلف اختلافا شاسعا من حيث الشكل والجسامه والمدلول والهدف.

والمضمون هذا يكشف دينامات خاصه بالعنف من خلال استجلاء بعض مظاهره الواقعيه, ومسح مختلف الميادين التي ينتشر فيها قبل تجديد معالمها معتمده في ذلك منهجا وصفيا يقوم على تصوير الواقعة وتقريرها,ومن ثم تحليلها وتفسيرها هذه مقدمه لما يتناوله كتاب

العنف الاجتماعي..و بعض مظاهره في المجتمع العراقي: مدينة بغداد أنموذجاً) للكاتبة (أسماء جميل) والصادر عن سلسلة (دراسات) التي تصدرها دار الشؤون الثقافية العامة ضمن أصدارات بغداد عاصمة الثقافة العربية – السلسة التي تعنى بمناقشة ظواهر مختلفة ونشاطات جادة في أنساق الثقافات المتنوعة. وقد تألفت هذه الدراسة من خمسة فصول موزعة على بابين.

الباب الاول نظري، والثاني الميداني. الفصل الاول يبحث في الابعاد الاساسية للدراسة وأهم الافكار التي ستناقشها محاولاً أعطاء صورة واضحة لاهم مفرداتها مبتدئاً بعرضٍ تاريخي موجز عن الكيفية التي فسر خلالها رواد علم الاجتماع ظاهرة العنف والعنف الاجتماعي. وفي المبحث الاول لهذا الفصل تم الوقوف على عناصر البحث الاساسية.

وفي الباب الاول (الدراسة النظرية) الفصل الاول الموسوم (ألابعاد والمفاهيم الاساسية للدراسة) المبحث الاول (أبعاد الدراسة أولاً: مدخل: العنف في تراث علم الاجتماع جاء فيه. حظي موضوع العنف بأهتمام الكثير من الباحثين في الحقل الاجتماعي، أبتداءً من أبن خلدون-مؤسس علم العمران- وأنتهاءً باللحظة العلمية الراهنة. ومنذ ذلك الوقت، يساور الشك الفلاسفة الاجتماعيين، شأن طبيعة السلوك العنفي وهل أنهُ دافع مكتسب من البيئة المحيطة بالأنسان؟ لقد أعتقد أبن خلدون أن العنف نزعة طبيعية"ومن أخلاق البشر- فيهم الظلم والعدوان، بعض على بعض. فمن أمتدت عينه على أمتاع أخيه أمتدت يدهُ الى أخذه الى أن يصدهُ وازع" وهناك أمثلة ودراسات لكثير من أشتغلوا بعلم الاجتماع.
ثانياً مشكلة العنف الاجتماعي. ينطوي مفهوم العنف على مشكلة تتعدد أبعادها، ويتداخل فيها العامل النفسي- والبيولوجي والاجتماعي، كما يضم سلسلة من الافعال التي تتراوح مابين الضرر المادي والجسدي والاهانات النفسية وغيرها من أشكال الإيذاء التي تنبسط على سلم طويل من الدرجات، يبدأ بالتهديد والمساومة ماراً بالتجريح والتجويع والكسر والإسكات والتكذيب والسب والشتم ثم القتل. وفي أدراك للمؤلفة. تقول إن الصور المختلفة للانحراف التي يشهدها المجتمع في الظرف الحالي إنما هي شاهد ومؤشر على وجود تناقضات كامنة في بناء المجتمع تضغط على الفرد، وتؤدي الى أن ينحرف الفعل الاجتماعي على المنظومة المعيارية التي تحكم مساره، فيتخذ شكل خروقات تهدد النظام الاجتماعي وتتبدى في أرتفاع معدلات الجريمة، أو في ظهور أنماط إجرامية لم يشهدها المجتمع قبلاً، أو قد تمثل في أرتفاع  حوادث العنف التي ترتكب للتفريج عن التوترات المختزنة لشرائح سكانية تعطي أكثر مما تأخذ.

وفي الباب الثالث: أهمية دراسة العنف الاجتماعي

تتأتى أهمية هذه الدراسة من الخطورة التي تنطوي عليها ظاهرة العنف الاجتماعي بوصفه مؤشراً على مجموعة من التوترات التي تعتري تآلف الجماعة. أن الدراسة الحالية هي محاولة لنقل التركيز من الجانب المباشر والشخصي – والقانوني للعنف إلى مايتسم به من قدرات على الفعل. أذ تكشف لنا الرؤية السيكولوجية للعنف عن العوامل المتعلقة بالجماعة التي يعيش معها الفرد، ومايكتنفها من إحباط وقمع وصراع.

كما أن ضخامة المؤسسات التي تفرز العنف بشكل مباشر أو غير مباشر كثفت من أهمية دراسته، فثمة أشكال من العنف المتقن أو المقبول عرفاً ممالايثير أي تساؤل، وذلك لانهُ صادر عن العائلة أو المؤسسة الدينية أو الاقتصادية أو القانونية. وهناك أبواب في الفصل حملت عناوين

1- أهداف الدراسة ، فرضيات الدراسة، حدود الدراسة، ومنهج الدراسة، وفيه: تعد الدراسة الحالية نمطاً من الدراسات الوصفية التي تهدف الى أكتشاف الوقائع الاجتماعية ، بمعنى وصف الحقيقة الاجتماعية وتصويرها.وهناك طريقتان يمكن بوساطتهما إجراء المسوح الاجتماعية‘ الاولى شاملة تتضمن جميع وحدات مجتمع الدراسة وتغطي كل مفردة من مفرداتها. أما الثانية فهي طريقة المسح بالعينة، وذلك بأنتقاء عينة ممثلة للمجتمع الكلي. وفي المبحث الثاني ( تحديد  المفاهيم) العنف .. تتعدد تعريفات العنف وتتنوع، بتنوع زوايا البحث وأيديولوجية الباحث وتخصصهُ العلمي، ولاجل أعطاء صورة واضحة تشتمل على الاستعمالات المختلفة للمصطلح، سنحاول أن نتقصى مفهوم العنف تبعاً للحقوق المعرفية التي تمَ تداولهُ فيها.

1-المعنى القاموسي:وردت لفظة(العنف)في المعجم العربي بمعنى الخرق بالامر وقلة الرفق،ليشمل كل سلوك يتضمن معاني الشدة والقسوة والتوبيخ واللوم والتفريغ.وبهذا يكون العنف سلوكا فعليا او قوليا،اما في المعنى القانوني يعرف العنف من الناحية القانونية بأنه:الاستعمال غير القانوني لوسائل الاكراه المادية من اجل تحقيق أغراض شخصية او جماعية وفي المعنى السياسي:يصبح العنف سياسيا عندما تكون اهدافه ودوافعه سياسية،فهوً اعمال التمزيق والتدمير والاضرار التي يكون الغرض منها اواختيار اهدافها وضحاياها او الظروف المحيطة بها ذات دلالات سياسية،تنحو الى تغير سلوك الآخرين في موقف تساومي له اثاره على النظام الاجتماعي - وفي المعنى السايكولوجي،يعرف العنف في علم النفس بانه السلوك الذي يتسم بالقسوة والشدة والاكراه اذ تستثمر فيه الدوافع العدائية استثمارا صريحا كالضرب والتقتيل للافراد والتحطيم للمتلكات. وفي حقل السلوك الجمعي يعرف العنف بوصفه ظاهرة جمعية تحتوي على عدو من الاشخاص يسود بينهم نوع من التجانس اوالتماثل في موقف اجتماعي معين وفي اطار نمط من التفاعل يمثل تجسيدا واقعيا لتواترات متفجرة.واما المعنى السوسيولوجي وفي اطار علم الاجتماع استعمل مفهوم العنف ليشير الى كل ما يربك النظام الاجتماعي والعلاقات القائمة بين اعضائه.عند الإمعان بالتعريفات المختلفة للعنف نجد انها تتدرج تحت ثلاثة فئات رئيسية

 1- العنف سلطة او قوة تمارسها الجماعات المسيطرة ضد الجماعات المسيطر عليها من قبل المؤسسات المختلفة التي يتألف منها المجتمع:السياسية،الاقتصادية،الدينية‘التربوية،العائلية واستنادا على الملاحظات السابقة تقترح الدراسات الحالية التعرف الإجرائي الأتي:العنف الاجتماعي: هو كل سلوك مادي او معنوي مقصود،يسبب إيلاما جسديا او نفسيا،يصدر عن فرد او جماعة او مؤسسة ويستدعي رد فعل متبادل ‘لإلحاق الأذى بالشىْ المدرَك على أنه مصدر فعلي للإيذاء أو بوصفه رمزا له. وجاء المبحث الثالث(بعض المفاهيم المرتبطة بالعنف) يتداخل مفهوم العنف مع عدد المفاهيم الاخرى القريبة منه في المعنى مما يؤدي احيانا الى الخلط بينهما ومن اهم المفاهيم التي يجب التميز بينهما في علاقاتها بمفهوم العنف هي العدوان والقهر والقوة والصراع.

1- العدوان:غالبا ما يستعمل العنف والعدوان على انهما مترادفان ،اذ تعُرض نظريات العدوان في اطارالحديث عن العنف او العكس، ويستعملها بعض الباحثين بالتبادل بشكل يصعب الفصل بينهما.

2-  القهر يمثل القهر وجهين لحقيقة واحدة اذ يستعمل المفهومان الاشارة الى ممارسات ذات طبيعة مشتركة تدل على الايذاء والقوة والاكراه. إلا انهما يختلفان من ناحية الهدف والجهة التي يصدران منهما والقهر من جهة خارجة عن الانسان مثل الطبيعة او من جهة تحتوي على عناصر بشرية، وتاسيسا على ما سبق يمكن القول ان العنف يرتبط بالقهر في علاقة جدلية (حوارية) دائمة بحيث يصعب معها الكشف عن نقطة البداية.

 3- القوة: يعد مفهوم القوة من اكثر المفاهيم تداخلا مع مفهوم العنف، فالقوة جوهر معظم التعريفات التي حددت‘ ومع ذلك فإن هناك اختلافا اصطلح عليه الباحثون في استعمالهم  للمفهومين، وان القوة والعنف يشيران الى  معنى واحد.فكل قوة تهدف الى اجبار الاخرين. بالوسائل المادية والمعنوية وكل اجبار هو عنف ما دام يرمي الى فرض الانصياع والخضوع على الاخرين. اما الصراع الاجتماعي يعرف بانه الاتجاه الذي يهدف الى التفوق على الافراد او الجماعات المعارضة، أو الأضرار بهما او بممتلكاتها او ثقافتها او باي شيء يتعلق بها. ويتخذ الصراع شكلين، فهو اما ان يكون هجوما او دفاعا وفي كلتا الحالتين يعد العنف بعدا رئيسيا من ابعاد الصراع، ويضاف الى كون العنف اداة لحسم الصراع فهو الوسيلة التي تعمل على تشكيله وخلقه ويختلف العنف عن الصراع(الذي يكون أشمل واوسع ومتضمنا للعنف) في البعد الزمني فيما يشمل العنف على جولة واحدة

( في موقف احتدامي آني ) فان الصراع الاجتماعي يتطور مع الزمن ويتميز بالاستمرارية.اذ ليس بالضرورة ان ينتهي بقيام اعمال العنف، وقد يتخذ شكلا مستتراً أو كامنا الى ان تتوافر الظروف المهيأة لانفجاره على شكل عنف مرة اخرى اما في الفصل الموسوم (دراسات سابقة) على الرغم من الاهمية التي يحضى بها العنف وعناية الباحثين في العلوم السياسية والنفسية والانثروبولوجية بهذه الموضوعة إلا انها بقيت بعيدة عن اهتمام عالم الاجتماع وبالتحديد الباحث العراقي والباحث العربي، وعلى الرغم من وجود هذا التباين الا ان جميع هذه الدراسات تلتقي في تناولها لمستوى معين من العنف، وهو الذي يقع في اطار التفاعلات اليومية بين الأفراد من دون ان يصل الى مستواه التجريبي (القتل).

ويمكن تعميم ماحدث في أطار التفاعل الاولي والاكثر بساطة بحسب منطلقات النظرية التبادلية. في فهم العنف الذي يصدرهُ الفرد تجاه المؤسسة الاجتماعية سواء أكانت أسرة أم مؤسسة أقتصادية أم سياسية وحتى ضد المجتمع (العنف بنائياً.. كما في المفهوم النظري: يحدث العنف طبقاً لهذا المفهوم عندما يتم خرق قانون العدالة التوزيعية،وفحوى هذا القانون: إن كل فرد يدخل طرفاً في علاقة تبادل يتوقع أن تكون مكافأته معادلة لتكاليفه ومتناسبة معها. مع كل ذلك نخلص الى القول: أن العنف من وجهة النظر التبادلية هو أنحراف عن معايير التبادل، فعندما تفشل توقعات الفرد في الحصول على مكافات مسترجعة، فإنه سيبحث ن موقف عقابي يوجه الى الفرد/ المؤسسة/ المجتمع الذي لم يرد مكافأته، كما جاءَ في النظريات النفسية في معالجتها لموضوعة العنف، على القوى التي تحرض الفرد والعوامل التي تعمل على كبت بعض الانماط السلوكية والبواعث التي تثير السلوك العنفي أو تعيقه. وفيها: منحت وجهة التحليل النفسي الإنسان أولوية على المجتمع ونظرت اليه على أنه مخلوق ضعيف مقهور، قد تتعرض طبيعته البدائية للانفجار فتتخذ شكل السلوك المضطرب وفي نظرية التعلم الاجتماعي: تختلف المضامين العلمية لنظرية التعلم الاجتماعي: أختلافاً كبيراً عن المضامين التي أفترضتها نظريات التحليل النفسي، فالعنف وفقاً لهذا هو سلوك متعلم، يتم أكتسابه من خلال ملاحظة الآخرين وهم يظهرون نماذج سلوكية عنيفة.

 

وفيما يخص الاكتساب- تؤكد نظرية النمذجة أن الجانب الكبير من التعلم القائم على الخبرة المباشرة لكونها خاضعة لنتائج العقاب والثواب التي تصاحب أو تتبع أفعالاً معينة.. وخلاصة القول: فإن العنف طبقاً لهذه النظرية يتم تعلمه من خلال ملاحظة نماذج عنيفة في الحياة اليومية ومن الاشخاص المحيطين بالفرد، وإن الفرد يتعلم الاستجابات العنيفة من مشاهدة غيره يمارسها ويحصل على أثابة لدى قيامه بها (التعلم بالمشاهدة) كما يتعلم الفرد الممارسات العدوانية عندما يؤديها ويحصل على إثابات مجزية (التعلم بالتعزيز) أو قد يعتدي على شخص معين وينجح في ذلك فيعمم ذلك، على أشخاص آخرين، وعندما نحاول تطبيق هذه الفرضيات في الظاهرة موضوع الدراسة- نجد أن الاحباطات الكثيرة التي يواجهها أفراد المجتمع، والعقبات التي تفرضها الانظمة الاجتماعية المؤسسية تثير لدى الافراد دافعاً للعنف- غير أن الخوف من العقوبة وعدم قدرة الفرد على الوصول الى مصدر أحباطه، تؤدي به أزاحة هذا  العدوان الى أهداف بديلة تتمثل با لممتلكات العامة أو الافراد الآخرين الذين يتفاعل معهم في مواقف أجتماعية معينة، فتصبح هذه الاهداف البديلة بمثابة (كبش فداء) يوحه اليها الاشخاص عدوانيتهم من دون توقع أي شكل من أشكال العقاب. وتختتم الكاتبة بالعنف من منظور علم الاجتماع هو صورة من صور التفاعل الإنساني‘يشذ فيه الفعل عن مساره المنظومي بعد غياب القاعدة البنائية التي تحكمه ‘وهو مايسبب ضرراً مادياً أو معنوياً لأطراف التفاعل.واعنف من حيث هو سلوك إيذائي إنما يرتكز على مجموعة قوى وعناصر بيولوجية‘ونفسية‘واجتماعية. غير أن العوامل الثقافية والعائلية لاتمثل الدور الحاسم في العملية العنفية ولانجد فيها سبباً مباشراً‘فالثقافة والعائلة تزود الفرد بالكيفية التي يعمل بها .أما لماذا يعمل فذلك أمر مرهون بعوامل بنائية مجتمعية تشير الى وجود خلل في الأداء الوظيفي للنظام الاجتماعي ‘يتمثل بغياب العدالة التوزيعية والحرمان النسبي وضعف الاندماج الاجتماعي ‘وانعدام الأمن الاجتماعي الذي يكفل للمواطن إشباع حاجاته الأساسية.

  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white