خصوصية المكان الروائي (مدينة العمارة انموذجاً)

نصير الشيخ
نصير الشيخ

إن للمكان أهمية بارزة وحضور مشرق على مساحة النص الروائي، فلا يمكن تصور أحداث إلّا بوجود مكان تنمو وتتشعَب فيه، لأنَ المكان يحتوي على الأحداث ويبينها، وإذ تتظافر الأمكنة لخلق الفضاء الجغرافي للنص السردي، يكتسب المكان صفاتٍ خاصة، ويصبح ذا أهمية متعددة المستويات، لذا تعّد الرواية نصاً لكل ما نعيشه وما هو مختزن في الذاكرة من أحداث تاريخية واجتماعية وسياسية ودينية وغيرها، وهي خطاب يسمح لنا بالبوح عما بداخلنا، بأساليب وتقنيات سردية وفنية مختلفة ومبتكرة، والرواية ليست مجرد حكاية أو شكل فني، بل هي ممارسة لإنتاج ثقافة الفئات الاجتماعية المختلفة.
فالمكان في الرواية من أهم العناصر المكونة لها حيث يكتسب أهمية كبيرة لأنه عنصر من عناصرها الفنية ومساحة مهمة تجري عليها الأحداث، كما أنه فضاء يحتوي على كل العناصر الروائية، وأيضا يلعب دوراً حيوياً وبارزاً حيث ارتفع عن مجرد كونه جغرافياً للأحداث ينطلق منه الروائي وتقديم وجهات نضره، ونظراً للأهمية التي يمنحها المكان في الرواية وقع اختيارنا على روايتين اتخذتا من المكان منطلقاً سردياً وحصراً مدينة (العمارة)، وهاتان الروايتان هما: (اليهودي الأخير) للروائي عبد الجبار ناصر، ورواية (شوارع الوجود) الكاتب الشاب أحمد شمس.
* اليهودي الأخير...مشهدية الواقع وصراع المكونات :
ــ كيف لعين الروائي الباصرة أن تتلقف المشاهد العينية حسب انعكاسها في الذات الروائية ببريقها وأنطفائها أو بتوهجها وخرابها، ومن ثم رسمها بإتقان عال لتقديم مشهدية متاخمة لروح العصر تتخاطف شخوصها على مسرح الأحداث مع قدرة متفردة لاستدعاء ما تضج به الذاكرة وبما يتشكل شريطا سينمياً يعيد فتح مغاليق احداثه، مستعرضا لقطاته الضاجة بغية تدوينها نصيا لتأخذ مساحتها الكلية على التدوين النصي والخطاب كمأثرة للقول وما تتركه من أثرٍ إبداعي؟: إنّ الروائي على وفق مقولة الكاتب كولن ولسون " لم يعد يكتفي بتحليل الواقع أو نقده، بل بدأ يخلق الرموز التي تشكل دلالات حركية غير نهائية، أي قابلة لامتصاص معطيات جديدة يتكشف عنها الواقع حتى بعد إنجاز العمل الفني، وتكون في الوقت نفسه قادرة على انتاج دلالات وإضاءات متجددة بتجدد الظرف" ورواية (اليهودي الأخير) تستحضر بنية مكانية من جغرافيا المكان، تتحرك على مسرح أحداثها شخوص شهدت تاريخاً معاصراً وعايشت تحولات مصيرية لتدخل فيما بعد في متحفية التاريخ.
ولأن الوقائع جرت في زمن معاصر(ستينيات القرن العشرين الماضي) وتمثلت في ذاكرة المؤلف/ الراوي. عبر اختزالها عقود من السنين، جاء تدوينها نصاً حاملا صفة " الوصف" دون تبئير يأخذنا إلى مرموزيات عالية، او خطاطات فكرية مقحمة بغرض ضخ أكبر حشد من الأفكار والطروحات في المتن السردي، فكانت مدينة (العمارة) المدينة الجنوبية هي المدونة السردية للروائي (عبد الجبار ناصر) حيت الأمكنة تم تأثيثها بأحداث صاخبة ذات صلة كشفت عن طبقاتٍ تتكاثف تأخذ من الفعل السياسي تموجاتها كطبقة أولى، ومن التحولات الإجتماعية المرافقة للأحداث وفعلها القيمي طبقة ثانية. ومن المركوزات الثقافية لمجتمع المدينة طبقة ثالثة.. كاشفة لنا البنى الثقافية والحضرية ومديات التباين الطبقي بينهما. وقد استعرض المقطع المنشور على غلاف الرواية الأخير ما نصه " إنها رواية تدور أحداثها في ستينيات القرن العشرين، حيث ترصد رحلة الطبيب "ناجي نعوم" اليهودي الأخير الذي رفض ان يترك العراق بعد تعرض اليهود الى مضايقات وأحداث عنف راح ضحيتها الكثير منهم" .أن الشخصية المركزية لرواية " اليهودي الأخير" جاءت لتوكيد تاريخ أعرق الطوائف الدينية في العالم ألا وهم " يهود العراق" حيث يرجع تاريخ وجودهم الى 25 قرنا خلت، وتسنت لهم رغم مناخات العراق وتقلبات الظروف وترادف الغزوات والفيضانات ــ ان يتشبثوا بترابه الى وقت متأخر.
إن عبد الجبار ناصر بوصفه كاتباً روائياً صحفياً حضر هنا لتدوين تاريخ المدينة بكل إحتداماته وتراكماته التاريخية التي شهدتها، عبر استنطاق شخوصها وموقعها البؤري المحلة الشعبية " زقاق البغدادي" التي تتوائم فيها الأحلام مع الضغينة، والتشتت بالوعي والسلام مع النميمة والتقارير الحزبية..!! ومن ثم عكس النوايا من مخبري السلطة أنذاك على أن فعل الخير الإنساني الذي يقدمه الطبيب اليهودي" ناجي" هو جزء من إرساء خلايا لعمل مخابراتي يضر بأمن البلد.
البناء السردي لرواية (اليهودي الأخير) يضعنا في خط تصاعدي أحكم الروائي العليم قبضته على سير أحداثه، جاعلاً من شخوصه حيواتٍ في حركة دائبة صانعة أحداثها، شخوص مستلة من الذاكرة وبكامل هيأتها، كأن بها قد توزعت أدوارها في الحارة الشعبية والمركز البؤري لهذه الأحداث هو عيادة الطبيب ناجي وما تطل شرفاتها على مسار الزقاق " البغدادي" الذي سمي نسبة إلى تاجر حبوب بغدادي بنى فيها أول دار كبيرة وسكن فيها. هذه العيادة التي هي جزء من الحضور المكاني ليعود العمارة،إذ تشير المصادرالى أن (( أول مدرسة نظامية إنشأت في العمارة عام 1909م وأسستها " جمعية الإليانس" في باريس وتعني " الإتحاد"،وكان قد أنشأها يهود العمارة لعامة " العمارتلية"..،وان الطبيب " داود كباي" ويسمى لدى العامة " الدختورداود كبايه" كان أشهر من عالج الناس في العمارة بالمجان ، حتى العام 1964. حتى أن نساء العمارة ضمخن "تليات" باب داره بالحناء، عرفاناً بفضله،ومتحليات بحس الفطرة والقبول بالآخركما كن يفعلن على أبواب الأولياء والائمة)).2
لقد " ظل ناجي قاطناً في الزقاق، ربما تعلقاً بمجدٍ غابرٍ أو بذكرياتٍ تشده الى المعارفِ والأقارب الذين رحلوا عن الدنيا، أو الذين حملتهم موجات الهجرة قبل أعوام الى فلسطين وأوربا والهند عبر الأردن وأيران" أن شخصية ناجي الطبيب اليهودي هي بارومتر التحولات التي حصلت والتي كانت حبلى بها تراكمات الأيام وما مرّبه المواطن العراقي أنذاك. من هنا ظلت شخصية الطبيب ناجي متوازنة إلى حدٍ ما في علاقتها بالآخر، مؤمنة بواجبها عبر ما تقدمه من خدمات طبية وعلاجية بمنظورها الإنساني لكل من يحتاج لها بدءً من فلاحي القرى البعيدة من أرياف المدينة وحتى عدوه اللدود" " ،صانعة من كل هذا فضائها الأثيري في غرفته وملحقاتها في الغرفة العلوية من سكنهِ، فيما خصص الطابق الأرضي من دارهِ عيادة طبية، غرفة لا تخلو من صور أحبته مزدانة بلوحات جدارية تظهر أناقة المكان.. ولكسر رتابة أحداث الرواية ومشهديتها السياسية لابد من ضوء ينفذ إلى مغاليق الروح فكانت "خالدة" الفتاة المتخرجة حديثا من الجامعة والتي تعرضت إلى صدمة نفسية، والمجاور سكنها لدار الطبيب، حيث كان فعل استرقاق النظر من قبلها الى الطبيب عبر السياج الفاصل بينهما، فعلاً درامياً يبعث في نفسها سعادة من طراز خاص، وهي ترقب ما يقوم به من أعمال داخل غرفته ورواقاتها وسط دهشة المحب الذي مسه خيط جنون " بعد أن أحتسى الكأس الثانية، حانت منه التفاتة إلى الباب، فرآها واقفة هناك تبعد عنه أربعة امتار فقط.. شهق دهشاً وبدأ يسمع نبضات قلبه التي أصبحت مدوية مثل قرع طبولِ قبائل بدائية أفريقية في قداسٍ وثني".
أعتمد المؤلف في تأثيت نصه السردي على أمكنة لها دالاتها بما يشير لحضورها الاجتماعي والثقافي بل ولنقل "الحضري" لمدينة العمارة،وإنعكاس دور المكان وصلته بالآخر، حيث شكلت " المكتبة العصرية" التي تم إنشاؤها وافتتاحها للعام 1928م، والتي كانت تسمى مكتبة "عبد الرحمن الرحماني" نسبة لمالكها إنذاك.
تحضر هنا مستودعا لأخبار الصحف التي تنقل الحدث السياسي وتأثيرها على الوضع العام ((توقف عند مكتبة عبد الرحيم الرحماني ليقرأ على عجل عناوين الصحف التي تصل المدينة في فجر اليوم التالي على صدورها،أستقبله عامل المكتبة الشاب" حيدر" بحفاوة بالغة عكست مابلغه من أخبار)) ص96.
ترسيمة المكان لدى الروائي "عبد الجبار ناصر" رسمت لنا خريطة لعوالم مرئية، أمكنة ضاجة بناسها ومليئة بحركة أحداثها،وتحضرالكنيسة هنا كنيسة "أم الأحزان" والتي يشير زمن بنائها وإنشائها للعام 1880،وهي مكان إقامة القداس المسيحي وتجمع أيام الآحاد والإعياد ودفن الموتى من الطائفة المسيحية، كقطب موازٍ للمعبد اليهودي ومدرسة "الأليانس" تحت عنوان التعايش السلمي وحضورالمكونات الأخرى للمجتمع العماري حيث حضورهم يشكل لوحة فسيفساء زاهية .
تفاقم الأحداث السياسية جعل من الطبيب "ناجي نعوم" مترقبا شديداً لما ستؤول اليه الأمور، وما مقهى التجار، عند رأس السوق الكبيرلمدينة العمارة الإ مسرحا مصغراً لطرح الأراء السياسية محليا وعربيا، وانعكاس ذلك على انتماءات الشرائح الاجتماعية والثقافية وبروزإنتماءاتها العقائدية. و السلطة بكامل جبروتها عبر شخصية " مجبل قاسم" تقف كحائط صد لحرية الطبيب "ناجي" وظله المراقب والمشكك دوما بنوايا هذا الطبيب الذي أحبه ابناء المدينة عبر ما قدم لهم من خدمات طبية جليلة على مدى سنين،وهنا نكون امام قضية طاعنة في تاريخها، تجدد نفسها بصور مختلفة عبر كل الأزمنة، والتي تفرزها الإحداث الجسام للتحولات السياسية اولا،تلك هي قضية ((الضحية والجلاد))..
"ناجي نعوم" الطبيب اليهودي الذي يستقي تفانيه في عمله ربما من قسم "أبوقراط" اولا، ومن روحه التي توزع محبتها وسماحها على المجتمع العماري المجلل ببساطته وفقره، ومن ثم إيثاره المعلن عبراستمراره تقديم خدماته الطبية رغم كل الظروف،لكن الاخر المشبع بكراهية مغمسة بآيدلوجية سياسية خاضعة لمنطوقها الحزبي الضيق والتي ستقود البلاد الى حمامات دم.. وحسب مسار الرواية في تصاعد أحداثها،جعلت هذا الآخرقطباً صعبا في صراع غير متكافئ ربما، حيث شخصية "مجبل قاسم" رجل الأمن بكل أهابه التنظيمي/ العقدي/ الحزبي /السلطوي..قد مثل الكراهية والتي هي عبئ زائد يثقل كاهل المرء وهمٌ يعانيه ويستنزف وقته.
في حين تقف شخصية الطبيب اليهودي موقفا متسامحا إزاء هذا التشنج السلطوي ضد وجوده الشخصي،عبرلغة الصمت في حضرة الإتهام من الآخر (( وما يجعلك متفوقاً على "العدو" هو عفوك عنه،وفتح صفحة جديدة لانك تمنحه القدرة إذا ما بقيت تنظر اليه كعدو،وتنظرلنفسك كضحية)) ص189.
تصاعد الصراع الذي تذكي جذوة حرائقه التحولات السياسية وإطرها الضيقة في النظر الى الآخروصل ذروته بتصفية الطبيب اليهودي "ناجي" بعد ان اتخذ قراره بالهرب الى خارج العراق عبرممرالأهوارالذي يوصله الى الأراضي الإيرانية فيما بعد، ومن ثم تكتب له حياة جديدة، يزاول فيها حضوره الوجودي آمنا، ومشروعه الإنساني طبيبا بارعاً.حيث مسار الرواية ومؤشر أحداثها يعلن الفصل الختامي لمشهدية عراق الستينات وسيطرة "العسكر" عليه،حيث الخط الفاصل بلحظاته الحاسمة،ممثلا بمقتله "التراجيدي" برصاص دوريات الشرطة بين أدغال الأهوار ومياهها الواسعة ((إزداد وجه "ناجي" شحوبا.قال بصوت واهن "حمود..هل تدري" هل تدري ماذا يقال في الفلكور الديني في التلمود، إن جثة اليهودي الميت خارج فلسطين تزحف تحت الأرض، بعد دفنها، حتى تصل الى الأرض المقدسة وتتوحد معها.لكن أرضي المقدسة هي العراق)) ص247.
ستينيات القرن العشرين الماضي التي دون أحداثها "عبد الجبار ناصر" عبر سردية جسدت وبما لا يقبل الشك الحضور الآسر للفسيفساء العراقي في بقعة واحدة هي مدينة " العمارة" ومسرح أحداثها زقاق "البغدادي" يكللها ثوب واسع يحمل زهوه تحت لون ساطع هو " التعايش السلمي" لكن ثمة ما هو مضمر يتسرب تحت طيات هذا الثوب تبرزه الصراعات الخفيةِ مصدرها (سلطة الايدلوجيا الحاكمة أنذاك)، وفعل المراقبة الذي تبنته الأجهزة الأمنية، المنقوعان بكراهيةٍ تبدو غير طافحةٍ للمكونات الأخرى وهذا ما كشفت عنه رواية " اليهودي الأخير" في متنها السردي الذي امتد على مدى مئتين وسبع وأربعين صفحة .
* شوارع الوجود...التلصص على أقبية الجسد.
ــ هل الكتابة في متنها السردي هي تحفيز القدرات الذاتية للتدوين العيني والمرئي والموضوعي على حد سواء؟ لاختيار مساحتها الشاغلة لما تود تدوينه عابرة معايير القص والحكي وتطور الأحداث، ذاهبة الى بؤرة واحدة هي تسجيل ما تتلاقفه العين محولة أياه على لسان البطل وشخوص الرواية مصفوفة كتابية تحت عنوان " رواية".. من هنا أدرك أحمد شمس نوع المهمة الصعبة للولوج الى عالم الرواية فقدم لنا بدءً شهادة براءة عبر تنصيص إهداءهِ القائل "لا احد يستحق أن أورطه معي بكل هذا الخراب.. لكنني سأورط نظارتي الطبية، هي التي رأت كل شيء.. هي التي شهدت ضدي في الأيام "
ينطلق مؤلف رواية (شوارع الوجود) الكاتب الشاب أحمد شمس، من مهمة تقاسمها سويا مع بطل الرواية (سامي خلخال موذح) في تدوين يوميات حياة معاشة لمدينة هي (العمارة) مدينة الكاتب المؤلف، الزمن حاضر بتفاصيله مع سياق أحداث الرواية، والمكان مؤثثا للمتن السردي لها، هي إذاً سياحة الخطى لرسم ملامح المكان وتدرجاتهِ واقتناص الأثر النفسي لدى البطل، متساوقاً مع القدرة التخيلية للكاتب في وصف مسرح الحدث (شارع التربية)، الحاضر كشاشة عرض سينمي، تتوالى اللقطات ومشهديتها سراعاً عبر التقاطات البطل ومشواره اليومي في الشارع ومنعطفاته، كأن هناك كاميرا تلتقط المنظور لتحوله الى كامنٍ تعتاش عليه "ذات" البطل جاعلا منه عوالم لا يستطيع الفكاك منها." هذا الشارع ليس سوقا فحسب، أنه مكان تجتمع فيه كل تناقضات المدينة وتحولاتها الثقافية والإجتماعية، يختصر تاريخها قبل ان يتخذ الناس له أسما فهو مركز المدينة التاريخي والتجاري"
شخصية البطل (سامي موذح) بمعنى ما، هي قناع للكاتب أحمد شمس، حيث تحضر الرغبة المستدامة في حضرة الأنثى وأمكنتها، هي إذاً روح لائبة للرواء من طرائدها، وكيان آدمي باحث عن فرائسه، ومسرح المكان معد دوماً، شخصية البطل ذاتٌ تتصاغر إزاء مدْ الحشود الأنثوية المواجهة له، وهو الأعزل على الدوام أمام طغيان الأنوثة المستحكم وأناقتها وعطورها....تأخذنا الرواية لتدوين يومياتها على لسان بطلها، لتتفرع الأحداث، وتتواجد الشخوص لتحريك مجريات الحدث السردي الذي انطوت عليه الرواية.
ما يحسب للروائي أحمد شمس في عمله هذا القدرة الفائقة على الوصف في كل التفاصيل، وتشكل اندفاعات البطل وقناعه لوحة تجسيد الجانب الآيروسي بفعل المشاهدة المكثفة لوجوه النساء وأجسادهن رغم وجود الثياب الأنيقة، لكن للبطل حاسة أخرى في اختراق حجب هذه الثياب لاختزان أكبر قدر من الشهوات، كل هذا الوصف السردي تتحكم به لغة جريئة تكسر التابو البلاغي من متن السرد وتختار منطقتها الرخوة في قدرة الحكي على إيصال مفرداته، ومنطقها الكلامي في رسم اقرب صورٍ شهوية تسمي الأشياء بمسمياتها." وكما يبدو من خلال المنظر الجانبي انها تمتلك فخذين مرصوصين وصقيلين وإليتين عظيمتين مرتفعتين وزندين ممتلئين بشكل معقول وصدر بارز كانه باب لقلعة حصينة"
ولأن الرواية كيس يحتمل ملئه بالكثير من أحداث ووقائع وأفكار وفلسفات، كانت صفحات رواية ( شوارع الوجود) متناً سردياً لكل هذا سواحل الحلم تأخذ البطل/ الكاتب لتدوين المخطوطة مادتها بلا شك هو المرئي والمسموع والملاحظ والمكتشف والفائض من حوار الشخوص الذين هم أصدقاء البطل، وما اجتماعهم في كازينو" النهر" إلّا حوار عن الحياة والفكر وتحولات المجتمع وبما يشكل ذخيرة فكرية حاول ابرازها الروائي لتسليط الضوء على دور الشاب الطموح المثقف وان اختلفت الرؤى والمشارب "بعض الخيال لشد ما نتمناه ونطلبه ولكثرة تكراره، يرتقي الى مرتبة التصديق، فنتعامل معه كحقيقة فعلية وهو بالفعل كذلك، لو أدركنا الحقيقة هي أشياء نراها ليس بالحواس الخمسة فقط".
ولأن العمل الروائي ليس خطاً سيمترياً، بائنة أحداثه، مفرغ من محتواه، فاقدة شخوصه عمقها الفكري وربما الدلالي، فلقد أبتكر الكاتب موضوعة "المخطوطة الضائعة" للبطل والتي تبقى لنا توهج الأحداث مدار سؤال عن مصائر أبطال الرواية، ومحيط أسرار يمنح الرواية مفاتيح جديدة تكسر حدة التوقع لدى المتلقي. هذه المخطوطة هي متن تدويني آخر لحياة وشخوص وأحداث ومصائر هم نتاج مرحلة عاصفة بتحولاتها لما بعد عراق 2003،حاملة بالتأكيد أحلاما مجهضة وانعكاس تداعيات الوضع السياسي تحت مظلة "الديمقراطية الجديدة".
وعلى " الطريقة القديمة قصد كازينو النهر غير عابئ بثقل حقيبة سفره الجلدية، لم يجد من اصحابه القدامى سواي انا وصادق واخرين لم يكونوا ضمن شلتنا حينما رحل لكنهم يمثلون امتداداً أكثر عمقاً لنواة زرعها هذا الرجل المأخوذ بالشوارع".
رواية (شوارع الوجود) هي مخطوطة حياة لصفحاتِ شخوصٍ وأفكارٍ وأحلام التئمت جميعها في مدونة سردية ، قدمت لنا مكاناً نابضا بحيواته، وتحولات أحداثه وما نضح من أقوال وما شهد من أفعال شخوصه، في لغة طيعة اختارت الوصف رسماً لوقائعها، كاشفة عبر متنها السردي توصيفاتٍ لمرحلة راهنة من المشهد العراقي الضاج .
المصادر:
1ــ اليهودي الأخير، عبد الجبار ناصر، الدار المصرية اللبنانية ، بيروت ــ القاهرة ، ط1، 2015.
2ــ دورة القمرالقصيرة ليهود العراق/ مازن لطيف/دارميزوبوتاميا/ ط1 2013.
2ــ شوارع الوجود، أحمد شمس، المركز الثقافي للطباعة والنشر، بابل، ط1، 2017.

مقالات, مقالة, نصير الشيخ

  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white