رموز ودلالات لغوية ورمزية للشائعة مع حضور البناء النفسي
كان بامكان دار الشؤون الثقافية العامة ان تستعين بعدد من العسكريين وعلماء النفس والاجتماع، واساتذة الاعلام لاحياء ندوتها التي اقامتها في مقرها، لدعم ومساندة القوات العراقية المسلحة ضد الارهاب، ولكنها اختارت لهذه الندوة التي استمرت يومين عددا من الادباء، بعضهم من الادباء الاكاديميين، وهم الدكتور فليح الركابي والدكتور عبد القادر جبار والقاص والروائي شوقي كريم والدكتور اثير محمد شهاب، والدكتور رياض موسى سكران والقاص والروائي حميد المختار وادارت الندوة الدكتورة ساقرة ناجي، وقد جاء اختيار هؤلاء الاشخاص الادباء لندوة ثقافية تعبوية مكرسة لدعم ومساندة القوات المسحلة ضد الارهاب، لان الادباء اقرب الى اختصاص دار الشؤون الثقافية العامة، فهي معروفة بمهرجاناتها وندواتها الادبية، كما ان اغلب اصداراتها ذات طابع ادبي، اذ تشكل القصص والروايات والمسرحيات والكتب النقدية الادبية، وكتب التراث الادبي اغلب اصداراتها، ويسيطر الطابع الادبي على المجلات الصادرة عنها. والسبب الثاني للاختبار ان الندوة تناولت الشائعة ودورها في الحرب النفسية، وتاثيراتها السلبية وتداعياتها، والادباء يهتمون بالشائعة، فهم مدعوون الى وعي الحقائق والمعلومات، والفرز بين الصادق والكاذب منها، وبين الحقيقي والملفق والمزيف، ومدعوون ايضا الى تحقيق ذلك في الاعمال التي يكتبونها، ولاسيما القصة والرواية والمسرحية. ويمكن القول ايضا: ان الاديب يتميز بحاسة شديدة، وحذر قوي ازاء ما يريد كتابته، اذ يحاول قبل الكتابة وبعدها ان يبني عمله على الحقائق والوقائع الصادقة المؤكدة، وان يضع كل شيء في مكانه الحقيقي، كما يمكن القول ان المناهج والتيارات الادبية لا تتسامح مع الملفق والمزيف والمفروض حتى ان كان بعضها ينتسب الى السريالية والعبثية، فلكل مدرسة ومنهج ادبي حقائق ووجهة نظر ازاء الحقائق، وقد تكون لهذه الحقائق حصتها من الخيال، ومن الاشتباك مع المثالية، ومع الروحانيات ومع الاوهام، لكنها تظل مشدودة الى الواقع، ولعل العلاقة بين الشائعة والواقع تكون اكثر سخونة وجدية وفاعلية في الحرب اكثر من اي وقت اخر، فالشائعة في وقت الحرب لا تطلق لكي تكون نادرة او طرفة ووهما، وانما من اجل السيطرة على الواقع وسياق الحرب، وكان اختيار ادباء لتناول هذه العلاقة يهدف الى توعية الناس بذلك، وان الشائعة في الحرب يراد بها حرفهم عن الواقع، وايجاد بدائل كاذبة وملفقة عنه، وتقديم الحقائق ممزوجة بالاكاذيب، وبصيغة اكاذيب، ودس وتضمين المعلومة الكاذبة في داخل المعلومات الصادقة. وقد قدم الادباء والمشاركون في ندوة دائرة الشؤون الثقافية امثلة مهمة على ذلك، مؤكدين ان الشائعات يمكن ان تكون رموزا في كلمات وجمل، تهدف الى تقديم الحقائق بصورة ناقصة او مبتورة او مضللة، وبصورة تهدف الى اسقاط الحقائق، وتعريض المعنويات للاحباط، او تعريضها للتدمير.
وقد تناول الادباء المشاركون في الندوة الابعاد والرمزية للشائعة، اذ قدم الدكتور فليح الركابي امثلة عن ابعادها الرمزية في اللغة، وقدم الدكتور عبد القادر جبار امثلة عن تضمين الشائعة رموزا بصيغة كلمات تحرف الاخبار عن دلالاتها، وقد فعل ذلك الادباء شوقي كريم حسين واثير محمد شهاب وشوقي كريم حسن، حيث حرصوا على تناول الابعاد الرمزية والواقعية للشائعة، وظروفها واسبابها، وانواعها، والظروف المناسبة لاستخدامها بشكل فعال ومؤثر. ولان الشائعة تطرح نفسها من خلال وسائل الاعلام، ولانها بالذات ذات دوافع وتوجهات اعلامية فقد اهتم الادباء المشاركون في ندوة دار الشؤون الثقافية العامة بهذا الجانب، حيث تناولوا دورها الاعلامي، وعلاقة ذلك بالحرب النفسية ودلالاتها الاعلامية فيها، وانها تستخدم لما هو راهن وظرفي، ولا تطلق دون وجود اجواء تساعد على تقبلها وسريان تاثيرها، فليس للاشائعة من دور دون وجود هذه الاجواء، ودون استعدادات نفسية تساعد على قبولها وسريان تاثيرها، وهي ليست قابلة للنفاذ والتاثير في كل الظروف والاحوال، اذ يمكن التصدي لها، وايجاد حصانة ضدها، وبالتالي تحصين المواطنين والمقاتلين ضد تاثيرها. والمداخلات التي القيت في ندوة دار الشؤون الثقافية العامة تركزت على مواجهة الشائعة وافشالها من خلال ايجاد الحصانة النفسية والاجتماعية والاعلامية والثقافية ومن خلال تعزيز وترسيخ البناء الوطني لدى المواطنين والمقاتلين. وتاتي هذه الندوة في ظروف مناسبة، حيث تخوض قواتنا المسلحة الباسلة عملياتها اليومية ضد الارهاب، وحيث يتواصل المواطنون يوميا مع بطولاتها، ومع جبهات القتال كافة، ولكن هذه الندوة بحاجة لان تكون برنامجا ثقافيا، وان يشارك فيها مختلف المثقفين بمختلف الاختصاصات، وان تكون خطوة اولى باتجاه اوسع وحضور ثقافي يشارك المقاتلين بطولاتهم، ويوثق ويدرس هذه البطولات، كما ان المرحلة الراهنة تشهد وجود حشد كبير من المؤسسات الاعلامية، فضائيات وصحفا واذاعات ومواقع للتواصل الاجتماعي، وان ترك هذه المؤسسات دون مقابل وحوار بناء يعرض البناء النفسي والاجتماعي والثقافي للمواطنين والمقاتلين لمخاطر جسيمة وفادحة، الامر الذي يتطلب تعزيز واسناد مبادرة دار الشؤون الثقافية بمبادرات اخرى اوسع مدى وتاثيرا وفاعلية، وجعلها عنوانا لدور المثقف العراقي في هذه المرحلة الحرجة والخطرة من التاريخ العراقي.