سطوة الكارثة
(رؤى حول أسطورة الكارثة) لـ قصي الخفاجي
محمد رسن
إن لغة القصة وطاقاتها السردية تحقق توازناً فريداً في منظومة القص مع خصوصيات إظهار الواقعة القصصية وهذا التناغم يجعل الحكي في القصة مشوق وبعيد جداً عن الاختلال أو الاضطراب نجد المفردات والأشكال والألوان والخطوط العريضة للقص كأنما نسجت في لوحة تطرح تساؤلات واستفسارات ذات دلالات كبيرة.
هناك اندفاع حكائي حلمي يشغل حيزاً في ذاتية السرد فيقلب المشاهد إلى بانوراما تختزل صوراً وتلخص رؤيا في لحظات تجلَّ تتشظى الحكايات بعد الإلمام بها إلى لقطات توحي دائماً بالحضور الواضح للذات الساردة وهي دائماً ذات مرجعيات واقعية معروفة في مجتمع القاص أو في دائرة وجوده.
تحرضنا المجموعة على قراءة جادة في احتفالية سرد تنشد الامتداد في كل الاتجاهات والتمركز في عدة بؤر تتلاحم فيها قوى السرد وتتضافر مقاصد القاص في ثبات مزحوم بحركة داخلية تظهر سحر المتابعة والتشويق وتعمل على اختصار أزمنة ونستجلي الكامن فيها من أسرار ومواقف.
تعمل الحكاية بوصفها الإله المركزية العاملة في مساحة نشاط إبداعي خلاق يعمل على ترتيب أواصر السرد داخل السياق لاسيما في اعتماده على شبكة من المرجعيات التي تسعى إلى إظهار العلاقة بين الواقعي والمتخيل وكأنها طبيعية وضرورية وأزلية.
إن القارئ المتحمس لهذه النصوص يستل مادتها ببراعة وخفة ولا يثقله حملها وهو حين يقراها يوليها الاهتمام بفنية عالية وربما يعيد خلفها بيقظة العارف المستمتع مع أجوائها امتازت قصصه بالوضوح والدخول إلى ثنايا النفس دون عناء أو فرض معوقات الجدل العقيم فضلاً عن كونها متناغمة من حيث الوصف واثبات المواقف الحياتية بأسلوب شيق ممتع ليكرس المنجز الأدبي ويعمقه فينا ويجعلنا نتوغل لمعرفة المزيد وماخبأ بين طيات حروفه من سجالات وأحلام ورؤى لا نستطيع إن نمر عليها مروراً عابراً دون الوقوف والإشادة والتأمل.
ومما استمتعت به وقرأته بعناية هذا المقطع من القصة الموسومة (سطوة الكارثة) الذي يقول: حين تواجهه بوجهها الطفولي، وهي تستعد للذهاب إلى السوق البعيد... تتطلع إليه بإمعان وتقول: أحس خطى تدب... قلبي يقلقني، سأسرع قد يأتون...أرجو إن يخونني إحساسي تخيفني رؤاك الزاحفة على الورق... يقفل خلفها الباب مفكراً بالأشياء الأولى وهي ترتسم على شاشة الدماغ المقفل... وإذ يستحم، أو، لا، في الحقيقة، انه يغسل وجهه بالماء الفاتر ثم يشرع بالكتابة التي تختمر الآن كلياً...
ومقطع آخر آخاذ من قصة (آشام الرؤى وطقوس الهلاك) محكومون بالشتات واللعنة الإلهية وسعار بني البشر، ساعة يسقط سهم الفرقة الغبي على قرص ظلامنا الحزين ـ ومع التباشير الأولى لذلك الفجر الأزلي كنا نستحم في مستنقع الحلم مثل شعب تائه وسط الفوضى والخراب، عبر لحظة من لحظات كشف زلزال خزينا الزري ـ لذا نلوذ بها آشام: النجمة المستحمة بالبرق والحجارة ـ آشام الرؤيات: نتوق إلى نور صيرورتها وفخار صنيعها، وهجس لطختها الإلهية، فهي التي رسمت منابت الجرثومية القصية، محمية، ومحشورة، تحت مياه الازدحام ودماء الأسرار.