منامات ابن سيا
تسعى دار الشؤون الثقافية العامة الى تعزيز الصلة الثقافية بين البنية المعرفية ومبناها عموماً، والتظافر مع المبتكرات الجمالية على وجه التخصيص في ظل التحولات الديمقراطية وفضاءاتها المستقبلية في البلاد..
إذ ُتقدم اليوم متن الاعمال الابداعية من خلال سلاسلها المتعددة وهي تواكب الابداع العراقي ونتاجاته الغزيرة وتوثيقه بالصياغة التي تكفل الفائدة المعرفية للجميع، عبر قنوات هذه الدار وممكناتها الرؤيوية والاجرائية في هذا المسار.
فقد حُظيت (منامات ابن سيا) احدى سلاسل (الشعر) بصدورها من هذه الدار العريقة. وهي تجربة في الكتابة الابداعية نهض بمتنها الشاعر د. محمد تقي جون التدريسي في كلية الاداب/ جامعة واسط بـ(135) صفحة لسنة 2010.
تتلخص غاية المؤلف في عمله هذا: رغبته في ان ُيكون للادب اثر ودور يسجل حضوره في ساحة اضطربت فيها الاصوات واشتبكت وكان صوت الادب فيها ابعدها عن الأسماع والإسماع، وليس له في هذا غير وجه الله، والادب.
فالمنامات وهي جمع (منامة) حسب راي المؤلف نمط من الكتابة الواقعية، بمعنى انها تستقرىء الواقع، وتغوص في تحليل وقائعه، ولكن المؤلف وضع القارىء على ابوابها من خلال لمسه تجربته الشخصية ليعرف مدى مايمكن ان يصاب به عراقي يشهد مناخاً ملوناً بكل ماتفشى في السنوات الاخيرة من عمر البلاد. ففي كل منامة تتشخص حالة مرضية معينة مع كل شخصية التقاها ابن سيا الذي مثله صوت الشاعر محمد تقي جون في تجربة لها جوها الخاص وملامحها المختلفة واسلوبها المميز. فان لم تنطبق اعراض إحدى تلك الشخصية على القارىء فربما لان عراقيته مازالت بعافيةُ والعكس صحيح.
وقد ضمت المجموعة ثماني وثلاثين منامة، ولكل منامة عنوان يميزها عن المنامات الاخرى. حيث ان عناوين المنامة تفتح شهية القراءة والتلقي على دلالات السخط، والسخرية والتهكم التي تتسرب الى متن المنامة بما فيها من مضامين وافكار.
فما هي (المنامة)؟ اهي (مقامة) ام (مقالة)، ام (ماذا)؟...
(المنامة) في اللغة (الموضوع) وقديماً قالت العرب نحن بمنام فلان، اي بموضعه ومجلسه، ويبدو ان محمد تقي جون اراد معنى اعمق من هذا، معنى يتجاوز فيه الدلالة السابقة، ليستحضر معنى الغرابة، والادهاش.
ومنامات ابن سيا نوع ادبي يتجاوز في متنه الحكاية، والخرافة،
والتاريخ، والادب، والرمز، والاسطورة، والواقع، فضلاً عن تجاوز الشعر، والنثر في نصه الذي يشهد لمؤلفه بالتفرد والشجاعة، والصدق.
وقد اعطى الكاتب نبذة مختصرة عن حياة الشاعر (ابن سيا) فهو شاعر واقعي تكلف عناء التجوال في أزقة الواقع ليكشف الشخصيات والحالات التي استجدت فيؤشرها ويدعو من باب خفي الى معالجاتها.. ومناماته ليس تقليداً لمقامات (البديع) و(الحريري) وان أخذت منها الخطوط العريضة، فالهدف والموضوع، واللغة مخالفة، حتى في جعل (المنامة) مقلوب المقامة.
هذا وقد إرتجى الكاتب من القارىء ان يسافر مع ابن سيا لمعرفة المزيد من ملامح نفسه وواقعه ومن ثم احوال بلده التي يعيش تفاصيلها الانسانية كل لحظة.