العراق ...الحبيب الغالي , وطننا الذي مهما حدث وحصل , فهو الحضن الدافيء الآمن الذي يؤينا ويضمنا , وبغداد , مدينتنا العظيمة فاتنة الجمال , التي علّمتنا ألف باء الحياة والحب وسحر الانتماء , وظلّت رمزا ً عميقا ً لثقافتنا , وبؤرة مشعة ومثابة لنا , نحن الصاعدين إليها من قرانا توّاقين للسعي في حقولها الغنّاء , وطامحين دائما للسباحة في ضوئها , الذي ضمنا بنسيجه , عارفا ً نبض هواجسنا , حتى صرنا جزءا ً منها , مدينة ً وحلما ً وعطاء ً . لم تكن بغداد يوما ً إلا بستان معرفة وجمال , ولم تفتر , ولم تهدأ حومة ثقافتها حتى في أدق , وأخطر فواصل الخراب , ويا ما حلّت عليها مصائب , فأحرقت ودمّرت , وعانت ويلات ٍ ليس أبشعها تحوّل نهرها الخالد "دجلة" إلى مزيج من حبر ٍ ودم ٍ صنعتها وحشية التتر , وجنون هولاكم , وليست أقلّها بؤسا ً وبشاعة ً التداول السرّي للكتب المنقولة استنساخاً , في أغرب تعاط ٍ للثقافة في تأريخ ثقافات العالم . مع كل ذلك , ظلّت بغداد معافاة بثقافتها , وظلّ مثقفوها مواكبين لمسار العالم المتحوّل سريعا ً , وبطرق مبتكرة ٍ , وتضحية لم تشهد مثيلا ً قدّم فيها المثقف تواصله الثقافي على عيشه و خبز عائلته المهدد دائما . ظلّ الإبداع متميزا ً , متقدّما ً , وأفلت نجوم , وولدت نجوم ٌ أخرى , وانطفأت أجيال ٌ وجاءت أجيال ٌ بديلة , وغادر مبدعون ومثقفون هم من أعلام البلاد , لكن هاجسهم ظل عراقيا , فتواصلوا مع أبنائهم وتلاميذهم وإخوتهم , فتواصل نسغ الإبداع , عطاء ً , متنوّعا ً , عصيّا على كلّ خراب ٍ قد يحاول أعداء الجمال والإنسانيّة أن يبثّوه . إنها بغداد , أيها الأحبة , بغداد بكلّ ثقلها , التي لن يملكها أحد , ولن تستبيحها جهة , ولن تسلّم قيادها لفئة دون أخرى , هي مرتع ألف ليلة وليلة , وأسفار كبار الشعراء والعلماء والفنانين والقصاصين والسياسيين , كتبوا عنها , وزرعوا فيها بذورا ً أنتجت حقولا ً مثمرة ً , لذلك لن تكون حكرا ً لا على نظام سياسيّ , ولا على جهة مالكة , ولا شخص متنفّذ . قالوا بغداد سقطت في نيسان 2003 , وقلنا لن تسقط بغداد مهما تغيّر فيها من أنظمة حكم وقيادات , فهي ليست مؤسسة , ولا دائرة حكومية , ولا كيانا ً مملوكا ً , إنها رؤية وفكرة وتاريخ مشرق , وتواصل حضارات وتجدد ثقافي , وروح أكثر منها مكانا ً . عليه , لا يمكن أن نتّخذ من مدينةمثل بغداد موقفا ً سلبيّا ً , فهي فوق كلّ هذه الاعتبارات , ولنحتفل بها جميعنا , بوصفها عاصمة للثقافة العربيّة باستحقاق وجدارة , والذي لا يريد الاحتفال الجماعي الرسمي بفعالياتها , ليأت , ويجلس وحده على شاطيء دجلة , يخاطب الأمواج لتروي له تاريخا وحكايات ٍ جديدة ً , صيغت من دم وصبر وأحلام , وليحضن منبع ساعة القشلة , أو لجلس في مقهى حسن عجمي , المعتمة الآن بعد أن غاب جلاّسها , أو ليجلس في مقهى أم كلثوم , ويسمع أغنية " بغداد يا قلعة الأسود ِ ....يا كعبة المجد والخلود " نعم , هي أغنية عذبة صدحت باسم ألق بغداد وليست أنشودة حماس .... ليأت الجميع , ويتجول في شارع المتنبي , أو شارع أبي نوّاس , فلا سلطة عليه وهو يحلم , ولا مصدّ عليه , وهو يلقي قصائده أو أفكاره على جمهور , متمرد , يختاره هو ليتواصل معهم حوارا وتمردا , ولكن في بغداد . لنبارك مدينتنا الغالية الخالدة الرائعة بغداد , وهي تزفّ بجدارة , عاصمة للثقافة العربيّة , أما من يقاطع الحدث , مع كل تقديرنا لموقفه ورأيه إلا أنه لم يتعامل مع حكومة أو سلطة , بل هي فكرة ورؤية وتاريخ وحلم وأمل , لم يجرؤ أحد على تدنيسه مهما فعل , لأن بغداد منذ تأسيسها حتى الساعة , ظلّت بهية , مهما حدث على سطحها , فعمقها أبهى وأجل وأنزه من أن تطاله يد أحد . بغداد التي دخلها الغزاة في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات , هي الآن بكامل أناقتها وزينتها , عاصمة مبهرة للثقافة العربية .بغداد عاصمة الثقافة العربية ...باستحقاق وجدارة