قراءة في كتاب مراجع في الفولكلور
يُعدّ الفولكلور الشعبي مصدرا ثرّا للكتابة بالنظر لما يمنح للكاتب من زوايا نظر جمالية وثقافية تتيح للنقدين الأدبي والثقافي تناولهما. وعلى الرغم من ثراء هذا المنبع يشهد التأليف فيه ندرة منذ عقدين من الزمن في وقت كان هذا المجال يحظى بعناية كثير من المختصين والكتاب.
ندرة التأليف
وأستطيع أن أعزو ندرة التأليف في مجال الفولكلور والتراث الشعبي إلى جملة من الأسباب، منها:
أولا: الثقافة العامة للمتلقي تنشغل بما هو آني، فضلا عن عدم قدرتها على الربط بين المنتج الثقافي التراثي وحياة اليوم، الأمر الذي حصر التلقي والتأليف في هذه الموضوعات بالمختصين.
ثانيا: عدم إيلاء الصحف والمجلات الكتب التي تصدر عرضاً وقراءة وتعريفا وأبعادا سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية، الأمر الذي وسع الهوة بين المؤلفين والمتلقين.
ثالثا: أنجزت بعض الكتب وطبعت على نفقة مؤلفيها ولم تستطع تلك الكتب من أن تأخذ طريقها للشيوع والذيوع لافتقارها إلى مقدمات تعرّف بأهمية هذا الضرب من التأليف، وقد يندرج تحت هذا الباب عدم إحساس المؤلف نفسه بقيمة ما يكتب، وبقيمة وأهمية المنطقة التي يتصدى للكتابة فيها، فضلا عن عدم قدرته على التواصل مع المجلات والمؤسسات التي تعنى بمثل هذا النوع من التأليف ومنها مجلة التراث الشعبي.
واستكمالا لما قدمت، يصدر كتاب(مراجع في الفولكلور) لمؤلفه الأستاذ قاسم خضير عباس ليضع بين يدي المهتمين في هذا المجال عددا من المراجع بغية توسيع المعرفة في هذا الباب، والاشارة إلى المحاور التي يخوض فيها والتي اتفق عليها المتخصصون مثل: المعتقدات الدينية والعادات والتقاليد الشعبية والأدب الشعبي والثقافة المادية والفنون الشعبية، فقد عرض المؤلف ثلاثة وستين كتابا وهي حصيلة بعض جهده في متابعة ما صدر عن مجلة التراث الشعبي.
جغرافية الأدب
وإذا كان التأليف يخوض في الفولكلور العراقي والعربي، فإن قاسم خضير عباس استهل مؤلَّفه بعرض لكتاب( أثر الأدب العربي في الأدب الفارسي، كتاب مثنوي لجلال الدين الرومي أنموذجا) وهو كتاب الراحل الأستاذ الدكتور داود سلوم، الذي يعدّ واحدا من الباحثين الذين تقصّت بحوثهم أثر الأدب العربي في آداب الأمم الأخرى، فانتشلت هذا الأدب من جغرافيته العربية لتتبع أثره في جغرافيات ومنجز الأمم والشعوب التي شاءت الظروف لأن تتطلع على ذلك الأدب عن طرائق شتى، ومن هنا تكمن أهمية مثل هذه البحوث والمؤلفات التي غالبا ما يبدع في حقلها المتخصصون في الأدب المقارن. والدكتور داود سلوم واحد من أولئك المبدعين عراقيا وعربيا، إذ استطاع الدكتور سلوم من أن يضع يده على مواضع الانتحال والسرقات والنهب في آداب الأمم من الحكايات والقصص العربية على نحو خاص، مؤكدا أن الأخذ من الحكايات والقصص أيسر أخذا من الشعر بالنظر لبناء الحكايات والقصص على فكرة فيذهب الآخذ إلى صياغة الفكرة على نحو جديد. وتبقى الفكرة الأساس ماثلة تشير أبدا إلى أصلها، لاسيما تلك الحكايات التي لاكتها الألسن ورددتها لارتباطها بموقف وحادثة إنسانية كما في
( ذبح) الجوّاد حاتم الطائي فرسه لرسول كسرى الذي جاء يطلبها لسيده امتحانا لكرم الطائي فكانت المفارقة المعروفة، وكما فعل رجل غربي بعد قرون في ذبحه ماعزة لزوج حبيبته التي جاء يطلبها لابنه بعد أن مرض لشدة تعلقه بتلك الماعز.
الاغنية الشعبية
ومن الكتب المهمة التي ضمها الكتاب ( أغان شعبية عراقية، 100 أغنية مختارة نصوص ونوتات) وكان " الحافز المباشر الذي حمل المؤلف على العناية بالأغنية الشعبية والعمل على تدوينها هو ما رآه من نزوع لدى فرق الهواة وطلبة الموسيقى إلى عزف الأغاني اعتمادا على السماع وحده، مما يعرض الأغنية إلى خطر التلاعب بالأوزان والأنغام إلى حد تغيب فيه بعض الأحيان الملامح الأساسية والخصائص المحلية للأغنية وموسيقاها"، وبذلك فإن مسعى هذه المؤلفات يتجلى في حفظ الفولكلور من الخارج الذي يحاول نسبة بعضه إليه، ومن الداخل الذي يعمل تغييب ملامحه الأساسية بقصد أو من دون قصد.