مقالات
الصخب والعنف سمفونية المآسي المتلاحقة
الصخب والعنف
سمفونية المآسي المتلاحقة
ريتشارد هيوز
ترجمة: سعيد الروضان
عتبة الغلاف 1
ولد وليم فوكنر عام (1897) وتوفى عام ( 1962). في خطاب موافقته على استلام جائزة نوبل "Nobel Prize", وصف وليم فوكنر ابداعه الأدبي " عمل الحياة في عذاب وعرق الروح البشرية, ليس لأجل المجد وليس لأجل الربح, لكن لخلق شيء من معادن الروح البشرية التي لم توجد من قبل" روايته (A Fable) الحائزة عل جائزة بولتزر "Pulitzer" للأدب (1955).
عتبة الغلاف 2
منذ اندلاع الضجة الأولى يوم نشر رواية الصخب والعنف عام (1929), تم وصفها واحدةً من الروايات الكبرى في القرن العشرين. على الرغم من صعوبة الأمر, كما هو الحال مع يوليسيس "رواية جيمس جويس. المترجم", لكنها أجزيت. القليل من القراء يمكن أن يفشلوا في الانغماس في هذا الخلق الخيالي لعائلة "كمبسن" المنحلة والمتفككة.
لم يستخدم فوكنر الشخصيات كبيادق شطرنج في الحبكة الروائية: إنه مهتم بالعقول والعواطف وفي تفاعل الشخصيات والطريقة التي تؤثر بها الأحداث على الشخصيات وعلاقاتهم. يتم ذلك بتقسيم الرواية إلى أربعة أقسام. الأول "رواه الأحمق بنجي" الذي لا يعير الزمن أي اهتمام. وفي القسمين التاليين, عندما يسمع القارىء الحكاية التي رواها شقيقا بنجي, فإن الرواية تكشف عن نفسها.
في الجوهر, هذه رواية عن اللطافة- فقط الأبله لا يحزن, وهو فقط ينسى ذلك, ماذا يوجد في هذا العالم شيء حاد بما يكفي ليوخز أحشاءك؟ انها رواية عن العلاقات الأسرية والعاطفية التي لا حب فيها الا للذات.
المقدمة
ريتشارد هيوز
في قصة حكيت عن راقصة باليه روسية مشهورة، حينما سألها أحدهم عما تعنيه برقصة معينة, اجابت بشيء من السخط: "إذا كان بإمكاني التعبير عنها بكلمات عديدة, هل تعتقد كان ينبغي علىَّ أن أتحملَ شديد العناء لإدائها؟
إنها قصة على قدر كبير من الأهمية لأنها التفسير الصحيح للغموض في الفن، من المؤكد إن الطريقة التي تنطوي على غموض ظاهر له ما يبررها عندما تكون أوضح وأبسط وهي الطريقة الوحيدة للتعبير بصورة كاملة ما الذي ينبغي على الكاتب قوله.
إنها الحال مع رواية الصخب والعنف, لكنني لن أحاول أن أقدم أي ملخص لشرح ذلك: لأنه إذا كان بإمكاني أن ألخص بثلاث صفحات ما الذي كتبه السيد فوكنر في ثلثمائة صفحة, فمن الواضح لن تكون هناك حاجة لقراءة الرواية, وكل ما اقترح القيام به هو تقديم بعض التعليقات التمهيدية العابرة وهدفي الرئيس هو تشجيع القارىء.
على ما يبدو بالنسبة للقارىء الاعتيادي، فهو خجول جداً بمواجهة الكتابة الصعبة، وغالباً ما يلجأ اليها الكاتب ليست انها ضرورة جوهرية, ولكن للتخلص من الفقر: وغالباً ما يقوم القارىء بحفر ممرات شاقة في تضاريس الجبل، ولا يجد سوى الفأر وربحه القليل من التمرين.
نتيجة للعديد من الخيبات القاتلة, أشارك بنفسي في هذا التحيز الأولي للرواية, ومع ذلك فقد قرأت رواية الصخب والعنف ثلاث مرات وهذا ليس التمرين الأحدث؛ ولكن لأجل المتعة الخالصة؛ وطريقة السيد فوكنر ناجعة, لكنها ليست متدنية في إثارة الفضول. وفي السبعين صفحة الأولى التي يكون راويها رجل معتوه في الثلاثة والثلاثين من عمره, لكنه لم يتجاوز مرحلة الطفولة بعد, ولا يمتلك "بنجي" أي إحساس بالوقت: فكرته الوحيدة في العملية الترابطية: حدث اليوم ما يذكره في الماضي كله دفعة واحدة: ثلاثة وثلاثون عاما موجودة في وحدة ماثلة, فيضان متقطع وخالٍ من التدفق، هنا يقدم الكاتب قدرا من المساعدة لفهم الرواية عندما يتحول من الكتابة بالحروف الاعتيادية إلى الكتابة بالحروف المائلة كلما حدث تغيير في الزمن (وقد لجأ المترجم القدير الراحل جبرا إبراهيم جبرا إلى اعتماد تقنية الحروف الغامقة بدلا عن الحروف المائلة وقد حقق ما تصبو اليه الرواية. المترجم): لكنني أتحدى القارىء الاعتيادي أن يفكك الشخصيات والحدث المعني في الرواية من القراءة الأولى, غير إن جمال الرواية يكمن في هذا: ليست هناك حاجة لتفكيك أي شيء إذا توقف المرء عن بذل الجهد, فسرعان ما يجد المرء إن هذا الهراء الغريب يلفت انتباهه إلى مزاياه الخاصة. ثمِّة أشكال غامضة من الشخصيات والأحداث, ليست ذات صلة على ما يبدو, تلوح خارج الضباب وتتلاشى مرة أخرى, يرى القارىء العالم بعيون الأبله "بنجي". لكن السيد فوكنر ذكي بما فيه الكفاية في هذا الوقت على الأقل, فإن القارىء راضٍ بالقيام بذلك.
في الفصل الثاني يبدأ الضباب بالتلاشي, الراوي هو أحد الشخصيات الغامضة, الأخ "كونتن" الذي انتحر في هارفارد عام (1910)، يصفه فوكنر بإحساس جميل بالمأساة الساخرة والمهزلة المأساوية ليومه الأخير وهو على قيد الحياة. في الفصلين الثالث والرابع اللذان يعودان على يومنا هذا، يتلاشى الضباب نهائياً وتلوح في الأفق الأشكال الخالية من الحجم والشكل والمكان وهي تنظر خلال تكثيفها لحياة الناس.
هنا هذه الطريقة الغريبة التي تمتلك ما يبررها, قصة سريعة، ليجد المرء في ومضة انه يعرف كل شيء عنهم، إن المرء فُهِم صوت بنجي وغضبه أكثر مما أدركه الآخر: تصبح القصة بأكملها حقيقة واحدة، من المستحيل وصف التأثير الناتج لأنه لا مثيل له ويجب على القارىء الحصيف أن يجده بنفسه.
ستتبين من الطبيعي أن يقرأ المرء الرواية مرة ثانية على الأقل, والنوعية الأساسية للكتاب الذي يمكن قراءته مراراً وتكراراّ، غير ان ذلك سيبدو مختلفاً في كل قراءة, فهو باختصار يجب أن يكون كتاباً جديداً. (الشعر له هذه الخاصية على وجه الخصوص). عندما يأتي المرء ليقرأ قصة (بنجي) للمرة الثانية, معرفة القصة, ومعرفة الأسرة, مع العلم إن إسم "كونتن" يشمل شخصيتين, العم وابنة الأخت, معرفة شغف بنجي بالحيوان مما جعله يلازم ملعب الغولف على أمل سماع كلمة تحمل إسمها, ويلازم البوابة التي يستطيع منها مشاهدة الأطفال وهم يعودون من المدرسة, على أمل أن تكون بينهم مرة أخرى- يبدأ المرء بعد ذلك في إدراك مهارة المواجهة التي تم تكوينها مع ما يهتم به المتميز بنمطهم معاً.
المصدر:
The Collected Works Of William Faulkner The Sound And The Fury.