Welcome in the demo
Another demo

صدر حديثا

صدر حديثًا عن دار الشؤون الثقافية العامة كتاب لذة السيناريو للدكتورة بان جبار وستجدونه في معرض بغداد الدولي للكتاب في…
من مجلة " المورد " المجلة التراثية الفصلية المُحَكمة التي تعنى بنشر البحوث المُهتمة بالتراث العربي : بحثاً وتحقيقاً وترجمةً…
يتساءل باحثون ومواطنون عاديون أيضاً لماذا نجحت تجربة استثمار النفط في إمارات الخليج وفي دول مثل الدنمارك ولم تنجح في…
هناك من يرى أن العروض العربي علم جامد وصل إلى مرحلة التحجر ، وأنه غير قابل للتحاور والإستنطاق ، وأنه…
زهرة زرقاء شمس الذهب تجربة عبد الخالق الركابي الروائية قراءات نقدية مختارة تحرير وتقديم حسن مجَّاد طالب كريم تنطوي تجربة الركابي الروائية…

أعلان

اختتمت صباح اليوم المصادف ٢٠٢٤/٧/٤ وعلى قاعة غائب طعمه فرمان في دار الشوون الثقافية العامة الدوره التدريبية الأساسية الاولى في تحقيق النصوص التراثية الخطية ، التي أقامتها دار الشؤون الثقافية بالتعاون مع دائرة المخطوطات العراقية للفترة من ٢٠٢٤/٦/٢٣ ولغاية ٢٠٢٤/٧/٤

على هامش إقامة الدوره التدريبية الأساسية الاولى في تحقيق النصوص التراثية الخطية...مستشار السيد رئيس الوزراء الدكتور عارف الساعدي..مستعدون لتبني جميع الأفكار التي من شأنها الحفاظ على المخطوطات التراثية...

رؤساء التحرير

1 2 34 5 Screenshot 2024 06 03 211917 copy

المقالات

دراسات وبحوث

حوارات ومذكرات

ترجمة

  • إنها تختلف عنّا جوفريدو باريزي

     

    إنها تختلف عنّا
    جوفريدو باريزي
    ترجمة
    شيرين النوساني
    منذ فترة، نشأ بيني وبين زوجتي، خلاف عميق حول مسألة اعتبرتها أنا مسألة تافهة واعتبرتها هي مسألة جوهرية. ولكنى أدركت الآن أن وصف مثل هذه المسألة بأنها تافهة ليس وصفاً صحيحاً، إن حكمي عليها من قبل كان سطحياً وتبسيطاً ساذجاً. فبعد أن تشابكت خيوط المناقشة وتعقّدت وجعلت المشكلة أكثر قتامة، أصبحت أنا الآخر أنظر إليها على أنها مسألة جوهرية، ولكن من منظور آخر يختلف تماماً عن منظور زوجتي.
    المسألة نشأت من مناقشة تافهة حول أزمة الخدم، وهي، على ما يبدو، أزمة مستعصية الحل، وتنحصر فيما إذا كانت الخادمة أو الخدم عموماً أشخاصاً مثلنا، أي من نفس العجينة التي خلقنا منها نحن الأسياد، أم أنهم من عجينة أخرى. وإذا أردنا المزيد من الوضوح هل هم من نفس جنسنا ونوعنا، أم أنهم من جنس ونوع مختلفين؟ إن مجرد استخدامي لهذه الألفاظ يثير في نفسي القرف ويثير أيضاً نوعا من الخجل، ولكني، على أية حال، مضطر لاستخدامها لأواجه المشكلة كما تفجرت بكامل حقيقتها، فلا زالت المشكلة قائمة والخلاف موجود، بل ويزداد عمقاً بيني وبين زوجتي، ويجب أن أخرجه إلى النور بشكل أو بآخر، وأن أدرسه وأحكم عليه بالعقل ثم أجد له حلاً. وهذه العملية تستنفذ من وقتي الكثير، فأنا لا أشعر بالراحة في البيت كما يجب، وأشعر أيضا بأن حياتنا الزوجية مشطورة إلى نصفين، بل إن هذه الحياة تبدو لي مصدراً للعذاب والتعنُّت وتتخللها لحظات كريهة.
    حتى في المكتب لا أشعر بالهدوء كذلك، فالمسألة تسمّم علاقاتي بزملائي وتنخُر في التناغم الغريزي الذي يحكم علاقتي بالآخرين. ومن ثم هناك شيء غير طبيعي. وهذا الشيء غير الطبيعي يعود إلى تلك المسألة المرتبطة بزوجتي التي أضطر دائماً إلى الانتهاء إليها. ربما كان هذا مردّه أعراض الشيخوخة وإن المسألة لا تنطوي على أية أهمية موضوعية ولا تتعدى مجرد ذريعة وإنه أول عارض من أعراض التفكك الداخلي لضمير الأسياد في نفسي. لا أعرف... لا أعرف. خلاصة القول إنه استقر في داخلي منتصراً مظفراً وبقي فيها.
    وقعت المناقشات، بل المناقشة الأولى بيني وبين زوجتي حول الخادمة في مساء أحد الأيام. يومها لاحظت أن أبنائي، وهم ذكور بين العاشرة والسادسة عشرة، يلقون بأحذيتهم بطريقة عشوائية داخل حجيرة الخادمة قبل أن يذهبوا إلى الفراش، والحجرة في الواقع ليست حجرة بمعنى الكلمة فهي حجيرة بها شباك كالثقب يطل على بئر منور ينتهي بفناء داخلي صغير يعوزه الهواء. لم أشعر من الحركة التي قام بها أبنائي بالإهانة الموجهة للفتاة بقدر ما شعرت بأنها تعبير عن تجاهل جماعي كأنهم يقولون: "نحن نرمى أحذيتنا هناك فعلى أي حال لا أحد يوجد هناك".
    وبختهم بشدة وحاولت أن أجبرهم عبثاً أن يلموا أحذيتهم ويضعوها في مكان أخر. وطالبتهم بمراعاة الاحترام ودواعي الصحة. ولكنهم لم يمتثلوا لي لأول مرة في حياتهم، بل وطلبوا العون من أمهم. فأشارت إلىّ إشارة حازمة لتدعوني بها إلى التوجه إلى غرفة نومنا.
    أظهرت زوجتي نحوي عاصفة باردة من الاحتقار من العبارات الأولى: "ألا تخجل...أمام الأولاد؟" ثم انتقلت للهجوم عليّ بشكل لم أشعر أنه هجوم لفظي وإنما هجوم نابع من أعماقها ومن داخل كيانها. وبدأ بيننا ما يمكن أن نطلق عليه، من دون كثير من التحفظ، بغضاً عنصرياً نحوي من قبل زوجتي ونحوها من قبلي.
    قالت: لم يكن ينبغي أبداً أن تقول ما قلت أمام الشغّالة. الآن يتعين طردها. فما دمنا قد فقدنا هيبتنا أمامها بسببك أنت رب البيت، فلن تتوانى عن استغلال هذا الموقف دائماً سواء إذا تلفظت بالكلمات أو لزمت الصمت أو، والأسوأ من هذا، إذا لجأت إلى تجاهلنا. سوف تحتقر أبناءنا وستحتقرني وستحتقرك أنت رب البيت قبل الجميع لأنك نزلت بنفسك إلى مستواها. أنت لا تعرف ماذا فعلت. أنت قمت بحركة احتجاج وتمرد كان يمكن أن تقوم بها هي وبالطبع كانت ستدفع الثمن ولكنها لم تفعل خشية الطرد. أما الآن فيمكنها أن تحتج وأن تتمرد كما يروق لها، فأنت، رب البيت، كنت أول من احتج نيابة عنها وكأنك وضعت نفسك مكانها، الآن لن تكتفى بالاحتجاج والتمرد علينا كما تشاء، وإنما ستتعالى أيضا على أبنائنا لأنك عندما وبختهم وضعتهم في مستوى أدنى من مستواها. أريد أن أقول إنك فعلت فعلة خطيرة... خطيرة للغاية... ولا يمكن إصلاحها. غدا سأطرد البنت. وسيكون من نصيبي، كما تعلم، "دوخة" العثور على شغالة غيرها. وعلى أية حال هذا موضوع يمكن أن أحلّه، ولكن ما لا يمكن حلّه هو أنك ظهرت أمامي وأمام أبنائي لأول مرة رجلاً من جنس الخدم.
    كان الحديث طويلاً، طويلاً جداً وقاسيًا جداً بالنسبة لامرأة مثل زوجتي، طبيعتها الإيجاز والمرح. فأجبتها بهدوء وأيضا بدهشة والكلمات تكاد تخرج من شفتي من تلقاء نفسها، فلا أذكر أنى فكرت فيها من قبل ساعتها "انظري... إن ما نطقت به يمكن أن نسميه باطمئنان كلام سفيهة حقيقية وانتبهي إليَّ جيداً... أنا لا أقول هذا لأنك أهنتني، ولكن للإهانات التي وجهتها للفتاة المسكينة المجبرة على النوم في حجرة بائسة وسط ملابس الغسيل وأربعة أحذية من دون أن ألحظ هذا إلا مساء اليوم. فإهانتك لها ليست إهانة الأسياد للخدم، وهو شيء لا أهمية له، وإنما هي إهانة عنصرية. وبمعنى آخر كلامك بالطريقة التي تفوهت بها يعنى أنك تعتبرين الفتاة غير أهل للاحتجاج والتمرد، ليس من أجل العمل وانضباطه وإنما من أجل مسألة اختلاف العنصر، هذا على الأقل ما فهمت من كلامك وهو ما يقشعر له بدنى".
    وفى الوقت نفسه كنت أفكر: "كيف حدث أن فاتني بعد سنوات طويلة من الزواج أن أنتبه لهذا الجانب في شخصية زوجتي؟ صحيح إننا لا نعرف الآخرين جيداً مهما طال الزمن لأن الواقع أو ظاهر الواقع له ألف شكل ووجه ولون، وأن الواقع أيضاً بمجمله متغير على الدوام، ولكن أيمكن بعد ثمانية عشر عاماً من الزواج ألا يفلت منها أبداً شيء مما أجده الآن شديد الإيلام؟ هل كان تفكيرها هكذا دائماً أم أنها تغيرت بمرور السنين لأسباب يمكن أن نعتبرها موضوعية نتيجة خبرتها مع الخدم؟ وهل يعقل أنها وهي المرأة الذكية الأمينة البسيطة المهذبة ألا تعي في أي درك من الانحدار وانعدام الحساسية والقسوة والسوقية والعنف قد انزلقت بحديثها هذا؟
    لم أستطع أن أسيطر على نفسي وواجهتها بكل هذه الخواطر والشكوك. أما هي فلم تكن تراودها خواطر أو شكوك، بل أجابتني بحزم وبنبرة باردة أقسى من سابقتها:
    - ماذا تقول؟ أنا كما أنا وكما كنت دائماً...أمينة وحساسة ومهذبة إن لم أكن ذكية. لقد كان هذا رأيي دائماً في الخدم أو على كل حال في علاقة السادة بالمستخدمين عموماً.
    فقاطعتها: هكذا...كيف؟ أنت لا تثيرين مسألة مستويات وتحديد سلطات فهذا يمكن أن أفهمه وأن أعتبره ضرورياً أيضاً وإنما تثيرين مسألة تفرقة عنصرية. فما معنى أنها من جنس ونحن أصحاب البيت من جنس آخر.
    كانت تنظر إليّ بهدوء بعينيها الزرقاوين كأنها تبتسم. فنظرت إليها أنا الآخر. وكانت لا تزال امرأة جميلة، فعيناها الفاتحتان تنفرجان في عمق كأن بهما مغناطيساً وسط وجهها نافر العظام القوى نحاسي اللون بفعل الشمس، وبعض خصلات شعرها التي ابيّضت قبل الأوان تختلط بباقي خصلات شعرها المتماسك القوى حالك السواد. وعندما تبتسم تكشف عن أسنانها المنضودة في اتساق تام وهي أيضا قوية وثابتة في منابتها بعمق وإن زال عنها البياض الناصع واكتست بلون باهت الاصفرار من أثر التدخين، فتبدو كأنها أسنان اصطناعية. وكانت ابتسامتها متوترة مفتعلة وغير تلقائية، تنطوي على شيء من جمود الموت، جمود عميق وجوهري يجسد بجوار جمود صدرها المنتصب الملفوف داخل قميص النوم الأبيض صورة تشكيلة ثلجية بالغة الدقة تنطق بحقيقة كل أفكارها ومبادئها المشؤومة.
    ثم قالت من دون أية حركة: " على كل حال ليس هناك فرق بين مسألة السلطة ومسألة الجنس. إنهما مسألة واحدة. وقد تسألني ما معنى هذا؟ ما معنى أنها تختلف عنا؟ وأجيبك على الفور بأن دمها وجلدها وشعرها وعينيها وملامحها وكل أعضاء جسدها تختلف عن أعضاء جسدي وأجساد أبنائي...كيف أصفه لك؟... كأننا إذا كنا نحن عصافير فهي سمكة".
    فسألتها لأتعلق بهاجس راودني نحوها وأخذ الآن بالتحلل والتفكك سريعا:
    - أهي بالذات التي تثير فيك هذا الأثر؟
    - كلا، هي أو غيرها ليس هناك عندي فرق.
    - ولكنك تعرفين جدياً إن هذا ليس صحيحاً وأنها امرأة من لحم ودم مثلك تقريباً...
    فرمقتني دون أن ترد علي، ثم تناولت بتراخٍ مجلة من على المائدة الصغيرة وبدأت بتصفحها وهي تحتفظ بابتسامتها الجامدة التي لا تتغير.
    - ردّى عليّ... أنت تعرفين إنها مثلنا...إنها مخلوقة مثلنا. لماذا لا تردين؟ إني أكلمك...
    ولكن حديثي ذهب أدراج الرياح...فقد ظلت تتصفح المجلة ثم انزلقت تحت الملاءة وبعد قليل استغرقت بالنوم.

  • السّرد البيئي: نوع جديد بين التربية والأدب لورانس ألان فوريستيه فرنسا

     

    السّرد البيئي: نوع جديد بين التربية والأدب
    لورانس ألان فوريستيه ( )- فرنسا

    ترجمة د. رضا الأبيض – تونس

    لقد دخلت، في السّنواتِ الأخيرة، الخطاباتُ الإيكولوجية مجالَ النقاش العامِّ، حتى صارتْ على المستوى الدولي موضوعَ تفكير وجدلٍ وأسئلةٍ. ويعبِّر الأدبُ المعاصر، في جزءٍ منه، عن هذه المخاوفِ، ويخصِّص لهذا الموضوعِ مساحةً في اتّساع متزايدٍ. وليس أدبُ الأطفال في هذا استثناءً.
    في هذا الإطار، من المهمّ التمييزُ بين مصطلح بيئي (إيكولوجي) écologique وكلمة محيط environnement (ذلك الذي يحيطُ بالإنسان، بالمعنى الأكثر شيوعا). فالبيئة شكلٌ من أشكالِ التساؤلِ عن العلاقاتِ بين البشر والأنواع النباتيّة والمعدنية والحيوانية في بيئتهم الأصليّة. وبالتالي، فإنّ دراستَنا ستستبعد القصصَ التي تمثّلُ "ترانيم للطبيعة" والتي تهتمّ أكثر بالبيئة. وبالمثل، سنستبعد قصصَ الخيالِ العلميِّ والرواياتِ المستقبلية التي تناولت إلى حدِّ الآن المشاكلَ البيئية، وكذلك السّرد التوثيقيَّ الذي يكاد يفتر لصالح الطابع الأدبيّ. وحدها القصصُ "البيئية" هي التي لفتت انتباهنَا، مع التأكيد على بعدها السرديِّ والتخييلي.
    وإذا كانت القِصَصُ الخياليّة أو الواقعيّةُ الموجّهة إلى الشّباب تصوّر هذا القلقَ البيئي، فإنها تتوفر أيضًا على طابع تعليميٍّ، لأنها تسعى إلى تثقيفِ قرائها. ولذلك فإنَّ بعضًا من النصوصِ تفضّل الخطابَ الذي يكون أحيانًا أخلاقيًا، على حساب الصّفات والمميّزات الأدبية، خاصة عندما تستهدفُ، من القرّاء، صغارَ السنّ.
    في سياق هذا المقال سنركّز على هذه القصص في بعدها التعليميِّ والأدبيّ وخاصة الجماليّ الذي نفهمُه باعتباره انعكاسًا للعلاقات المجرّدة التي تربط النصَّ والصّورة بالجمال، وباستقبال القارئ له. وسنركز على تواريخِ إصدار القصص المصوَّرة albums الحديث بما يكفي لتعكس لنا المشهد الحالي، وذلك استنادًا إلى عدد من القصص المصوّرة المنشورة بين سنتيْ 2005 و2009 والتي تستهدف جمهورًا شابًا.
    سنحاول الإجابةَ عن الأسئلة التالية: ما هو الخطابُ البيئي الذي يتمّ نقلُه من خلال هذه القصص الخياليّة؟ وأيُّ توتّرٍ في هذه الأعمال بين الدعوة التعليميّة والسّماتِ الأدبية؟ وما نوع القارئِ الذي تحاول بناءَه؟

    السرد البيئي: محاولة تعريف
    لا يسعى القصُّ، على خلاف التوثيق، إلى أنْ يكون موضوعيًّا. ولكنْ يمكن أنْ يقتربَ من الموضوعية عندما يريد أنْ يكون واقعيّا، وإنْ من خلال المعرفة العلميّةِ التي يشير إليها. ورغم ذلك، فإنَّ الخيالَ الذي يفضّلُ وجهة النظر، يشارك برؤية عن العالَم، هي رؤية المؤلِّف، ولكنها أيضًا تَمَثُّلُ المجتمع. وبالتالي، يمكن تعريفُ القصّة البيئيّة على أنها نوعٌ يعبّر عن قيودٍ شكليّة. وقد تمّ تقدير قيمتِه منذ زمن، سواءَ من خلال مضاعفة الجوائز الممنوحة لهذه الأعمالِ أو من خلالِ العودة إلى البحثِ في هذا المجال: دعونا نشير، على سبيل المثال، إلى الجائزةِ الأدبية للمواطنة، وجائزة سانت إكزوبيري (التي تثمّن القِيَمَ التي تمّ تطويرُها في الأدب) وإلى جائزةِ الشّباب في مهرجان الكتاب والصحافة الإيكولوجية.
    إنّ النوعَ كما يعرّفُه كانفات Canvat في كتابه التعليميّ هو عاملُ تأطيرٍ يُعرّف القارئَ بالنصِّ من خلال السّماح له بربطه بـ"عائلة". وهو الذي ينشئُ "ميثاقَ قراءةٍ". ونعني بـ"التأطير" النشاطَ السيميائيَّ الذي يتمثّل في استنتاج عددٍ من التوجيهات المعروضة على محيط النص، وأيضًا في النصِّ نفسِه انطلاقا من بناه الفوقية.
    من الممكن، إذنْ، تأكيدُ أنّ القصّةَ البيئيّة هي نوعٌ من القصص مثل القصة التاريخية، أو قصة المغامرة، أو قصة الخيال العلميِّ. ويمكن أنْ يقع الإعلانُ عن النّوع من خلال عناصرَ تحيطُ بالنصِّ، وهي عبارةٌ عن أدلة للوسيط الذي يشتري الكتابَ، ولكنها يمكن أنْ تتحكّم أيضًا في اختيار قارئٍ شابٍّ ومستقلّ، مثل العنوان الموضوعاتي: رحلة إلى شاطئ النفاياتVoyage à Poubelle-Plage ، أو الغلاف الخلفيّ الذي يقدّم ملخصًا صريحًا ("قصة مصوَّرة رائعة تلفت الانتباهَ إلى ظاهرة الاحتباس الحراريّ" ) أو أيضًا الجهاز التوثيقي، مثل "كراس السّلوك الجيد" للمواطن البيئي، في قصة " بطريق حرارته مرتفعة جدا"Manchot a rudement chaud .
    وبالمثل، فإنَّ للبنى الفوقية النصية ثواباتَ. الثابت الأوّل هو الموضوع: ويتمثل في الإشارة بشكْل صريح أو ضمنيٍّ إلى البيئة (تلوّثُ البحر والأرض، الاستهلاكُ المفرط الذي يضع الدول الفقيرة في مواجهة الدول الغنية، التمدّن المفرِط الذي يضع المدينة في مواجهة الريف، ذوبانُ الجليد البحري بسبب ثقب طبقة الأوزون، وندرةُ المياه بسبب الهدر، وإزالة الغابات، وأنواع الحيوانات المهدَّدة بالانقراض.. إلخ). وكأيِّ قصة، يقدم السّردُ عنصر تعديلٍmodificateur مرتبطًا بالموضوع كذوبان الجليد، أو ارتفاع درجة حرارة البطريق، أو تعطل السيّارة، أو تلوّث المدينة، أو ندرة الصّيد.. إلخ. إنَّ التعريفَ الذي نضعُه للقصة البيئية هو كما يلي: هي قصّةٌ تقدّم حدثًا بيئيا سببه التدخّل البشريُّ، ويقتضي الإصلاحَ أو، على الأقل، الإيقافَ.

    الخطاب البيئيُّ والأدب:
    لا مندوحة عن إثارةِ مسألة الشّكلِ وصلتها بالموضوع. إننا ننظر إلى النصِّ الأدبي وفقَ نظرياتِ التلقّي الأدبي ، أيْ إلى النصِّ باعتباره يقتضي تعاونَ القارئ. إنَّ السؤال الذي يُطرح عادةً حول الأدب، باعتباره عملا فنيًّا، هو سؤالُ عفوية الفعل الإبداعي. ودون الدخول في جدل الفنِّ من أجل الفنّ والأدبِ الملتزم، فإننا نتساءلُ عن علاقة النص الأدبيِّ بالموضوع الذي يتناوله. إنَّ الأدبَ الموجّهَ إلى الشباب، مع أخذ قرّائه بعين الاعتبار، يمكن أنْ يميل إلى الرغبة في تثقيفِ المتلقي الشّابِ. ولهذا السبب نميّز، على نحو ساخر إلى حدٍّ ما (ولكن من أجل توضيح وجهة نظرنا بشكل أفضل) بين فئتيْن رئيسيتيْن من الأعمال: الأعمالِ التي تفضّلُ الوظيفةَ التعليميّة من ناحية، والأعمالِ التي تحبّذ السّمةَ الأدبيّةَ من ناحية أخرى. في هذا السّياق نقترح دراسة بعض الأعمال، متدرّجِين من الأكثر تعليميّة إلى الأقل. "ساخنٌ البرّادُ" Chaud le frigo وهي قصّةٌ مصوَّرة تتضمّن فكاهة، وأدواتِ مطبخ (الفرن، البرّاد، الطاولة، إلخ) مجسَّمةً. دييغو Diego البرّاد يشعر بالندم: "نعم، إنّه لمن العار أنْ أمتلئ من فائض الطعام وثمّة أطفالٌ يموتون جوعا، أخجلُ من أنْ يُلقى بنصْف مَا في معدتي لأنّ صلاحيتَه انتهت. […] أليس الغاز الذي يسْري في عروقي سُمًّا؟ ألم تسمعْ في التلفاز؟ بسبب البرّادات ثُقبت طبقة الأوزون. أنا أذوّبُ الجليد! هناك فعلا ما أخجلُ منه!"
    إن الخطابَ لا غموض فيه، إنه صريحٌ وأخلاقيٌّ بعضَ الشّيء. ويعترفُ فنسنت كوفيلييه Vincent Cuvellier بهذا حيث يقول: "حسنًا، هيّا، إنه [يعني كتابه Chaud le frigo] ليس المفضّل لديّ. لأقول الحقيقة، إنّي أجد فيه خطأً كبيرًا: إنّه أخلاقي، وفي العادة، أنا أكره ذلكَ"... إنّ للأخلاق، التي يعترف كوفيلييه بنفسِه بوجودها في هذا العمل، الأسبقيةَ على القصّة، وتقدّمُ للقارئ موقفًا واحدًا ممكنًا: الالتزامُ بهذه الأخلاق، في حين أنَّ القراءةَ الأدبيّةَ يجب أنْ تمنحنا التفكيرَ والتساؤل.
    وفي كتابٍ آخر، هو " غابة الباندا" La forêt des pandas نجد أيضًا بُعْدًا تعليميًّا: تدور أحداثُ القصّة في قلْب آخر الغاباتِ التي ما تزال تؤوي حيواناتِ الباندا في الصّين الداخلية. إنّ الرسوم التوضيحية رائعةٌ جدًا والنصُّ يثريها. أمّا مدار القصة ففي أحد الأيام، يجد ماوماو Maomao ديْسما. وعَمَلًا بنصيحةِ أجداده (الأوصياء على التقاليد والمعرفة)، يعيد ذلك الصّغيرَ إلى عائلتِه. يخشَى ماوماو من ابن الصّياد منغ Meng، لكنَّ الأخيرَ سيأتي لمساعدته. ومعًا سيتعاونان لجعل العالَم مكانًا أفضلَ.
    لقد تمّ التمييز، من الناحية القيَميّة، بين الثنائي "الطيب" و"السّيئ"، اللذيْن يمثّلُهما ماوماو ومنغ. وإذا كانت القصّةُ مشبعةً أخلاقا، فإنها تقدّمُ أيضًا خطابًا علميًّا يتداوله رجالٌ يدرسون الغابة. إنها توفّر دعْما علميّا للأخلاق التي تجد في ذلكَ مبررًا: "إنّ الباندا حيوانٌ عظيمُ القيمة"، ويتابع الرجلُ قائلا: "لم يتبقَّ منه في العالَم كلِّه سوى ألف! لقد فقد بيئتَه ولم يعُد لديه طعامٌ." وهذا دون شكٍّ هو السببُ الذي دفع والدةَ هذا الباندا إلى الابتعادِ عن أرضها بحثًا عن حقول خيزران جديدةٍ . لقد أدرك منغ وماوماو، أهميّة أنْ يعملا معًا من أجل مستقبلٍ أفضلَ، متحمّليْن عواقبَ إزالتهما الغابات، ساعييْن إلى إصلاح ذلك: "لقد قرّرا أنه اعتبارًا من اليوم فصاعدًا، سيزرعان الخيزران عوضًا عن قطفه" . وحتى وإنْ كانت لهذا الكتابِ قيمةٌ أدبيّة، فإنّ الخطابَ الأخلاقي ظلَّ قائما. يتعلق الأمر بتبنّي سلوكٍ مستقبليٍّ مسؤول من خلال حماية الطبيعة وخاصّة برفض قطْف الخيزران.
    أما قصّتنا المصوّرة الثالثة، رحلة إلى شاطئ النفايات Voyage à Poubelle-Plage فإنها تبتعد قليلاً عن النصّ التعليميِّ، وتقدّم بعداً شعريًّا ورسوماً توضيحيّة عالية الجودة. إنَّ خطابها البيئي واضحٌ، ويحثّ على العمل والالتزام. وتساهم الرسومُ التوضيحيّة إلى حدٍّ كبير في الدفاع عن هذا الخطاب: يستخدم جونيه Jeunet أشياءَ تمَّ انتشالُها من شاطئ البحر. ويصل بالخطابِ إلى ضربٍ من الرّمزية:
    مَتَى تَنْتَهِي هَذِهِ المَذْبَحَةُ؟ […]
    نَحْنُ في حَاجَةٍ إلى سَوَاعِدَ فِي شَاطِئِ النِّفَايَاتِ
    وأن نضعَ القَلْبِ فِي العَمَلِ! […]
    S.O.S النجدة!
    دَعْ الصِّغَارَ والكِبَارَ يُشَارِكُون،
    لَيْسَ هناكَ عُمْرٌ مُحَدَّدٌ .
    من ملاحظةِ التلوّث المحزِنة تنطلقُ دعوةٌ للتضامن، ويتمُّ التعبيرُ عن خطر انقراضِ الجنس البشريّ. إنَّ المقصدَ واضحٌ، وهو وَقْفُ المجزرة والتّشمير عن السّواعد، من خلال تصوير الرسّام جونيه هيكلًا عظميًا بشريًا وهياكلَ أسماكٍ محاطةً بالقطران والبلاستيك وغيرها من القمامة التي غالبًا ما توجد على الشواطئ.
    أمّا بالنسبة إلى حكاية "صيْد جيّد" Bonne pêche فهي ذاتُ بِنْيَةٍ تتعاوَد : "يوم الاثنين، خرج يوسف الصيّادُ إلى البحر." تقدّم هذه البنية، المنسِّقة، نظامًا تكراريًا يسمح لنا باكتشاف ما يجلبه الصيّادُ: "عند عودته إلى الميناء، يجلبُ معه في شباكه عشرة أسماكٍ". ويستمرّ السّردُ على نفسِ المنوال: "يوم الثلاثاء، خرج يوسف الصيّادُ، إلى البحر"، وهكذا دواليك. وبعد مرور أسبوعيْن، يتناقصُ عدد الأسماك وتزداد الأشياءُ التي يتمّ جلبُها. ستكون الصفحة الأخيرةُ بمثابة العِبْرَة الأخلاقية للحكاية، في نبرة ساخرة، يقول: "يوم الجمعة الموالي، تركَ جوزيف، الصيّادُ، قاربَه على الرصيف... لأنه فتح متجرًا للخردة."
    يمكننا أنْ نتحدّث إذن عن حكايةٍ بيئية تُعزى فعاليتُها إلى الكتابة غير المكتملة التي تسمح للقارئ بملء فراغاتِ النصِّ، وتُعزى إلى بنيتها المتكرّرة ونهايتها الأخلاقيّة. ينشأ الهزلُ عن لعبة انخفاض عدد الأسماك وزيادةِ عدد الأشياء المرميّة التي يتمّ صيدُها، وأيضًا عن نوع تلكَ الأشياءِ: ثلاجةٌ، كرسي، دراجة نارية، مدفع، جيتار، لوحة لبيكاسو، أريكةٌ، مجسّم للكرة الأرضية، مضخّةُ بنزين، تلفاز، حصالة نقود، محمّصة، دراجة نارية، مذياع، ذراعُ فينوس دي ميلو، ساعة، خذروفٌ، قبّعة، نجفة، غسالة، طبل، قارورة، جرار، مجرفة... إنّ الرسالة ضمنيّةٌ. فالمصاحبُ النصي النّشري يُنشئ رابطًا بين الغلافيْن الأمامي والخلفي: صيْد جيّد/نتيجةٌ سيّئة (النص مكتوبٌ في الرسم التوضيحي). وبالتالي فإنّ الهزلَ يسمح للقارئ بمواصلةِ التفكير.
    في هاتين القصّتيْن الأخيرتيْن: "رحلة إلى شاطئ النفايات"، و"صيْد جيّد" كان الموضوعُ الذي تم تطويرُه ذريعةً للمطالبة. (يقول ديديو إنها مساهمتُه البيئيّة في شكْل حكاية ، وسيقول جونيه: " إنّ أصالتي هي طريقةٌ لقول لا، وهي طريقةٌ للمقاومة" ). وهذا الشكلُ من الالتزام، في ذاته، جديرٌ بالثناء الكبير، ولكنْ كما يؤكّد آلان سيريس، Alain Serres الكاتبُ والناشر الملتزم فـ"إنَّ التحدّي يتمثّل في عدم السّماح للخطاب بأنْ تكون له الأسبقيةُ على الأدبِ" . إن الخطابَ البيئيَّ المشبعَ بشكلٍ من الأشكال بالأخلاق يتمّ تطويرُه بشكل أكبر على حسابِ الخصائصِ والسّمات الأدبية حيث يتمّ اتخاذ القرار لصالح المقصد الأخلاقيِّ للنص، الأمر الذي يخنق أدبيّتَه.
    من بين الأعمال المقدّمة، أعمالٌ تعليميّة تنهض بدور أخلاقيّ بشكْل واضح، في حين تلعبُ أخرى لعبةً خفيّة مع القارئ. إن النصّ الذي لا لبْس فيه، لا يترك للقارئ سوى إمكانياتٍ محدودة للتأويل، وبالتالي فهو أقربُ إلى النصِّ الوثائقي. إنه ينتمي إلى الأدبِ التعليميِّ الذي يمكن العثور عليه في أدلة تعلّم القراءة. رغم ذلك، عندما يسمح النصُّ بالتعاون مع القارئ، وعندما تكون السّمة الأدبية حاضرةً، فإننا نعتقد أنَّ الخطاب البيئي سيتعزّز.
    وتجمع بعضُ الأعمال بين الجانبيْن التعليميِّ والأدبيِّ، دون أنْ يضرّ أحدُهما الآخرَ، مثلما هو الحالُ في "صيْد جيّد" و"غريق الدوّار" Le naufragé du rond-point . إنّ طريقة التساؤل في رأينا هي الغالبُة على موضوع التساؤل، وهذه الأعمالُ بحد ذاتها تقدّم تساؤلا وتقدم صيغًا مختلفة تعبّر عن ملاحظةِ التدهور البيئي: كالكاريكاتير (المبالغة الساخرة في المواقف)، والفكاهة والحزن والسّرد الخيالي الذي يقدم معسكريْن متعارضيْن (المدافعون عن الطبيعة والملوِّثون)، والاستعارةُ، وإضافةُ ملحق وثائقيٍّ، الخ. أشكالٌ وصيغ مختلفة تخلق تنوعًا وثراءً في الأعمال.

    القصّة البيئية والقارئ:
    إنّ سَرْدَ الشّباب موجّه إلى قارئ شابٍ إمّا بقرار من المؤلِّف أو الناشر، وذلك في سعْي إلى تثقيفه وتوعيته بالسرد البيئي، وبتجذير القيم المدنيّة. إنَّ بعضَ القصص المصوَّرة الأدبية تسائل، حقّا، كما ذكرنا سابقًا، قارئها، حيث لا يقدّم النصُّ نفسَه بسهولة بل يتطلّب تعاونًا نشطًا. إنّ القراءةَ الساذجة والمتماثلة ضروريةٌ في البداية لإفساح المجال لقراءة أخرى أكثر نقدية وعمقًا. ولتوضيح وجهة نظرنا، اخترنا ثلاث قصص مصوّرة تحافظ على علاقة ناجحة بين المجال الأدبيِّ والخطاب الإيكولوجي.
    إنّ قصة "غريق الدوّار" Le naufragé du rond-point ، على سبيل المثال، مهمّةٌ بالفعل من جهة معالجتها في محيط النصّpéritextuel (تمثّل إحدى صفحتيْ الغلاف شبكةَ طرق مزدحمة، وتمثّلُ الأخرى ريفًا دون سيارات). ويتناول الموضوعُ البيئي التلوّثَ بسبب السيّارات (زيادة حركة المرور، والتحضّر). تقدم القصةُ المعلوماتِ من خلال وجهة نظر الشّجرة. هي قصّة تعتمد السّارد كليَّ المعرفة حيث يتم تفويضُ وجهة النظر إلى شخصية لا تتكلم ولكنها تفكّر. ليس ثمة إدانةٌ صريحة أو إشارة حقيقيّة إلى البيئة، ولكنْ بشكل جيّد، وقبل كلِّ ذلك، على نحو شعريٍّ، تضبط نبْرة le ton العمل: سيارات كثيرة، وعدد من الأشجار محدود. لا يتعلق الأمر هنا بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون co2، بل بحركة المرور الكثيفة: "تقول [الشجرة] لنفسها إنَّ هذا العالَم بالتأكيد لم يعد فضاءً للأشجار، إلاّ إذا بقيت هناكَ مزروعة تتنفس العوادم، إنه مصنوعٌ للرجال الذين يطوفون حول الدوّارات المرورية" . تمنح الشّجرةُ حياتَها (التي لم تعد تستحق أنْ تعاش) إلى الرّجلِ، الأمرُ الذي يجعلُه يشعر بالارتياح. ومثْل أسلوبِ ديديو Dedieu، إلى حدّ ما، تجبر النهايةُ القارئَ على أنْ يسأل نفسَه، وتجبُره على التأويل. في الواقع، لا يشرح النصُّ العلاقاتِ السببيّةَ بين البلوط الذي تمّ التقاطُه (أو ما يُفترض أنه بلوط) ورحيلِ السيّد لابروس إلى الريف: "اغتنم [السيد لابروس] الفرصة للخروج. وأثناء مروره، ضربَ جذع الشّجرة فشعر بشيءٍ يتدحرج تحت قدمه. توقّفَ وجمعَه ووضعه في جيبه. ثم غادر. في المكتب، لم ير أحدٌ السّيدَ لابروس مرة أخرى. يبدو أنه يزرع الأشجار في مكان مَّا في الريف.
    تشرح موريل كيربا Muriel Kerba في كتابها "عالَم جديدٌ" أسباب تأليفه. بعد موجة الحرّ سنة 2003، في بانكوك، شعرتْ بالاختناق وصادف أنْ شاهدتْ تقريرًا عن بائعي الزهور الذين نُهبت أراضيهم. هي رسّامةٌ، ترسم الصور قبل أنْ تكتب النصَّ. ونصُّها يعمل بشكل متماثل من خلال لعبة التّعارض بين عالَميْن. فإذا كانت القصّةُ نفسُها يمكنها أيضًا أنْ تشير بسلوك (وهو ما يجعلها تخاطر بأن تكون تعليميّة)، فإنَّ معالجة الصّورة تساعد على إنشاء علاقة أخرى. في الواقع، تتكون المعالجة الرسومية من صور مجمَّعة وألوانٍ يمكن أنْ تعبّر عن معانٍ مختلفة، ويضاف إلى ذلك النصُّ الذي يقدم سردًا ذاتيًا autodiégétique ممّا يسمح بتحديدٍ أسهل. أقوالٌ متدرّجة، حاضرةٌ في الخطاب، في ثلاث لحظاتٍ مختلفة: "أريد أن أفعل شيئًا"، "يمكنني أنْ أفعلَ شيئًا" و"عليّ أنْ أفعل شيئًا" . عددٌ من الإدانات ترد ضمنيًا (تلوث المدينة، إنشاءاتٌ عقارية في فضاءات طبيعيّة خلابة..)، حتى وإنْ كذّبتْ المؤلِّفةُ ذلك، وتوضّحُ أنها أرادتْ ببساطة التعبير عن شعور دون نيّة تعليميّةٍ . رغم ذلك، فإنَّ التلقّي الأدبي لا ينسجم ضرورةً مع نيّة المؤلف، فالقارئُ يمكن أنْ يقرأ القصة على أنها دعوة للالتزام.
    ساندرين دوماس روي Sandrine Dumas Roy ، صحافية، تنجز أفلاماً وثائقية حول حماية البيئة. بعد قراءة مقالٍ علميٍّ عن انتفاخ بطون البقر، كتبتْ: في"ساخنٌ الكوكبُ" Chaude la planète "أردت أنْ أرويَ قصة تُضحكُ حول موضوع غير مضحك ". هنا، تكمن القيمة الجمالية قبْل كلِّ شيء في المعالجة الرسومية. تدور أحداثُ القصة في القطب الشمالي، حيث تكون لذوبان الجليد عواقبُ: الذئب عالِقٌ في جزيرة، والوعل معرّضٌ للغرق، والدبُّ القطبي أبيض للغاية، إلخ. تجتمع الحيواناتُ معًا لتقرر مستقبلها: "لفهم ما يحدثُ للغلاف الجويّ، تنظّمُ الحيوانات مؤتمرًا ". إنَّ جمالية رسوم هوسايس Houssais، الذي يتلاعب بالتخطيط، وتركيبات الألوان، والنصَّ ذي النغمة الفكاهية.. كلّ ذلك يضفي بُعْدًا شعريًّا: "ذهب الجميعُ وهم يصرخون: البعض يهدر، والبعض يثرثر، ويصيح، ومنهم من يضحك، ومنهم من يقرقر ." إنّ الترابط بين هذه الأفعال يولّد إيقاعًا. والجناسات، والسجع، واللعب الصوتي، كلُّ ذلك يخلق تناغمًا مقلدًا يعزّزه الرسمُ التوضيحي: بهذا يتمّ الإعلانُ عن التنافر.
    تبحث الدلافين عن معلوماتٍ حول أسباب هذا التغيّر المناخيِّ: "ارتفاع درجة حرارة الكوكب، إنها حقيقةٌ، ومن هو السبب؟ الأبقار!" . تمامًا كما في قصة "رحلة إلى شاطئ النفايات" Voyage à Poubelle-Plage، فقد ذُكِرَ اختفاءُ الأنواع الحيوانية، وبالتالي اختفاء البشر: "الحيوانات منزعجة. إذا لم تتوقف [الأبقار] عن الرعي، فيمكننا أنْ نتوقع اختفاءَها" . ويُقترح حلٌّ بعيد المنال يتمثل في إنشاء مصنع على جليد عائمٍ لاستعادة الغازات المنبعثة من الأبقار وصنع ثلج يشبه برّادا ضخما. وتعرضُ النهاية أيضًا تساؤلًا، لأنه بعد العثور على حلٍّ، تنشأ مشكلةٌ أخرى: "[...] الجليد العائمُ ذاب بالكامل تقريبًا. لا يهم، اليوم يومُ احتفال.. أمّا بالنسبة إلى السيول فسنجد حلاً آخر !" .
    ثمّة انحيازٌ إلى الجماليِّ في كلٍّ من الرسوم التوضيحية والنصِّ. يتداخل الأيقونيُّ مع اللّفظي من خلال لعبة خفيّةٍ لكسر الحواجز. وحتى وإنْ كان الخطابُ صريحا، فإنه يترك فرصةً لتأملات القارئ الذي يتساءل عن النهاية المفتوحة: الفيضانات وأسبابها.

    القيم الأخلاقية (الإيتيقيّة) للبيئة :
    تنقل القصّة البيئية القيمَ الأخلاقية والمدنيّة. وتُبرز السّلوك الذي يجب اتباعه، وتعزز القواعدَ والمعايير التي يجب احترامُها. إنّ خصوصية الخطاب البيئي هو أنه عالميٌّ. فهو لا يقتصر على مكانٍ أو شعب، بل يتعلّق بالبشرية جمعاء. ومع ذلك، أليس هو تعبيرُ المجتمعاتِ الصناعية التي تتظاهر الآن بأنها تدافع عن الكوكبِ وتحاولُ، على سبيل المثال، فرضَ معايير الإنتاج على البلدان النامية؟ وهكذا سنجد خطابًا أخلاقيًا، بل وحتى وعظًا، ولكن أيضًا شكلاً من أشكال الأخلاق يسمحُ لنا بتطوير تفكيرٍ حول مبرراتِ هذه السلوكيات الاجتماعية، ولا يقتصر على فرضِ الإجابات بقدر ما يثير الأسئلةَ.
    بالنظر إلى نظام القِيَمِ المطبّق، فإن لبعض السلوكيات دلالةً سلبية: الاستهلاك المفرِط في البلدان الصناعية (ساخنةٌ الثلاجة: Chaud le frigo)، عدم احترام البيئة (رحلة إلى شاطئ قمامة: Voyage à Poubelle Plage)، عدم احترام البيئة النباتية والبيئة الحيوية (غابة البندا: La forêt des pandas) الإفراط في التمدّن (عالم آخر: Un autre monde ، غريق الدَوّار Le naufragé du rond-point ). في كلِّ هذه الأمثلة يتحقق الانقسامُ بين الخيْر والشر. وتشجّعُ القيمُ التي تمّ إبرازها القارئَ على تطوير السّلوك المسؤول. هذا الحافز، سواء أكان صريحًا أو غير صريح، يحثّ الأطفالَ على احترام بيئتهم المباشرة، وذلك بفرزِ النفايات، والاستهلاكِ المسؤول، وعدمِ اعتبار كلِّ شيء مباحًا، وباحترامِ البيئة التي تعيش فيها الحيواناتُ والأنواع النباتية، وفهمِ الرابط الذي يوحّد جميعَ سكان الأرض، من الجليد العائم إلى أستراليا، من خلال التساؤل عن المستقبل القريب، ومحاولة ابتكار الحلول، والتوقّفِ عن رمْي الأشياء على الأرضِ أو في البحر، وبالحدِّ من استعمال السيّارات، وما إلى ذلك.
    في هذه القصص، من الممكن أنْ نجد إدانةً على أساس القيم الأخلاقية، وسلوكياتٍ يجب حظرُها، وحثًّا على اتخاذ إجراءاتٍ ملموسة.
    أمّا فيما يتعلق بتلك النصوص التي يمكن وصفها بالتعليميّة، فإنّ القراءةَ الساذجة تفرضُ نفسها. النصُّ لا يحتاج إلى تفكيرٍ حتى لو سمح ببناء شخصٍ مواطنٍ.

    بناءُ قارئ نموذجي داخل السّرد البيئي:
    وفي نهاية المطاف، يظهر قارئٌ نموذجيٌّ من مجموعة القصص البيئية المخصّصة للشباب.
    بعض المؤلِّفين يتوجّه بالخطابِ إلى قارئٍ يتمتّع بقدرات تأويليّة ولا يبدو أنه يحتاجُ إلى أيِّ تفسيرات أخرى غير استقبالِه الخاصّ. إنَّ هؤلاء المؤلِّفين يثقون بقارئهم. وبعضُهم يخاطبه مباشرة، مع الأخذ في الاعتبار صراحة الراوي. إضافة إلى ذلك، فإنّ ما لا يُقال le non-dit، سمةَ النصِّ الأدبي، يسمحُ، من بين أمور أخرى، ببناء الذات المفكّرة. لأننا، كما تقول عالِمة النفس جينيفيف جيناتي Geneviève Djenati نطرح على أنفسنا أسئلةً، ولأننا نواجه عدّة فرضياتٍ، ولأننا لا نُمنح كلّ شيء لنراه أو نعرفه، ولأننا لا نرغب سوى في أنْ نعرفَ" .
    ونجد أنه من المهم، في السياقِ التربوي، تنمية السّلوك المدنيّ (الإرشاديّ) أثناء التسلية (سرد القصص)، ولكن من الضروري أيضًا بناءُ ذاتٍ نقدية. إنّ الفرقَ جوهريٌّ بين الأعمال التي تحترمُ قارئها من خلال منحه الوقت المناسبِ لمتعة الفهم.. وتلك التي، على العكس من ذلك، توحي، في شكل نصيحة أو أمر صريح، بالتزام مدنيٍّ. يبدو أنَّ هذه الطريقة في القيام بذلك قد تمَّ إبرازُها في القصّة البيئية التي تُعدّ قصّة تحذيرٍ من مستقبل غامض. وهذا النوعُ من الكتابة موجّهٌ إلى جيل المستقبل، وهو الجيلُ المتأثر أكثر بهذه الاضطراباتِ البيئيّةِ. ولا يسعنا إلاَّ أنْ نعتقد أنه من خلال الرغبة في غرس الوعْي بحالة طارئٍ بيئي، يتم إخفاءُ نوايا لا تستحق الثناءَ مدعومةً بضروراتٍ تجارية.
    إنَّ الحاجةَ الملحّةَ إلى أخذ الوضع المناخيِّ العالمي بعين الاعتبار، وغيابَ القرارات التوافقيّة، والتحولاتِ التي ينبغي أنْ تكون أكثر جذرية، هي معطياتٌ حقيقيةٌ تتطلّب وعيا بيئيًّا حقيقيا. وهذا لا يمكن أنْ يحدث إلاّ من خلال تغيير عاداتِ نمط الحياة، ومن خلال طفرة ثقافية. وإذا كانت الأعمالُ التوثيقيّة حول هذا الموضوع قد ازدهرت لبعض الوقت، فإن القصّة المرتبطة به، أقلُّ شيوعًا. ومع ذلك، فإننا نعلم على وجه الخصوص، بفضل عمل جيروم برونر Jérôme Bruner ، أنَّ القصّة هي أيضًا طريقةٌ في التفكير: فـ"من خلال قصصنا بشكل أساسي نبني تصوّرًا لما نحن عليه في الكون، ومن خلال القصص تزود الثقافةُ أفرادها بنماذج للهوية والفعل" . يبدو واضحًا أنَّ القرّاء الشّبابَ، الجيلَ الذي في طور التكوين، والذين يوجّه إليهم هذا الخطابُ هم المعنيون أساسًا، وهناك بالفعل رغبة في نقله. لقد ثبت أنَّ التغييرَ صعبُ التنفيذ، لذلك وجب القيام به بسرعةٍ وكفاءةٍ، وربما هذا ما يفسر الطبيعة الصّريحة والزجريّة لتلك الأعمال، التي هي بمثابةِ صرخة إنذار. عليك أنْ تتصرف بسرعة للأسباب التالية:
    إِذَا أَصْبَحَتْ الأَرْضُ قَفَصًا
    أَوْ ذِكْرَى أَوْ سَرَابًا...
    فمَا القيمةُ؟
    إِذَنْ أَنْتُمْ، الأَطْفَالَ مِنْ جَمِيعِ الأَعْمَارِ،
    هَلْ تَفْهَمُونَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ؟
    هَلْ أَنْتُمْ مُسْتَعِدُّونَ لِإِنْقَاذِ
    شَاطِئِ القُمَامَةِ؟
    مَنْ يُشَارِكْ؟
    يوجد أدبٌ للشباب يمكنه المشاركةُ في التكوينِ البيئي للطفل وفي نفس الوقتِ في بناءِ ذاتٍ ثقافية مفكّرة تتأثر وتطرح الأسئلة. ومن المؤكد أنَّ كتبَ الأطفال غالبًا ما تكون موزّعة من حيث وظيفتها، بين رغبتها في التثقيف، وأدبيتها، كما يقول برتراند فيرير Bertrand Ferrier .
    إنَّ الأعمال التي وصفناها للتوّ تشبه إلى حدٍّ ما الدفاع الذي، مع التمييز بين الخيال والواقع، يفصل أيضًا بين الخيْر والشر. فإذا نقدنا هذه الأخيرة بسبب خطابها الأحاديّ، فإنّ هناك قصصًا تعرضُ تعدّدا في المعاني يُسهم في ثرائها. أليس للقصص المصورة القدرةُ على تغيير تصوّر القارئ لنفسه، ممّا يسمح له بالدهشة والحركة، بأكثر نضجًا وحكمةً واستعدادا لمواجهة التّحديات الأخرى التي تنتظرُه؟

معارض الدار

الدكتور نوفل ابو رغيف في جناح دار الشؤون الثقافية العامة

460187346 1780251839173880 3425205006717453812 n460405496 1780251849173879 3763960899314194921 n

460175640 1780173432515054 691340742146885280 n


زار السيد وكيل وزارة الثقافة والسياحة والاثار لشؤون الكتاب والنشر الدكتور نوفل ابو رغيف جناح دار الشؤون الثقافية العامة لوزارة الثقافة والسياحة والاثار في معرض بغداد الدولي للكتاب واطلع السيد الوكيل على جميع إصدارات الدار وأبدى اعجابه على حسن التنظيم والإدارة وعدد العناوين الكبيرة المعروضة والرصينة من الكتب والمجلات الثقافية تمنيا للجميع والقائمين عليها دوام النجاح والابداع والعطاء

في ضيافة دار الشؤون الثقافية
  • المعرض الدائم في بابل / كلية الفنون الجميلة في بابل
  • المعرض الدائم في واسط / جامعة واسط
  • المعرض الدائم في كربلاء / البيت الثقافي في كربلاء
  • المعرض الدائم في البصرة / البيت الثقافي في البصرة
  • المعرض الدائم في تكريت / جامعة تكريت
  • المعرض الدائم في الفلوجة / البيت الثقافي في الفلوجة
  • المعرض الدار الدائم في الديوانية
  • المعرض الدار الدائم في ذي قار

 

social media 1    social media    youtube    pngtree white linkedin icon png png image 3562068

logo white